جميلات إيران

جميلات إيران
Spread the love

iranian-women2

بقلم: فرح الزمان شوقي* — كل من زار إيران، البلد الذي أقطنه حالياً لأسباب تتعلق بالعمل والذي ساقني إليه قدري قبل سنوات، يطرح مباشرة أسئلة محددة عنها. ولاحظت أن لدى الكل تقريباً ذات الانطباعات؛ بلد مغلق لا انفتاح فيه، لديهم سجاد عجمي رائع، وسياسة تشبه حياكة السجادة، زعفران ومن وسلوى وكباب. زواج المتعة، سينما، أماكن تاريخية تشهد على حضارة بلاد فارس، وفتيات جميلات..

نعم، هذا ما سمعته وأسمعه مراراً من زوار وأصدقاء وزملاء، ممن ساقهم القدر أيضاً لزيارة إيران أو جمعهم بي خارجها. ولن أنفي أو أؤكد صحة الانطباعات، وما ذكر هو القليل منها بلا شك. ولكن لطالما لفتني حديث الكل عن الإيرانيات. كنت أتوقف دائمًا قبل أن أجيب عن سؤال: “هل هن بالفعل جميلات بالقدر الذي يتحدث عنه كل العالم؟” هل أجيب بالنفي، فأتهم بالتحيز للعربيات أو أن غيرة النساء قد دبت في قلبي؟ أم أؤكد صحة الأمر، وأنا أعلم أنهن كما كل الفتيات في كل بقاع الأرض، منهن الجميلة والأخرى العادية؟! فكان جوابي الدائم يقر بجمال الملامح الإيرانية في وجوههن، جمال قد يظهر وقد يتبدل بالكامل، بالاهتمام اللافت، والمبالغ فيه أحياناً.

في شوارع مدينة كطهران، سيلاحظ أي مار أنهن بأبهى حلة دائماً؛ فالحجاب المفروض عليهن لم يقف بوجه “اختراع” موضة جديدة ومتجددة. موضة تتبدل مع تبدل كل فصل، فلكل موسم ألوانه وثيابه وأحذيته، والأهم أنهن يتماشين وخط الموضة العالمية دائمًا، لكن بطريقتهن.
الذهاب لصالونات التجميل دوري وضروري ولا تخلّ أي منهن بمواعيدها، بل وإن كثيرات كثيرات قادرات على وضع مساحيق التجميل كما تفعل المحترفات، فإيران هي البلد الثاني في الشرق الأوسط بعد السعودية، والسابع عالميًا من ناحية استخدام مواد التجميل، كما تذكر بعض المواقع.

تطبق غالبيتهن المقولة الشعبية “اقتلني واجعلني أجمل”؛ فكل إيرانية جاهزة لتكبد العناء، لتصل للنتيجة المرجوة. وباتت زيارة أطباء التجميل والجلدية اعتيادية هي الأخرى، فمن النادر جداً أن تجد فتاة تعيش في المدينة، ولم تقم بتعديل شكل أنفها بعمل جراحي قد يتكرر مرتين أو ثلاث مرات، وكيف لا والأطباء يجرون 25 ألف عملية تجميل للأنف وحسب في العام الواحد. ناهيك عن العمليات الأخرى.

iranian-women

لكل هذا أسبابه الاجتماعية كما يقول المتخصصون هنا؛ أسباب لن أخوض فيها ولن تبدو واضحة للزائر ولا للمقيم دون التعمق بتفاصيل هذا المجتمع والتي تثير الدهشة أحيانًا.
لكن ما يستحق الحديث حوله أكثر هو احتكاكي بنماذج واقعية غسلت أقنعة المكياج، وهي التي جعلتني أتوقف أمامها أكثر، لذا قررت أن أتحدث بإنصاف، بعيدًا عن التعصب الديني الطائفي وتفاصيل السياسة، وهي الأمور التي لا تعطي لكثيرين في الغالب فرصة رسم انطباع صحيح عن المجتمع في إيران.
على سبيل المثال، عندما تدخل إلى معظم الكليات في الجامعات الإيرانية، ستلاحظ أن عدد الفتيات أكثر بكثير من عدد الشبان على مقاعد الدراسة، اللهم إلا في كليات الهندسة الميكانيكية وما شابهها. ربما يتعلق الأمر بزيادة عدد المواليد من الإناث مقابل الذكور. ولكنني فضلت صراحة ألا أنظر للأمر من هذه الزاوية، ولا سيما أن شعوري كان إيجابيًا إزاء الفكرة برمتها. تجلس معهن في الصف لتجد غالبيتهن، ولن أقول جميعهن، مدركات لما تفعلن، تناقشن الأساتذة، تقرأن، وتعبرن عن أرائهن دون أي خوف.

تدخل إلى كليات الفنون مثلًا، لتجدهن متمردات في كل شيء، في الشكل واللباس والتصرفات والمواضيع التي يطرحنها في أعمالهن، وأنا أدرك أن لدى كل الفنانين والفنانات حول العالم هوس الاختلاف، ولنكن أدق، هو هوس التحرر، لكنه لدى الإيرانيات يحمل طابعًا أكثر اختلافًا وتمرداً.

في أحاديث الفتيات العشرينيات، ستسمع بالتأكيد قصصاً عن الحب، وأحلاماً حول زوج المستقبل المناسب، وهو أمر أصبح بمثابة معضلة بالنسبة لكثيرات؛ فنسب العنوسة في ارتفاع كما معدلات الطلاق؛ وقد خلقت خوفاً اجتماعياً للشابات والشبان على حد سواء وهو ما يظهر على شاكلة رغبة بعدم الارتباط الحقيقي. لا تتحدث الواحدة منهن وكأنها تضع مهمة إيجاد فارس الأحلام نصب عينيها خوفاً من كلام الناس، ولكن قد يشغلها الموضوع في سنوات عمر أكثر تقدماً كونها طبيعة بشرية، لا أكثر.

هذه الفتاة الحالمة المتعلمة، مضطرة في بعض الأحيان للعمل في أي وظيفة تجدها بالتزامن وإكمال دراستها؛ منهن من تكون مضطرة لتحسين وضعها المادي، ومنهن من تعملن جاهدات لتجهيز وتحديث سيرتها المهنية. وكم هن كثيرات؛ ومنهن من تسعى لجمع مال ما نسميه في بلداننا “جهاز” العروس، وما يسمونه هنا “جهيزيه”. إلا إن كان لديها عائلة مقتدرة ستوفره لها. وفي كثير من الأحيان، تبدأ معظم العائلات المتوسطة الحال بجمع المال وشراء وسائل المنزل التي ستحملها الفتاة لبيتها المستقبلي، منذ ولادتها. ورغم وجود كل هذه الحالات، باتت المعادلة السائدة الآن ترجح الشاب المناسب لكفاءاتها، وإلا فإن عدم الارتباط هو الخيار الأفضل، كما تعبرن بصراحة عن الموضوع.

شاهدت أكثر من مرة طالبات جامعيات متزوجات، وأخريات حوامل، وحتى مطلقات وتجلسن إلى جانب كثيرات كثيرات غير مرتبطات. لم يكن لدى المطلقات مشكلة بالبوح عن حقيقة وضعهن الاجتماعي، فالانفصال لم يعد في مدن إيرانية كطهران عيبًا، بل وإن فرصها بإيجاد زوج ثان تعادل فرص تلك التي لم ترتبط بعد، كما يقول بعضهم هنا.

في المقابل، هن لا يعرفن الكثير عن نسائنا. تتخيل بعض الإيرانيات أن نساء العرب بالمجمل تقبلن تعدد الزوجات، بل وتعتبر بعضهن أنه حلال طالما أن المجتمع لا يعارض، والمرأة نفسها متقبلة للأمر!!!

تضحكني الفكرة، ولكنني لا أتوقف عندها كثيرًا، وخاصة أنني قادرة على تقديم توضيحات أبرئ فيها نفسي ومثيلاتي في عالمنا العربي من هذه التهمة. ومع هذا الجهل الذي لا تتحملن مسؤوليته، أجد أنني أغبطهن في كثير من الأحيان، لأن لديهن القوة لمواجهة القيود بل والقدرة على تحويل المحددات لنقاط نجاح، ولهذا عوامله المساعدة بالطبع، وكل هذا هو ما يجعلهن في الحقيقة جميلات إيران…

*لاجئة وصحافية فلسطينية تخصصت بالشأن الإيراني. مهتمة بتقديم صورة عن التفاصيل الغائبة لهذا البلد للمهتمين العرب، علّها تقدم ما هو جديد. حاصلة على ماجستير بالدراسات الإيرانية. عملت في مؤسسات إعلامية عدة.

المصدر: صحيفة العربي الجديد