أسطورة الفهد: أبو حسن سلامة حين يلقي مرساته

أسطورة الفهد: أبو حسن سلامة حين يلقي مرساته
Spread the love

بقلم: بكر أبوبكر* – أبو حسن (علي حسن سلامة) هو بطل من أبطال فلسطين وأسطورة تحدي لا نظير لها للموساد الاسرائيلي ، هو فارس من فرسان الفتح المبين الذين مزجوا بين الجرأة المفرطة ووثبة الفهد والجسارة مع الإيمان بالشهادة، والانفتاح وعشق الوطن وهدوء النفس.
أبو حسن سلامة القائد الفلسطيني الشاب الذي عاش فترة عنفوان الثورة الفلسطينية في لبنان (حقبة السبعينات من القرن العشرين) امتاز بالذكاء الشديد والشجاعة والإقدام، والكرم مع رجاله ، وكان فذّا في بناء العلاقات الاجتماعية مع المتفقين والمختلفين فنوّع في مستويات علاقاته (وبالتالي في مصادر معلوماته الأمنية كرجل أمن) فلم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدتها إلى اللبنانيين والأجانب ومنهم أوعبرهم تم فتح العلاقات مع أنصار فلسطين في أمريكا وتحديدا في الإدارة الأمريكية.

بدايات أبوحسن ومميزاته
تلقى أبو حسن سلامة (المولود عام 1941 في العراق) أولى دوراته الأمنية في القاهرة عام 1968 عندما اختاره الشهيد القائد صلاح خلف مع زملاء له لهذه الدورة التي شكلت البدايات لجهاز “الرصد المركزي” ، ولم يكن هذا غريبا على أمثال أبو حسن سلامة الذي اتسم بالشجاعة والقوة كما ذكرنا مع ما اجتمع له من بناء جسدي متميز، إذ كان لاعب كراتيه تحصّل على الحزام الأسود واستمر في هذا المسار مع مهماته الأمنية الدقيقة في تقاطع شكّل شخصيته الجذابة المتسقة مع أناقته تلك التي فاقت أقرانه أو جلبت حسدهم.
أبو حسن سلامة المحبّ للحياة وللطبيعة والجبل والبحر، نعم، هو من كان بطل الحرب السرية ضد الموساد الصهيوني وضد المصالح الاسرائيلية في أوروبا ، وما كان دمويا أو إرهابيا كما حاولت الدعاية الصهيونية أن تصفه زورا، فالعاشق لفلسطين وللشهادة والعطاء كان الأحرص على الدم حتى وهو ينفذ العمليات الصعبة ضد المصالح الصهيونية أو ضد المناوئين للثورة فلم يكن القتل هو الهدف مطلقا بل أن تصل الرسالة … أن لنا وطن وسيكون لنا دولة.
إن أردنا تلخيص صفاته ومميزاته الأساسية مما سبق فلنا أن نجملها بالتالي: أنه كان (1) محبا للحياة ما جعل (2) بناء العلاقات لديه قدرة وكان (3) جريئا جسورا ذكيا استمد ذلك من سيرة والده البطل حسن سلامة ومن طريقة تنشئته الصارمة على التضحية والفداء حيث لم تمل أمه من تذكيره بأبيه وسيرته، ومن صحبته للعملاق ياسر عرفات، وكان (4) عاشق لفلسطين متأهبا للشهادة التي استقبلها بصدر رحب.
من الممكن أن نشبه الشهيد البطل أبوحسن سلامة بالفهد لما يتقاربان فيه من مواصفات “فالفهد أسرع الثدييات عدوًا ، سريع الاستجابة البدنية، حيث يمتلك جسدًا طويلاً رشيقًا انسيابيًا، ويتصف الفهد بجسم قوي مهيأ للمطاردة، كما الحال مع الفدائي والمناضل كأبي حسن، وهو ذكي ومخادع يمارس الصيد ليلاً ونهاراً تماما كعمل رجل الأمن، وله فكّان صلبة وأسنان ومخالب حادة ، ويعتبر من أكثر الحيوانات مهارة في الصيد ويكسو جسمه فراء سميك تختلف ألونه باختلاف البيئة التي ينتمي إليها، وكما هو الحال في القطط الكبيرة، وهو يحب الاجتماع وبناء العلاقات.”

الولد سر أبيه
والده الشهيد البطل حسن سلامة (1913 – 1948 م) ولد في قرية قوليه غير البعيدة عن رام الله ، وهي القرية التي تعد آنذاك من قضاء اللد، لواء يافا، البطل حسن سلامة أو الشيخ حسن سلامة كما أصبح يلقب لاحقا كان منذ شبابه المبكر قد شارك في أعمال الثورة والمقاومة ضد الاحتلال الانجليزي والصهيوني فقام بالعديد من العمليات النوعية التي ألهمت أجيالا من بعده ومنهم ابنه علي (أبو حسن) كما يتضح من مسيرته.
كان من عمليات الوالد نسف خطوط السكك الحديدية في فلسطين، وتدمير أعمدة الكهرباء وتدمير خطوط المواصلات التي يستخدمها الاستعمار البريطاني والصهاينة، وإحراق البيارات التابعة للمستعمرات الصهيونية في فلسطين ، ونسف قطار اللد – حيفا.
شارك كقيادي في ثورة (1936-1939) ، وبعد نداء الملوك العرب بوقف الثورة غادر إلى لبنان وسوريا ثم العراق (حيث ولد علي هناك عام 1941) ملتحقا بالكلية العسكرية، وفي العراق استمر الأب في حراكه الثوري حيث شارك وقاد فصيلا من المناضلين الفلسطينيين في الثورة ضد الانجليز.
وفي عام 1943 عاد إلى فلسطين ليواصل نضاله فطورد في جبال القدس فانتقل إلى سورية. ثم عاد إلى فلسطين مرة أخرى بعد صدور قرار التقسيم المشؤوم في تشرين الثاني 1947 وأسندت إليه قيادة القطاع الغربي من المنطقة الوسطى ثم منطقة القدس، بعد استشهاد القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل.
خطط وقاد عدداً من المعارك الناجحة، وأصيب في رئته اليسرى، في معركة رأس العين شمال غرب القدس أثناء قيادته هجوماً مضاداً كاسحاً على مراكز العصابات الإرهابية الصهيونية في 31-5-1948، ونقل إلى المستشفى واستمر رجاله يقاتلون الأعداء بحماسة حتى طردوهم من رأس العين، استشهد القائد حسن سلامة يوم 2-6-1948 بعد أن علم بانتصار رجاله واندحار الأعداء عن رأس العين.
تأثرت حياة أبو حسن سلامة بوالده إذ يقول زميله ونائبه حينها محمود الناطور (أبو الطيب) (اللواء حاليا):(عشقت روح أبو حسن النضال إرثا عن والده الشيخ حسن سلامة)، كما كان الرجل مبهورا بجاذبية وبتقشف ياسر عرفات منذ عرفه في الأردن ، فتأثر به كثيرا (وهو يرى سعادته حينما يتحقق نصر سياسي أو عسكري ، وحينما يخرج عملاقا من المآزق التي طالما ألمت بالثورة فرحا معتزا.)
لم تألُ والدة أبو حسن تذكيره أنه ابن أبيه المناضل والثائر والبطل والشهيد فدخل العمل الثوري مبكرا عام 1964 وذلك في الكويت حيث التحق بحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح على يدي القائد والمفكر خالد الحسن (أبو السعيد)، وكان أبوحسن حينها يعمل في إطار مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالكويت في دائرة التنظيم الشعبي.
من التنظيم إلى الأمن
من التنظيم الشعبي إلى العمل الأمني كانت النقلة الكبيرة في حياة أبو حسن عندما اختاره الشهيد القائد صلاح خلف (أبواياد) أحد عمالقة العمل الأمني الفلسطيني عضوا في الدورة الأمنية الأولى في القاهرة والتي أسست لقيادات (جهاز الرصد الثوري) الذي أنشئ في الأردن بعد معركة الكرامة فكان أبو حسن نائبا لصلاح خلف (أو بالأحرى مساعدا له لأن هاني الحسن كان هو النائب لصلاح خلف.)
استطاع جهاز (الرصد الثوري) أن يحقق مجموعة من الانجازات في الفترة التي عمل فيها (1968 – 1971) من ضمنها:
(1) مهام الاستقطاب والتجنيد للثورة الفلسطينية ولجهاز الأمن .
(2) اختراق العملاء واختراق أجهزة الاستخبارات الأخرى لاسيما أنه بعد انتصارات الثورة الفلسطينية وعملياتها العسكرية المتنامية حصل التدافع المحموم من الجماهير الفلسطينية والعربية لتنضم للثورة مع ما يعني ذلك من امكانيات استخبارية هائلة داخلية ومضادة.
(3) قام جهاز الرصد الثوري بوقاية الثورة الفلسطينية من الاختراقات والمؤامرات على الثورة.
كما انشغل الجهاز (4) بفرز التقارير الكيدية وتصفية بعض الجماعات والمنظمات العميلة التي نشأت على هامش الثورة.
(5) كما قام الجهاز بتحقيق علاقات هامة مع الفصائل الفلسطينية التي تنامت آنذاك بشكل مثير.
لقد واكبت نشأة جهاز الرصد الثوري العلاقة مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي انفتح على حركة فتح والثورة الفلسطينية منذ أواخر العام 1967 أي بعد النكسة، وعمل أبو حسن في الجهاز في الأردن وكان قريبا من صلاح خلف ومن الرمز ياسر عرفات إذ استطاع في خضم الأحداث المؤلمة للعام 1970 أن يؤمّن لياسر عرفات طرق التنقل الآمن بين الحواجز وكمائن الجيش وساحات الاشتباك الدائر بين الأخوة فيصل سالما إلى قرب السفارة المصرية في عمان، ثم الوصول إلى مطار ماركا في عمان عبر التمويه المتقن والتخفي .
كان أبو حسن أحد التسعة المحظوظين والناجين من الذين تواجدوا حول أبو عمار حيث كانوا 50 مناضلا شرسا لقوا وجه ربهم دفاعا عن مواقعهم وقائدهم.
خرجت الثورة عمليا من الأردن لسبب تقاطعات الثورة والدولة والسياسة والاستغلال السياسي، ونتيجة تعارض المواقف حول المشاريع السياسية المطروحة آنذاك ودخول السلاح بشكل مضطرد، فكانت لبنان منذ العام (1970 – 1983) هي محطة ومقر القيادة الفلسطينية التالية

الأمن الموحد وجهاز “ال 17″، و”أيلول الأسود”
نجا الفارس ياسر عرفات من معارك الأردن بأعجوبة وخرج مع أبو حسن سلامة بعباءات خليجية وتحت مسؤولية الوفد العربي فوصل القاهرة ، إلا أن صلاح خلف أخفق ومن معه في فك الحصار حولهم وتم اعتقالهم ثم أطلق سراحهم لاحقا، ليُحمّل هو وعدد من القيادات الأمنية مسؤولية ما حصل في الأردن، فتسلم أبو إياد مهمة أخرى في الفترة (1971-1973).
وبعد استشهاد القادة الثلاث عام 1973 (أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر) أعيد تشكيل الأجهزة الأمنية فنشأت حينها كل من:
1- جهاز الأمن الموحد بقيادة صلاح خلف لتشمل مهمته الأمن في منظمة التحرير الفلسطينية.
2- جهاز الأمن المركزي بقيادة هايل عبد الحميد (أبو الهول)
3- جهاز الـ17 (أمن الرئاسة) على غرار الحرس الجمهوري في العراق أو وسوريا وهو الجهاز الذي تسلمه أبو حسن سلامة وكان نائبه الميداني أبو الطيب محمود الناطور.
سمي الجهاز بهذا الاسم الرمزي (أي جهاز الـ17) لسبب طريف أنه ارتبط بكشف أوائل المتفرغين في جهاز أمن الرئاسة الذي قدموا مع محمود الناطور(أبو الطيب) في رحلة الخروج من عمان إذ كانوا 17 أخا (فأطلق عليهم كشف ال17) ، وإضافة لاشتمال هاتف المقر على الرقم 17 .
انتهت فعالية الجهاز الحقيقية مع الدخول للوطن عام 1994 ثم انتهى فعليا في عهد الرئيس أبو مازن ليتم استبداله بجهاز مهني صرف تحت اسم الحرس الرئاسي تابع للأمن الوطني .
كانت مهمة جهاز الـ17 هي مهمة حراسة الرئيس أبو عمار ، ومهمة إجراء الاتصالات مع القوى السياسية الخارجية خاصة الغربية أو المناوئة مثل الكتائب اللبنانية أو الأمريكان عدا عن المهمات الأمنية الخاصة إلى جوار العمل العسكري القتالي
إذن تسلم أبو حسن سلامة (جهاز الـ17) بعد أن كان عمله المثير للجدل (1971 – 1973 ) في مهمة العمليات الخارجية أو العمليات الخاصة ضمن المسؤولية المرجحة لصلاح خلف (أبو إياد) فكان كل من أبو حسن سلامة وأبو داوود (محمد داوود عودة) نائبين له ، وهذه العمليات الخارجية الضخمة تحت اسم (منظمة أيلول الأسود) هي التي صنعت شهرة وقوة أبطال العمليات الخارجية الذين كان أبرزهم البطل الفهد أبو حسن سلامة.
منظمة (أيلول الأسود) هي المنظمة المنسوبة لحركة فتح والتي مارست ما أسمته حركة فتح “العنف الثوري” حيث قال فيها خالد الحسن معقبا على عملياتها المدوية (طالما يعيش الشعب الفلسطيني في حالة الظلم والتشرد…فمن الطبيعي قيام حركة من نوع “أيلول الأسود” تعبيرا عن مأساة هذا الشعب) ودون أن يتبناها كحركة فتح وفيها قال أيضا صلاح خلف (أبوإياد) حين يحرموننا حقنا الأساسي في القتال على أرضنا لإخراج الغاصب فمن الطبيعي أن نوسع ساحة القتال)

العمليات الخارجية الصاعقة من ايطاليا إلى ألمانيا
تسلم صلاح خلف ونائبا له أبو حسن – حسب أكثر المصادر – مسؤولية العمليات الخارجية (في حركة فتح) والتي أطلق عليها أيضا اسم العنف الثوري أو (حرب الظلال) التي هدفت لإعادة لفت الأنظار للقضية الفلسطينية بعد الخروج من الأردن ، ولمجابهة حرب المخابرات الصهيونية التي طالت الأدباء والشعراء والسياسيين كما طالت القيادات الأمنية فكانت الثورة الفلسطينية بالمرصاد بعمليات نديّة أوقعت خسائر فادحة بالمصالح الإسرائيلية من جهة وبمحطات وقيادات وعملاء الموساد في أوروبا تحديدا.
لقد أشتعلت حرب المخابرات بين الثورة الفلسطينية و”الموساد” الإسرائيلي على امتداد العالم وخاصة على ساحة لبنان وأوروبا فكانت عمليات الموساد ضد الأديب غسان كنفاني (1971)ومحاولة اغتيال أنيس الصايغ وبسام أو شريف المحفّز لحرب المواجهة الفلسطينية على ذات الصعيد، واغتيال محمود الهمشري في فرنسا عام 1972 وقبله وائل زعيتر في إيطاليا.
في حرب المخابرات الندّية المستعِرة اغتال جهاز العمليات الخارجية بقيادة أبو حسن سلامة سبع عشرة مسؤولا أو قياديا (أو محطة أو عميل للموساد) على امتداد ساحة أوروبا ، وفي حرب الموساد ضد الثورة الفلسطينية التي كانت تنجح حينا وتخفق أحيانا ، أخفق الموساد في محاولات اغتيال أبو حسن سلامة لعشر مرات ، وكان من فشلهم قتل المواطن المغربي (أحمد بوشيكي) طنا أنه أبو حسن في النرويج وحينها تم اعتقال المنفذين الإسرائيليين في فضيحة مدوية ، رفعت من أسهم أبوحسن وأذلّت الموساد.
يقول العميد ماهر شبايطة أمين سر حركة “فتح” وفصائل “م.ت.ف” في صيدا-لبنان في شهادته (كان الشهيد علي حسن سلامة واحد من أعنف وأمهر مدبري اغتيالات قيادة العدو الإسرائيلي حيث أسندت إليه قيادة العمليات الخاصة ضد العدو الصهيوني في شتى أنحاء العالم)
فشلت المخابرات الصهيونية (كمثال) في تجنيد أحد أقرباء صخر حبش الذي رد الصاع صاعين بقتل ضابط التجنيد ، وتُمثل عملية كنيسة (جلاروس) في سويسرا فشلا ذريعا إضافي “للموساد” الذي اعتقد أن أبو حسن في لقاء داخل الكنيسة مع آخرين ، فقتل الموساد خطأ ثلاثة أبرياء من حرس الكنيسة بلا جدوى.
يعتبر كتاب “مجتمع الاستخبارات الاسرائيلية” الصادر عام 2011 لكل من” أهارون فركش” رئيس الاستخبارات آنذاك ، و”دوف تماري” من أهم الكتب التي أزاحت الستار عن أسطورة الموساد فتعرضت لعديد العمليات الفاشلة في ظل استعار الحرب الخفية بين المخابرات الفلسطينية وبين “الموساد” الصهيوني.
كانت عمليات تدمير خزانات النفط في “تريستا” ايطاليا من أشهر عمليات أبو حسن سلامة، كما كانت العمليات المنسوبة له ولمنظمة (أيلول الأسود) الغامضة في ألمانيا وهولندة ضد مخازن شركة الغاز (إسّو) وتلك التي دمرت مصانع لبناء محركات الطائرات الإسرائيلية في هامبورغ – ألمانيا نماذج صاعقة من نماذج الحرب ضد المصالح الصهيونية في كل مكان، وهي التي صنعت وغيرها شهرة “أيلول الأسود” وسجلت دويا عالميا.

عملية ميونخ
كثيرا ما يربط بين الشهيد أبو حسن سلامة وعملية ميونخ الشهيرة عام (1972) إلا أن الحقيقة تشير أنه لم يكن من قام بها باعتراف أبو داوود في كتابه الضخم (من القدس إلى ميونخ) ، وبإقرار محمود الناطور في كتابه (حركة فتح ين المقاومة و الاغتيالات).
جاءت هذه العملية ردا على عمليات الاغتيال الصهيوني خاصة بعد استشهاد الأديب غسان كنفاني بشهرين، وإثر المحاولتين الفاشلتين لاغتيال بسام أبو شريف (القائد في الجبهة الشعبية) وأنيس الصايغ، كما جاءت ثانيا للرد على قصف قواعد الفدائيين في لبنان، وجاءت ثالثا للفت انتباه العالم (خاصة الرياضي) للقضية الفلسطينية.
في تفاصيل العملية التي هدفت لمبادلة الرياضيين الإسرائيليين ال11 بالأسرى الفلسطينيين والعرب و الأجانب قام صلاح خلف (أبو اياد) ذاته بنقل السلاح إلى ألمانيا وقام أبو داوود بقيادة العملية بينما كان يوسف نزال هو مسؤول المجموعة المنفذة من 8 أعضاء الذين دخلوا مقر البعثة الرياضية الإسرائيلية في ميونخ واحتجزوا الرياضيين الاسرائيليين دون أن يمسوهم بأذى لأن الهدف لم يكن القتل أبدا.
في تفاصيل العملية الكثير مما يمكن الإشارة له ودور المخابرات الاسرائيلية في إفشال عملية التبادل في ميونخ-ألمانيا ما أدى لمقتل الرياضيين و5 من الفدائيين الثمانية الذين قاموا بالعملية.

العلاقة مع الأمريكان
عرف أبو حسن سلامة بأنه بطل العمليات الخارجية المثيرة للجدل ضمن منظمة “أيلول الأسود” ، وعرف أيضا بقدرته الاستخبارية الكبيرة التي وقفت بالمرصاد لرجال الموساد في كل مكان ضمن حرب التصفيات الخفية المتبادلة ، وعرف أيضا بعلاقاته الواسعة التي منها مع الأمريكان.
في العام 1973 عندما تشكل جهاز الـ17 الذي رئسه أبو حسن سلامة كانت المنطقة تعيش تفاعلات نصر حرب أكتوبر (رمضان) 1973 على العدو الصهيوني، وبداية الود المربك للساحة الثورية بين مصر وأمريكا (ثم مع “اسرائيل”الذي أدى لاتفاق “كامب ديفد” لاحقا) وهي ذات السنة التي أنهت فيها منظمة (أيلول الأسود) عملياتها القوية ضد المصالح الاسرائيلية لأنها حققت أهدافها ، كما بدأت في ذات الفترة تبرز بقوة فكرة الدولة الفلسطينية على أي شبر يتم تحريره (1973) وما تلاها من الخطاب الخالد لياسر عرفات في الأمم المتحدة (1974) في هذا الجو كان من التفكير العملي أن يفتح ياسر عرفات خطا من الاتصالات مع أمريكا، ومن له أفضل من محل ثقته غير أبو حسن الرجل المخلص والقادر على بناء العلاقات والرجل الخفي وهذا ما كان .
تشير بعض المصادر للقاء حصل بين ياسر عرفات ونائب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كما أفاد ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في كتاب (سنوات الجيشان) ، وترك الأمر لأبي حسن كما يشير كتاب (إرث من الرماد) الذي فجر القنبلة في وجه الاسرائيليين ودق ناقوس الخطر بالقول (أن العلاقة التي نسجها أبو حسن مهدت الطريق لعرفات لدخول الأمم المتحدة).
أما المصدر الأهم في هذه العلاقة فيرجع للكاتب والمؤرخ الأمريكي (كاي بيرد) الذي تحدث عن ضابط الاستخبارات الأمريكية (روبرت إيمز) الذي بنى العلاقة المميزة والسرية مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر أبو حسن سلامة وبوساطة مصطفى الزين ويعد هذا الكتاب (الجاسوس الطيب أو الجيد) من أهم المراجع، إضافة للكتاب الثمين لمحمود الناطور (حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات) الذي يتحدث في أحد أجزاءه عن سيرة أبو حسن سلامة وعلاقته مع (إيمز).
حفلت حياة أبو حسن وعلاقاته مع الأمريكان بكثير من الغموض خاصة في ظل فترة انفتاح خفي وصد علي لاسيما وان صراع المعسكرين الشرقي (الاتحاد السوفيتي) والغربي (أمريكا) كان لا زال يعكس ذاته على العالم وعلى فصائل المقاومة شدا وجذبا ورجعية وتقدمية.

“يؤدي دورا وطنيا بصرف النظر عن الجسر الذي يمشي فوقه”
يكتب الإعلامي اللبناني الشهير سمير عطا الله عام 2014 مقالا عن أبو حسن سلامة حيث يبدد شكوكه الذاتية وربما شكوك البعض الآخر أيضا فيقول نصا :((عام 1987 صدر للصحافي الأميركي الشهير “بوب وودورد” كتاب بعنوان «الحجاب» مبني على مقابلات مع رئيس الـ«سي آي إيه» لسبع سنوات، “وليم كايسي”، حول أدوار الوكالة السرية في المنطقة. لا تقول الوكالة كل ما لديها حتى عندما تقرر الكلام. لكن الكشف المذهل في الكتاب يومها أن علي حسن سلامة، رجل الأمن الأول عند ياسر عرفات، كان يمد الوكالة الأميركية بالمعلومات.
طبيعي أن الكتاب تحول إلى موضوع نقاش في كل مكان. يومها قلت للصديق رمزي صنبر، وهو مهندس ورجل أعمال فلسطيني: هل يعقل أن ساعد أبو عمار الأيمن كان عميلا للاستخبارات الأميركية؟ كان رد رمزي سريعا: «هل كان أبو حسن سلامة يعمل لحساب أميركا أم لحساب منظمة التحرير؟ شعوري، وربما قناعتي، أنه كان يؤدي دورا وطنيا بصرف النظر عن الجسر الذي يمشي فوقه».
صدر حديثا كتاب بعنوان «الجاسوس الطيب» عن سيرة “روبرت إيمس”، الذي أقام العلاقة مع رجل الأمن الفلسطيني الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية في بيروت عام 1979.
يروي المؤلف “كاي بيرد” أن مسؤولي الوكالة عارضوا كثيرا اتصال “إيمس” بمنظمة التحرير المعتبرة آنذاك مؤسسة إرهابية، لكنه وجد في أبو حسن سلامة حليفا يستحق المغامرة. عندها أصر رؤساؤه على أنه لكي يثقوا بسلامة حقا، يجب أن يقبل التعامل مع الوكالة رسميا، أي خاضعا للضغط أو التهديد عند الحاجة.
وكان الاقتراح أن يصار إلى إغراء أبو حسن براتب قدره ثلاثمائة ألف دولار في الشهر. رفض أبو حسن مجرد البحث في الأمر. تذكرت النقاش مع رمزي صنبر في لندن فور صدور الكتاب قبل ثمانية وعشرين عاما من اليوم. كان أبو حسن يعمل لحساب قضيته لا لحساب أميركا. لا ازدواجية في الأمر. ولا ذلك النوع من الخيانة العظمى التي تعرف بـ«العمالة المزدوجة» كمبرر للسقوط في أسفل أنواع العمالات.))-انتهى الاقتباس من مقال سمير عطا الله
لكن من الممكن أيضا أن نقرأ له في ذات المقال القول عن أبي حسن أنه (لم يتصرف بقرار من عنده بل باتفاق مع قيادته. ولم تحمه علاقته بالـ«سي آي إيه» من مطاردة “إسرائيل” له بسبب كونه عضوا في «أيلول الأسود». فهذا العالم السري يتقاطع ويتصادم عند خطوط محددة).
يقول أبوالطيب مخاطبا أبوحسن سلامة في مقال له : (نحن نقدر جيدا العمل الذي قمت به، ونحن نعرف أن فتح خط اتصال مع الأمريكان كان أخطر على إسرائيل من إطلاق النار عليهم، ونحن نعلم كيف أنك استطعت أن تكشف زيف تقارير إسرائيل للإدارة الأمريكية، لهذا تم اغتيالك واغتالوا معك مندوب الCIA روبرت ايمز (بوب)، بعدما عملت وإياه على تقدم المباحثات.)

“روبرت إيمز” وأبوحسن
يشار لثلاثة من الزيارات التي قام بها أبو حسن سلامة للولايات المتحدة الأمريكية وفي إحداها مع زوجته ملكة جمال العالم جورجينا رزق، وقابل في إحداها رئيس المخابرات المركزية جورج بوش الأب حينها.
لقد كانت العلاقة مميزة بين أبو حسن و”روبرت ايمز” أو “بوب” القريب من هموم وقضايا الشعب الفلسطيني، وهو ذاته أي (إيمز) كان القريب من صانع القرار السياسي الأمريكي بما أدى للتأثير فيه بحيث أن الرئيس الأمريكي كارتر طرح عام 1977 ضرورة “وجود وطن للاجئين الفلسطينيين” لأول مرة، وطرح الرئيس الامريكي رونالد ريغان مبادرته للسلام في الشرق الأوسط لاحقا أي عام 1983 والتي رأى فيها (إن النزاع العربي الإسرائيلي يجب أن يحل بمفاوضات تنطوي على مبادلة الأرض بالسلام)، كما كان لهذه العلاقة أن مهدت ورتبت الطريق لاعتلاء ياسر عرفات منصة الأمم المتحدة.
في آلية التبادل الاستخباري التي تحكم العلاقات الأمنية كان هدف أبو حسن هو تحقيق الاعتراف الأمريكي -والعالمي من ورائه- بمنظمة التحرير الفلسطينية و بحقوق الفلسطينيين، وهدف (إيمز) لحماية السفارة الأمريكية في لبنان وحماية الدبلوماسيين ، وحماية المصالح الأمريكية، وفي ذهنه قطعا تاريخ أبو حسن القريب في ضرب الموساد وتدمير المصالح الإسرائيلية في أوروبا، وفي ذهن أبو حسن التغطي بهذه العلاقة في حرب الاستخبارات المستعِرة.
لم يكن الموقف الإسرائيلي من العلاقة المتصاعدة ولو بالخفاء بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية ليعجب صناع السياسة في “إسرائيل” ، كما لم يُعجب الدوائر الأمنية التي نشطت في محاولة القضاء على أبو حسن سلامة عرّاب هذه العلاقات النامية، والكاشفة لأكاذيب الطرف الآخر.
إن كشف زيف الرواية الإسرائيلية لأي أمد أصبح جليا نتيجة هذه العلاقة لذا اعتبر المسؤولون الصهاينة أن سلامة قد تجاوز الخطوط الحمراء لاسيما وأن نيويورك قد استقبلته مع الخالد ياسر عرفات كما استقبلته واشنطن هو بذاته لأكثر من مرة، ومن هنا دق ناقوس الخطر، وحاولوا أن يأخذوا الموافقات من الولايات المتحدة على قتله وعندما كانوا لا يتلقون الجواب ، كانت تجري المحاولات الفاشلة المتتالية سواء عبر العميلة أمينة المفتي أو العميل أمين عباس الحاج، أو العميل (س) الذي ما زال حيا يرزق حتى اليوم.
بل وكان مثل هذه العلاقة بين “إيمز وأبوحسن” أن اودت بحياة (روبرت إيمز) ذاته إذ يقول أبوالطيب موضحا: (أعاد التاريخ نفسه، وكما وقفت (إسرائيل) وراء اغتيال الرئيس الأمريكي جون كندي، الذي أصر على وضع مفاعل ديمونة تحت الرقابة لوكالة الطاقة الذرية الدولية، وكما قصفت البحرية الإسرائيلية السفينة التجسسية الأمريكية “ليبرتي”، اغتالت روبرت ايمز(بوب) وزملاءه للقضاء على خطة ريغان للسلام والداعمين لها.)
أبو حسن سلامة قائد حرب الاستخبارات الفلسطينية -الذي مع طاقم (أيلول الأسود)- أرهب الإسرائيليين ودمر مصالحهم هو ذاته الذي كسر محرمات العلاقات ففتحها مع حزب الكتائب اللبنانية، كما فتحها مع الأمريكان فلم يعد مستغربا على رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولدا مائير” (ومن بعدها مناحيم بيغن) أن ينسب لها أقاويل عدة تتمنى فيها التخلص منه بحيث أسموه “الأمير الأحمر” ليس تقديرا، وإنما حقدا وتمنيا أن يشتعل بالنار، وما كان الأمير الأحمر إلا ذاك الرجل الذي كان بحق الثائر الجسور المحب لفلسطين الذي وضع روحه بين راحتيه غير آبه بالمخاطر التي تحيط به في عقلية قدرية مؤمنة بالله والقضاء طالما تميز بها قادة الثورة الفلسطينية عامة.
كتاب الجاسوس الجيد (أوالجاسوس الطيب أو النبيل حسب الترجمة إلى العربية) عن سيرة حياة [روبرت إيمز] الذي بنى العلاقة مع أبو حسن ، يعرض هذا الكتاب للكثير من تفاصيل هذه العلاقة الهامة ومحاولات تجنيده الفاشلة قبل التفكير بها، وسعي الموساد لقتله بموافقة أمريكية حيث يذكر المؤلف (كاي بيرد) أنه (في العام 1978) اقترب مسؤول في الموساد الاسرائيلي من مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات الأمريكية في مؤتمر بلندن يسأله إن كان أبو حسن يعمل مع الـ(C.I.A) فلم يتلقى الإجابة ، إلا أنه بعد اغتياله اعتبرت الوكالة أنها أخطأت كما يذكر المؤلف نقلا عن (إيمز) (لأن لا جواب يعني جواب).
قام الكثيرون بتحذير أبو حسن أنه مستهدف، وكان منهم أبو الطيب محمود الناطور مساعده كما الحال من كريم بقرادوني نقلا عن بشير الجميل القادة في حزب الكتائب اللبناني ، بل وحذره (روبرت إيمز) ذاته طالبا منه ولو شكليا أن يوافق على صيغة أنه يتعامل مع وكالة الاستخبارات الأمريكية كي لا يقتل فقال بكل إباء وجسارة ووضوح: (لا) .
من شهادة اللواء أبوالطيب
يورد اللواء محمود الناطور أنه: (بتاريخ 12/1/1979م أي قبل استشهاده بأحد عشر يوما استدعاني أبو حسن، فذهبت إليه في منزله، وما أن جلست بجواره حتى أخرج من جيبه ورقة، ودفع بها إلي قائلاً.. إقرأ!! كانت الورقة عبارة عن رسالة من كريم بقرادوني يخبره فيها بأن لديه معلومات مصدرها رئيس حزب الكتائب بشير الجميل تفيد بأن “إسرائيل” سوف تقوم بتنفيذ عملية لاغتياله خلال عشرة أيام. بعد أن قرأت الرسالة وضعتها أمامي وقلت له: لا بد من التعامل مع هذه المعلومة بمنتهى الجدية لأن مرسلها على علاقة وطيدة مع (إسرائيل)، وهو صديق لك.
أجاب أبو حسن: وما الذي تراه..؟
قلت: إن اللجوء إلى السفر خارج لبنان غير وارد، فنحن لسنا بصدد مغادرة لبنان كلما جاءنا خبر حول نوايا الإسرائيليين، فلو سلكنا هذا الأسلوب فلسوف يبقى كل القادة خارج لبنان، لكن الحل الأمثل حسب خبرتي هو تنفيذ الاحتياطات الأمنية بأسلوب “التمويه”.. وشرعت أشرح له خطة التمويه) ويضيف في إطار هذا اللقاء (جرى بعد ذلك نقاش حول الخطط التي يمكن أن تلجأ إليها “إسرائيل” لتنفيذ عملية الاغتيال، فاستقر الرأي أنها ستلجأ إلى زرع عبوات ناسفة على الطريق التي يسلكها الموكب مما جعل أبو حسن يقر بتركين السيارات أسفل البناية “ويا ليته التزم بذلك”!! فقد كان أبو حسن “قدرياً” يؤمن بقضاء الله وقدره بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، فكثيرا ما كنت أذهب وإياه لشراء ملابس، وكنا نشتريها من محلات “جورج” أسفل سينما السارولا، وأثناء رجوعنا من رحلة الشراء كان يقول لي: يا أبا الطيب هل تعتقد أننا سنظل أحياء لنشهد أولادنا عندما يكبرون ونذهب برفقتهم لشراء الملابس؟؟ ثم يجيب هو على السؤال قائلاً: لا أعتقد.. لا أعتقد فنحن مشروع شهادة يا أبا الطيب.. ولهذا لم يفكر أبو حسن يوما في شراء منزل، لقد كانت حياته يوما بيوم.. وعندما كان أحدهم ينتقده لعفويته وتعامله اليومي مع الحياة كان يقول لزوجته: اتركيني أتمتع بهذه الأيام القليلة الباقية لي!!)
أما كتاب الجاسوس الطيب فإنه حين بعرض لمقتل بطل حرب الاستخبارات ضد الموساد وأسطورة (أيلول الأسود) وزعيم قوات الـ17 فإنه يورد السبب الذي يراه العامل الرئيس للتصميم على قتله رغم عديد المحاولات السابقة ، حيث يورد على لسان أحد مسؤولي C.I.A “اعتبر الاسرائيليون أن علاقة سلامة السرية مع الأمريكان كانت الخطوة الأولى لرؤية عرفات في البيت الأبيض ، لقد كانوا يريدونه ميتا لهذا السبب فقط” وفعلا فلقد صعد أبو عمار على منبر الأمم المتحدة عام 1974 ، وفي حديقة البيت الأبيض وقع مع “رابين” (اتفاق أوسلو) بعد ذلك بعشرين عاما.

الجواسيس من حوله
كثر الجواسيس من الأجهزة المختلفة حول مؤسسات الثورة الفلسطينية في لبنان ومنها محاولات لاغتيال أبو عمار وأبو إياد صلاح خلف وأبو حسن سلامة، وغيرهم، وكثيرا ما يرد ذكر الجاسوسة (أمينة المفتى) التي ينقل على لسانها أنها التقت أبو حسن وأنه فتح لها – دون أن يعلم بعملها – باب اختراق مؤسسات الثورة الفلسطينية حتى أنها التقت بأبي عمار وناقشته عدة مرات إلا أن روايتها هذه تعد على الأرجح من مبالغات المذكورة وأجهزة المخابرات الاسرائيلية التي تحاول أن تغطي على فشلها بالتضخيم أوالإبراز لأعمال هامشية وكأنها بطولية أسطورية ، حيث فند (اللواء) طارق أبو رجب عام 2010 في لقاء له هذه الرواية وكذبها بوضوح وأشار لاعتقال الأمن الفلسطيني لهذه المرأة بعد أن نسجت علاقة مع بواب العمارة التي كان يقطنها (اللواء) عطا الله عطا الله أبو الزعيم، وتم تسليمها للأمن اللبناني وعندما أفرجوا عنها اعتقلتها القوات الفلسطينية وتمت مبادلتها بعدد من الأسرى في سجون الاحتلال الذين كان منهم أبو على مهدي بسيسو ووليم نصار.
أما حقيقة التواجد للجواسيس عامة فهذا شيء طبيعي كما ذكرنا في ظل الحرب الفلسطينيية- الاسرائيلية التي كانت مفتوحة على الصُعد الرئيسة الثلاثة أي 1-الميداني بالقصف والعمليات الفدائية من لبنان ، و2-حرب الاستخبارات المتبادلة والاغتيالات وكذلك الحال مع 3-حرب منظمة “أيلول الأسود” ووديع حداد (الجبهة الشعبية) ضد المصالح الإسرائيلية عبر العالم.
إلا أن الجاسوس (أمين عباس الحاج) الذي كان قريبا من كميل شمعون قائد حزب الأحرار (المسيحي) في لبنان كان ممن تجسسوا عليه باعترافه وحاول اغتياله في الصالة الرياضية التي يتمرن فيها أبو حسن فكانت هذه واحدة من تلك المحاولات الفاشلة.
العلاقة مع حزب الكتائب اللبنانية
هذا الشاب الجميل والوسيم ذو البنية الجسدية القوية ، والمحب للحياة، العاشق لفلسطين والذي يتمتع بانفتاح اجتماعي رغم عمله الأمني ما كان من الممكن أن يترك بابا يفيد الثورة والقضية الفلسطينية ولا يفتحه، ومن هنا كانت علاقاته غير محصورة في دائرة الأصدقاء وإنما طالت الخصوم مثل حزب الكتائب اللبنانية الذي شكّل الخصم الأكبر فترة الحرب الأهلية اللبنانية (بين القوى الوطنية ومعها الثورية الفلسطينية وبين القوى الانعزالية وعلى رأسها حزب الكتاب وحزب الأحرار …).
من الممكن أن نُرجِع أسباب فتحه مثل هذه العلاقة لطبيعة شخصيته وموقعه -كما ذكرنا- ولربما تعود لأن توفير المعلومات يستعدي إما اختراق جبهة الخصم أو تجنيده أو تبادل المعلومات والمنافع معه، ما تفعله الأجهزة الأمنية حتى في أشد حالات العداء بين السياسيين، وليس ببعيد عن ذلك شخصية الرمز ياسر عرفات الذي لم يكن ليترك خيطا يفلت من بين يديه، لاسيما وأبو حسن كان من أقرب المقربين إليه .
من هنا نشأت العلاقة مع حزب الكتائب وليس كما يظن بعض المحللين أنها ارتبطت بقصة زواجه الثانية بملكة جمال الكون (جورجينا رزق).
كان أبو حسن يفرق بين العداء السياسي المرتبط بالمواقف ، وبين ضرورة التحلي بالقيم الإنسانية في أشد المواقف خصاما ، وفي ذلك وفي إطار العلاقة مع الكتائب والمسيحيين اللبنانيين فترة الحرب في السبعينيات، وروى الصحافي اللبناني نبيل خوري قصة تدل على ما كان يتميز به “أبو حسن” من معان إنسانية سامية فقال: “في قمة التوتر بين بيروت الغربية والشرقية، ألقي القبض على سائق يقطع طريق المتحف وبحوزته كمية كبيرة من المأكولات وكمية أكبر من البطانيات، وجيء بالسائق إلى أبي حسن، ولدى سؤاله قال السائق: إنه يحمل المأكولات والبطانيات لأطفال ونساء الحي الذي يقطنه، فالبرد والجوع يكادان يقضيان عليهم، وعلى الفور أمر أبو حسن بالإفراج عنه ومرافقته إلى سيارته حتى يمر من المتحف قائلاً: نحن لا نقاتل الأطفال والنساء وواجبنا الإنساني يحتم علينا مساعدتهم”
في كتابه عن (قصة الموارنة في الحرب) عن سيرة جوزيف أبو خليل عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب اللبنانية الصادر عام 1990 يقول أبوخليل عن أبو حسن أنه كان (من دعاة التفاهم مع القيادات المسيحية، وخاصة مع حزب الكتائب .. على عكس رأي كمال جنبلاط) بل أن أبوحسن كان له دورا في محاولات رأب الصدع اللبناني ذاته حيث أنه إثر التدخل السوري في لبنان الذي أسماه جنبلاط (الاحتلال العسكري) للبنان ضمن مؤامرة للتقسيم ، تم (لقاء كمال جنبلاط زعيم الحركة الوطنية اللبنانية وأبوحسن سلامة عام 1976 مع بشير الجميل نائب قائد الجبهة اللبنانية (من المعسكر الآخر) سرا في 2 حزيران، وتوجهوا لمقابلة الرئيس الياس سركيس، غير أنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاقٍ مرضٍ مع أي من المسؤولين)
من الممكن القول أن زواجه من الوسط المسيحي عام 1976 كان تتويجا لعلاقاته المنفتحة والإنسانية ، وإن هذه العلاقة الايجابية مع حزب الكتائب – في ظل الخصومة والحرب ما استغلته (إسرائيل) – أحد العوامل الهامة في إصرار الموساد على تكرار محاولات قتله.

جريمة اغتيال البطل
لقد مثل اغتيال أبو حسن سلامة قرار سياسيا اتخذ لعدة مرات في إطار القيادة الصهيونية منذ رئيسة الوزراء “غولدا مائير” الى عقبها “مناحيم بيعن” ، واعترف بذلك (أهارون ياريف) رئيس الاستخبارات العسكرية ومستشار رئيس الوزراء للمهمات الخاصة حيث أدلى عام 1993 بأنه قاد مسلسل الاغتيالات للقيادات الفلسطينية ، كما اعترف (رافي ايتان) ضابط الموساد الصهيوني والذي شغل منصب مستشار لشؤون الإرهاب أنه من قاد عملية الاغتيال لاسيما أنه تفقد الموقع في بيروت قبل العملية الأخيرة موضحا أنه من وزع الأدوار ، ولا يتورع (اسحاق حوفي) رئيس المخابرات أيضا عن الإشارة لدوره في الإشراف على الاغتيال معللا ذلك (بالانتقام والردع) وجاء اعتراف الأخير في شريط (فلم) معنون (شفاه مغلقة) الذي عرض في القناة الإسرائيلية عام 2015.
كتاب الجاسوس الطيب عن سيرة (بوب إيمز) الذي سبق وأشرنا له يشير إلى (مايك هراري) باعتباره رئيس وحدة الاغتيالات.
في الأعوام 1977-1979 كانت الأجواء السياسية باعتقادي موائمه لاقتناص الاسرائيليين لفرص لا يمكن تقويتها لاغتيال أسطورة الفهد التي أرعبت “الموساد” دون أي حرج لهم مع الأمريكان حاولوا كثيرا تجنبه، ففي هذه الفترة كانت أجواء السلام الاسرائيلية واسعة (وقعت اتفاقية كامب ديفد مع مصر وبرعاية امريكية في 17/9/1978 ثم وقعت معاهدة السلام في 26/3/1979) مما أراح الاسرائيليين من جبهة عسكرية عريضة جدا وركز فعلها في اتجاهات أخرى ، وفي ذات الفترة كان الدور الاسرائيلي يتنامى لاسيما مع الانقلاب الذي كان يحدث في المنطقة مع مظاهرات الشعب الايراني الحاشدة ضد الشاه والظلم والهيمنة والاستبداد (خرج مليوني شخص في شهر 12/1978 في طهران مطالبين برحيل الشاه وعودة الخميني)
وجدير بالذكر أن الانقسام العربي الكبير كان قد وقع منذ العام 1977 أي بعد ذهاب الرئيس السادات للكنيست الإسرائيلي وما لحق ذلك من عزله عربيا عبر تشكل جبهة الصمود والتصدي ..
شكلت هذه الأحداث زلزالا وانقلابا في المنطقة كلها ما عاد على الاسرائيليين بمناخ ايجابي أعطاهم مزيدا من الأهمية والقدرة على المناورة والحركة .. والتي كان منها اغتيال أبو حسن.
كنا قد أشرنا سابقا إلى أن الاسرائيليين قرروا وخططوا لاغتيال أبوحسن كثيرا ، ويشار لعشرة محاولات فاشلة ما يعني أنهم عملوا على قتله بكافة الطرق سواء بالإذن من الامريكان أو بدونه ، وإن بدا أن رغبتهم بقتله وبموافقة أمريكية كانت ملحة، حتى كان الصمت الامريكي إيذانا بعملية واسعة لم يعد بعدها أي شك بضرورة اقتناصها لاسيما والظرف السياسي والأمني كان مهيئا بشكل كبير.
في 22/1/1979 تم تفجير السيارة المركونة على جانب الشارع المجاور لمنزله في بيروت، حيث كانت العيون تترصد خروجه ودخوله الشارع وتراقب بيته ومكتبه لشهور طويلة خلت، وحيث العميلة الاسرائيلية التي كانت من أهم من ترصده لشهور تلك الفتاة التي مارست الرسم (والمراقبة) من على الشرفة في الشقة التي استأجرتها بالبناية المقابلة وهي المدعوة (إريكا) التي ضغطت على زر التفجير عن بعد في ظل وجود مجموعتين أخريين للتغطية في المنطقة.
في تفاصيل العملية التي نجدها واضحة في أكثر من مصدر وحيث حاول الاسرائيليون أن يعطوها بُعدا اسطوريا للتغطية على فشلهم لأكثر من مرة بحرب المخابرات وفشلهم في التصدي لمنظمة “أيلول الأسود” يذكر العديد من المحللين أسبابا عددت لنجاح عملية الاغتيال لأبي حسن: مثل التساهل الأمني من قبل أبو حسن، أو الانكشاف الإعلامي أو لسبب حركته الاجتماعية الدؤوبة أو لسبب رتابته (روتينه) اليومية ما سهل رصد ومراقبة حركته، ولكنها في حقيقة تحليلنا للأسباب لم تكن لتغيب عن بال أبي حسن أو جهازه الأمي لاسيما وأنه حُذر أكثر من مرة، وفي إحداها قال لنائبه أبو الطيب أنه يرفض لأي قائد فلسطيني يتم تهديده أن يخرج من لبنان أو يغير نمط حياته كليا (فنحن مشروع شهادة) كما أعلنها مرارا وتكرارا بمعنى أن الدافع الحقيقي لشهادته هو أنه رجل مؤمن ورجل قدري ، بل ونجازف بالقول أنه كان يدنو من أجله بقرار منه.
يكتب براء الخطيب (جرت مراسم تشييع جثمان الشهيد، وسرت فى الجنازة المهيبة إلى جوار «زياد عبدالفتاح» والكاتب السورى «حيدر حيدر» وكنت أتأبط ذراع «عاطف بسيسو»، كانت مقابر شهداء منظمة التحرير الفلسطينية، بالقرب من مخيم شاتيلا للاجئين فى بيروت الغربية، وحمل «الختيار/عرفات» بنفسه وهو يبكى والدموع تنهمر على وجنتيه ولحيته، كان هناك أكثر من خمسين ألف فلسطينى ولبنانى مشوا خلف نعش الشهيد وقال عرفات: “إننا نوارى شهيدا التراب..إلى اللقاء أيها البطل، نحن لا نبكيك اليوم فاستقر مكانك فى كبرياء سنكمل مسيرتنا إلى فلسطين مهما كانت التضحيات” وعلى مقربة من «عرفات» كانت تقف «أم حسين»، الزوجة الأولى للشهيد، وكان «حسن»، الابن الأكبر للشهيد، يرتدى ملابس الفدائيين خلال الجنازة، تتدلى الكوفية فوق كتفيه ويمسك فى يده مدفع الكلاشينكوف، لقد ظل هذا اليوم فى ذاكرتى مرتبطا بالشريط=الفيلم الذى رأيته فيه.. حقا لقد حدث هذا «بعد ظهر يوم لعين».. بل إنه كان من ألعن الأيام التى مرت على فى حياتى).

لم تكن عملية الاغتيال لتمر بسهولة وقوات حرس الرئاسة (قوات الـ17) اعتادت أن ترد الصاع صاعين فكيف باغتيال أبو حسن سلامة ذاته، نعم ، قد يفترض البعض أن 5 سنوات فترة طويلة ليتم بعدها الرد على اغتيال أبي حسن ولكنها في حرب العقول والاستخبارات في تلك الحرب الخفية تمثل براعة وجسارة وكفاءة حيث مثلت عملية “ليماسول” في قبرص عام 1985 ردا مثيرا ثأرا لمقتل أبو حسن، فكان القضاء على 5 من كوادر الموساد ومنهم ممن شارك في مقتل أبو حسن عملا أسطوريا بحق.

الرد على استشهاد أبوحسن بعملية صاعقة

يقول اللواء محمود الناطور (أبوالطيب) نائب أبوحسن آنذاك (في عام 1985 تمكنت مجموعة من قوات ال 17 في قبرص وأثناء توجهها إلى لبنان عن طريق البحر، وكان هناك قرار من ابو عمار بعودة المقاتلين إلى لبنان بحرا وتحولت قبرص إلى ساحة مطاردة ورصد بين الثورة والموساد وقام الموساد بالفعل من معرفة بعض رحلات المقاتلين وإلقاء القبض عليهم في عرض البحر، وكانت قيادة العمليات للموساد على ظهر يخت يرسو على ميناء ليماسول، وكانت غرفة العمليات مكونه من اربعة ضباط في الموساد بالاضافة إلى “استر او سيلفيا” والتي كانت تعد من أكبر ضباط الموساد تعرفت المجموعة على “سيلفيا”، وأوهموهم بصيد ثمين ورغبتهم بالسفر إلى لبنان وما فتح شهية الموساد ان المجموعة لقوات ال17 كانت تضم المناضل كريستيان وهو بريطاني الأصل وفدائي في الثورة.
نجحت الخطة بان استدرجوا كامل غرفة العمليات للموساد للاجتماع على ظهر اليخت وتمت عملية اقتحامه واحتجازهم كرهائن للمطالبة باطلاق سراح أسرى وقامت الدنيا ولم تقعد وتدخلت وساطات ومنها السفير المصري في قبرص وحذرت المجموعة من أي عملية غدر، وعندما أحست المجموعة بوصول وحدة “كومندوس” صهيونية الى قبرص نفذت المجموعة أولا عملية الإعدام ل”استر” ووضعتها على مقدمة المركب يوم كامل وذلك انتقاما لابي حسن سلامة وقامت المجموعة بعد ذلك بتنفيذ حكم الإعدام بباقي المجموعة الصهيونية وتسليم أنفسهم للحكومة القبرصية.)

الرسالة
خسرنا بوفاة أبي حسن مناضلا وبطلا وفارسا ضمن موكب شهداء الثورة الفلسطينية الطويل، وخسر الأمريكان (على الأقل من أصدقاء القضية) قناة صادقة محترمة، وكان الكاسب من كل ذلك هم الاسرائيليين الذين أعادوا إحكام الطوق حول عنق الإدارة الامريكية وتفردوا بالرواية والسياسة.
إن الرسالة التي من الممكن أن نسمعها تروي في ذكرى هذا الفهد، هذا المناضل الشرس هي تردادنا لأشعار معين بسيسو الذى يقول:
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتيّ أطبقتا على هوج الرياح

*باحث وسياسي فلسطيني

Optimized by Optimole