بناء إسرائيل لعلاقاتها الأفريقية: غينيا نموذجاً

بناء إسرائيل لعلاقاتها الأفريقية: غينيا نموذجاً
Spread the love

خاص “مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط” — بقلم: السفير بلال المصري* —

مقدمة :
عملت في دول مختلفة بالقارة الأفريقية لحوالي عشرين عاماً في غينيا – كوناكري وزائيرZaire ( الكونجو الديموقراطية حالياً) والنيجر ومالاوي والسودان وأنجولا وساوتومي وبرنسيب , وقد أتاح لي العمل بهذه الدول أيضاً متابعة حثيثة وعن كثب للعلاقات البينية لهذه الدول مع جيرانها خاصة أكثرهم نفوذاً علي السياسة الخارجية للدولة التي أعمل فيها , فمثلاً في حالة الكونجو الديموقراطية (زائير سابقاً) التي تعد أحد أهم دعائم ومرتكزات السياسة الأمريكية في أفريقيا في الفترة من 1962 حتي 1996 لا يمكن لأي دبلوماسي متابع لتطورات السياسات الداخلية والخارجية للكونجو الديموقراطية أن يغفل عن التطورات السياسية في بوروندي ورواندا ففي الفترة التي بدأت فيها العمل في كينشاسا أي في أغسطس 1987 كان نظام الرئيس Mobutu في عنفوان قوته وكانت مناجم النحاس والكوبالت في مقاطعة Katanga وعاصمتها Lubumbashi وبها مقار أكبر الشركات الكونجولية وأهمها Gécamines والدولية العاملة في قطاع التعدين هي الهدف النهائي ونقطة إرتكاز Fulcrum العمل الدبلوماسي للسفارات الأجنبية في Kinshasa , وكان من فرط قوة نظام الرئيس Mobutu أن أسس ما يُسمي بالموبوتية أو Mobutism والتي تُرجمت في هيمنة زائيرية علي كل من بوروندي ورواندا اللتين جمعهما بزائير التجمع االإقتصادي لدول البحيرات العظمي (الذي بعد إنهيار نظام Mobutu عام 1996 توسع نطاقه الجيوبوليتيكي بعقد الممؤتمر الدولي للبحيرات العظمي برعاية الأمم المتحدة بدفع من الإتحاد الأوروبي) , وبالتالي كان للعسكرية الزائيرية آنئذ تكليف رئيسي بالعمل علي مدي يتجاوز الإقليم الزائيري وينفذ إلي بوروندي ورواندا (والثلاث دول كانوا مستعمرات بلجيكية سابقة) والتأثير في الحرب الأهلية الأنجولية بدعم حركة التحرير التام لأنجولا União Nacional para a Independência Total de Angola منذ بدايتها في نوفمبر 1975 وحتي إلي ما قبل سنوات قليلة من سقوط نظام الرئيس Mobutu عام 1996الذي حاول في سياق تجاوز دوره الإقليمي المؤثر في وسط أفريقيا بالإضطلاع بدورأفريقي رائد فتبني وطور الدعوة التي أطلقها العالم السنغالي Cheikh Anta Diop عن ما يُسمي بالزنجاوية أو La Nigritude كأساس للشخصية والتكوين النفسي الأفريقي , وكان لإسرائيل إهتمام دائم بتعزيز العلاقات مع زائير أو الكونجو الديموقراطية في ذروة قوة الدور الإقليمي لهذا البلد الأفريقي الضخم مساحة وبموارده الطبيعية فتواجدت إسرائيل في هذه الآونة بسفارة مُقيمة وبعثة عسكرية تتمثل في الحرس الرئاسي للرئيس Mobutu وكان يقوم علي تدريبه مستشارين أمنيين إسرائيليين , وهو مجال تخصصت فيه إسرائيل وكررته مع رؤساء دول أفريقية أخري كما كان بزائير بعض اليهود يعملون بالتجارة .
كان وما يزال لدي قادة الفكرة الصهيونية حس جيوستراتيجي يعي الأهمية القصوي للمكان في تحقيق فكرتهم فلم يكن كافياً أن تسكن الفكرة الصهيونية داخل عقول مُعتنقيها , فالفكرة كالإنسان لها أن تستقر في مكان كي تنمو وتزدهر , ومن هنا كانت ضرورة أن تستقر الفكرة الصهيونية فيما أسموه ” الوطن القومي ” لليهود وبعد أن إستقرت الفكرة الصهيونية في فلسطين قال David Ben Gurion في مقدمة الكتاب السنوي للحكومة الإسرائيلية عام 1952 ما نصه ” إن جغرافية إسرائيل حيث مُلتقي قارات ثلاث أضفت علي البلاد أهمية قصوي , ولكنها لم تضف شيئاً من ناحية الأمن إلي قدرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها … ولم تكن حدود إسرائيل في الماضي البعيد مرسومة أو محدودة , حتي وهي في ذروة توسعها ونموها , فلم تكن تلك الحدود بالذات تُشكل صيانة للبقاء والوجود , ولا يختلف وضع إسرائيل – التي بُعثت من جديد – عما كان عليه في الماضي البعيد أو يفضله , لقد أُعيد إنشاء دولة إسرائيل في القسم الغربي من إسرائيل التاريخية , بينما خطورة مشكلة الأمن الراهنة ليست مسألة إختلاف حول الحدود , بل هي نابعة من تغييرات بعيدة المدي حدثت بالقرب من أرض إسرائيل حوالي خمسمائة سنة بعد باركوخيا (أي منذ ظهور الإسلام والفتوحات الإسلامية) ومن الزلزلة الروحية التي غيرت وجه الشرق الأوسط وآسيا الوسطي وشمال أفريقيا ” , كذلك فقد أشار و Ben Gurion في كتابه أسياد الصحراء Masters of the Desert إلي ما نصه ” إذا – لا سمح الله – دُعيت مرة أخري لرئاسة الوزراء , ويظهر أن هناك خطراً من هذا النوع فإني سأحضر المياه من الأردن والعوجا والشباب من المدن إلي النقب , يجب تطوير ميناء إيلات لأنه أهم للدولة من حيفا , فحيفا تربطنا بأوروبا , وأما إيلات فإنها تربطنا بأفريقيا وآسيا ودول هاتين القارتين يمكن التصدير إليهما والتعامل معهما , وربما إستطعنا أن نفتح طريقنا بالجيش والقوة , ولكن الأهم هو وجود مُستعمرات علي طول الخط من بتر السبع إلي إيلات , إن سلامة الدولة تتلخص في عبارة واحدة هي : كل شيئ يجب أن يكون نحو الجنوب ” * ( تهاني هلسة . دافيد بن جوريون . دراسات فلسطينية رقم 44 . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث – بيروت نوفمبر 1968 . صفحة 158) , وعليه ففي تقديري أن الجغرافيا عنصر شديد الأهمية في تميز تطبيقات نظرية الأمن الإسرائيلي بالمرونة التي تؤمن تحقيق أقصي وصول ممكن مما يضيف قوة إلي إمكانات الدولة الإسرائيلية التي أستزرعتها بريطانيا إستزراعاً في فلسطين بموجب وعد Balfour الصادر في 2 نوفمبر 1917 القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي تحملت قسراً أكاذيب طلسمية وتواريخ مغلوطة مُنتزعة من صفحات تاريخ الشرق الأوسط إنتزاعاً ورددها قادة الحركة الصهيونية ليؤسسوا عليها حقاً غامضاً في فلسطين التي بعد أن أستوطنوها لم يجدوا فيها من الموارد ما يكفي تطلعاتهم لبناء بنية صناعية وزراعية تكفل لدولتهم الإستقرار والنمو الذي تحقق إلي حد ما بإبتلاع أجزاء من أراضي ثلاث دول عربية محيطة بالكيان الإسرائيلي وهو كيان عسكري متحيز دائما للحرب تحت دعاوي الدفاع عن النفس , لكنه إستطاع تحقيق نسبي للأمن في الدائرة الأولي للأمن القومي الإسرائيلي وهي دائرة دول المواجهة العربية بسبب تولي قادة غير مؤهلين علي أي مقياس مقاليد أمورها , وكان علي إسرائيل أن توجه أنظارها لبناء علاقات متينة قدر الإمكان مع دول القارة الأفريقية التي أعتقد أنها الدائرة الثانية علي سلم أولويات الدولة الإسرائيلية من أجل تحقيق مُكتمل نسبياً لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي الذي أعتقد أنه لا ينصرف في معناه علي الجانب العسكري فقط بل أيضاً علي الجوانب السياسية والدبلوماسية والإقتصادية والإعلامية كما أن مداه يصل إلي ما يتصل بالمصالح الإقتصادية لإسرائيل وقد عبر Ariel Sharon عن ذلك عندما صرح بقوله أن الأمن القومي الإسرائيلي يصل مداه إلي باكستان شرقاً , ومن هنا كانت ضرورة الحركة الدبلوماسية الإسرائيلية بإتجاه أفريقيا وهي حركة إتسمت بالإصرارفهي حركة مُدمجة في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وليست فقط كما هو جار في سلوك معظم الدول العربية في رؤيتها لعلاقاتها الأفريقية بإعتبارها مجرد ممارسة للسيادة و/أو تأمين تأييد سياسي من هذه الدولة أو تلك لقضية ما تعني بها هذه الدولة العربية أوتلك في وقت ما .
العلاقات الأفريقية لإسرائيل :
يمكنك أن تُقسم مراحل تطور العلاقات الأفريقية لإسرائيل بناء علي معايير مختلفة , لكن يظل التقسيم الزمني المُقترن بالمواجهات العسكرية يظل تقسيماً مُشتركاً جامعاً ومفهوماً إلي حد كبير , وكما أشرت فإن إفريقيا كانت مجالاً لإهتمام مؤسسي الفكرة الصهيونية حين عُرض عليهم في البداية توطين اليهود في أوغندا , كما فكرت بريطانيا بعد أن سيطرت علي أرتريا عام 1941 تحويل الهجرة اليهودية إليها بدلاً من فلسطين نظراً للظروف المناخية المواتية ووفرة الأراضي غير المُستغلة بإرتريا لكنها تراجعت لخشيتها من تصادم المهاجرين اليهود مع المستوطنيين الأجانب الآخرين الذين كانوا يسيطرون بالفعل علي الزراعة والتجارة في أرتريا كما أن هيلاسيلاسي رفض الفكرة لتعارضها مع طموحه بالضم الدائم لأرتريا , بل وعندما كنت سفيراً في أنجولاً نشرت بعض المصادر الإعلامية بمناسبة زيارة الرئيس الأنجولي لإسرائيل في 5يوليو 2005 (حاولت مراراً أن أقنع القاهرة بأهمية قيام الرئيس الأنجولي بزياة رسمية لمصر ولم أتلق رداً) أن أنجولاً كانت مُقترحة لتكون موطناً لليهود وهو حديث غير مُسند تاريخياً إلا أن ذلك كان من قبيل الترويج الإعلامي الإسرائيلي لا أكثر فلإسرائيل علاقة تطورت مع أنجولا بعد نهاية الحرب الأهلية الأنجولية في أبريل 2002 ( بالرغم من ‘سرائيل كانت مع جنوب أفريقيا ودول إقليمية أخري تدعم حركة تحرير كل أنجولا UNITA إلا أنها بعد بصمود حزبMPLA الحاكم مدعوماً من السوفييت وكوبا غيرت بوصلتها) , وفي الواقع ولبيان أهمية ميناء Eilat ومن ثم البحر الأحمر كمؤشر للإتجاه الرئيسي لإسرائيل في بناء علاقاتها الأفريقية أشير إلي أن إثيوبيا الواقعة علي البحر الأحمر عندما كانت أرتريا مُلحقة بها كانت تمثل نقطة الإرتكاز الأولي أو لنقل الدعامة الأولي لهذا البناء وظلت كذلك في المرحلتين الأولي والثانية اللتين وضعت فيهما إسرائيل أسس متنوعة لبناء علاقاتها الأفريقية , وفيما يلي مراحل تطور العلاقات الأفريقية لإسرائيل :
المرحلة الأولي منذ 1949 حتي ما قبل العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 :
بدأت إسرائيل في تطبيق إستراتيجية الوصول لأفريقيا بداية لوجيستيكية عندما أقامت محلية (ميناء فيما بعد) Eilat أو Elath جنوبي صحراء النقب علي خليج العقبة عام 1951 والتي كان عدد سكانها وفقاً للتعداد الرسمي الإسرائيلي في 31 ديسمبر 1971 يبلغ 15,900 نسمة * ( IRAEL POCKET LIBRARY . Geography . KETER BOOKS .1973 .Page 197 ) وهو المنفذ الوحيد لإسرائيل علي البحر الأحمر الذي كان – ومازال – بمثابة المنصة التي إنطلقت منها في ستينات القرن الماضي شركة Zim (ZIM Integrated Shipping Services ) للوصول لموانئ شرقي أفريقيا , ولإن بناء إسرائيل أُقيم علي الأساس العقيدي فهي لذلك لا تنتمي لا للعالم العربي ولا الإسلامي ولا هي كذلك مرتبطة بالقارة الأوروبية إرتباطاً جغرافياً فكان لابد لها وهي محاصرة بفكرتها عن نفسها كدولة يهودية عبرية ومحاصرة بالمحيط المُلاصق لها والمختلف عنها أن تقفز قفزاً فوق هذين النطاقين من الحصار , وقد حقق ميناء إيلات لها هذه القفزة التي مع العمل الديبلوماسي والمخابراتي المُنضبط مما حقق لإسرائيل منفذا لأفريقيا أتاح لها في فترة الستينات من القرن الماضي بدء علاقاتها بأفريقيا وفي شرقها تحديداً, وقد ساعدها في ذلك كونها حليف مُقدس لدي الولايات المتحدة وتبني فرنسا للتحركات الإسرائيلية في القارة آنئذ (في نهاية الخمسينات أمدت فرنسا إسرائيل بكمية من الكعكة الصفراء Yallow Cack مُستخلص اليورانيوم من مناجم النيجر التي تقوم فرنسا علي إستغلالها ) .
تأثرت الدائرة الأفريقية لعلاقات إسرائيل الخارجية بالحصار بمعناه الحرفي أي الحصار الجغرافي الجزئي الذي فرضته مصر والذي كان ميدانه قناة السويس وخليج العقبة علي التوالي , ولهذا فقد أدت المرحلة الأولي من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي في أعقاب نهاية حرب 1948 إلي عرقلة نسبية لعمل تروس السياسة الخارجية لإسرائيل في الدائرتين الآسيوية والأفريقية بوجه خاص علي الأقل من الوجهة اللوجيستيكية التي لا شك في أن إفتقادها يؤثر نسبياً علي حرية الحركتين السياسية والإقتصادية وبالتالي تحقيق علاقات إسرائيلية متكاملة داخل هاتين الدائرتين وكانت تلك بمثابة أزمة حياة بالنسبة للدولة الناشئة علي أنقاض فلسطين وكان لذلك تداعيات سلبية متنوعة ليس أقلها إنتظام بل وإضطراد إعتمادية الإقتصاد والسياسة الإسرائيلية لوقت غير معلوم علي الدعم الغربي , ولهذا نجد إسرائيل وحلفاؤها يتحركون مبكراً للعناية بتشغيل آلة الدولة اليهودية وفك حصارها الذي فرضته مصر مبكراً عليه بمنع سفنها من المرور في قناة السويس وتفتيش السفن الأخري الداخلة لمياه خليج العقبة بعد تجاوز نقطة التفتيش المصرية في مضيق تيران الذي سيطرت عليه مصر وعياً منها بمكونات الصراع العربي الإسرائيل , فقد أرسلت الحكومة البريطانية مذكرة وجهتها سفارتها بالقاهرة إلي وزير الخارجية المصرية في 8 يونيو 1948 أشارت فيها إلي ما نصه ” ليست مصر في حالة حرب بالمعني المعروف في القانون الدولي , ذلك أنه طبقاً لهذا القانون لا تكون الدولة في حالة حرب إلا مع دولة أخري , أو علي الأقل مع حكومة مُعترف لها بصفة المُحارب ” كما أشارت أيضاً إلي ما نصه ” وقد نص التشريع المصري في صلب القانون العسكري الذي صدر بخصوص هذه الحالة علي أن مصر قد إتخذت تلك الإجراءات العسكرية ضد عصابات صهيونية , والصهيونية لا تعدو أن تكون نظرية سياسية يعتنقها عدد من الناس ينتمون إلي جنسيات مختلفة , ولما كان من بين هؤلاء الأشخاص رعايا بريطانيين , فإنه من واجب حكومة جلالة الملكة ألا تسمح بمعاملة هؤلاء معاملة تختلف عن تلك التي ينالها غيرهم من الرعايا البريطانيين , اللهم إلا إذا ثبت أنهم إرتكبوا جرائم تهدد أمن البلد الذي يقيمون فيه ” , وقد أجابت الخارجية المصرية علي هذه المذكرة في 23 يونيو 1948 بالإشارة إلي ما نصه ” إن المذكرة البريطانية تبدو وكأنها تثير الشكوك حول الحقوق التي باشرتها مصر في ظل الأحكام العرفية الحالية , وما إقتضته من إتخاذ إجراءات من بينها تفتيش السفن التجارية في الموانئ المصرية للتأكد من أن تلك السفن لا تحمل سلعاً لحساب الصهيونيين في فلسطين , وتعلن الحكومة المصرية أنها حينما أصدرت أمرها إلي بعض القوات المُسلحة التابعة للجيش المصري في مساء 14 مايو بدخول الأراضي الفلسطينية لإعادة الأمن والنظام إليها ووضع حد للإرهاب الصهيوني , لم تكن قد فكرت في أنها بذلك تحارب بالمعني المعروف في القانون الدولي , ولكن التطور السريع الذي طرأ علي الموقف وإتساع رقعة العمليات الحربية والإعلان الذي صدر بإقامة حكومة واقعية فوق جزء من أرض فلسطين , وإدعاء تلك الحكومة بأنها تتكلم بلسان ما سمته دولة إسرائيل , ومبادرة بعض الدول بالإعتراف بتلك الدولة المزعومة , كل ذلك أضفي علي العمليات الحربية في فلسطين لون الحرب بالمعني الدولي …….. ولهذا صدر الأمران العسكريان رقم 5 و 13 في 15 و18 مايو 1948 بتفتيش السفن التجارية ” , ولم تتوقف بريطانيا عن مظاهرة إسرائيل في هذا الشأن فأرسلت للخارجية المصرية مذكرة أخري في 9 يوليو 1948 ردت عليه الخارجية المصرية في 15يوليو 1948أضافت فيها للمعاني المُتقدمة ما نصه ” واضح أن هناك حالة حرب في فلسطين ومصر التي إشتبكت قواتها المسلحة في حرب لا تستطيع أن تتنازل عن حق زيارة وتفتيش السفن التجارية ومصادرة المواد التي يعتبرها قانون الشعوب مهربات حربية وهو القانون الذي يسلم بهذا الحق لأي محارب …. وإذا كان هذا النظام قد طُبق لصالح البلاد الصديقة , ولم تكن مصر نفسها وهي صاحبة القناة ومالكتها مُحاربة , فإنه يُطبق من باب أولي حينما يقتضي الأمر صيانة أمن مصر وسلامة جيشها ” , وكذلك دخلت فرنسا إلي جانب بريطانيا لتدعم الموقف الإسرائيلي في المرور الحر بقناة السويس .
مما أكد خطورة هذه المرحلة من الحصار المادي والجغرافي ليس علي دوائر عمل السياسة والإقتصاد الخارجي لإسرائيل فحسب , بل وعلي دولة إسرائيل نفسها ما أشار إليه برنادوت وسيط الأمم المتحدة في الصراع العربي الإسرائيلي في تقريره المُؤرخ في 12 يوليو 1948المرفوع لمجلس الأمن الدولي (صفحة 18 من الوثيقة S\888 ) بما نصه ” إنها (أي إسرائيل) دولة أقيمت في ظروف شائكة فوق شقة ساحلية ولكنها تواجه جبهات معادية ثلاث من قبل العالم العربي , ومستقبلها محفوف بالشكوك وإذا قدر لها أن تعيش بعد هذه الحرب فإنها ستظل وقتاً طويلاً مثارمشكلة خطيرة ” , وفي تقرير آخر أشار إلي ” وُلدت هذه الدولة في غمار حرب فأرتطمت بصعوبات مباشرة , وعندما قدمت إسرائيل شكواها للجنة التابعة للأمم المتحدة المعنية بمتابعة تنفيذ هدنة رودس المُوقعة في 24 فبراير 1949 ردت اللجنة في البند (ب) فأشارت إلي ما نصه ” ثبت أن الإجراءات المصرية في قناة السويس لا تخالف نص الفقرة الثانية من شروط الهدنة العامة , لأنه لم يحدث أن قامت قوات برية أو بحرية أو جوية مصرية مُسلحة غير نظامية بأي عمل من أعمال الحرب ضد قوات حربية أو شبه حربية أو مدنيين يسكنون الإقليم الذي يُهيمن عليه الطرف الآخر , وعلي ذلك ثبت علي وجه اليقين أن إجراءات الزيارة و التفتيش ومصادرة المهربات الحربية التي صادرتها مصر لم تخالف مبادئ الهدنة بوجه عام ولا شروط هدنة رودس وكذلك لم تخالف أحكام القانون الدولي العام وهي تلك الأحكام التي تقطع بإباحة الإستمرار في إتخاذ تلك الإجراءات أثناء الهدنة ” , وعليه فقد ظل حصار مصر بحرياً لإسرائيل يتطور ويُوجع إسرائيل التي نجحت أخيراً وبمساندة غربية في تضمين التقريرالذي قدمه مراقب لجنة الهدنة لمجلس الأمن في 12 يونيو 1952 إدعاء تدخل مصر في أمر السلع المُتجهة لإسرائيل عبر قناة السويس وأعتبر مراقب اللجنة أن ذلك يجافي روح إتفاق الهدنة ويحول دون نفاذه وتقدمت إسرائيل بالفعل وبالتوازي مع ذلك بشكوي لمجلس الأمن في 11 يوليو 1952 إتهمت فيه الحكومة المصرية بمخالفة أحكام القانون الدولي العام وأحكام إتفاقية القسطنطينية 29 أكتوبر 1888وبشروط هدنة رودس وأنه بناء علي ذلك فإن تفتيش السلطات المصرية للسفن المارة بقناة السويس يهدد الأمن الدولي في الشرق الأوسط , ونُوقشت هذه الشكوي بحضور ممثلي مصر والعراق وإسرائيل في مجلس الأمن علي مدي خمسة أيام أثناء الفترة من 26 يوليو وحتي الأول من سبتمبر 1951 .
في جلسة مجلس الأمن بتاريخ 5 فبراير 1954 أثار أبا إيبان مندوب إسرائيل الدائم لدي الأمم المتحدة مُجدداً مسألة تفتيش السلطات المصرية للسفن المُتجهة لميناء Eilat قبل عبورها لمضيق تيران بجلسة مجلس الأمن المُنعقدة في 15 فبراير 1954 التي ناقشت الحصار المصري , ورد المندوب المصري فأوضح أن القوات المسلحة المصرية تحتل جزيرتي تيران وصنافير قبل زحف القوات الإسرائيلية صوب خليج العقبة بوقت طويل وأنه في أوراق الحرب العالمية الثانية ما يقطع بأن القوات المصرية كانت تحتل هاتين الجزيرتين وتقوم بالدفاع عن مصر وأنه من بين 267 سفينة مُتجهة لخليج العقبة فُتشت سفينة واحدة فقط ولم يُصادر شيئ قط من البضائع سواء أكانت وجهتها إسرائيل أم لا , لكن وبفضل الدعم الدبلوماسي الأمريكي والغربي صدر قرار مجلس الأمن (بناء علي المشروع الذي تقدمت به نيوزيلاند) في 29 مارس 1954 ليقضي بمرور إسرائيل في قناة السويس وحظي بموافقة 8 دول ومعارضة أثنين هما لبنان وروسيا وأمتنعت الصين عن التصويت .
كان التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل ولغيرها من دول العالم محدوداً للغاية في أفريقيا في هذه المرحلة إذ لم تكن هناك دول أفريقية مستقلة حتي ما قبل نهاية عقد الخمسينات من القرن الماضي سوي مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا , وبالتالي لا يمكن تصور وجود نسق لعلاقات أفريقية لإسرائيل ,ومع ذلك يمكن القول أنه كان لإسرائيل نسق أولي محدود مع إثيوبيا الواقعة آنئذ علي البحر الأحمر ( قبل إنفصال أرتريا وإستقلالها عنها عام 1994) فقد كانت كل من إثيوبيا وإسرائيل ينظران إلي موقعهما الجيوبوليتيكي بإعتبار أنهما دولتان جزريتانمن الوجهة السياسية لوقوعهما في لجة بحر من كراهية العرب والمسلمين وأنهما لذلك مهددتان حتي بعد نشأة إسرائيل وإقامة ميناء Eilat , وكأمثلة علي الإتصالات الإثيوبية / الإسرائيلية التي نمت وشكلت نسقاً مُستقلاً بل وفريداً للعلاقات الثنائية نجد أنه وفي وقت مبكر من نمو هذه العلاقات رصدت المخابرات العسكرية المصرية إتصالات إثيوبية / إسرائيلية مبكرة إذ وفقاً لمكاتبة من مدير المخابرات الحربية المصرية إلي وكيل الخارجية المصرية مُؤرخة في 9 أبريل 1950 وردت إشارة عن رصد السفارة المصرية بأديس أبابا لإشارات صدارة من محطة لاسلكية بالعاصمة الإثيوبية مُوجهة إلي الصهاينة بتل أبيب , وفي عام 1953 سمح الإمبراطور هيلاسيلاسي للوكالة اليهودية ببناء مدرسة لهم في مدينة أسمرة وجري إختيار بعض خريجي هذه المدرسة للسفر لإسرائيل عام 1956 لإستكمال دراستهم هناك حيث ركزت إسرائيل علي تلقينهم القيم والمبادئ الصهيونية وعند عودتهم رفض كثير منهم العمل في المدارس الحكومية الإثيوبية مفضلين العمل في مناطق توطن الفلاشا (اليهود الإثيوبيين) * ( د . محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945-1981 . دار الكتب والوثائق القومية . مركز تاريخ مصر المُعاصر . 2011 . صفحة 119) , وفي 6 مارس 1955 نشرت صحيفة الأهرام القاهرية أن إسرائيل إستأجرت بعض الجزر الإثيوبية (الأرترية فيما بعد) بالبحر الأحمر لإستخدامها كمراع لتربية الحيوانات لمصنع مملوك لشركة انكودا الإسرائيلية , إلا أن إثيوبيا نفت ذلك بالطبع , وفي عام 1955 أعلن موشي ديان أن أمن إثيوبيا وإستقرارها ضمان لإسرائيل , وأن هذا لا يتحقق إلا بخضوع أرتريا خضوعاً مباشراً وتاماً لإثيوبيا * (المرجع السابق . صفحة 118) , ومع ذلك فإسرائيل حالياً ترتبط بأفضل العلاقات مع أرتريا التي يرأسها أسياس أفورقي أحد قادة حركة التحرير الوطني الأرتري وهو علي علم ويتذكر موقف إسرائيل السلبي من قضية تحرير بلاده من الإحتلال الإثيوبي .
المرحلة الثانية منذ 29 أكتوبر 1956 وحتي 5 يونيو 1967 :
ظل البحر الأحمر مناط الإهتمام الإستراتيجي للعسكرية والدبلوماسية الإسرائيلية لكن العسكرية والسياسة المصرية لإعتبارات الأمن القومي العربي والمصري جزء منه , كانت علي التوازي تعي أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يكن إطاره بالضيق الذي يتصوره البعض بإعتبارهم له مقصوراً علي النطاق الجغرافي المباشر لإسرائيل وتحديداً علي جبهات الدول العربية الأربع المواجهة لهذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين والمُؤسس علي دعاوي عقيدية وسياسية العرب والمسلمين في حل منها , لكن لما كانت متطلبات الصراع الإستراتيجية تملي علي دول المواجهة العربية وفي مقدمتها مصر توسيع نطاق رؤية التمدد المؤكد لهذا الصراع ومصر علي وعي – كما سبقت الإشارة – بأن أول تمدد لإسرائيل سيكون مُنطلقاً من جهة البحر الأحمر وتحديداً من نقطة إنطلاقه بخليج العقبة إستخدمت العسكرية المصرية تحكمها في مضيق تيران إستخداماً يرقي إلي مستوي هذه الرؤية الإستراتيجية فقامت – ما أمكنها ذلك – بتأمينه حتي لا تستفيد منه إسرائيل في العمل الحربي , ولهذا نجد أن العسكرية الإسرائيلية بالتضافر مع الدبلوماسية إستهدفتا فتح الطريق نحو أفريقيا من هذا الإتجاه بأي ثمن .
كانت دوافع دول العدوان الثلاثي الذي شُن ضد مصر في 29 أكتوبر 1956 مختلفة إلي حد ما , لكنها مُشتركة في النتيجة النهائية وهي إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالجمهورية الناشئة الحديثة في مصر والتي أُعلنت رسمياً عام 1954 وكسر إرادتها بالتالي , ولاشك في أن هناك خسائر مختلفة مُني بها الإقتصاد المصري جراء العدوان الثلاثي كان من الممكن تجنبها , لكن الإرادة المصرية لم تنكسر لعوامل معنوية أهمها الصبر والقدرة علي التحمل وهي صفات تميز بها الشعب المصري لم تستفد بها قيادته السياسية الإستفادة المرجوة , علي كل حال كان الدافع الأولي لإسرائيل هو الظفر بحق المرورالحر في قناة السويس وخليج العقبة والتخلص من الحصار الجزئي المفروض عليها في هذين الممرين البحريين منذ عام 1949وإعتبار الأخير ممراً دولياً , ولم يكن سراً أن إسرائيل قررت عام 1955 التوجه للحرب ضد مصر من أجل ذلك فقد عرقلت مصر حركة التجارة الإسرائيلية للأسواق الآسيوية والأفريقية وقد ساندت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وجهة النظر الإسرائيلية في الأمم المتحدة , لكن كان القرار الذي إتخذه الرئيس جمال عبد الناصر وأعلنه من مدينة الأسكندرية في 26 يوليو 1956 بتأميم شركة قناة السويس دافعاً لبريطانيا وفرنسا بالإشتراك مع إسرائيل في غزو مصر في 29 أكتوبر 1956من أجل إحتلال قناة السويس بذريعة الدفاع عن المصالح البريطانية الفرنسية في شركة قناة السويس , وعلي الفور تقدمت الولايات المتحدة في 30 أكتوبر بمشروع قرار عاجل لمجلس الأمن يتضمن دعوة إسرائيل لسحب قواتها المسلحة فوراً إلي ما وراء خطوط الهدنة المُتفق عليها عام 1949 أي إنسحابها من شبه جزيرة سيناء , وفي 4 نوفمبر أقرت الأمم المتحدة مشروعاً كندياً بتشكيل قوة طوارئ دولية لتأمين والإشراف علي وضع نهاية للعمليات العدائية , وبالفعل أنسحبت القوات البريطانية والفرنسية من خط قناة السويس في ديسمبر 1956 ولكن بالرغم من جلاء معظم القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء إلا أن إسرائيل ظلت تحتل الشريط الساحلي المُلاصق لخليج العقبة وكذلك قطاع غزة لمقايضتهما بالحصول علي حرية الملاحة في العقبة وبالفعل تم الجلاء الإسرائيلي التام عن سيناء وغزة في الأول من مارس 1957 , وحققت إسرائيل هدفها بفتح مضيق تيران لها بإعتباره ممراً بحرياً دولياً مع تمركز قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة U.NE.F في شرم الشيخ ومدخل خليج العقبة بجزيرة تيران لمراقبة وتأمين المرور الحر للسفن المُتجهة عبر مضيق تيران وصولاً لميناء Eilat , وعليه فقد إنطلقت إسرائيل في خدمة وتحقيق أهدافها الإقتصادية والسياسية في الدائرتين الآسيوية والأفريقية , خاصة بعد إقامة خط أنابيب البترول حيفا/ إيلات الذي يمد إسرائيل بإحتياجاتها من بترول إيران , وبالرغم من حصول إسرائيل علي حق المرور البرئ إلا أن مصر ظلت لا تعترف بأن مضيق تيران ممر بحري دولي ويمكنها طرد قوة الأمم المتحدة المُرابطة في شرم الشيخ متي أرادت .
من بين النتائج الإستراتيجية لحرب 1956 بالنسبة لإسرائيل التسجيل العملي لميلاد ما يُسمي ” بجيش الدفاع الإسرائيلي ” بعد تحقيقه لإنتصار حاسم علي الجيش المصري الذي ناضلت قيادته من أجل تسليحه بدون شروط أو إملاءات خارجية من الكتلة الشرقية فحصلت علي صفقة الأسلحة التشيكية في سبتمبر 1955 ورفضت الإنضمام إلي منظمة قيادة الشرق الأوسط التي كانت في الواقع إمتداداً لحلف شمال الأطلنطي NATO وهو في خضم الحرب الباردة , كما أن إسرائيل حققت ما لا يقل أهمية عن ذلك فتحقيقها للهدف العسكري الذي سعي إليه David Ben Gurion رئيس وزراءها وهو فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية الحرة من أجل إزدهار ميناء Eilatوتعزيز إمكانيات الإقتصاد الإسرائيلي الناشئ كان له وجه سياسي وهو الإنفتاح اللوجيستي علي البحر الأحمر كله ومن ثم علي الفضاء الدولي المُرتبط به ومساحاته ممتدة من شرق أفريقيا وجنوبها والقارة الآسيوية ككل , ولذلك وبعد أن حصلت علي حق المرور الحر بمضيق تيران بدعم من الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية والفرنسية في مجلس الأمن بالتوازي مع عملية إستصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بإنسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وهو الإنسحاب الذي تحقق بعد حصول إسرائيل علي ضمانات كافية من الولايات المتحدة والأمم المتحدة بحق المرور الحر بهذا المضيق , بدأت الإنطلاقة الإسرائيلية الأولي نحو أفريقيا بإتجاه القاطع الشرقي لها أي إثيوبيا وجيبوتي .
يعطي تطور التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل في أفريقيا صورة مبدئية عن إهتمام إسرائيل بعلاقاتها الأفريقية طبعاً مع وضع الإعتبارات المالية لإسرائيل ورغبة الدول الأفريقية المستقلة إبان هذه المرحلة – وكانت قليلة – في الإعتراف بإسرائيل كمحددين رئيسيين لتحقق هذه العلاقات , ولذلك يمكن القول أن العلاقات الأفريقية لإسرائيل إقتصرت حتي عام 1960علي إثيوبيا وإتحاد جنوب أفريقيا وليبيريا , لكن مع حصول بعض الدول الأفريقية علي إستقلالها في السنوات الأولي التالية لعام 1960 تمدد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي قليلاً بحيث أصبح يشمل كل من : غانا وكان السفير الإسرائيلي المُقيم في أكرا والمعتمد وغير مقيم في ليبيريا عام 1958هو Ehud Avriel , أما إتحاد جنوب أفريقيا فقد كان السفير الإسرائيلي المُقيم والمُعتمد في Pretoria هو Yitzhak Bavly , ولم يكن لمصر حتي بداية 1960 إلا تمثيلاً مقيماً في غانا وإثيوبيا وإتحاد جنوب أفريقيا أي ما يتعادل والتمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي بأفريقيا وذلك حتي 1960* (THE MIDDLE EAST 1958 . EUROPA PUBLICATIONS LIMITED ) وفي عام 1961 زاد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في أفريقيا قليلاً فتبادلت إسرائيل التمثيل مع جمهورية الكونجو بعد إستقلالها عن بلجيكا و مثل إسرائيل في كنشاسا ( ليبولدفيل آنئذ) عام 1961السفير Ehud Avriel نقلاً من أكراً التي عينت إسرائيل فيها السفير Moshe Bitan وعينت عام 1961 Yervham Cohen سفيراً لها لدي ليبيريا وفي جمهورية Malagasy (مدغشقر) كان Eytan Rupin سفيراً لإسرائيل المعتمد والمُقيم في عاصمتها Tananarive عام 1961 وفي نفس هذه الفترة كان Katriel P.Salmon سفيراً لإسرائيل لدي جمهورية إتحاد جنوب أفريقيا , وفي الفترة اللاحقة لحصول كثير من الدول الأفريقية علي إستقلالها كان للجمهورية العربية المتحدة عام 1961 سفراء لدي جكومات الكونجو Leopoldville وإثيوبيا وغانا وغينيا وليبيريا وإتحاد جنوب أفريقيا , ولم يكن التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل أو لمصر منتشراً في دول القارة الأفريقية لأن معظمها إما لم يكن قد حصل علي الإستقلال التام أو أنها كانت بعد حديثة عهد بالإستقلال .
بالرغم من أن إسرائيل لم تتبادل التمثيل الدبلوماسي الكامل مع إثيوبيا حتي منتصف خمسينات القرن الماضي , (حتي عام 1962 لم يكن هناك تمثيل إسرائيلي علي مستوي سفير مع إثيوبيا وكان التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي حتي هذا العام مع غانا والكونجو كينشاسا و ليبيريا ومدغشقر وإتحاد جنوب أفريقيا ) إلا أن العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية كانت نشطة وفعالة نسبياً بحيث تقوم علي خدمة أهداف إسرائيل المُضادة لمصر والتي كانت تتفق ومعظم الأهداف الإثيوبية , فعلي سبيل المثال وفي إطار تحضير إسرائيل لمشاركتها في العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 وصل في 27 أكتوبر 72 إسرائيلياً إلي الصومال الفرنسي قادمين من إثيوبيا تم توزيعهم يوم 31 أكتوبر 1956 أي بعد بدء الهجوم علي مصر بيومين علي طائرات أُستأجرت من شركة هندية وأتجهوا إلي مصوع وهو ميناء في أرتريا علي البحر الأحمر (إبان سيطرة إثيوبيا عليها في إطار الإتحاد الفيدرالي الذي فرضته علي أرتريا عام 1936) ومن مصوع تسلموا سفينتين إثيوبيتين هما ” أبينا ” و ” كاترينا ماردي” , اللتين إسنأجرتهما إسرائيل من إثيوبيا وأسندت إليهما مهمة حربية وهي إيصال مواد التموين إلي وحدات اللواء التاسع الإسرائيلي في شرم الشيخ بمجرد الإستيلاء عليها وغادرت هاتان السفينتان إثيوبيا يوم 4 نوفمبر 1956 , ولما توجه الملحق العسكري المصري لدي إثيوبيا لإستطلاع الأمر طرده المسئولين الإثيوبيين , في الوقت الذي كانت فيه السفينتان قد وصلتا بالفعل لمنطقة العمليات الحربية في 15 نوفمبر 1956 وكانت شرم الشيخ قد أوشكت علي السقوط في قبضة القوات الإسرائيلية , فأرسلت السفينتان قوة مُسلحة لإحتلال جزر خليج تيران ولتغطية التواطؤ الإسرائيلي الإثيوبي أعلنت إسرائيل أن السفينتان دارتا حول رأس الرجاء الصالح وذلك لإبعاد الشبهات عن إثيوبيا , ومع ذلك تقدمت إثيوبيا مع بعض الدول العربية والإسلامية بمشروع القرار 999 بتاريخ 4 نوفمبر 1956 للمطالبة بتنفيذ القرار السابق عليه والقاضي بالإنسحاب الإسرائيلي إلي ما راء خطوط الهدنة , ومع مرور الوقت زاد إنحياز إثيوبيا لموقف مصر في الأمم المتحدة حيث أعلن ديلما ديرسا مندوبها لدي الأمم المتحدة أنه من حق مصر أن تؤمم شركة قناة السويس مع الإعتراف بالمصالح الدولية المُتمثلة في حرية المرور في القناة كما طالبت بإنسحاب القوات المُعتدية من مصر فوراً بل إن إثيوبيا عرضت إرسال قوة إثيوبية للمشاركة في قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة , لكن سياسة إثيوبيا لم تكن إلا سياسة مزدوجة ففي حديث للإمبراطور هيلا سيلاسي لجريدة NEW YORK TIMES في فبراير 1957 إتهم مصر بإتباع سياسة هدامة حيال إثيوبيا بسعيها إلي بث الفرقة بين المسلمين والمسيحين بها , هذا في الوقت الذي كانت العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية يضطرد توثقها في جميع المجالات بل وتوسعت أنشطة الشركات الإسرائيلية في أديس أبابا , وفي الواقع لم يكن الموقف السياسي المُعلن لإثيوبيا في الأمم المتحدة إلا مسايرة للسياسة الأمريكية إزاء العدوان الإسرائيلي علي مصر والذي رفضته الولايات المتحدة بقوة .
مواصلة لإهتمامها بمنطقة القرن الأفريقي التي مثلت المدخل الأول لإسرائيل نحو أفريقيا نجد أنه وبعد تشغيل ميناء Eilat وفي أعقاب العدوان الثلاثي علي مصر في أكتوبر 1956 تفاوضت فرنسا مع إسرائيل لمنح الأخيرة منطقة حرة بميناء Djibouti لتكون حلقة إتصال بين منطقة شرقي أفريقيا التي يمثل هذا الميناء عقدة مواصلات بحرية مهمة لها وبين ميناء Eilat , بل إن سلطات الإستعمار الفرنسي في Djibouti خصصت قاعدة عسكرية لإسرائيل بها , ولكي تتحقق مصر من الأمر نظراً لخطورته علي إستراتيجية مصر في البحر الأحمر كلفت القنصل السوداني بأديس أبابا ليستطلع الأمر فذهب إلي المنطقة التي قيل أن فرنسا خصصتها كقاعدة لإسرائيل جنوب ميناء Djibouti فوجد أن العمل متوقف بها وأرجع سبب التوقف إلي معارضة الأهالي ورفضهم المساهمة في إقامة منشآت إسرائيلية في بلادهم وكذلك لإعتراض إثيوبيا علي منح إسرائيل إمتيازات في Djibouti لدرجة أن غثيوبيا هددت بتأميم السكك الحديدية التي تربط Djibouti بأديس أبابا , لكن فرنسا التي كانت تستعمر Djibouti آنئذ واصلت سياستها المعادية لمصر رداً علي دعم الأخيرة لثوار الجزائر فسمحت للسفن الحربية الإسرائيلية بالرسو في ميناء Djibouti ومنحت أحدي الشركات الإسرائيلية إمتياز مخازن الترانزيت داخل الميناء والسماح لها بإعادة التصدير ورخصت لإفتتاح فرع لشركة انكودا الإسرائيلية لإفتتاح فرع لها في Djibouti (أغلق عام 1957)* ( د . محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945 – 1981 . دار الكتب والوثائق القومية .مركز تاريخ مصر عام 2011 . صفحة 125) .
حين نمت الروح القومية لدي شعب الصومال الفرنسي والتي دعمها وأيدها الإعلام المصري عبر الإذاعة الموجهة من القاهرة أعلن زعماء الصومال الفرنسي رغبتهم في الإنضمام للصومال بعد فشل مفاوضاتهم مع فرنسا ووجهت هذه الرغبة بمعارضة إثيوبية وإسرائيلية , فإثيوبيا كانت تخشي من أن يؤدي هذا الإنضمام لتعزيز قوة الصومال بما يمكنها من المطالبة مُعززة بالقوة بالأوجادين التي إستولت عليها إثيوبيا قسراً , فيما خشيت إسرائيل من أن يؤدي إستقلال الصومال الفرنسي إلي تحكم مصر في مضيق باب المندب , وطالبت الصحف الإسرائيلية في 16 سبتمبر 1966 بممارسة فرنسا لنفوذها لضمان بقاء الصومال الفرنسي غير معادي للمصالح الإسرائيلية , وعندما أعلنت فرنسا أنها ستنظم إستفتاء تقرير المصير للصومال الفرنسي أعلنت إسرائيل أنها لن تقف مكتوفة الإيدي فإستقلال الصومال الفرنسي أو إتحاده مع الصومال يترتب عليه مخاطر جمة لإسرائيل لأن Djibouti تعتبر المنفذ الرئيسي لتجارة إسرائيل مع أفريقيا , ولذا شرعت إسرائيل في الإتصال بجوار جيبوتي وفرنسا لمواجهة هذا الإحتمال * ( د . محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945 – 1981 . دار الكتب والوثائق القومية .مركز تاريخ مصر عام 2011 . صفحة 174)
إستمرت إسرائيل في العناية والمراقبة عن كثب للمرتكز الرئيسي لعلاقاتها الأفريقية أي منطقة القرن الأفريقي وتواجدت بعض شركاتها أو فروع لشركاتها في بعض العواصم الأفريقية برعاية القوي الإستعمارية التقليدية في أفريقيا أي فرنسا وبريطانيا والبرتغال قبل أن تحصل الدول الأفريقية علي إستقلالها في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي وفي السنوات الأولي من إستقلال كثير من الدول الأفريقية إمتد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي ليشمل دولاً أفريقية أخري قليلة – كما سلفت الإشارة – بالإضافة لإثيوبيا وجنوب أفريقيا لكن ظلت الأنشطة الإقتصادية تعمل في دول أفريقية أخري مثل مالاوي وغينيا كوناكري وسيراليون والسنغال وليبيريا وساحل العاج والكونجوليتين وكينيا , وفي الواقع فإنه وكما سلفت الإشارة فإن المرونة – يمكن وصفها بالقدرة علي التلون والتمويه أيضاً إن شئت – التي تتسم بها نظرية الأمن القومي الإسرائيلي أتاحت لإسرائيل الحركة في إتجاه هنا وعكس هذا الإتجاه هناك , فعلي حين نجد وزير الخارجية الإسرائيلي Abba Eban يرد علي إستجواب قدمه عضو الكنيست ر . آرزي يوم 22 ديسمبر 1966 بشأن حجم التعاون الفعلي بين إسرائيل والدول النامية حالياً , فيقول Eban ” أنه في سنة 1966 شمل التعاون الدولي لإسرائيل نحو 70 دولة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفي حوض البحر المتوسط ” * ( محاضر الكنيست 1966/ 1967 . مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بالأهرام . القاهرة ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت . صفحة 273) , نجد حركة إسرائيلية في إتجاه معاكس , ففي رد وزير الخارجية Abba Eban علي إستجواب آخر من عضو الكنيست ش . ميكونيس بشأن الشهادة التي أدلي بها ممثل حركة تحرير أنجولا Chipanda أمام لجنة الأمم لتصفية الإستعمار والتي مفادها أن رجال حركة تحرير أنجولا ظفروا بقطع من الأسلحة التي كانت بأيدي جنود الإستعمار البرتغالي من بينها قطع من السلاح إسرائيلية الصنع من طراز عوزي , وأجاب وزير الخارجية ب Eban بقوله ” أن شهادة Chipanda مندوب حركة تحرير أنجولا وهي أصغر حركتي التحرير المعروفتين إقتضت مقابلة مندوب إسرائيل رئيس حركة تحرير أنجولا وحثه علي مقابلة مندوب إسرائيل في برازافيل للتحقق عما إذا كان السلاح صناعة إسرائيلية أم لا؟” وأوضح ” أنه مرت فترة غير بسيطة ولم يقدم المندوب الأنجولي عينة من هذا السلاح ولا أي تفاصيل أو صور ” * ( المرجع السابق . صفحة 133 و134) , ومع ذلك فقد إستطاعت إسرائيل بعد إنتهاء الحرب الأهلية الأنجولية نوفمبر 1975 – أبريل 2002 أن تستدير بسياستها إزاء الحزب الحاكم في أنجولا حزب حركة تحرير أنجولا MPLA 360 درجة لتبني علاقة ثنائية أكثر قوة ومتانة وتبادلية من العلاقات الأنجولية المصرية بالرغم من أن علاقات مصر مع أنجولا بدأت قبل إستقلال أنجولا من خلال فتح مكتب لحزب MPLA في القاهرة , لكن مصر لم تستطع إدارة علاقاتها مع الدول الأفريقية بحيث تكون ذات مردودية Rentabilité كما فعلت إسرائيل , وسيرد لاحقاً شرح ذلك .

المرحلة الثالثة بعد حرب 1967حتي توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 :
ظل البحر الأحمر وقناة السويس لهما نفس الأهمية لإسرائيل حتي بعد أن نجحت في التواجد بكثافة في كثير من الدول الأفريقية سواء أكان هذا التواجد في شكل تمثيل دبلوماسي كفء أو شركات ومؤسسات أو خبراء خاصة في مجالات الري والزراعة ولذلك نجد أن جميع الأحزاب الإسرائيلية توحدت في الرؤية فيما يتعلق بأهمية هذا المنفذ في تحقيق نظرية الأمن القومي الإسرائيلي علي أوسع نطاق ممكن لأنه حلقة الوصل اللوجيستيكية بأفريقيا , لذلك إجتمعت في عام 1968 لتصدر بياناً بشأن الصراع العربي الإسرائيلي من واقع نتائج حرب يونيو 1967 تضمن عدة مقررات وُصفت – آنئذ – بأنها سرية كان من بينها ما يتعلق بقناة السويس ومضيق تيران حيث أشارت بشأنهما ” أنه يجب أن تُمنح إسرائيل ضمانات من كل الفرقاء المعنيين – بما في ذلك الأمم المتحدة – بحرية الملاحة في قناة السويس ومضايق تيران * ( ملف وثائق فلسطين . وزارة الإرشاد القومي . الهيئة العامة للإستعلامات . صفحة 1615) , وفي الواقع فقد إستطاعت السياسة الإسرائيلية في الفترة السابقة واللاحقة علي حرب يونيو 1967 كسب تعاطف بل وتأييد دول أفريقية لموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي وربما كان موقف هذه الدول الأفريقية صادراً – إلي جانب الجهد الدبلوماسي والدعائي الإسرائيلي – عن الخلفية المسيحية التوراتية لكثير من القادة الأفارقة , وقلما كان الجانب العربي واعياً لهذه الخلفية لدي هؤلاء القادة ومنهم من نشأ في كنف مدارس إرسالية مسيحية ولذلك إستساغ هؤلاء وهضموا المنطق الإسرائيلي الذي تتناول به إسرائيل صراعها مع العرب والمسلمين , كما إستطاعت إسرائيل تحييد موقف دول أفريقية أخري من هذا الصراع بأساليب أخري ولأسباب مختلفة وهو ما يعد في حد ذاته نجاح من نوع آخر , وعلاوة علي ذلك فلم تقتصر آثار هزيمة العرب ومصر في حرب يونيو 1967علي فقدان جزء من الأراضي وجزء من السيادة بل تجاوزت ذلك فوصل الأمر إلي حد التأثير السلبي علي صورة العرب ومصر في العالم والقارة الأفريقية علي نحو خاص , وهو ما عملت عليه ثم إستغلته آلة الدعاية الإسرائيلية بحرفية , فبدأت حملة دعائية لتسويق صورتها في أفريقيا بالإتصال بالصحف والصحفيين في دول أفريقية معينة بل وقامت إسرائيل بإرسال كتيبات ومواد دعائية ووزعتها علي نطاق واسع للصحف ووسائل الإعلام المختلفة بكثير من الدول الأفريقية لدرجة أن نسخاً من هذه المواد الدعائية وُزع علي بعض السفارات العربية والمصرية بالخارج ولدي نسخ من هذه المواد منها كتيب بعنوان ASPECTS OF ISRAELصادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1972 وهو كتيب مليئ بالأخطاء التاريخية والسياسية التي لوت عنق الحقيقة منها مثلاً ما ورد بالصفحة 37 في الجزء الخاص بقوات الدفاع الإسرائيلية حيث أشار إلي ” وبعد ساعات قليلة بعد إعلان الإستقلال عام 1948 عبرت قوات من مصر والأردن وسوريا ولبنان والسعودية ” الحدود ” من نقاط عدة في عملية ” غزو” مفتوح …. ” دون إشارة لقرار تقسيم فلسطين ولا لما فعلته القات الإسرائيلية غير النظامية في أهلنا بفلسطين , وفي هذه المرحلة بدأ تمدد جديد لإسرائيل في أفريقيا , فبالإضافة إلي بقاء العلاقات الإسرائيلية مع إثيوبيا وجنوب أفريقيا في هذه المرحلة في حالة إزدهار وفاعلية بل إن جنوب أفريقيا وإسرائيل مثلا معاً شراكة فريدة في تقويض القيم الإنسانية من خلال الطبيعة العنصرية لنشأة هاتين الدولتين , فهنا فصل عنصري وهناك في إسرائيل فصل عنصري وديني وسياسي , ولإن علاقات إسرائيل بجنوب أفريقيا يمكن تصنيفها بأنها كانت خارج السياق الأفريقي لأن الأفارقة أنفسهم غير مسئولين عما إقترفه قادة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا , ولذلك ربما تكفي الإشارة هنا إلي أن ثلة من يهود جنوب أفريقيا من بينهم Abba Eban وArthur Lourie و Major Michael Comay تولوا مراكز إتخاذ القرار في دولة إسرائيل بعد إعلانها عام في مايو 1948 , كما أن رئيس وزراء إتحاد جنوب أفريقيا Jan Christiaan Smuts أعرب عن سعادته لأنه عاش ليري ميلاد دولة إسرائيل مُعتبراً أن جنوب أفريقيا لعبت دوراً هاماً في تحقيق هذا الإنجاز *(Richard P. Stevens . WEIZMANN AND SMUTS .A STUDY IN ZIONIST – SOUTH AFRICAN COOPERATION . THE INSTITUTE FOR PALESTINE STUDIES .Page 106) وهذا كاف لتوقع الإتجاه الصعودي في علاقات إسرائيل بجنوب أفريقيا , ولذلك وعطفاً علي بناء إسرائيل لمنظومة علاقاتها الأفريقية , يُشار إلي أن إثيوبيا وجنوب أفريقيا من واقع منطلقاتهما الإستراتيجية التي تُرجمت في سياسات عدوانية مؤسسة علي الإحساس المتعالي بالتميز والخشية في نفس الوقت من محيطهما الجغرافي في أفريقيا لم يكونا أقل حماساً من إسرائيل في ضرورة مواجهة السياسة الأفريقية النشطة لمصر في هذه المرحلة فقد تبنت مصر حركات التحرير الأفريقية ففتحت مكاتب لها في القاهرة بالإضافة إلي إتاحة مصر لإذاعاتها الموجهة باللهجات واللغات الأفريقية المختلفة للكوادر الإعلامية لحركات التحريرالأفريقية , وكان هذا الإتجاه المصري مناهضاً بل محبطاً للسياسات العنصرية لإتحاد جنوب أفريقيا الذي يسيطر عليه الساسة البيض بالإضافة إلي إثيوبيا التي هي الأخري كانت تري في سياسة مصر الأفريقية خطراً عليها بمعاني مختلفة , أما فرنسا فأتاحت لإسرائيل حرية حركة في مستعمراتها بغرب ووسط أفريقيا وبجيبوتي مستعمرتها الوحيدة في شرقي أفريقيا , فأستطاعت إسرائيل في هذه المرحلة السابقة علي إستقلال معظم الدول الأفريقية بناء صلات ومد جسور مع النخب الحاكمة بدول أفريقية سواء النخب السياسية أو الإقتصادية .
مضت إسرائيل في الإستفادة من نتائج حرب السويس حتي مايو 1967 عندما قرر الرئيس عبد الناصر إغلاق مضيق تيران مرة أخري وهو ما سرع من وتيرة وصول سيناريو النزاع العربي / الإسرائيلي إلي مرحلة الإشتباك العسكري علي ثلاث جبهات في سوريا والأردن ومصر التي فقدت للمرة الثانية بسبب هزيمتها في حرب الأيام الستة التي بدأت صباح 5 يونيو 1967 شبه جزيرة سيناء وكذلك مضيق تيران مرة أخري بعد إحتلالهما بواسطة الجيش الإسرائيلي لمدة 13عاماً تقريباً أي بعد تمام الجلاء عن سيناء في أبريل 1981 وعودة مضيق تيران للسيادة المصرية مجدداً لكن في ظروف وبشروط مختلفة عن الظروف التي كانت سائدة عام 1949 فلم يعد الوصول الإسرائيلي لأفريقيا Outreach مقيداً أو محصوراً في الإطار الجغرافي الضيق المقصور علي إثيوبيا وجنوب أفريقيا وغانا والكونجو بل تعداه ليشمل عدداً لا بأس به من الدول الأفريقية حتي ذات الأغلبية المُسلمة منها وكانت هذه القفزة الواسعة في بناء العلاقات الأفريقية لإسرائيل أحد ثمار إنتصارها العسكري في حربي 1956و 1967 فبعد جلاءها عن سيناء في الأول من مارس 1956 والإعتراف المصري الضمني لها – من الوجهة الواقعية – بحق المرور البرئ في خليج العقبة حرية الحركة تفرغت إسرائيل لعملية بناء متسارعة لعلاقاتها الأفريقية من أجل (1) إكتساب شرعية الوجود السياسي و(2) توفير مجال إقتصادي قريب منها يصبح مناسباً وفي المتناول Convenience للصناعات الإسرائيلية التي مولتها وساندتها الولايات المتحدة بموجب سلسلة من مذكرات التفاهم الإستراتيجي والإتفاقيات والبروتوكولات المُوقعة مع إسرائيل بشكل سما بالعلاقة الثنائية لتصل إلي حد علاقة تحالف من نوع خاص , ولا لا مجال لدي وربما لدي الكثيرين لتصديق الإنكار الذي يصدر للبعض ممن هم من أبناء جلدتنا للأساس الديني لها لمجرد قطع الطريق علينا لتسمية الصراع باسمه الحقيقي أي صراع بين هويتين هما اليهودية العبرية والإسلامية العربية , وعليه وتأسيساً علي الهوية اليهودية فقد دعمت الولايات المتحدة النفاذ الإسرائيلي إلي دول بعينها في القارة الأفريقية من خلال تعيين اليهود الأمريكيين الإسرائيليين في بعثات وكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID في بعض الدول الأفريقية وهو أمر لم يكن سرياً بل معلناً ولم يقتصر علي USAID فقط , ففي 14 أكتوبر 1969 أعلنت السفارة الأمريكية في تل أبيب أن الأمريكيين الذين أصبحوا إسرائيليين يمكنهم الإحتفاظ بالجنسية الأمريكية بما في ذلك الذين يخدمون في القوات المُسلحة الإسرائيلية , وبالرغم من أن رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة (مصر) في الأمم المتحدة قدم في 16 أكتوبر 1969 مذكرة لرئيس مجلس الأمن بشأن البيان الأمريكي الذي صدر وتضمن الإشارة إلي السماح للعسكريين الأمريكيين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي وبأن الرعايا الإسرائيليين من أصل أمريكي يستطيعون الإحتفاظ بجنسيتهم الأمريكية حتي وإن خدموا في القوات الإسرائيلية مما حدا بمصر لإعتبار ذلك موقفاً عدائياً ضدها (أحمد عطية الله . حوليات العالم المُعاصر . السجل التاريخي لعام 1969 . دار النهضة العربية . صفحة 237 ) , إلا أن المذكرة المصرية لم تكن سوي تسجيلاً لموقف إذ لم تغير شيئاً في الموقف الأمريكي الداعم بكل قوة وبلا تحفظ لإسرائيل , كما أن أكد قادة إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس وزراءها الأسبق علي يهودية الدولة مراراً ومبكراً ففي عام 1949 ألقي David Ben Gurion خطاباً في الكنيست قال فيه ” لقد تأسست الدولة للهجرة الجماعية ولهذا السبب وحده ستبقي , إن دولة إسرائيل وُجدت بنية التحرر وإن بقاءها وتحقيقها لهذا الهدف لن يتأكد إلا بتجميع المنفيين ورجوعهم إليها ” وهذا يعني أنه بالنسبة له وللقادة الصهاينة فإن إسرائيل هي جماع لكل يهود العالم وليس فقط هؤلاء الذين في فلسطين المُغتصبة فحسب أي أن الدولة والحركة الصهيونية تكونان وحدة مُتراصة غير قابلة للإنفصال * * ( تهاني هلسة . دافيد بن جوريون . دراسات فلسطينية رقم 44 . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث – بيروت نوفمبر 1968 . صفحة167) , ومن ثم وبحساب العائد علي التكلفة كانت أفريقيا ضرورية لإسرائيل , ويؤكد هذه القفزة الدبلوماسية الإسرائيلية تسارع عملية بناء علاقاتها الأفريقية في الفترة التالية لهزيمة يونيو 1967 وإلي ما قبل حرب العاشر من رمضان أكتوبر 1973 حيث وصل التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في أفريقيا إلي مستوي غير مسبوق لإسرائيل في تحقيق الإنتشار الدبلوماسي الإسرائيلي في هذه القارة وهو ما تترجمه خريطة التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي المقيم والمعتمد في الدول الأفريقية عامي 1971 – 1972(THE MIDDLE EAST AND NORTH AFRICA 1971-1972 . EUROPA PUBLICATIONS LIMITED) وكان تمثيلها في هذه الفترة كالتالي :

– السفارة الإسرائيلية في الكاميرون وتولاها السفير SHAUL LEVIN
– السفارة الإسرائيلية في جمهورية أفريقيا الوسطي وتولاها IJZHAK MICHAELS
– السفارة الإسرائيلية في تشاد وتولاها OVADIA SOFFER
– السفارة الإسرائيلية في الكونجو برازافيل وتولاها NAHUM GUERSHOME
– السفارة الإسرائيلية في الكونجو كينشاسا وتولاها SHIMON MORATT
– السفارة الإسرائيلية في داهومي (بنين حالياً) وتولاها MORDECHAI DRORY
– السفارة الإسرائيلية في إثيوبيا وتولاها URIEL LURANI
– السفارة الإسرائيلية في الجابون وتولاها DAVID EPHRATI
– السفارة الإسرائيلية في غانا وتولاها AVRAHAM COHEN
– السفارة الإسرائيلية في غينيا / كوناكري وتولاها SHLOMO HILIL
– السفارة الإسرائيلية في ساحل العاج وتولاها ITZHAK MINERBI
– السفارة الإسرائيلية في كينيا وتولاها REUVEN DAFNI
– السفارة الإسرائيلية في ليبيريا وتولاها PINCHAS RODAN
– السفارة الإسرائيلية في مدغشقر وتولاها HAIM RAPHAEL
– السفارة الإسرائيلية في مالاوي وتولاها SHAUL BEN- HAIM
– السفارة الإسرائيلية في مالي وتولاها MEIR SHAMIR
– السفارة الإسرائيلية في النيجر وتولاها YEHOSHUA RASH
– السفارة الإسرائيلية في نيجيريا واولاها YISSAKHAR BEN- YAACOV
– السفارة الإسرائيلية في السنغال وتولاها MOSHE LIBA
– السفارة الإسرائيلية في سيراليون وتولاها MORDECHAI LADOR
– السفارة الإسرائيلية في جنوب أفريقيا وتولاها M .T. MICHAEL
– السفارة الإسرائيلية في تنزانيا (المنصب شاغر)
– السفارة الإسرائيلية في توجو وتولاها YOEL SHER
– السفارة الإسرائيلية في فولتا العليا ( بوركينافاسو حالياً ) YAACOV DECKEL

تبادلت الدول الأفريقية التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل في هذه المرحلة علي نحو أكبر , ففتحت 11 دولة أفريقية سفارات لها في تل أبيب , وفي مقابل هذا التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي الذي يعد كبيراً عند الوضع في الإعتبار أن هناك دول أفريقية كانت لم تزل وقتذاك رازحة تحت سطوة الإستعمار مثل أنجولا وغينيا بيساو وموزمبيق والرأس الأخضر وساوتومي وبرنسيب ونامبيا وأرتريا وغيرهم , نجد أن التمثيل الدبلوماسي المصري المعتمد والمقيم شمل 22 دولة أفريقية فيما كانت بالقاهرة 16 سفارة لدول أفريقية , اما التمثيل الدبلوماسي العربي في أفريقيا في هذا الوقت فقد كان أقل بالقياس لمصر وإسرائيل فالمملكة العربية السعودية شمل تمثيلها الدبلوماسي عشر دول أفريقية , والجزائر كان لها 9 سفارات بدول أفريقية , والمغرب كان له 8 سفارات بدول أفريقية , أما دول الخليج العربي فلم يكن لها في ذلك الوقت تمثيلاً دبلوماسياً , فيما كان للعراق 5 سفارات بدول أفريقية , أما الأردن فلم يكن له إلا سفارة واحدة وهي تلك التي لدي إثيوبيا , وكان للبنان 11 سفارة لدي دول أفريقية , وكان للسودان 11 سفارة بدول أفريقية , وكان لتونس 10 سفارات لدي دول أفريقية , أما اليمن الشمالي فكانت له سفارتان في أفريقيا , فيما لم يكن لليمن الجنوبي إلا سفارة واحدة هي تلك التي كانت بالصومال فقط وكذلك كان للكويت سفارة واحدة فقط بأفريقيا كانت بالصومال , ولم يكن لسلطنة عُمان أي تمثيل دبلوماسي بأفريقيا ,لكن هذا الوضع ما لبث أن تغير فبعد حرب رمضان / أكتوبر 1973 قطعت عدة دول أفريقيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل ( ظلت علاقات إسرائيل مالاوي إبان عهد الرئيس Kamuzu Banda مُستمرة منذ إنشاءها عام 1964 وحتي بعد حرب 1973 بالإضافة إلي مملكة ليسوتو وسوازيلاند) , وفي الواقع فقد أدت هذه الحرب والأداء الإيجابي للجيوش العربية ( بالرغم من الدعم العسكري والمخابراتي الأمريكي العسكري والسياسي والغربي لإسرائيل) إلي تعاطف نسبي من كثير من الدول الأفريقية وفي مقدمتهم الرئيس الزائيري Mobutu الذي قام بزيارة للقاهرة في نوفمبر 1974 شملت زيارة الجبهة المصرية بقناة السويس ومعاينة خط بارليف المُدمر , وربما يترجم موقف الرئيس الزائيري ما أشار إليه الرئيس السادات في كلمته بمناسبة يوم أفريقيا في 25 مايو 1974 بقوله ” لقد وقفت مصر بجانب أفريقيا ووقفت أفريقيا بجانب مصر , وكانت وقفة حرب أكتوبر هي وقفة المبادئ والمُثل , فقد تكشف للدول الأفريقية الطبيعة العنصرية والإستعمارية لإسرائيل , وإذا كانت بعض الدول قد إكتشفت ذلك مبكراً وقطعت علاقاتها قبل ذلك بإسرائيل , فإن إكتشاف نفس الأمر من بقية الدول الأفريقية قد شكل إجماعاً رائعاً علي الحق وإصراراً لا خلاف عليه من أجل مستقبل أفريقي أفضل ” * (قال الرئيس السادات . الجزء الرابع 1974 . السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية ) .
جاء وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسينجر للقاهرة لأول مرة في نوفمبر 1973 ليدشن دخولاً دبلوماسياً أمريكياً مباشراً لبدء عملية تفاوضية لتسوية ما أُصطلح علي تسميتها ” بأزمة الشرق الأوسط ” وهو الأسم المُفضل لدي البعض بدلاً من الصراع العربي الإسرائيلي , وقد برر الرئيس السادات بدء الإتصالات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بغرض التسوية في حديث أدلي به للصحفية اللبنانية علياء الصلح في 29 مارس 1974 عندما اشار رداً علي سؤالها إلي ما نصه ” بمجرد مقارنة بسيطة بين ما حدث في معركة 5 يونيو 1967 وما حدث في 6 أكتوبر 1973 وتصرفات الولايات المتحدة سواء علي مستوي مجلس الأمن أو علي مستوي الإتصال (الثنائي) أو علي مستوي الجهد الذي بُذل أو علي مستوي النظرة إلي المشكلة في سنة 1967 , كانت النظرة للمشكلة من جانب الحكومة الأمريكية في ذلك الوقت تحت رئاسة الرئيس جونسون الذي كانت نظرته هي الإنحياز الكامل لإسرائيل وضرب العرب , وفي سنة 73 وتحت حكم الرئيس نيكسون وبالجهد الكبير الذي بذله الدكتور كيسينجر كانت النظرة هي البحث عن السلام عن الوصول إلي تسوية سلمية , وجاء قرار مجلس الأمن الذي ضمنته أمريكا مع الإتحاد السوفيتي علي أساس وقف إطلاق النار , ثم التنفيذ الفوري لقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في نوفمبر 1967 , مجرد مقارنة بسيطة بين الموقفين , وهناك خفايا كثيرة لم يأت الوقت للكشف عنها توضح تماماً أن هناك تغييراً جذرياً في موقف الولايات المتحدة نحو السلام وإقامة علاقات متوازنة ” , كما أكد الرئيس السادات هذا المعني في كلمته بحفل العشاء الذي أُقيم للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في قصر القبة بالقاهرة بمناسبة زيارته لمصر في 12 مايو 1974 حين قال ” إن من بين التغيرات الأساسية التي فجرها السادس من أكتوبر التغير الذي حدث في المسلك الأمريكي والخطوات المُختلفة التي أتخذت منذ ذلك اليوم التاريخي , فإن التحرك الأمريكي الإيجابي هو إنجاز سياسي ملموس للسادس من أكتوبر والصفحة الجديدة التي نفتحها مع بلادكم هي شاهد حق علي أن للولايات المتحدة مصلحة حيوية في أن تكون علي علاقة طيبة بكل دول هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية …. ” , * (المصدر السابق . صفحة 183) , وكان من الطبيعي أن تشرع إسرائيل في إستعادة علاقاتها الأفريقية علي النطاق المتسع الذي كانت عليه في عامي 1971 و1972 إستفادة من أجواء التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي وليس من النتائج العسكرية لهذه الحرب التي مثلت أول هزيمة لجيش الدفاع الإسرائيلي خاصة علي الجبهة المصرية بعبور الجيش المصري للضفة الشرقية لقناة السويس وإجتياحه لخط بارليف المنيع , وعليه وكما سبق وأن إرتبط تطور العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية إستفادة من النتائج العسكرية لحربي 1956 و1967, فقد تحركت إسرائيل هذه المرة بالترويج للنتائج السياسية لحرب أكتوبر 1973 لتستعيد علاقاتها الأفريقية , وعلي كل الأحوال فالدبلوماسية الإسرائيلية والتحركات الإقتصادية الإسرائيلية معاً بإسناد من الآلة الإعلامية الغربية المواتية لإسرائيل ووجهة نظرها حيال الصراع العربي الإسرائيلي حققت تدريجياً الهدف النهائي الذي سعت إليه إسرائيل تنفيذا لإستراتيجية تحركها في أفريقيا فقليل من الحقيقة مع كثير من القذف الإعلامي المنتطم والإقتراب من ومساندة الدوائر المحيطة بقادة الدول الأفريقية وتأمين سلطاتهم القائمة علي قواعد ديموقراطية صورية هشة مع تباطؤ بل وإنسحاب عربي تدريجي أخاله متعمداً خاصة من مصر في الفترة من 1981 حتي 18 فبراير 2011 تاريخ سقوط نظام مبارك الذي كان يكتفي ببيانات فارغة مُدمج فيها عبارات كالدور المحوري والرائد لمصر في أفريقيا والتي تكاد أن تكون كعبارات شعراء الغزل في العصر الجاهلي , مما مكن إسرائيل في النهاية بتسيد الساحة الأفريقية , وقد نقترب من حقيقة هذا التقدير بإستحضار الذاكرة لعبارة قالهارئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق Ben Gurion واصفاً أحد أسس علاقات إسرائيل بأفريقيا والعالم النامي بقوله ” وإن إسرائيل ليس لديها روابط مُشتركة مع غيرها من الأمم , وقوة الجذب التي تتمتع بها بين الأمم الأخري وخاصة الأمم الآسيوية والأفريقية هي كونها نموذجاً ومثالاً يُحتذي به وأن الدول النامية تطلب صداقتها ليس لكبر حجمها أو كثرة مواردها ولكن لأنها تستطيع أن تستفيد من إمكانات إسرائيل الفنية والعلمية ” , ويدعي Ben Gurion أن الدول النامية إتجهت لإسرائيل أكثر بعد حرب سيناء 1956 لأن هذه الدول أُعجبت بإنتصار الجيش الإسرائيلي , * (تهاني هلسة . دافيد بن جوريون . دراسات فلسطينية رقم 44 . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث – بيروت نوفمبر 1968 صفحة 209 و210 ) .
بدأت إسرائيل كما سبقت الإشارة في العمل نحوإستعادة علاقاتها بالدول الأفريقية الواحدة تلو الأخري علي إساس من تخطيط مُسبق ومتابعة عن كثب للتطورات الداخلية بهذه الدول وتحقيق إقتراب من دوائر الحكم والأعمال وبمساندة أمريكية فرنسية وغربية لا تنقطع كما سيتضح ذلك لاحقاً , فعامل المساندة الغربية والأمريكية علي نحو خاص شديد الأهمية فلم تكن هذه المساندة ناشئة إلا علي أساس من علاقة التحالف المُقدس المؤسس علي جوهر ديني بحت بين الغرب وإسرائيل التي إستفادت منه أيما إستفادة كما سيتضح لاحقاً , وفيما يلي أورد نموذجين مختلفين للأسلوب الإسرائيلي في إستعادة العلاقات مع دول أفريقية قطعت علاقاتها بإسرائيل أولهما النموذج التقليدي المباشر وسنأخذ حالة الكونجو برازافيل نموذجاً له وثانيهما الأسلوب غير التقليدي وغير المباشر والذي يعكس مدي الإصرار الإسرائيلي علي الإحاطة بالدول الأفريقية بكل الوسائل المُتاحة ونموذجه غينيا كوناكري وهو نموذج عشته بل وكنت أحد أطرافه , ومن النموذجين التاليين سيمكن للمرء أن يقف إلي حد كبير قريباً من الأسلوب الإسرائيلي في العمل الدبلوماسي والإستخباراتي في تحقيق إستراتيجية العلاقات الخارجية الإسرائيلية :
نموذج الكونجو برازافيل :
أعلن في 14 يوليو 1991 عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الكونجو برازافيل وإسرائيل والتي كانت قد قُطعت في 31 ديسمبر 1972 نتيجة للموقف الأفريقي المُوحد في إطار مُنظمة الوحدة الأفريقية بجهد دبلوماسي عربي مُشترك من قبل مصر والجزائر وتونس وليبيا والسودان والمغرب وموريتانيا كل بقدر إنتشار تمثيله الدبلوماسي في أفريقيا ., ولم يكن القرار الكونجولي مفاجئاً فقد سبق أن تردد في عام 1988 قرب إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الكونجو برازافيل وإسرائيل , لكن الخارجية الكونجولية آنئذ أكدت مراراً وعلناً إستبعاد حدوث ذلك بل وإنتقدت مسلك جميع الدول الأفريقية (منها ساحل العاج وزائير) التي أعادت علاقاتها مع إسرائيل دون التشاور المُسبق مع منظمة الوحدة الأفريقية أو حتي صدور قرار مُوحد في إطارها بهذا الشأن , لكن مما تجب الإشارة إليه أن القرار الكونجولي لم يأت من فراغ فقد جاء مُتزامناً مع حدوث تحولات جذرية في علاقات الكونجو الخارجية التي بدأت في الحدوث خلال عامي 1987 و 1988 عندما بدأت علاقات برازافيل تتحسن مع زائير (الكونجو الديموقراطية حالياً) فإنتقلت من الحالة العدائية إلي حالة علاقة حسن الجوار , كما إستضافت برازافيل في الفترة السابقة علي هذا القرار جولات المباحثات الرباعية بشأن الحرب الأهلية في أنجولا وهي المباحثات التي شاركت فيها أنجولا وجنوب أفريقيا التي كان لها دور مؤثر فيها , وتزامن ذلك مع الإتفاق الكونجولي مع كوبا علي إنهاء مهمة البعثة العسكرية الكوبية في 30 مارس 1991 وكانت هذه البعثة ترابط في ميناءPointe Noire الكونجولي علي الأطلنطي منذ عام 1977 , يُضاف إلي ذلك أن الكونجو برازافيل كانت قد بدأت في علاقات ذات طابع إنفتاحي غير مسبوق مع جنوب أفريقيا الحليف الأفريقي الرئيسي لإسرائيل عندما قام وفد من رجال أعمال من جنوب أفريقيا برئاسة مسئول التعاون مع أفريقيا بخارجية جنوب أفريقيا بزيارة برازافيل في 25 يناير 1991 ليدشن مرحلة مختلفة في العلاقات الثنائية لدولتين بينهما تباين أيدولوجي هائل فبرازافيل كانت حتي ذلك الوقت محسوبة علي الدول الإشتراكية الراديكالية في أفريقيا بينما نظام جنوب أفريقيا نظام رأسمالي له تراث من العنصرية آلم الدول الأفريقية جميعاً , وبالطبع ونظراً للروابط المتينة القديمة بين تل أبيب وبريتنوريا لنا أن نتصور درجة من العلاقة لجنوب أفريقيا في إحداث تقارب بين تل أبيب وبرازافيل , وعلي الصعيد الداخلي كانت هناك تحولات أخري أهمها عقد المؤتمر القومي العام في الفترة من25 فبراير 1991 حتي 10 يونيو 1991 والذي كان من نتائج إنعقاده إتخاذ قرارات أفضت إلي فتح الباب أمام التعددية الحزبية والإصلاحات السياسية والدستورية بالكونجو برازافيل للفترة المُقبلة في تاريخها السياسي الحديث , ولما كانت عملية التحول السياسي والإقتصادي بالكونجو برازافيل لذلك كانت بحاجة لمعونات إقتصادية خارجية تقيل عثرتها الإقتصادية التي كانت ستتسع بالتأكيد حراء الإنتقال إلي نظام السوق الحر وتخفيف القبضة الحكومية علي الإقتصاد بدرجة تقلل من سيطرتها عليه وتوجيهه , وهو إنتقال دعت إليه وأدارته الدول الكبري ذات النفوذ في أفريقيا وأهمها فرنسا والولايات المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين و هذا الإنتقال أدي إلي تقريب المسافات وجسرها بين برازافيل وإسرائيل التي تبنت فرنسا مصالحها في أغلب دول مستعمراتها السابقة في وسط وغربي أفريقيا في فترة قطع العلاقات بينها وبين إسرائيل ولذلك ففي تقديري أنه يمكن إعتبار إستعادة برازافيل لعلاقاتها بإسرائيل أحد مكونات عملية التحول السياسي لبرازافيل والحالة هذه .
وجدير بالذكر أنه في خلفية إستعادة علاقات إسرائيل بالكونجو برازافيل تقع العلاقات القديمة بين الكونجو برازافيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي تطورت وتدعمت بدرجة ملموسة عندما إعترفت برازافيل بالدولة الفلسطينية في 3 ديسمبر 1988 مما إستدعي قيام وفد فلسطيني برئاسة أمين أبو حصيرة بزيارة برازافيل في 4 ديسمبر 1988لإحاطة حكومة برازافيل علماً بهذا التطور الهام وشكرها علي إعترافها بدولة فلسطين التي أُعلنت في المؤتمر الذي عُقد بالجزائر في 15 نوفمبر 1988 .
بإعلان الكونجو برازافيل عن إستعادة علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل – وقتذاك – تكون الكونجو برازافيل قد إنضمت إلي قائمة دول أفريقية أتخذت نفس القرارقبلها وهي ليبيريا وأفريقيا الوسطي وزائير (الكونجوا الديموقراطية حالياً) وساحل العاج والكاميرون وإثيوبيا وكينيا .
نموذج غينيا والإصرار الإسرائيلي علي النفاذ لأفريقيا :
تعتبر غينيا حالة إستثنائية فيما يتعلق بالسياسة الفرنسية في غربي أفريقيا أو ما عُرف تاريخياً بالسودان الفرنسي , إذ بعد أن حصلت غينيا علي إستقلالها عن فرنسا في 2 أكتوبر 1958 عرضت عليها فرنسا الإنضمام إلي الإتحاد الفرنسي (الجماعة الفرنسية) إبان عهد الجنرال Charles de Gaulle وهو نظام يشمل الجمهورية الفرنسية وأقاليم ما وراء البحار من جانب ومن الجانب الآخر الدول الأعضاء فيه وهي في معظمها المستعمرات الفرنسية السابقة في وسط وغربي أفريقيا ووفقاً لهذا النظام فإن الجمهورية الفرنسية ليست علي قدم المساواة المُطلقة مع باقي الدول الأعضاء في الإتحاد فللجمهورية الفرنسية كفالة التمثيل الخارجي الدولي للجماعة الفرنسية كلها كذلك تحظي الجمهورية الفرنسية بالكفة الراجحة فيما يتعلق بإدارة الشئون المُشتركة وللدول الأعضاء في حدود هذين التحفظين التمتع بالسيادة الداخلية , ووضعت فرنسا دستوراً عام 1958 فصل نظام الإتحاد الفرنسي تفصيلاً , ففي الباب الثالث عشر منه والمُتعلق بالدول المُشتركة في الجماعة الفرنسية وتحت عنوان ” إتفاقات الإشتراك ” Des Accords D,Association تضمن مادة وحيدة هي المادة 88 نصت علي أنه يجوز للجمهورية الفرنسية أو للجماعة أن تعقد إتفاقات مع الدول التي ترغب في المشاركة معها لتنمية حضارتها , وأن أحكام هذا الإشتراك متروكة بطبيعة الحال لعقد المُشاركة , وكان الباب الثالث عشر عبارة عن عرض دستوري إستهدفت فرنسا من وراءه إجتذاب المحميات والدول والأقاليم المُشتركة السابقة (مستعمراتها) كي تدور في فلكها لكي تحتفظ للجماعة الفرنسية الجديدة آنئذ بدرجة ما من المرونة تكفل لها البقاء مع تيار القومية الصاعد في الدول الأفريقية الأعضاء , بحيث إذا أرادت إحداها المزيد من الإستقلال ففي وسعها بدلاً من الإنفصال نهائياً عن فرنسا أن تبقي معها في إرتباط علي نحو آخر يحقق لها الإستقلال المُرتجي مع بقاءها في فلك فرنسا , وما كان لغينيا وزعيمها أحمد سيكوتوري رئيس الدولة ورئيس الحزب الديموقراطي الغيني الحاكم PDG ( وهو من قبيلة المالينكا المعروف عن أفرادا باليسر المالي والإشتغال بالتجارة والدأب في العمل علي خلاف قبيلة السوسو التي ينتمي إليها الرئيس الغيني الراحل Lansana Conté والتي معروف عن أفرادها بتواضع المستوي المعيشي ومعاقرة الخمور والبطالة والتي لم تكن تمثل غير 5% من مجمل سكان غينيا) بعد إنفصالها عن فرنسا بالإستقلال عنها أن تقبل بهذا العرض الدستوري وتدخل في إتحاد إستقلالي مع فرنسا , ولكنها أعرضت ورفضت مُفضلة عدم الإرتباط بأي رابطة مع فرنسا ( محمد محمد حسنين . الإتحاد الفرنسي ” الجماعة الفرنسية – فرنسا فيما وراء البحار ” . مطبعة العلوم القاهرة 1960 . صفحة 301) , وكان لموقف الرئيس الغيني الذي لم يتكرر من مستعمرة فرنسية سابقة أخري بأفريقيا رد فعل سلبي حانق لدي الرئيس الفرنسي Charles de Gaulle الذي طالما تغني بالحرية وحقوق الإنسان إبان قيادته لتحرير فرنسا والإطاحة بحكومة فيشي المُؤيدة من النازي في الحرب العالمية الثانية وصوره لنا الإعلام العربي وبعض النخبة علي أنه رجل الحق والحقيقة وقت أن كان يسفك دماء أخواننا في الجزائر ويحرم الأفارقة من حريتهم , ونظرة إلي الإتحاد الفرنسي الذي فرضه عليهم قبل الإستقلال تظهر ميوله الإستعمارية النقية , وإزاء موقف سيكوتوري الرافض لأي رابطة مع فرنسا كالت فرنسا / ديجول له التهديدات لرفضه أيضاً الإنضمام لكتلة الفرنك الفرنسي وأصر علي سك عملة غينية مستقلة تماماً عن كتلة الفرنك الفرنسي أسماها SYLIS وكانت العملة النقدية منها من فئة خمسة SYLIS مطبوع عليها صورة الزعيم الغاني كوامي نكروما , وأمام هذا الرفض الصارم إضطر الفرنسيين إضطراراً إلي الجلاء عن غينيا ولكن من فرط حقدهم نزعوا أعمدة التليفون ومظلات الحافلات العامة وقد رأيت ذلك بنفسي وقت أن كنت أعمل بكوناكري عام 1981 , ولذلك نجد الإعلام الفرنسي أو الذي يُظاهرة مثل مجلة Jeune Afrique تصدر عدداً خاصاً برقم 8 في يونيو 1984 بمناسبة وفاة الرئيس سيكوتوري في مستشفي بكليفلاند بالولايات المتحدة في 26 مارس 1984 حيث كان يُعالج من أزمة قلبية , شنت فيه هجوماً مريراً علي شخص الرئيس سيكوتوري لم تفعله في حالة وفاة سبنجور رئيس السنغال الأسبق أو هوافيه بوانيي رئيس ساحل العاج الأسبق , وقالت في مقدمة هذا العدد أن وفاة سيكوتوري نهاية لستة وعشرين عاماً من الطغيان القاسي في غينيا La fin de vingt – six annees de tyrannie implacable en Guinee” ” مع أن سنجور وهوافييه وغيرهما من قادة التحرير لبلادهم كانوا كذلك ولم يُكال إليهم مثل هذا الهجوم , وبسبب هذه الخلفية السيئة للعلاقات الثنائية الغينية الفرنسية لم يتوفر إلا حيز محدود جداً لنمو العلاقات الثنائية محدودة , وكان نظام الرئيس سيكوتوري قد تبني النهج الإشتراكي ولذلك تعزز وجود الإتحاد السوفيتي وبعض دول الكتلة الشرقية في غينيا , لكنه في العامين الأخيرين من حياته مال ميلاً ملحوظاً إلي الدول الإسلامية وكتب تفسيراً بسيطاً لكنه عميق لسورة الفاتحة وكتب كتاباً آخر بعنوان ” الإسلام دين الجماعة ” ودعم علاقاته بالدول العربية والإسلامية وقام بزيارة رسمية لمصر مُنح خلالها الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر الشريف وأزدهرت الدعوة الإسلامية في ربوع غينيا التي يدين أكثر من 95% من سكانها بالإسلام علي المذهب المالكي .
بعد وفاة سيكوتوري بأيام وأثتاء تولي آخر رئيس وزراء في عهده ويدعي Louis Lansana Beavogui السلطة مُؤقتاً لحين إنتخاب رئيس آخر , لكن عسكريون إنقلابيون قاموا بالإنقلاب عليه في 3 أبريل 1984 بقيادة العقيد Lansana Conte وهو شخص كنت أعرفه وإلتقيت به قبل الإنقلاب أكثر من مرة وهو محدود الثقافة تشعر أنه خامل ولا تطلعات لديه خاصة وأن الرئيس سيكوتوري جرد الجيش بسبب تآمر بعض العسكريين مع البرتغاليين من سلاحه وحجم تحركات آلياته القليلة وكان يقوم بتغييرات دورية في القيادات العسكرية في الجيش الغيني بعد محاولة البرتغال غزو غينيا من البحر عام 1970 بسبب دعم الرئيس سيكوتوري لثوار غينيا بيساو إبان إحتلال البرتغال لها , لكن بعض العسكريين بترتيب ودعم خارجي قام بالإنقلاب العسكري في 3 أبريل 1984وشكل الإنقلابيون ما أسموه المجلس الأعلي للإصلاح الوطني Conseil suprême de redressement national بقيادة Lansana Conté الذي ظل علي رأس السلطة في غينيا من عام 1984 حتي وفاته عام 2008 أي أنه ظل يحكم لأربع وعشرين عاماً , وقبل وفاته في يناير 2007 نظم معارضون لحكمه إضراباً عاما مما أضطره للإجتماع برؤساء النقابات لبحث الموقف لكنه وبدلاً من الإقتراب من مطالبهم هددهم قائلاً As many as you are, I will kill you. I am a military man. I have already killed people , وكانت العلاقات الغينية الفرنسية في عهده مُستقرة ومتطورة .
بمجرد تشكيل الإنقلابيين العسكريين بقيادة Lansana Conté المجلس الأعلي للإصلاح الوطني Conseil suprême de redressement nationalشكلوا حكومة كانت غالبيتها الساحقة من العسكريين وخاصة في الوزارات ووكلاء الوزرات المهمة وكان من بينهم رائد تولي منصب وزيرالخارجية يُدعي Facinè Touré كان قبل الإنقلاب مدرباً بمدرسة Manèyah العسكرية , وفي هذا التوقيت أي عقب تعيين Facinè Touré بدأت إسرائيل في تنشيط إتصالاتها بالإنقلابيين الغينيين خاصة وأن إسرائيل تعلم قدر غينيا من الوجهة الإقتصادية ففبها أرسابات مهمة من البوكسيت في مناجم بمنطقة Sangarédi بمحافظة Kamsar (وهي ميناء علي الأطلنطي) وثروات أخري لم يقترب منها الفرنسيون إلا بعد وفاة الرئيس سيكوتوري .
لم تكن إتصالات إسرائيل بالإنقلابيين مباشرة في هذا الوقت فكانت إسرائيل علي علم وإدراك بعلاقات غينيا التي تركها الرئيس سيكوتوري مُزدهرة وقوية مع العالم العربي وتعلم أن بكوناكري ستة سفارات لدول عربية منهم مصر التي كانت علاقاتها التاريخية بغينيا أكثرهم قوة فمصر دعمت غينيا بمجرد حصولها علي الإستقلال فأقرضتها قرضاُ بمبلغ ستة ملايين دولار عام 1960لتعميق ميناء كوناكري ولم تسترده مصر لتعثر الحكومة الغينية ( في عام 2006 أصدر الرئيس المخلوع مبارك قراراً بشطب ديون مصر قبل سنة دول أفريقية منهم الكونجو كينشاسا وغينيا دون إي إستشارة أو إبلاغ مُسبق باسفارة المصرية بهذه الدول ودون حصول مصر علي أي مقابل وكان السفير المصري بكوناكري قد نجح عام 1983بعلاقاته الطيبة مع وزير المناجم الغيني آنئذ إسماعيل توري في الحصول علي مقابل من بوكسيت غينيا مقايضة مع القرض المصري غير المسدد والذي بلغ بفوائد أكثر من 8 مليون دولار لكن مصر رفضت العرض بدعوي أن الخام الغيني منه لا يصلح لمجمع ألمنيوم نجع حمادي فيما كان يمكن إعادة تصديره إلي رومانيا ) كما أن السعودية والكويت كانتا تقدمان بالإضافة للبنك الإسلامي في جدة مساعدات مالية لغينيا دعمت كثيراً مشروعات الحكومة , كما أن العسكريين الغينيين إستجابوا للمخاوف الإسرائيلية فحافظوا قدر الإمكان علي سرية الإتصالات الإسرائيلية معهم والتي إستهدفت إستعادة العلاقات الإسرائيلية الغينية علي مستوي السفارة .
كانت غينيا إبان عهد الرئيس سيكوتوري قد قطعت علاقاتها بإسرائيل بمجرد وقوع العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية في 5 يونيو , ففي مساء 5 يونيو 1967 أبلغت الخارجية الغينية السفير الإسرائيلي في كوناكري Shlomo Hillel (شغل لاحقاً منصب رئيس الكنيست الإسرائيلي وكان سفيراً لإسرائيل في عدد من الدول الأفريقية ) بمغادرة الأراضي الغينية في ظرف 48 ساعة ومعه أعضاء سفارته وكان من بينهم سكرتير ثان يدعي Haim Harare , وكان أن قطعت غينيا كل روابطها مع إسرائيل إلي أن رأت إسرائيل وفقاً لمتابعتها المباشرة لمجريات الأمور في كوناكري ومن خلال القناة الفرنسية أن الإنقلابيين لديهم إستعداد لإستعادة العلاقات , وبالنسبة لإسرائيل فقد قدرت أن الوقت قد حان لإستعادتها فقررت ذلك لكن وكما سبقت الإشارة من خلال سياسة الإقتراب غير المباشر مرحلياً , فأصدرت تعليماتها للقائم بالأعمال الإسرائيلي في Abiddjan عاصمة ساحل العاج بالقيام باللازم في هذا الشأن , وفي الواقع لم يتوقع أو يفكر أي من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي في كوناكري أن تكون الحركة الإسرائيلية في هذا الإتجاه بهذه السرعة إلا أنه يبدو – لذلك – أن الإتصالات الإسرائيلية بهؤلاء العسكريين الغينيين كانت سابقة علي وفاة الرئيس سيكوتوري , لكن شاءت إرادة الله تعالي أن تتكشف هذه الإتصالات وهي مازالت بعد في مهدها فبمحض الصدفة وفي حديث مع دبلوماسي غيني يعمل بإدارة مراسم الخارجية الغينية عرفني عليه صديق من جنوب لبنان مستقر بأعماله في كوناكري , عرفت منه أن هناك ثمة إتصالات إسرائيلية تجري مع وزير الخارجية الغيني Facinè Touré فلما عبرت له عن دهشتي لمعرفتي الظروف التي تم فيها قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية وبشكل مهين للإسرائيليين أفادني بأنه سيسلمني في الغد ما يثبت كلامه مستندياً وبالفعل في صباح اليوم التالي وكان ذلك في سبتمبر 1984 سلمني صورة من خطاب مُوقع من القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan ويدعي Benal Avital طالباً مني أن تقوم السفارة المصرية وفي أضيق نطاق بإستخدام هذا المستند بالطريقة التي يمكن بها أن تمنع إسرائيل من إستعادة علاقاتها بغينيا التي يكفيها شراً الإنقلاب العسكري وما سيجره علي بلاده من ويلات وقال لي أن كل هؤلاء الإنقلابيين دمي في يد فرنسا وأنهم كانوا يأملون أن تعبر بلادهم إلي الديموقراطية لكن وبقفز هؤلاء العسكريون علي السلطة أصبح ذلك مُستبعداً , وعدت إلي السفارة لأقرأ الخطاب قبل إبلاغ السفير وتسليم صورته إليه والبحث عن وسيلة للتحرك في الإتجاه المُتاح لمصر خاصة بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 , ووجدت أن الخطاب مُؤرخ في 6 أغسطس 1984 ومكتوب بخط يد القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموضح بالطباعة رقم هواتف مكتب القائم علي المصالح الإسرائيلية – آنئذ – في Abiddjan وهي 323178 و 324953 وعنوان صندوق بريده وهو B.P .1877 Abidjan 01 , ويقع الخطاب في صفحتين ومختوم في صفحة منه بالخاتم الرسمي لمكتب رعاية المصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموجه لوزير الخارجية الغيني ويتضمن الإشارة لمحادثات هاتفية سابقة بين الوزير الغيني و Benal Avital الذي أشار إلي الوزير الغيني إلي إتفاقهما السابق علي قيام وفد رسمي غيني بزيارة لإسرائيل يلزم الحفاظ علي سريتها وأن صديقاً ” مخلصاً ” إسرائيلياً سيكون في صحبة هذا الوفد وأن تذاكر السفر للوفد سترسل للوزير قبل الجمعة 10 أغسطس 1984 ( وهو الموعد الذي أقترحه Avital لبدء تحرك الوفد من كوناكري) وأشار كذلك إلي أن تذاكر الطائرة ستكون علي خط شركة Sabena وأن مسار الرحلة إلي تل أبيب سيكون Conakry- Abidjan – Bruselles والعودة , لكن سوف تُسلم تذاكر للرحلة Tel Aviv– Bruselles والعودة للوفد عند وصوله إلي Bruselles وسيكون زملاءه في Bruselles في إستقبال الوفد الغيني , وستكون عودة الوفد إلي كوناكري في مساء 13 أغسطس و1984 , ونوه السيد Benal Avital إلي أنه سيعاود الإتصال بالوزير يوم الثلاثاء 7 أغسطس ليعرف قراره في شأن الموعد المُقترح لمغادرة الوفد وتشكيله وأسماء ورتب أعضاءه وأشار إلي أنه في حالة تعذر إجراءه للمحادثة التليفونية لسبب فني فيمكن للوزير أو السيد Naite أن يتصل به مساء 7 أغسطس علي رقم الهاتف بيته وهو 443973 لمناقشة أفضل الترتيبات لهذه الزيارة .
أبلغني الدبلوماسي الغيني أنه بالرجوع لملف إسرائيل بمراسم الخارجية الغينية وجد أن السفارة الإسرائيلية بكوناكري قبل قطع العلاقات كانت مكونة من السفير Shlomo Hillel ( وسكرتير ثان يدعي Haim Harare وقال لي أنه يعرفه , وبعد يومين فوجئت به يبلغني أن Haim Harare هذا هو بنفسه القائم بأعمال السفارة السويسرية في كوناكري وأنه رآه أكثر من مرة قبل الإنقلاب علي حكومة Lansana Beavogui ويعرفه حق المعرفة لكنه الآن جاوز الخمسين من عمره , وبالتالي كان من المنطقي أن تكون العلاقات الإسرائيلية الغينية مُستمرة حتي قبل وفاة الرئيس سيكوتوري بمدة من خلال موقع Haim Harare بالسفارة السويسرية بكوناكري , ومن المُؤكد أن إسرائيل إختارته لهذه المهمة الدقيقة والمحفوفة ببعض الخطر لمعرفته المُسبقة بغينيا والشخصيات الغينية المفتاحية لإسرائيل في غينيا وقد يكون قد شارك مع Benal Avital في الإتصالات التي جرت مع وزير الخارجية بحكومة الإنقلاب .
أبلغت السفير بكل ذلك وسلمته صورة هذا الخطاب وتملكه فزع من سرعة التحرك الإسرائيلي وكلفني بمزيد من المتابعة وبالفعل رجعت لملف إسرائيل بالسفارة والذي كان آخر تقرير به عن مغادرة السفير الإسرائيلي بأوامر من الخارجية الغينية في مدي 48 ساعة , لكني وجدت تفاصيل إعتبرتها هامة لأني تحققت من المعلومات القليلة التي سرها إلي الدبلوماسي الغيني فوجدت تقريراً وضعه مستشار بالسفارة المصرية سابق لقطع العلاقات الغينية الإسرائيلية أشار إلي أن السكرتير الثاني بالسفارة الإسرائيلية قبل قطع العلاقات كان أسمه Haim Harare وأنه شوهد في بنك غينيا وهو يرسل حوالة مالية إلي سيدة يهودية بالقاهرة إي أنه يهودي مصري , وعندما أكدت ذلك لزميلي الغيني قال لي بالفعل هذا صحيح كما سبق وأشرت وأوضح أنه بحكم عمله بقاعة كبار الزوار فقد كان يلتقي بالسيد Harare كثيراً عندما كان يعمل بالسفارة الإسرائيلية في كوناكري قبل قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية في 5 يونيو 1967, وقال أن الإسرائليين كانوا نشطين في علاقاتهم بغينيا فلم تقتصر العلاقة علي الجانب السياسي فقط بل تعدتها للجانب الإقتصادي فكان الإسرائيليين يديرون مزرعة تقع خارج العاصمة الغينية منحها الرئيس أحمد سيكوتوري مع مبني السفارة الإسرائيلية إلي الفلسطينيين الذين غيروا أسمها ليكون ” مزرعة صامد ” لكنها كما قال تمر بظروف إدارية ومالية حرجة ( قال لي القائم بالأعمال الفلسطيني وقتئذ أن السبب هو عدم وضوح السلطة في المشروع وعدم التنسيق بين مكتب منظمة التحرير بكوناكري والقائمين علي العمل بالمزرعة ووصل التنازع بينهما لعلم السيد ياسر عرفات الذي أمر بنقل مدير المزرعة لكن تقديري وقتذاك أن المزرعة كانت تدار بمعيار سياسي وليس إقتصادي ) .
إجتمع السفير المصري بالسفراء العرب بكوناكري وتباحث معهم في الأمر بعد إبلاغهم لوزارات الخارجية بدولهم , وأستقر الراي وفقاً لذلك علي تكليف السفير السعودي بمقابلة وزير الخارجية الغيني لمفاتحته في أمر تلقي معلومات عن محاولات إسرائيلية لإستعادة العلاقات مع غينيا وأنهم واثقون من أن الحكومة الغينية تثمن علاقاتها العربية وترغب في تطويرها خاصة وأن التسوية السياسية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي مازالت بعد غير مُحققة , وكان أن توقفت إتصالات إسرائيل بغينيا في هذا الشأن لفترة طويلة نسبياً .
كان لهذا التحرك العربي المُشترك أثره في عرقلة إستعادة إسرائيل لعلاقاتها بغينيا منذ أن تم الكشف عن هذه المحاولة السرية * ( لا تذكر أية مصادر إسرائيلية شيئاً عن هذه المحاولة بل تتكلم كثيراً عن أن إسرائيل لم تتوقف عن مواصلة علاقاتها بشكل غير رسمي مع هذه الدول ومنها غينيا وهذا جزئياً صحيح لكنها ليست الحقيقة الكاملة) وحتي الإعلان في 20 يوليو 2016 عن توقيع Dore Gold سكرتير عام الخارجية الإسرائيلية و Ibrahim Khalil Kaba مسئول مكتب الرئيس الغيني Alpha Condé علي إتفاق مُشترك في باريس بإستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين , ومن المهم الإشارة إلي ما أوردته وكالات الأنباء نقلاً عن Dore Gold في هذه المناسبة فقد قال إن عدد البلاد الأفريقية التي مازالت لم تعيد تأسيس علاقاتها مع إسرائيل في تناقص مُنتظم وأننا نأمل في ألا يكون هناك بلد مازال في قطيعة مع إسرائيل , وأن إسرائيل تدعو البلاد التي لم تجدد ” إستخدم كلمة Renewed وليس “Restoreبعد علاقاتها الدبلوماسية بأن تحذو حذو غينيا حتي يمكننا العمل معاً لمصلحة شعوب المنطقة ” , وقال Dore Gold مُبرراً تلك المدة الطويلة التي ظلت علاقات بلاده بغينيا مقطوعة منذ الإنقلاب العسكري بغينيا في 3 أبريل 1983 وإختفاء الرئيس سيكوتوري بالوفاة وهو الذي كان لا يمكن في عهده إستعادة هذه العلاقات بقوله أن ” روابط بلاده بغينيا كانت مُستمرة حتي عندما لم تكن هناك ثمة علاقات رسمية ” وهو ما قد يؤكد حالة عمل Haim Harare تحت غطاء السفارة السويسرية في كوناكري , مؤكداً أن إسرائيل ساهمت في مكافحة فيروس Ebola وردد الحكمة التي تقول أن الصديق الحق هو الصديق في وقت الشدة , وعقب الإتفاق أعلنت الخارجية الإسرائيلية في يوليو 2016عن أن السفير Paul Hirschson سفير إسرائيل لدي السنغال سيغطي عدة دول أفريقية منها غينيا كما عينت كل من Eliahu Ben-Tura سفيراً لها في ساحل العاج و Oren Rozenblat سفيراً لها في أنجولا و Gadi Harpaz سفيراً لها في أرتريا .
لئلا نغفل عن المعني الحقيقي لحالة العمل الإسرائيلي المُثابر لإستعادة العلاقات مع غينيا وغيرها من الدول الأفريقية فلابد من إستنباط حقائق مهمة توضح إلي أي مدي واسع ومتدرج وبأي كيفية مبتكرة ومخططة جيداً تعمل الدبلوماسية الإسرائيلية وهذه الحقائق هي ما يلي :
* أن الطريقة التي إتبعتها إسرائيل في محاولة إستعادة روابطها الدبلوماسية مع غينيا تعكس مدي الإصرار والمثابرة وأن عملية إستعادة العلاقات مع غينيا وغيرها ليست ضربة لازب أو خبط عشواء , فوراءها تخطيط مُسبق وأدوار تُؤدي , وهناك طرق أخري مختلفة قليلاً لمتابعة العلاقات مع الدول الافريقية التي تري إسرائيل أن هناك صعوبات جمة في إستعادة العلاقات معها مثل النيجر التي فُرضت عليها العلاقات مع إسرائيل زمن الرئيس المُغتال ميانسارا في ثمانينات القرن الماضي وقُطعت العلاقات الدبلوماسية معها , إلا أن إسرائيل لم يخالجها اليأس فأرسلت خبيراً زراعياً إسرائيلياً يُدعي Dov Pasternak للعمل في منظمة زراعية هندية لها أفرع في دول أفريقية منها النيجر تدعي ICRESAT ودخل النيجر بجواز سفر برازيلي وكان قد سبق له العمل في مصر التي شهدت العلاقات الزراعية مع إسرائيل دفعة غير مفهومة إبان تولي د . يوسف والي لسنين عدداً وزارة الزراعة المصرية وقد نظم Dov Pasternak خلال تواجده بالنيجر عامي 2011 و2012 دورات زراعية لمتدربين من النيجر في إسرائيل وتعامل مع هيئتين حكوميتين في النيجر في هذا الشأن تدعيان AGRAYMET و IRAN في الوقت الذي كان هناك يهود يعملون بالنيجر من خلال وكالة التنمية الدولية للولايات المتحدة USAID ومجموعةAREVA المملوك معظمها للدولة الفرنسية والقائمة علي إستخراج اليورانيوم بالنيجر بمنطقة ( النيجر ثالث أكبر مُنتج لليورانيوم علي مستوي العالم ) .
* أن سرعة التحرك الإسرائيلي مع الثلة العسكرية الغينية أو Junta لإستعادة العلاقات تُؤشر إلي أن هناك إحتمال بأن مُرجح بأن إرتباطات سابقة توثقت مع بعضهم إما مباشرة أو عن طريق المخابرات الفرنسية (تبادل المعلومات والعمليات) لكن المؤكد وفقاً لخطاب القائم علي المصالح الإسرائيلية في Abiddjan أن الإتصالات الإسرائيلية الغينية بدأت في شهر يوليو 1984 أو قبل ذلك بقليل أي بعد الإنقلاب العسكري بأربع أو ثلاث أشهر , وفي الحالتين يتأكد أن هناك إصرار ومتابعة إسرائيلية .
* أن محطة Abiddjan لا تقل أهمية للمخابرات والدبلوماسية الإسرائيلية عن محطة أديس أبابابا في إدارة العمليات المخابراتية ومازالت كذلك , والذي قد كان يخفف إلي حد ما من وطأة العلاقات الإسرائيلية علي العلاقات العربية مع دولة ساحل العاج هو التأثير الإقتصادي للجالية اللبنانية الضخمة والمٌنتشرة هناك وبدرجة أقل في دول أخري بغرب أفريقيا منها سيراليون , ويجدر بالذكر أنه لم يكن في أي مرحلة ثمة وعي عربي مُترجم في تعليمات رسمية بكيفية التعامل المفيد والمتبادل مع الجاليات اللبنانية في أفريقيا وخاصة في غربي القارة , بل في أحوال كثيرة كان الكثير منهم لا يستطيعون بسهولة الحصول علي تأشيرة دخول مصر وأعتقد أن ذلك ينسحب علي أي دولة عربية أخري , وهو وضع مختلف بالتأكيد عن علاقة يهود الشتات مع السفارات الإسرائيلية أو الدولة العبرية , فهنا إهمال وتجاهل بل وإبتعاد وهناك إحتضان وعناية وإقتراب منتج .
* أن سويسرا ليست كما تحاول أن تدعي بأنها دولة محايدة فحالة غينيا حالة صارخة للإنحياز الذي يرقي إلي نوع من التحالف السويسري من اجل تحقيق المصالح الإسرائيلية لدرجة منح Haim Harare جواز سفر ديبلوماسي سويسري وتمثيل سويسرا في غينيا وهو في الحقيقة يمثل إسرائيل في كوناكري بالتوازي مع الإتصالات التي جرت بين القائم بالأعمال الإسرائيلي ووزير خارجية الإنقلاب في غينيا , وفي الحقيقة وبالتأكيد إلي حد كبير كانت هناك حالات (عمليات) أخري منها مثلاً ما أشار إليه دبلوماسي إسرائيلي لي في حديث معه في كينشاسا في يوليو 1988 تناول من بين أمور أخري العلاقات الإسرائيلية السوفيتية فقد أوضح أن هناك تقارب ملحوظ بين إسرائيل والإتحاد السوفيتي وأن هذا التقارب يأخذ صوراً أخري من بينها تواجد بعثة قنصلية إسرائيلية مُقيمة في موسكو , وموافقة موسكو علي إرسال بولندا لبعثة تجارية بولندية إلي إسرائيل وموافقة الإدارة السوفيتية علي السماح بمهاجرين يهود سوفييت لإسرائيل , وأن كل ذلك يتم في إطار حوار جاد مع موسكو لتبادل العلاقات الدبلوماسية ووصف جورباتشوف بأنه ليس كسابقيه لأنه يتناول سياسات سوفيتية عتيقة بطريقة ثورية , ومازالت سويسرا للآن تلعب أدواراً لا علاقة لها بمفهوم الحياد فقد لعبت دور المُيسر Facilitateur مع الوسيط البوركينابي (بوركينافاسو) في الإجتماعات التي عُقدت في واجادوجو في 23 و 24 يوليو 2012 والتي ضمت قادة عسكريين وسياسيين ينتمون للحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA (في شمال مالي)وتناول هذا الإجتماع تقييم الموقف بمنطقة AZWAD بشمال مالي والتي كانت هذه الحركة قد أعلنت في 4 أبريل 2012 إنفصالها عن مالي وإعلان إستقلال جمهورية AZWAD ولكن عناصر جماعة أنصار الدين الإسلامية حطموا هذا الحلم وطردوا عناصر حركة MNLA من شمال مالي محافظين علي تكامل وسيادة مالي وهؤلاء هم من جردت لهم فرنسا عملية Serval العسكرية في شمال مالي لمواجهتهم بإعتبارهم تهديداً لمالي ولأنهم ” إرهابيين” مع أنهم هم من حافظوا علي تكامل دولة مالي وليس الجيش الجيش المالي الذي إنقلب بقيادة ضابط صغير يدعي Amadou Sanogo تلقي تدريبات عسكرية بالولايات المتحدة علي الرئيس Amadou Tomani Toure قبل إنقضاء مدة رئاسته الثانية والأخيرة بشهر واحد في 21 مارس 2012 , ولهذا تعاملت سويسرا مع هؤلاء الإنفصاليون تقوية لساعدهم ولميولهم الإنفصالية فلا تفسير آخر مُتاح لدي , ومبلغ أسفي أن معظم القادة العرب يتبنون بعض وجهات نظر المؤسسات الغربية فيما يجري بأفريقيا دون إدراك لتباين مصالحنا مع مصالحهم ودون إستدعاء لماضيهم الإستعماري في القارة الأفريقية التي عانينا نحن أيضاً مع الأفارقة منه .
صورة عامة للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية في المرحلة الأخيرة :
كانت أكثر الفترات حرجاً لإسرائيل وهي تحاول مد جسورها للدول الأفريقية من خلال التمثيل الدبلوماسي هي تلك الواقعة بين ما بعد 5 يونيو 1967 وحتي توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 , فمن المؤشرات الدالة علي ذلك أن التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي عامي 1971 -1972 كان أكثر قوة من الوجهة العددية والنوعية فكان لإسرائيل 24 سفارة مُقيمة في عواصم هذه الدول علي مستوي السفراء , فيما نجد أن الوضع الحالي عكس ذلك فلإسرائيل حالياً 10 سفارات مُقيمة فقط بأفريقيا وباقي التمثيل غير مُقيم , ولا يعني ذلك بصفة مُطلقة أن الروابط الدبلوماسية ضعيفة فالأمر ربما لا يتجاوز الحسابات الإقتصادية وحالة المالية العامة للدولة الإسرائيلية حالياً بالإضافة إلي أن أذرع إسرائيل في هذه الدول أصبحت متنوعة وليس أقلها الروابط العسكرية والأمنية وصفقات التسليح التي يحصل عليها النظام الأفريقي وخصومه في آن واحد أحياناً , وعموما فقد فُتح الباب الآن علي مصراعية أمام إسرائيل في أفريقيا بعد أن إنتهت حرب أكتوبر1973 في الميدان العسكري بقبول كل من مصر وسوريا وإسرائيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973والذي تبنته كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي علي وقف إطلاق النار و قد نص هذا القرار علي التسوية السلمية للصراع من خلال مفاوضات , وبناء علي هذا القرار وقعت سوريا وإسرائيل علي إتفاقية لفك الإرتباط بين قواتهما في 31 مايو 1974 ثم وقعت مصر وإسرائيل في الأول من سبتمبر 1975 علي الإتفاق الثاني للفصل بين قواتهما علي خط الجبهة المصرية , وبالرغم من الطبيعة العسكرية البحتة لهاتين الإتفاقيتين الأخيرتين إلا أنهما بدون شك مثلا إتصالاً مباشراً بين الأعداء مما فتح الباب قليلاً لدخول رغبة أي من الأطراف المُنخرطة في الصراع العربي الإسرائيلي للتفاوض السياسي , وهو ما كان بالفعل فقد بدأت مصر السعي في طريق التفاوض من أجل التسوية ووقعت بعد مفاوضات مضنية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 , ثم عُقد مؤتمر مدريد للسلام في نوفمبر 1991بمبادرة من الرئيس Bush الأب برعاية أمريكية سوفيتية وفي إطار من تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام 242 و338 و425 تحت عنوان ” الأرض مقابل السلام ” , وشاركت فيه إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين حيث جرت مباحثات ثنائية بين الجانب العربي وإسرائيل بالتوازي مع مباحثات متعددة الأطراف جري فيها مناقشة موضوعات مثل التسلح والمياه وغيرهما , وبالرغم من أن المؤتمر لم يحقق الهدف المأمول منه لمراوغة وتعنت الجانب الإسرائيلي وتفتت الإجماع العربي بعد التسوية علي الجبهة المصرية وللخصومات الكامنة بين الأنظمة العربية وهي طبيعة أصيلة في هذه الأنظمة , إلا أن إسرائيل روجت في العالم وفي أفريقيا بأن التسوية في سبيلها للإكتمال خاصة وأنه بعد مؤتمر مدريد كانت تتم تحركات وإتصالات دبلوماسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل منذ عام 1991في أوسلو تمخضت في النهاية عن توقيع الطرفين في واشنطن في 13 سبتمبر 1993برعاية نرويجية (مؤيدة من الولايات المتحدة) علي ما سُمي بإتفاقات أوسلو أو ” إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني ” وبموجب هذا الإتفاق إعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في العيش في سلام والتوصل لحلول تفاوضية بشأن القضايا موضوع النزاع , كما إعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية , وبعد ذلك وقعت إسرائيل والأردن علي معاهدة سلام في وادي عربة في 26 أكتوبر 1994, وبناء علي ذلك كله فقد بدت منطقة الشرق الأوسط للرأي العام العالمي والأفريقي منطقة يخوض فيها أعداء الأمس جولات تفاوضية من أجل تسوية الصراع الدائر منذ صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917, وبطبيعة الحال كان من الطبيعي أن تعمل هذه التطورات التفاوضية المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط علي طي دول المواجهة العربية للصفحة العسكرية للصراع , وبغض النظر عن الأداء التفاوضي للجانب العربي وتفكك الجبهة التفاوضية العربية مما أدي لتوقيع معاهدات أو إتفاقات لم تلب إلا بعض من الإهتمامات العربية إلا أن هذا الوضع كان مواتياً لإسرائيل التي حققت كل ما طمحت إلي تحقيقة , ومن بين ما حققته إسرائيل الظهور أما الرأي العام العالمي والأفريقي بمظهر سلمي إيجابي وهو ما لم تترجمه حرفياً النتائج التفاوضية التي وُضعت في مواد الإتفاقات المُشار إليها , ومع ذلك فقد قطعت بعض الدول الأفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر وعزت إسرائيل ذلك إلي خشية هذه الدول من إنقطاع الدعم العربي خاصة في ظل إزمة أسعار البترول عقب هذه الحرب , وعلي أي الأحوال فمن بين أهم النتائج العرضية لهذه الإتفاقيات تقبل الدول الأفريقية وإستجابتها للتحركات الإسرائيلية من أجل إستعادة العلاقات الإقتصادية علي المستويات الثنائية في مستهل التسعينات من القرن الماضي , وهو ما حدث بالفعل فبدأت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية تعود إلي سابق عهدها مع إسرائيل علي التوالي في فترة التسعينات إلي وقتنا هذا ومع الإندفاع الإسرائيلي إلي أفريقيا شهدت الثلاثين عاماً الأخيرة إنسحاباً مصرياً من أفريقيا فلقد إقتصر التواجد المصري علي تواجد التمثيل الدبلوماسي المصري الذي يغطي 42 دولة أفريقية من مجموع 53 دولة عضو بالإتحاد الأفريقي (منهم 6 دول عربية) وعلي جهد الصندوق المصري للمعونة الفنية لأفريقيا (الذي يماثله في إسرائل الـ MASHAV الوكالة الدولية للتعاون الإنمائي وهي تابعة للخارجية الإسرائيلية أيضاً) , هذا مع العلم بأن التطورات المُشار إليها لم تستفد منها إسرائيل في القارة الأفريقية فقط بل تعدتها إلي العالم كله فلإسرائيل اليوم تمدد دبلوماسي غير مسبوق فتمثيلها الدبلوماسي علي مستوي العالم ككل قوامه 107بعثة دبلوماسية منها 79 سفارة مُقيمة و22 قنصلية عامة و5 بعثات خاصة وفيما يلي صورة عامة للتواجد الإسرائيلي في أفريقيا بعد هذه التطورات :
1- التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل حالياً بأفريقيا :
أنجولا * : والتمثيل بها مٌقيم علي مستوي سفير وقد تم تأسيس العلاقات علي هذا المستوي في أبريل 1992
بنين : التمثيل بها غير مُقيم ويتولاه سفير إسرائيل في ساحل العاج وقد تم إستعادة العلاقات في يوليو 1992 ولإسرائيل قنصل فخري بكوتونو .
بوركينافاسو : تمثيل غير مُقيم يُغطي بواسطة السفير الإسرائيلي في ساحل العاج وقد تمت إستعادة العلاقات معها في أكتوبر 1993 .
بوروندي : تمثيل غير مُقيم ويتولي تغطية العلاقات سفارة إسرائيل في إثيوبيا , وقد أستعادت إسرائيل العلاقات معها في مارس 1995 .
الكاميرون * : التمثيل مُقيم وعلي مستوي السفارة وقد إستعادت إسرائيل العلاقات في أغسطس 1991 .
الرأس الأخضر: تمثيل إسرائيلي غير مُقيم تم تأسيسه في يوليو 1994 .
أفريقيا الوسطي : تمثيل غير مُقيم وتغطيه السفارة الإسرائيلية في الكاميرون , وتمت إستعادة العلاقات في يناير 1991.
الكونجو : تمثيل غير مُقيم ويُغطي من القدس وتمت إستعادة العلاقات في يوليو 1991 .
ساحل العاج * : علي مستوي السفير والتمثيل مُقيم وتمت إستعادة العلاقات في فبراير 1986 .
الكونجو الديموقراطية ( زائير سابقاً) : تمثيل غير مُقيم وأستعادت إسرائيل العلاقات معها في يناير 1993 وتُغطي السفارة والعلاقات من الخارجية الإسرائيلية بالقدس .
أرتريا * : تمثيل مُقيم بأسمرا وتأسست العلاقات علي مستوي السفير في مايو 1993 .
إثيوبيا * : تمثيل مُقيم علي مستوي السفير , وتمت إستعادة العلاقات في نوفمبر 1989 .
الجابون : تمثيل غير مُقيم وتُغطي العلاقات الثنائية التي تم إستعادتها في سبتمبر 1993من الحارجية الإسرائيلية بالقدس .
جامبيا : تمثيل غير مُقيم وتُدار العلاقات الدبلوماسية التي تمت إستعادتها في في سبتمبر 1993من السفارة الإسرائيلية بالسنغال .
زامبيا : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وقد إستعادت إسرائيل العلاقات معها في ديسمبر 1991 وتُدار العلاقات الثنائية من مقر الخارجية الإسرائيلية بالقدس .
زيمبابوي : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وقد تأسست العلاقات الدبلوماسية معها في نوفمبر 1993 ويديرؤها سفير من مقر الخارجية الإسرائيلية بالقدس .
غانا * : علي مستوي السفارة المُقيمة بأكرا وقد أُعيدت العلاقات في أغسطس 1994 .
غينيا : سبقت الإشارة إليها عاليه .
كينيا *: تمثيل مُقيم علي مستوي السفارة وأستعادت إسرائيل علاقاتها معها في ديسمبر 1988.
ليبيريا : التمثيل غير مُقيم وتُدار العلاقات عبر السفارة الإسرائيلية في ساحل العاج , وأستعادت إسرائيل العلاقات معها في أغسطس 1993 .
مدغشقر : التمثيل غير مُقيم , وأستعادت إسرائيل العلاقات معها في في يناير 1994 , وتدار العلاقات معها من الخارجية الإسرائيلية بالقدس .
مالاوي : التمثيل غير مُقيم وتأسست العلاقات بين البلدين في يوليو 1964 وتُدار العلاقات عبر السفارة الإسرائيلية في نيروبي .
موريتانيا : قُطعت العلاقات في مارس 2009 وكانت مُؤسسة في سبتمبر 1999 .
موريشيوس : تمثيل غير مُقيم وأستعادت إسرائيل العلاقات معها في سبتمبر 1993, وتُدار العلاقات الثنائية من الخارجية الإسرائيلية بالقدس , ولإسرائيل قنصل فخري في Port Louis .
ناميبيا : تمثيل غير مُقيم وقد تأسست العلاقات بينهما في فبراير 1994, وتُدار العلاقات بواسطة الخارجية الإسرائيلية بالقدس .
نيجيريا * : تمثيل مُقيم علي مستوي السفارة وقد تمت إستعادة العلاقات في مايو 1992 .
رواندا : تمثيل غير مُقيم وقد تمت إستعادة العلاقات في أكتوبر 1994 .
ساوتومي وبرنسيب : تمثيل غير مُقيم وقد تأسست العلاقات بين البلدين في نوفمبر 1993 , وتُدار العلاقات من السفارة الإسرائيلية بأنجولا .
السنغال *: تمثيل مُقيم علي مستوي السفير وقد تمت إستعادت العلاقات في أغسطس 1994 .
سيشل : تمثيل غير مُقيم وقد تأسست العلاقات بين البلدين في سبتمبر 1992 .
سيراليون : تمثيل غير مُقيم وقد تمت إستعادة العلاقات في مايو 1992 وتُدار العلاقات بواسطة السفارة الإسرائيلية في داكار .
جنوب أفريقيا * : العلاقات علي مستوي السفير وقد تأسست في يناير 1975 .
جنوب السودان : التمثيل غير مُقيم وقد تأسست العلاقات في يوليو 2011 , وتُدار العلاقات من الخارجية الإسرائيلية في القدس .
سوازيلاند : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وقد تأسست العلاقات في سبتمبر 1968 وتُدار العلاقات الثنائية بواسطة السفارة الإسرائيلية في Pretoria .
تنزانيا : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وتُدار العلاقات التي تمت إستعادتها في فبراير 1995 من السفارة الإسرائيلية في كينيا .
توجو : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وتُدار العلاقات الثنائية بعد إستعادتها في يونيو 1987 من السفارة الإسرائيلية في ساحل العاج .
يوغندا : التمثيل الدبلوماسي غير مُقيم وقد إستعادت إسرائيل العلاقات معها في يوليو 1994 وتُدار العلاقات من كينيا .
2- الوضع العام للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية :
يتضح مما تقدم أن إسرائيل تتبادل العلاقات الدبلوماسية مع 38 دولة أفريقية ولها سفارات مُقيمة في 10 دول أفريقية وغير مُقيمة بباقي الدول الأفريقية المُشار إليها , ولقد دشن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق Avigdor Liberman مرحلة الإندفاع الإسرائيلي لأفريقيا بزيارته التي قام بها في سبتمبر 2009 وشملت إثيوبيا وكينيا وغانا ونيجيريا ويوغندا ( قلما يقوم وزير خارجية مصري بزيارة لدولة أفريقية إلا في حالة عقد لجنة ثنائية أو مؤتمر أفريقي) وتواكب ذلك مع تزايد حرص السفراء الإسرائيليين علي القيام بزيارات دعم العلاقات الثنائية مع الدول الأفريقية التي ليس لإسرائيل تمثيل دبلوماسي مُقيم بها وفي الغالب تكون هذه الزيارة لمرتين أو ثلاث أثناء العام , وهو ما إقترحته علي الخارجية المصرية وإستجاب له السيد الوزير أحمد أبو الغيط فقد لأحظت أثناء عملي سفيراً لمصر في أنجولا أن علاقة مصر بجمهورية ساوتومي وبرنسيب اللتي أغطيها بصفة سفير غير مُقيم تنحصر فقط في تقديم أوراق إعتمادي لرئيس هذه الجمهورية وبعد ذلك تنقطع صلتي بهذا البلد , وبررت إقتراحي بأن هذه الدولة ذات أهمية قصوي للولايات المتحدة خاصة وأن لها مستقبل بترولي واعد ولها علاقات عضوية بالجابون ونيجيريا ثم أن مصر غير مُرتبطة تعاهدياً معها بأي إتفاق وأن هذا الوضع ينصرف معناه علي كل تمثيل مصر الدبلوماسي مع دول التمثيل غير المقيم , لذلك وافق وافق وزير الخارجية علي مقترحي بل وعممه , وكان من إثر ذلك أن توصلت لإتفاق تعاون ثنائي شامل مع جمهورية ساوتومي وقعه وزيرا الخارجية بالقاهرة في مارس 2006 وبالتالي أرتبطت مصر تعاهدياً بهذه الدولة التي زادت أهميتها في خليج غينيا بعد الإعلان في 6 فبراير عن إقامة الولايات المتحدة لقيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM .
عملت إسرائيل من خلال جهودها الدبلوماسية وعلاقاتها المباشرة مع شخصيات مؤثرة وقريبة من دائرة السلطة والأعمال بالدول الأفريقية علي إستعادة علاقاتها التي قُطعت إبان وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973 مع كثير من الدول الأفريقية والتي بعد أن قامت بإستعادة العلاقات الدبلوماسية معها قامت بترميمها وتطويرها عن طريق الذراع التنموي لوزارة الخارجية الإسرائيلية وهي وكالة التعاون الإنمائي الدولي MASHAV والتي بلغت قيمة مساعداتها الفنية والتنموية للدول الأفريقية عام 2010 حوالي 150 مليون دولار وذلك في إطار ثنائي أو في إطار ثلاثي بإشتراك طرف ثالث مثل وكالة التنمية الدولية الأمريكية أو USAID ومع فرنسا ووكالة GIZ الألمانية وغيرهم , وتركز MASHAV عملها في أفريقيا علي الزراعة والري والصحة ( فيما معظم تركيز الصندوق المصري علي الصحة بنسبة أكثر من 75% من نشاطه في أفريقيا بجانب القليل في مجالات لا تتكرر إلا كل مدة طويلة مثل التعدين والتعليم ) وقامت MASHAV بتدريب وتأطير كوادر لدول أفريقية تزيد عن 35 دولة من خلال عدد كبير من الدورات التدريبية وكانت كينيا ونيجيريا ويوغندا وإثيوبيا والكاميرون وغانا أكبر الدول الأفريقية نصيباً من هذه المنح , كما أوفدت هذه الوكالة خبراء مؤقتين ودائمين لعدد من الدول أفريقية , والذي لاحظته ميدانياً في وتيرة عمل الـ MASHAV والصندوق المصري للمعونة الفنية لأفريقيا ما يلي :
– أن إسرائيل تظل – من خلال إدارة MASHAV – علي علاقة دائمة بمن تدربوا في إسرائيل من كوادر الدول الأفريقية وهو ما لم يطبقه الصندوق المصري للمعونة الفنية لأفريقيا حيث تنتهي العلاقة بالمتدربين الأفارقة بالقاهرة بمجرد إنتهاء الدورات التي تناقصت في الأعوام الأخيرة السابقة علي الثورة المصرية في 25 يناير 2011 , إلا أن لمصر – وزارة الزراعة المصرية – نشاط وافر ويدعو للإعجاب يقوم به المركز المصري الدولي للزراعة الذي ينظم دورات تعني بالمجال الزراعي والصناعات الزراعية وتربية الدواجن والحيوانات ومكافحة الأمراض النباتية لكن هذا المركز يعمل في ظروف صعبة إلا أن نتائجه مع ذلك إيجابية للغاية .
– أن إسرائيل تقوم علي إحداث تطوير مُستمر في برامجها التدريبية سواء من حيث المدة أو الأسلوب فمثلاً لإسرائيل مزرعة في خارج العاصمة الأنجولية لواندا تُدعي Vida Verde يتناوب علي العمل فيها نحو 20 خبيراً زراعياً إسرائيلياً وتنتج المزرعة بإنتظام الخضر والفواكه وتمون جزء من إحتياجات العاصمة , وقد حصلت عام 2004 من الحكومة الأنجولية علي عرض بتخصيص 300,000 فدان ( نحو 150,000 هكتار) تخصص لمصر للإنتاج الزراعي والتصدير الحر منه بدون أية قيود مقابل تدريب العمالة الأنجولية فقد حالت الحرب الأهلية الأنجولية 1975 – 2002 دون نمو النشاط الزراعي بأنجولا فتناقصت العمالة الزراعية بالإضافة إلي أنه بالأراضي الأنجولية ما بين 9 إلي 12 مليون لغم أرضي جراء الحرب الطويلة عرقلت النشاط الزراعي , لكن للأسف لم ترد الحكومة المصرية لا سلباً ولا إيجاباً علي العرض الأنجولي , كما حاولت في إطار الترويج للطب المصري إستبدال بعض الخبراء الطبيين المصريين بثلاث أو 5 منح علاجية جراحية للقلب والعيون بمستشفيات القاهرة بهدف خلق طلب أفريقي لاحق خاصة وأن مستوي الطب المصري ربما يفوق نسبياً مستواه في إسرائيل وفاتحت وزير الصحة الأنجولي في هذا الإقتراح فأعرب عن سعادته وإستعداده للتعاون إلا ان الروتين المصري حال دون تنفيذ مقترحي الذي إنتحله السفير الإسرائيلي في لواندا وأستجابت إسرائيل لطلبه فأرسلت أنجولا 3 من مواطنيها مصابين بأمراض في العيون للعلاج الجراحي بإسرائيل وأحاطت إسرائيل من خلال توظيفها الكفء للصحافة الأنجولية ذلك الأمر بترويج دعائي مُستحق .
– أن تمويل MASHAV منتظم ومتنام من إسرائيل والولايات المتحدة (سبقت الإشارة إلي ذلك) وبعض مؤسسات التمويل الدولية وبالتالي أدي هذا إلي زيادة النفاذ الإسرائيلي في قطاعات التنمية الأفريقية وهو ما تفتقده للأسف مصر التي سبقت إسرائيل في إنشاء ذراع تنفيذي لسياستها الأفريقية عبر الصندوق المصري للمعونة الفنية لأفريقيا بسنين , والذي بالرغم من القدرات المتاحة للدبلوماسية المصرية لتنمية مهام هذا الصندوق إلا ان التمويل يظل عامل جوهري في تحقيق التمدد والنفاذ المصري حتي في ظل السياسة الأفريقية الضعيفة بل والصورية التي إتسمت بها مصر إبان عهد مبارك الذي قتل الدور المصري في افريقيا بإنتظام عدم حضوره قمم الإتحاد الأفريقي بعد حادثة محاولة إغتياله في أديس أبابا في يونيو 1995 بالإضافة إلي عقليته المحدودة والتي لم تعنه علي إستيعاب الأمور الإستراتيجية ولأن نظام مبارك لم ينشأ أو يتأسس علي قاعدة ديموقراطية حقيقية لذلك كانت طبيعة الدولة ومؤسساتها مُوغلة في الشخصانية Personalized , وأصبحت مؤسسات الدولة تعاني من حالة مزمنة من حالات الإنفصال الشبكي أو Retinal Detachment, ومع مضي هذه الطبيعة في قصورالنمو والرؤية معاً خف الثقل الأفريقي لمصر , ولإن أفريقيا هي العمق الطبيعي أوالتي كانت كذلك في معظم القضايا التي تعني مصر بل والأمة العربية والتي كانت تمثل للخارجية المصرية – التي ظُلمت في عهد هذا الرجل أيما ظلم – الكتلة التصويتية المواتية علي صعيدي هيئة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وما ينبثق عنهما من منظمات , وإسرائيل بما تبذله من جهود عبر ديبلوماسيتها – بالرغم من محدودية تمثيلها الدبلوماسي المُقيم بالقارة قياساً علي التمثيل المُقيم لمصر – وذراعها التنفيذي مُمثلاً في وكالة التعاون الإنمائي الإسرائيلي MASHAV تسعي إلي الإندماج مع القارة الأفريقية إستراتيجياً علي عدة محاور أهمها المحور الإقتصادي ولذلك فليس من المُستغرب بفعل هذه الجهود المُزدوجة والمُنسقة لإسرائيل في أفريقيا أن تطمح في إحراز صفة المراقب من جديد في الإتحاد الأفريقي ( كانت مُراقباً حتي 2002 قبل تحول منظمة الوحدة الأفريقية لمرحلة الإتحاد الأفريقي) وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريح أدلي به في نيروبي في 5 يوليو 2016 أشار فيه إلي أن بلاده تتطلع للحصول علي صفة “المراقب” في الإتحاد الأفريقي , وتعتمد إسرائيل في تحقيق هذا الطموح علي دعم زعماء أفارقة في مقدمتهم الرئيس الكيني مما سيعزز – لو تحقق – المكانة الدولية لإسرائيل وكنتيجة سيُؤثر علي نحو عكسي علي إمكانيات التحرك الذي كان حراً لمصر والجزائر مثلا في الإتحاد الأفريقي عند تناول أي قرارات نوعية تتعلق بالقضية الفلسطينية التي عملت السياسة الإسرائيلية المُخططة علمياً والمؤسسة علي نسق المراحل علي إحداث عملية جزر لها فعلي حين نجد نظرية الأمن القومي الإسرائيلي تكتمل نجد نظرية الأمن القومي العربي تتحول إلي نظرية إفتراضية أو Dummy .
نسجت إسرائيل شبكة قوية من العلاقات مع الطرف الثالث لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية في أفريقيا فعقدت إتفاقات شراكة مع فرنسا في سبتمبر 2011 ومع إيطاليا قبل ذلك بعام ومع وكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID عام 2008 ومع وكالة التنمية الألمانية GIZ عام 2009 ومع الإتحاد الأوروبي عام 2011 / 2012 بالإضافة إلي إتفاقات مع دول أخري ذات مكانة إقتصادية دولية , ولم يقتصر التحرك الإسرائيلي في نسج هذه الشبكة علي هذا النطاق بل تجاوزته بالإرتباط مع منظمات أفريقية إقليمية وقعت معها إتفاقات تعاون مثل التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECWASوالذي قام بدور مؤثر في حفظ السلام في أزمات أفريقية حرجة كأزمتي سيراليون وليبيريا وكذا مع التجمع الإقتصادي والنقدي لدول وسط أفريقيا وتناولت الإتفاقيتين التعاون في المجال الزراعي , وبالتالي أصبحت شبكة العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في مجال التعاون والتنمية مكونة من شرائح متعددة فهناك الشريحة الثنائية والطرف الثالث سواء أكان وكالة تنمية دولية تابعة لقوة دولية كبري أم لمنظمة إقليمية أفريقية وشريحة المنظمات غير الحكومية ذات القدرة المُميزة , وعليه نجد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتنياهو عندما إلتقي علي هامش حضوره الإجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2016 بخمسة عشر رئيس دولة أفريقية فيما لم يجتمع رئيس عربي بأي من هؤلاء الرؤساء ( ربما أحدهم أو إثنان منهم) عبروا له في لقاءهم الجماعي عن شكرهم لإسرائيل علي التعاون الهام القائم بين إسرائيل ودولهم فيما قال لهم رئيس الوزراء الإسرائيلي ” إن التكنولوجيا الإسرائيلية في سبيلها لمساعدة بلادهم ” وأنه ” يؤمن بأن إسرائيل بمقدورها أن تكون شريكاً مدهشاً لبلادكم وأن التكنولوجي يغير كل شيئ وهذا لا يعني قطاع الإتصالات فحسب بل في الطب وفي الزراعة وفي التعليم , إننا نريد مشاركتكم في تكنولوجيتنا ” …. كلام لم يسمعوه من رئيس عربي …. فكيف إذن يمكن لمؤسسات مساندة للسياسة الخارجية أن تعمل بكفاءة ناهيك عن السياسة الخارجية ذاتها ؟ وقد أتي هذا اللقاء الجماعي غير المسبوق لرئيس الوزراءالإسرائيلي متزامناً مع زيارة قام بها في سبتمبر 2016 أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي لأربع دول أفريقية في سبتمبر 2016 أيضاً وهي يوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا وكلها دول بحوض النيل منهم دولتي المنابع إثيوبيا ويوغندا وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هدف الزيارة الإحاطة بالنفوذ الإيراني بالقارة الأفريقية لكنه أكد علي هدفين حقيقيين تسعي إليهما إسرائيل دائماً وهما توسيع الروبط التجارية وحث الدول الأفريقية علي عدم التصويت ضد إسرائيل في المنظمات الدولية .
مما يُلاحظ علي العلاقات المصرية أو العربية الأفريقية أنها خالية أو تكاد من المكونين العسكري والأمني العملياتي وهو ما تتفوق فيه إسرائيل علي مصر , فمثلاً يجد المرء هذين البعدين واضحين تماماً عند متابعة تطور العلاقات الإسرائيلية الإفريقية , فإسرائيل تدرك أن الأغلبية الساحقة من الأنظمة الأفريقية تعمل خارج مفهوم الديموقراطية المُتعارف عليه حتي وإن كانت ناتجة عن عملية إنتخابية ديموقراطية لأن للقبلية والإرادات الخارجية للقوي الكبري لهما دخل في كيمياء الديموقراطية في أفريقيا ( متابعة للإنقلابات العسكرية في أفريقيا تؤكد أيضاً ذلك) علي نحو إستثنائي , وعليه فقد ركزت إسرائيل علي العلاقات الأمنية (تبادل المعلومات المخابراتية وتدريب الحرس الرئاسي لبعض الدول الأفريقية) والعسكرية (بيع السلاح والتدريب) مع هذه الأنظمة ومن المعروف أن لإسرائيل علي سبيل المثال لا الحصر موطناً من مواطن الموساد في أفريقيا في إثيوبيا حيث تخدم محطتها هناك تحقيق أهداف إسرائيل في القرن الأفريقي الكبير وتأتي بعد إثيوبيا محطة الموساد في كينيا التي إستوردت أسلحة وذخيرة وطائرات من إسرائيل , كذلك هناك تعاون أمني وعسكري لإسرائيل مع أرتريا التي وقعت معها إسرائيل إتفاقاً أمنياً عام 1996للتعاون في مجال المخابرات وتبادل المعلومات كما إستأجرت إسرائيل جزيرتين من أرتريا وأقامت علي أحدهما محطة رادار , أما جنوب السودان فالعلاقة معها بدأت منذ زمن طويل مع حركتي أنانيا (1) وأنانيا (2) بإمدادها بالأسلحة والتدريب ثم مع حركة الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جارانج , ومن ثم فلا غرابة إن وصفنا قوام العلاقة بين إسرائيل وجنوب السودان بالعلاقة العسكرية , ولإسرائيل تواجد في القاعدة الأمريكية في جيبوتي بمعسكر Camp Lemonnier التي تعد جزءاً من مقدرات القيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا AFRICOM وتعتبر هذه القاعدة في نظر عسكريين منصة وثب Springboard أمريكية للتدخل في الشرق الأوسط لموقعها الإستراتيجيي عند فم البحر الأحمر الجنوبي , ولا يخفي الدور الإسرائيلي في إنهاء الحرب الأهلية الأنجولية 1975 – 2002 بإغتيال Savimbi زعيم حركة UNITA وخصم الرئيس الأنجولي Dos Santos زعيم حزب MPLA الحاكم وكان ذلك في فبراير 2002 وعقب ذلك وقعت حركة UNITA وحزب FNLA مذكرة تفاهم في 4 أبريل 2002 مع حكومة حزب MPLA قضت بوقف إطلاق النار وبدأت التسوية السياسية في أنجولا وتحولت حركة UNITA إلي حزب سياسي مُعارض , وذلك بالرغم من أن Savimbi زعيم UNITA كان حليفاً لإسرائيل وللولايات المتحدة وجنوب أفريقيا إلا أن الضرورات أباحت المحظورات فقتل Savimbi في الغابة عن طريق جهاز هاتف لاسلكي منحته له إسرائيل لإدارة عمليات جبهة UNITA وبمتابعة ترددات الجهاز تم إصطياده وإغتياله ولذلك نجد أن العلاقات العسكرية بين إسرائيل وأنجولا متطورة لدرجة أن هناك خبراء عسكريين إسرائيليين (من لواء الجولاني) كانوا إلي جانب القوات الحكومية الأنجولية التي تواجه متمردي إقليم كابيندا , وتتعدد علاقات إسرائيل في هذين المجالين المخابراتي الأمني والعسكري مع دول أفريقية أخري مثل جنوب أفريقيا والتي لعلاقتها بها تاريخ طويل وكذلك الحال مع يوغندا ونيجيريا ورواندا وتشاد وغينيا الإستوائية والكونجو الديموقراطية وتوجو ومالاوي وغيرهم .
كما يوجد دعم أمريكي وغربي لأنشطة وكالة التعاون الإنمائي الإسرائيلية MASHAV فهناك أيضاً دعم أمريكي للتعاون العسكري الإسرائيلي مع الدول الأفريقية وكمثال يؤكد ذلك أن إسرائيل وفي إطار إجتماعات الدورة الأولي للجنة المُشتركة مع زائير (الكونجو الديموقراطية حالياً) عام 1988ورغبة منها في دفع تعاونها العسكري مع زائير ( التي كانت مصر وقتذاك تقوم علي تدريب الحرس المدني Guarde Civil بها ببعثة قوامها 26 ضابط وصف ضابط في هذه الآونة) إقترحت تدبير التمويل اللازم لتعزيز تعاونها العسكري مع زائير من خلال زيادة المعونة العسكرية الأمريكية السنوية المُخصصة لزائير لتكون 11مليون دولار بدلاً من 9 مليون دولار بحيث يُخصص معظم هذا المبلغ لسداد نفقات الخبراء والمعدات اللازمة لفرقة الحرس الرئاسي , إلا أن الجانب الزائيري أعرب عن تفضيله للإتفاق علي التمويل بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي مباشرة , وفي هذه الفترة قام الإسرائيليون علي تدريب اللواء 22 الذي يتبع القيادة العسكرية الزائرية العليا علي مدي 15 شهر إنتهت في 9 يونيو 1987 .
في ضوء ما تقدم يتضح أن الحضور الإسرائيلي في أفريقيا نشط ومتعدد الأبعاد ومتنوع المحاور فهو لا يقتصر علي مجرد التمثيل الدبلوماسي المُصمت الساكن والذي لا يتحرك قليلاً إلا بمناسبة زيارة وفد أو تسليم دعوة لرئيس دولة الأعتماد أو لوزير خارجيتها للمشاركة في مؤتمر ما أو عقد لجنة عليا مُشتركة مع هذه الدولة العربية أو تلك وغالباً ما تكون دورات الإنعقاد مُتباعدة جداً بشكل يجد السفير أن إستحضار مضمون هذا الملف أو ذاك من مواته عملية صعبة وتحتاج الكثير من عمليات التحديث فالجانب المُقابل له في بلده وهي الوزارة المعنية تعرضت قياداتها للتغيير أكثر من مرة , ويكفل تعدد وتنوع محاور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية والتي تتضمن التبادل التجاري الذي بلغ مجمل التجارة الإسرائيلية مع أفريقيا عام 2011 حوالي مليار دولار والتسليح والتعاون المخابراتي ومختلف أوجه التعاون الثنائي الأخري إستيعاب مختلف المصاعب وهي قليلة بالنظر إلي الطبيعة الديناميكية المُتحركة للمؤسسات الإسرائيلية التي لا تُقاس النسبة المحدودة للروتين بها الروتين القاسي والمُنهك ونمطية الفكر بالدول العربية , مع تفاوت درجة قسوة الروتين وتحجره بين دولة عربية وأخري .
رؤية لأهداف إسرائيل المُستقبلية في أفريقيا
أصبح الطريق ممهداً أمام إسرائيل للحركة الحرة في أفريقيا , فكما سبقت الإشارة أصبح التواجد المصري ممثلاً في سفارات مصر المُنتشرة في القارة الأفريقية معزولاً فبالرغم من أن بعض السفارات المصرية في أفريقيا يتولاها في بعض الأحيان سفراء ذوي قدرات نوعية إلا أن الجانب الأكبر من هؤلاء السفراء يفتقد هذه القدرات بل ويشعر أن وجوده في الخدمة الدبلوماسية بدولة أفريقيا حظ عاثر أو تمييز سلبي ضده وبالتالي فهو فاقد للروح المعنوية الضرورية لإنجاز الأهداف الوطنية , كذلك فالسفارات المصرية في أغلب العواصم العالمية ( بإستثناء الدول الكبري ومعظم دول أوروبا الغربية) والأفريقية علي نحو خاص علاقاتها بالمركز في القاهرة تسير في إتجاه واحد , إذ لم يكن لنظام مبارك أي نية للنظر لأفريقيا – كما تنظر لها إسرائيل – كعمق إستراتيجي له ثقله فكان تجاوب المركز مع السفارة محدوداً ومُقيداً بعوامل سلبية مختلفة , صحيح أننا نجد عبارات تتكرر عن دور مصر في دعم حركة التحرر الأفريقي قبل حصول معظم الدول الأفريقية علي إستقلالها وهو دور غير منكور إلا أن السياسة المصرية لم تضع مخططاً للتعامل مع أفريقيا في مرحلة ما بعد الإستقلال وما يليها من إختفاء زعماء حركات التحرر الأفريقي بالوفاة أو بالإنقلابات العسكرية , كما أن واضع السياسة المصرية لم يضع وزناً نسبياً لعامل الدين ودور الكنيسة في الدول الأفريقية وهو في الغالب مُضاد للعرب والمسلمين , كما أنه إعتقد أنه لا توجد روابط شخصية وثقافية وسياسية بين معظم زعماء حركات التحرير الأفريقية وبين القوي الإستعمارية السابقة وإسرائيل بنسبة أقل لهذا البلد الأفريقي أو ذاك وهو أمر غير صحيح علي إطلاقه فبعض قادة الدول الأفريقية تزوجوا من غربيات وعلموا أولادهم في مؤسسات تعليمية خاضعة لثقافة المُستعمر بل وكان في دائرة الحكم المحيطة بزعماء حركات التحرير شخصيات مهمة تعمل في خدمة المُستعمر بكفاءة وبدون جلبة وكانت هذه الشخصيات في الغالب طاردة وكارهة بطبيعة التكوين الثقافي والديني لها للوجود العربي , وبالرغم من أن إسرائيل كانت تفعل عكس ما فعلته مصر بدعمها لحركات التحرير , فإسرائيل تدعم الحركات الإنفصالية أو المتمردين في بعض الأحوال كما أن لها تاريخ في التعامل العلني وبقوة مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا وكانت تدعم حركة UNITA المُتمردة علي حكومة MPLA في أنجولا ودعمت دعمت التمرد في الجنوب السوداني , فهي لم تدعم بالمرة أي حركة تحررية في أفريقيا بل دعمت كل الإنفصاليين وفي مقدمتهم الحركة الشعبية لتحرير السودان لمجرد أن الخصم دولة عربية والأمثلة متعددة في هذا الشأن , إلا أن إسرائيل بالرغم من ذلك إستطاعت رغم كل المصاعب إستعادة كافة روابطها مع الدول الأفريقية والعمل معها في حيز واسع ومتنوع وحر , وهناك تفاصيل مختلفة وأمثلة علي القصور العربي في التعامل مع أفريقيا فقد كان تكوين وطبيعة سياسة هذا البلد العربي أو غيره وطبيعة عملية إتخاذ القرار عامل إيجابي لإسرائيل إستطاعت ترجمته في تحقيق إقتراب نوعي بدوائر الحكم والشخصيات المؤثرة بالدول الأفريقية بعيداً أو علي مقربة أو في قلب دوائرالنفوذ بهذه الدول .
هناك ثمة تطورات حدثت منذ غزو وتدمير العراق في أبريل 2003 في العالم العربي وتطورات أخري مُتعلقة بالسياسة الأمريكية ( خاصة في جانبها العسكري) وأخري ذات صلة بالإتحاد الأوربي ستستفيد منها إسرائيل في علاقاتها الأفريقية بلا أدني شك بناء علي علاقة التحالف التي تربطها بالولايات المتحدة كما سيتضح ذلك من خلال بيان الأهداف الرئيسية الثلاث والمتوقع أن تسعي إسرائيل إلي تحقيقها في أفريقيا في المدي الطويل والمتوسط , وذلك علي النحو التالي :
تمتين Solidification نظرية الأمن القومي الإسرائيلي :
أحد نتائج سوء إدارة دول المواجهة العربية – علي الأقل – للصراع العربي الإسرائيلي حرباً وتفاوضاً تفكك بل إذابة نظرية أو مفهوم الأمن القومي العربي علي الصعيد العربي وعلي الصعيد القطري وهذا أحد المكاسب الإسرائيلية التي أتاحت لها إزالة المانع الصلب العالي الذي كان يحول – علي الأقل جغرافياً – بين إسرائيل وأفريقيا , فلنأخذ مصر مثالاً وسوف لا أخوض في تفصيلات مختلفة حاضرة مُكتفياً بالإشارة إلي نص المادة السادسة / 5 من معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية التي تقول ما نصه ” مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين إلتزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من إلتزاماتهما الأخري , فإن الإلتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون مُلزمة ونافذة ” ورغم أن الحكومة المصرية أشارت المذكرة التفسيرية لقرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 153 لسنة 1979 بند (10) إلي ما نصه ” وحرصت (أي مصر) علي أن تسجل أنه ليس هناك أي أداء بوجود أولوية لهذه المعاهدة علي أية معاهدات أخري ” * (الكتاب الأبيض الصدر عن وزارة الخارجية المصرية عام 1979 بشأن معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية) إلا أن نص المادة السادسة / 5 من معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية يشير ثم أنه يؤكد ببساطة أن لمعاهدة السلام أولوية وذلك رغم ما ورد في بعض خطب الرئيس الراحل أنور السادات من أن معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية لا تعلو فوق إلتزامات مصر العربية , وليس هنا موضع إنتقاد الأعمال التفاوضية العربية والتي حققت السلام لإسرائيلي لكنها تمت بشكل ثنائي وليس جماعي وهو ما حرصت بل ضغطت إسرائيل والولايات المتحدة في إتجاه تحقيقه لكن من بين النتاج السلبية لذلك هذه الثنائية تصور كل طرف عربي أنها ستحقق له الأمن القطري وهو ما لم يحدث خاصة مع ضمور العملية الديموقراطية علي الجانب العربي وهو ما كاد أن يتحقق بثورات الربيع العربي .
حقق النجاح الإسرائيلي في تطبيع العلاقات أو إستعادتها مع الدول الأفريقية الحصول علي مساحات واسعة المدي في أفريقيا تحقق :
– توطيد صفة إسرائيل كدولة تمارس سيادتها الحرة داخل إقليمها وخارجه , مما يبعد الشقة بين إسرائيل عام 1954 مثلاً وإسرائيل عام 2016 التي يؤيدها زعماء أفارقة لتحصل علي صفة ” المراقب” في الإتحاد الأفريقي , مما يعني أن قضية إستعادة العلاقات مع الدول الأفريقية تجاوزها الزمن لأنها إكتملت وتحققت , وتبقي حيازة إسرائي لصفة المراقب التي ستتيح لها لعب أدوار متنوعة داخل القارة الأفريقية لم تكن تحلم بها منها مثلاً أن مساحات تكميلية تُضاف للمستوي الثنائي أُتيحت لإسرائيل في المؤسسات المُنبثقة عن الإتحاد الأفريقي .
– الحصول علي كتلة تصويتية مواتية لإسرائيل في أفريقيا تؤمن لها التمادي في سياستها المُتحللة من الإرتباط بمبادئ تسوية القضية الفلسطينية علي أساس من مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وكذا بمبادئ حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة والتي تمثل للآن الميدان الوحيد المُتبقي والذي تتنفس فيه القضية الفلسطينية بالرغم من نتائج إتفاقات أوسلو التي جلبت مجموعات شبحية تمارس سياسات فلسطينية لا علاقة بمبادئ إدارة صراع وجود وبقاء كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي , ويأسف المرء عندما يصفه كذلك بعد أن كان صراعاً عربياً .
– إختراق إسرائيل للمجالات الإقتصادية والسياسية داخل الدول الأفريقية وهو ما سيضيف وزناً للتواجد والأهمية الإستراتيجية للعمل الإسرائيلي في أفريقيا فإسرائيل غير مصر أو أي دولة عربية أخري في أسلوب تعاملها الإقتصادي مع الدول الأفريقية لمدة طويلة فمنذ أن إفتتحت مصر سفاراتها في أفريقيا ظلت شركات القطاع العام المصرية هي اللاعب الإقتصادي المُفترض لمصر في أفريقيا وكلها كانت شركات ضعيفة الإدارة والإمكانيات ومعظمنا يعلم أنها إما شركات خاسرة أو مقبلة علي تسجيل الخسائر لأنها شركات بلا صاحب والأدوات الرقابية عليها كانت إما متواضعة أو غير كفئة أو مُوجهة وبالتالي فتعاملاتها مع الأسواق الأفريقية كانت مثيرة للشفقة والغضب الوطني ممن علي إطلاع بالعلاقات المصرية الأفريقية , وقد عشت تجارب مريرة لا يجمل إيضاح كل تفصيلاتها عن أداء غير مُشرف بالمرة لمديرين مُقيمين لثلاث أفرع من أكثر من 15 فرع للشركة المصرية الوحيدة التي عملت مع افريقيا في المجال التجاري , ولا يمكن مقارنة أداء هؤلاء بالأداء الإسرائيلي لسبب وحيد هو أن إسرائيل كانت منذ تأسيسها تعمل بآليات الإقتصاد الحر فيما مصر أممت شركات كبري ناجحة خاصة وتركتها بلا رقابة فعالة في أيدي ضباط سابقين أو مدنيين معظمهم تعوزه الكفاءة فكان ما كان من الوصول إلي إتخاذ قرار بخصخصة هذه الشركات لدرجة أن تم تعيين وزير لهذه العملية إبان عهد مبارك وبالفعل بيع عدد منها في صفقات مثيرة للجدل , ولذلك فسوف يضيف التحرك الإقتصادي الحر والكفء لإسرائيل في أفريقيا في الفترة المقبلة إلي نظرية الأمن الإسرائيل فالموارد والمواد الخام لدي أفريقيا والصناعة والتكنولوجي لدي إسرائيل وقد كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي حيازة إسرائيل لها علي مسامع الرؤساء الأفارقة , وهذا للأسف ما لا تدركه أو تدركه ولا تستطيع الدول العربية فعل شيئ حياله , طبعاً سيكون للإختراق الإقتصادي الإسرائيلي لأفريقيا فائدة متبادلة وإن كانت النسبة الأكبر لمصلحة إسرائيل , لكن الأفارقة بحاجة إلي ذلك في ضوء تدني قدراتهم علي الإستفادة النسبية وليست القصوي من مواردهم الأولية الضخمة وسيدعم إسرائيل – إن إحتاجت لذلك – حلفاءها المقدسين وفي صدارتهم الولايات المتحدة وسوف تستطيع إسرائيل التعاون إقتصادياً مع الأفارقة علي المستويات الثنائية و الجماعية (الإتحاد الأفريقي) وعلي مستوي تجمعاتهم الإقليمية مثل التجمعات الإقتصادية لغرب ووسط وشرق أفريقيا بل وحتي في إطار شراكات تعقدها مُستقبلاً مع الإتحاد الأوروبي .
كما ان إسرائيل لن تدخر وسعاً والطريق لأفريقيا قد أصبح أمامها ممهداً وخالياً تقريباً من المارة العرب ومن جلبة القضية الفلسطينية التي تُركت في عهدة قطاع من الفلسطينينيين لتستعيد روابطها الإعلامية شديدة السطوة وستركز علي توطيد الصلة مع المراكز الإعلامية النافذة في كل بلد أفريقي كما ستعمل علي الإنخراط ولو بصفة مراقب (وهو ما سبق وأقترحته عام 2006ورفضته القاهرة) في تجمعات غير إقتصادية الطابع مثل تجمع الدول الناطقة بالرتغالية CPLP والذي يضم 5 دول أفريقية هي : أنجولا – ساوتومي وبرنسيب – غينيا بيساو – موزمبيق – الرأس الأخضر مع ثلاث أخري من خارج القارة هي البرازيل والبرتغال وتيمور الشرقية إضافة لغينيا الإستوائية التي حصلت علي صفة مراقب وبالتالي فسيعزز هذا البعد من مكانة إسرائيل في أفريقيا ليصب في تقوية أمنها القومي في النهاية .
بطبيعة الحال فسيؤثر تنفيذ إسرائيل لإستراتيجية تحركها لبناء علاقات أفريقية إيجابياً علي مزيد من القوة لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي وبقدر ما سيعتري العلاقات الإسرائيلية الأفريقية من متانة بقدر ما ستتباعد المسافات بين الدول الأفريقية والدول العربية , وسيؤثر ذلك أيضاً علي الإمكانيات والمساحة المُتبقية للمفاوض الفلسطيني , فلا يستهينن أحد ببلوغ إسرائيل لهدف الحصول علي صفة ” المراقب” بالإتحاد الأفريقي فأقل ما يعنيه هذا هو ضياع الكتلة التي كانت مضمونة في دعم القضية الفلسطينية وتناقص المساحات الحرة للحركة المصرية أو العربية في أفريقيا بسبب فارق الإدراك والوعي والأمكانات والمساندة من القوي الدولية .
فتح آفاق أوسع للعسكرية الإسرائيلية في أفريقيا :
إستعادة العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأفريقية لا يعني إلا إكتمال البناء الدبلوماسي للسياسة الأفريقية لإسرائيل , مما سيتيح حركة نشطة وموازية للعسكرية الإسرائيلية في ضوء حقيقة مفادها أن إسرائيل نشأت كدولة عسكرية مهما يقال عن أنها واحة الديموقراطية فهذه الديموقراطية ليست مُطلقة هي صورة قُطع جزء منها وتم ترميمه بجزء من صورة العسكرية الإسرائيلية , لكن علي كل حال فهذه الصورة فيها جزء كبير من الحقيقة وهي أفضل من الصور الزائفة بألوانها الباهتة الحائلة بدول محيطها , والعسكرية الإسرائيلية في هذا الوضع المواتي سوف لا تعمل – في تقديري – في علاقاتها بالدول الأفريقية في المجال العسكري علي الصعيد الثنائي فقط بل سيتسع هذا المجال بحيث سيكون أمام إسرائيل تعاون قوي تعززه وتبرره العلاقة الخاصة التي تربطها بالولايات المتحدة في إطار إتفاقيات ومذكرات التفاهم المعنية بالتعاون الإستراتيجي ومنها مثلاً القانون الصادر عن مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 6 مارس 2014 والقاضي ” بتقوية التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأغراض أخري ” , ويشير هذا القانون إلي مذكرة تفاهم وقعها الرئيس Clinton ورئيس الوزراء الإسرائيلي Netanyahu في 31 أكتوبر 1998تشير في أحد مواضعها إلي أن البلدان سيعملان بصفة مُشتركة في إتجاه تقوية القدرات الدفاعية والردعية لإسرائيل وتحديث إطار عمل العلاقات الإستراتيجية والعسكرية وكذا التعاون التكنلوجي لكليهما , كما أن الدولتان يعقدان جلسات حوار إستراتيجي نصف سنوية أشارت الخارجية الامريكية إليها في بيان صادر عنها في 12 يوليو 2012 وقالت “أن الجلسة الأخيرة للحوار الإستراتيجي تركزت علي الموضوع النووي الإيراني الذي يصمم البلدان علي منعه ” وعلي الموضوع السوري أيضاً , وقياساً علي ذلك فليس من المُستبعد في ظل علاقة الحلف المُقدس ذات الجذور الدينية التي تربط ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل أن يتم دمج أو علي الأقل التنسيق والتعاون الإنتقائي بين العسكريتين الأمريكية والإسرائيلية في أفريقيا داخل إطار إستراتيجي شديد التأثير علي العسكريات الأفريقية ألا وهو إطار القيادة العسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا AFRICOM والتي أعلن عن إنشاؤها في 6 فبراير 2007 والتي تغطي وفقاً لمنطوق إنشاؤها كل القارة الأفريقية وجزرها فيما عدا مصر التي ستبقي داخل ولاية عمل القيادة الأمريكية المركزية United States Central Command أو CENTCOM , وسيعني ذلك بالتبعية أن العلاقات الإسرائيلية العسكرية بالدول الأفريقية ستملأ الحيز الذي كان حراً أمام مصر بأفريقيا , خاصة وأن العلاقات العسكرية لمصر أو الجزائر أو المغرب بالدول الأفريقية كانت ولوقت طويل لا تتخطي مجال محاربة الإرهاب بإعتباره مصدر قلق لأنظمة الحكم الأفريقية والعربية , أما العلاقات العسكرية الإسرائيلية بأفريقيا فهي متنوعة حيث تشمل بالإضافة إلي ما يروجه الإسرائيليين من محاربة الإرهاب الإسلامي (مع أنه بعيد عنهم) التسليح وتوريد أنظمة عسكرية متقدمة وصفقات أسلحة متنوعة من إنتاج التصنيع العسكري الإسرائيلي الذي سيسجل والحالة هذا طفرة تصديرية لتناقص الموانع والقيود علي حركة السلاح الإسرائيلي في أفريقيا نسبياً , وقياسا علي الماضي فلن تتقيد إسرائيل في صفقات سلاحها مع الدول الأفريقية سواء تلك التي تحتاجه لتعزيز قدرات جيشها أو تلك التي تستهلكه في صراعات أو تمرد إلا بإصدار مجلس الأمن الدولي لقرار مُلزم بفرض حظر علي تصدير السلاح كما نري حالياً في حالة إسرائيل وجنوب السودان الذي يخوض الموجة الثانية من الحرب الأهلية منذ ديسمبر 2013 وحتي الآن , دون أن تستطيع الولايات المتحدة التي تعهدت التمرد بجنوب السودان حتي أنشأت له دولة , إستصدار هذا القرار لممانعة روسيا والصين الشعبية , لكن علي كل الأحوال فسوف تحقق إسرائيل نمواً ملحوظاً في علاقاتها العسكرية مع الدول الأفريقية نتيجة تحررعلاقاتها عموماً و الدبلوماسية خصوصاً من اي قيد بالإضافة إلي أن العلاقة المُحتملة مع القيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا AFRICOM ستوطد مركز إسرائيل في القارة , وذلك بالتزامن مع غياب أو تضاؤل شديد لدور أو علاقة مؤثرة للعسكريات العربية مع الدول الأفريقية فيبدو أن هذه العسكريات إكتفت بتوقيع إتفاقيات سلام مع إسرائيل وإستيلاد أعداء داخليين يمارس عليهم الدور الذي كان من المُفترض أن تؤديه هذه العسكريات فيما وراء حدود الدولة لا داخلها خاصة وأنها قابعة داخل حدودها دون صناعة عسكرية مُستقلة أو مدعومة وتمارس أدواراً سياسية تمحي أي أثر لمهامها الحقيقية , فلم لا تتمدد إسرائيل في النطاق الحيوي المُتاخم للدول العربية الأفريقية ؟ وأعني بهذا النطاق الصحراء الكبري التي إعتبرها الإتحاد الأوروبي لأهميتها الإستراتيجية لمصالحه جزءاً من المتوسط , ففي أثناء جولة شملت دول الخليج العربي صرح Maurizio Massari المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط في 10 أبريل 2012 لصحيفة The National تعليقاُ علي التطورات التي تشهدها منطقة الصحراء الكبري نتيجة المواجهة الممتدة بين نيجيريا ودول حوض بحيرة تشاد لجماعة Boko Haram والإسلاميين المعارضين لأنظمة الحكم بالدول المُطلة علي الصحراء الكبري في شمال مالي وجنوب الجزائر وشمال النيجر بالإصافة إلي التمرد الطوارقي في النيجر ومالي خاصة بعد إنقلاب 22 مارس 2012 قائلاً ” أن هناك متطلبات أمنية للإتحاد الأوروبي في منطقتي الساحل والصحراء الكبري ” التي ألحقها المبعوث الإيطالي بمفهوم متسع حين وصفها بأنها تنتمي لمنطقة البحر المتوسط الأعظم Greater Mediterranean Region وهو مفهوم جيوبوليتيكي جديد وشديد الخطورة لو يعلمون , كما تكلم المبعوث الإيطالي مع الإمارتيين في زيارته تلك ( وليس مع الجزائريين أو المصريين مثلاً) أيضاً عن أمن حدود ليبيا الجنوبية , وقد سبق زيارته إصدار الإتحاد الأوروبي بياناً في 23 مارس 2016 تضمن الإشارة إلي تموضع بعثة من الخبراء الأمنيين الأوربيين (قيل أنها لأغراض التدريب) بالمنطقة الممتدة بين شمال نيجيريا وجنوب السودان ودارفور والنيجر ومالي عقب إنقلاب مالي في 22 مارس 2012 , لكن المثير للتأمل أن الدول العربية الأفريقية لا يقلقها التواجد العسكري الأمريكي (AFRICOM) الكثيف والفرنسي والإتحاد الاوروبي في الصحراء الكبري التي المفروض أنها هي لا ليبيا فقط التي تمثل الإتجاه الإستراتيجي الغربي للعسكرية المصرية والجنوبي للعسكرية الجزائرية , لكن مصدر القلق الوحيد لمصر والجزائر لا يتعدي الجماعات الإسلامية المعارضة التي تتحرك في ربوع الصحراء الكبري والمُوصومة بالإرهاب وبأنها تكفيرية مع أن منها ما لم يتطرق لقضية الإيمان والكفر بالمرة , وفي ضوء هذه الكثافة العسكرية الغربية في الصحراء الكبري فإن أي إحتمال لإندماج عسكري إسرائيلي من المُفترض أن يمثل خطراً أولياً للأمن القومي العربي إن كانت هناك ثمة آثار تدل علي بقاءه في ظروف التماهي للعسكريات العربية مع منظمات عسكريىة غربية مثل AFRICOM التي تأسست فقط لتحقيق المصالح العليا للولايات المتحدة وفقاً لوثائق الأمن القومي الامريكي …إذن الموقف يستأهل الخشية والتدبر .
فتح أسواق جديدة واعدة و متبادلة مع أفريقيا :
إسرائيل دولة مدعومة من الغرب بصفة يمكن وصفها بالبيولوجية وأعتقد أن الإستراتيجية التي دشنها رئيس الوزراء الإسرائيلي Netanyahu والتي دل علي شروع إسرائيل في تطبيقها علي الأرض إجتماع رئيس الوزراء Netanyahu بخمسة عشر رئيساً أفريقيا علي هامش مشاركته في سبتمبر 2016 في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو كما سبق الإشارة جهد دبلوماسي موضوعي إسرائيلي لم يُقدم عليه رئيس عربي شارك في نفس هذه الإجتماعات .
بناء علي إستراتيجية الإنفتاح الإسرائيلي علي أفريقيا فستمضي إسرائيل قدماً لإستغلال وإستيراد الموارد الاولية التي تذخر بها أفريقيا لتغذية صناعاتها القائمة وكذلك لبدء صناعات جديدة وستتوسع إسرائيل في حيازة مزارع ببعض الدول الأفريقية ولها في هذا المجال تجارب وخبرات علي نطاق ضيق آن له أن يتسع , ولأن أفريقيا ستزيد أهميتها طالما وضعت إسرائيل إستراتيجية لها فمما لاشك فيه أن الجانب الإقتصادي في هذه الإستراتيجية سيتقدم علي الجانب السياسي في المرحلة التالية لأن إسرائيل ستربط تقدمها في أفريقيا بالتوسع الصناعي الإسرائيلي والحالة هذه , ووكنتيجة لذلك فسوف تتفتح أسواق جديدة للمنتجات الإسرائيلية .
الإنفتاح الإسرائيلي علي أفريقيا علي هذا المدي الواسع أتوقع أن تحشد له إسرائيل الإمكانيات والقدرات المناسبة وفي هذا الإطار يمكن تصور فتح خطوط لشركة العال للطيران في بعض العواصم الافريقية المهمة وربط خطها (أو خطوطها) البحري أيضاً ببعض الموانئ الرئيسية بدول أفريقية وفتح عدد محدود من المراكز الثقافية الإسرائيلية هناك .
لكن في مقابل المكاسب الإقتصادية المتوقعة لإسرائيل في أفريقيا فإنه وفي المدي المتوسط ربما تتعرض المساعدات والمنح العربية والخليجية بصفة خاصة والموجهة للدول الأفريقية (بإستثناء تلك التي غالبية سكانها من المسلمين كالنيجر ومالي وتشاد والسنغال وغينيا وسيراليون) إلي تناقص نسبي حيث أن هذه المساعدات كانت تستهدف إكتساب كتلة تصويتية أفريقيا دعماً للقضية الفلسطينية وهو أمر بات العرب أقل حماسة لطلبه الآن والمواقف الحالية لدول ” المواجهة العربية ” تؤكد ذلك , وتتوقع هذه الدول تعويضاً نسبياً من إسرائيل وهو أمر من غير المرجح حدوثه فالعقلية السياسية الإسرائيلية تختلف جذرياً عن العقلية السياسية العربية في هذا الأمر , لكن قد يكون في توطن للإستثمارات الإسرائيلية في دول أفريقيا بعينها ما يخفف نسبياً من تناقص العون العربي خاصة وأن لإسرائيل بموجب علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ما يحقق هذا بالتضافر مع علاقاتها بأكبر بيوت المال العالمية , وبوجه عام فإن خريطة العون الخارجي للدول الأفريقية سيطرأ عليها تغيير ما بموجب تطور العلاقات الإقتصادية الإسرائيلية معها مُستقبلاً .

*بلال المصري سفير مصر السابق لدي أنغولا وساوتومي وبرنسيب والنيجر