“هيئة تحرير الشام” مظلّة جديدة أم غطاء لـ”جبهة فتح الشام”؟

“هيئة تحرير الشام” مظلّة جديدة أم غطاء لـ”جبهة فتح الشام”؟
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — لم تمضِ أيّام على انتهاء الجولة الأولى محادثات أستانة السوريّة في 24 كانون الثاني/يناير 2017 حتّى بدأت تظهر تداعياتها على الفصائل “الجهاديّة” السوريّة، حيث شنّت “جبهة فتح الشام”، فرع تنظيم القاعدة في سوريا سابقاً، هجمات على مواقع فصائل شاركت في هذه المحادثات التي أقيمت برعاية روسيّة–تركيّة–إيرانيّة في العاصمة الكازاخستانيّة. فقد هاجمت الجبهة المصنّفة عالمياً إرهابيّة مقرّات “جيش المجاهدين” و”الجبهة الشاميّة” في محافظة إدلب وريف حلب، فيما أعلن “جيش المجاهدين” وفصائل صغيرة أخرى انضمامها الكامل إلى “حركة أحرار الشام”، وهي أكبر الحركات السوريّة المسلّحة والمصنّفة “معتدلة” من قبل الغرب وتركيا ودول عربيّة.

وفي أعلن في 28 كانون الثاني/يناير عدد من الفصائل “الجهاديّة” عن حلّ نفسها وتشكيل مكوّن عسكريّ جديد سمّي “هيئة تحرير الشام” ضمّت “جبهة فتح الشام” و”حركة نور الدين الزنكي” و”لواء الحقّ” و”جبهة أنصار الدين” و”جيش السنّة”. ودعت الهيئة في بيانها كلّ الفصائل إلى الانضمام إليها من أجل الوحدة وتحقيق أهداف الثورة المتمثّلة في إسقاط النظام وإقامة الشريعة.

وقد ترأّس التشكيل الجديد القائد العامّ السابق لـ”حركة أحرار الشام” الإسلاميّة هاشم الشيخ المكنّى بـ”أبو جابر”. كما أعلن عدد من رجال الدين “الجهاديّين” البارزين أبرزهم السعوديّ عبد الله المحيسني انضمامهم إلى الهيئة الجديدة ومبايعتهم لها.

وكان مفاجئاً إعلان هاشم الشيخ وأبو يوسف المهاجر استقالتهما من “حركة أحرار الشام” ومبايعتهما التشكيل الجديد، حيث عيّن الأوّل قائداً للتشكيل، لينهي بذلك حالة الانقسام داخل الحركة بين التيّارين “الإخوانيّ” و”القاعديّ” بخروج الأخير منها.

وفي 9 شباط/فبراير الجاري، أعلن الشيخ في خطابه الأوّل منذ تشكيل الهيئة، استقلاليّة الفصيل وأنّه لا يمثّل امتداداً لتنظيمات وفصائل سابقة، بل إنّه خطوة ذابت فيها كلّ الفصائل والتسميات، لمواجهة “المنعطف الخطير” الذي يمرّون به، والتحدّيات التي تواجههم على كلّ الصعد السياسيّة والعسكريّة والمدنيّة.

وعن أهداف الهيئة، قال أبو جابر إنّها تسعى إلى توحيد “الساحة السوريّة ضمن كيان واحد وتحت قيادة موحّدة، تقود العمل السياسيّ والعسكريّ للثورة السوريّة، بما يحقّق أهدافها بإسقاط النظام”، وتحرير كلّ “الأراضي السوريّة والحفاظ على وحدتها، وعلى هويّة شعبها المسلم”. وأشار إلى اقتراب عمل عسكريّ للهيئة ضدّ النظام.

وقال الخبير في الحركات الجهاديّة عبدالله سليمان علي في مقابلة خاصّة مع “المونيتور” إنّ تشكيل “هيئة تحرير الشام” قد أدّى إلى حالة من الاستقطاب الحادّ بين الفصائل المسلّحة في الشمال السوريّ، حتّى كادت أن تنقسم بين تيّارين، أحدهما تقوده “جبهة فتح الشام” والثاني تقوده “حركة أحرار الشام”.

ويأتي الخلاف الجديد بين الحركتين ليؤكّد التباعد الإيديولوجيّ والسياسيّ بينهما بعد فشل كلّ محاولات الاندماج بينهما.

ورأى علي أنّ من المبكر القول إن انضمام أهمّ فصائل أستانة إلى “حركة أحرار الشام” جاء تنفيذاً لنتائج هذه المحادثات، لأن الانضمام قد يؤدّي إلى تبنّي هذه الفصائل شروط “أحرار الشام” لأيّ تسوية سياسيّة، ممّا قد يسفر عن عرقلة مؤتمر جنيف أو فشله. وأوضح أنّ “حركة أحرار الشام” لم تعد تستطيع بعد تشكيل “هيئة تحرير الشام”، إبداء أيّ مرونة تجاه العمليّة السياسيّة، لأنّ ذلك سيخدم دعاية الهيئة المنافسة لها وقد يؤدّي إلى موجة انشقاقات عنها.

وقال محمد علوش وهو خبير خبير في الحركات الإسلامية، للمونيتور، إن “هيئة تحرير الشام” تسعى إلى دمج جميع الفصائل التي تحمل فكر تنظيم “القاعدة” والحصول على أكبر قدر من الأسلحة المتاحة لديها.

وأضاف أن الأسباب وراء تشكيل الهيئة هو خشية “جبهة فتح الشام” من إزالتها من المشهد السياسي، إذا جرت اتفاقات دولية -إقليمية للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، واحتمال أن تلعب الجماعات المسلحة “المعتدلة” دوراً في مواجهتها. وبالتالي، فإن الهيئة الجديدة ستحاول السيطرة العسكرية والسياسية على الساحة وإجهاض جميع الاتفاقات الناتجة عن محادثات أستانة أو جنيف، في تكرار لأسلوب “داعش” في السيطرة على مناطق سورية واسعة بين عامي 2013 و2014.

من جانبه، يتوقّع علي أن تقوم “هيئة تحرير الشام” بشّ هجوم ضدّ مواقع الجيش السوريّ بهدف استغلال سكون الجبهات مع “حركة أحرار الشام”، من أجل كسب المزيد من المبايعين لها بذريعة أنّها وحدها من تقاتل النظام.

ويرى علي أنّ زعيم “جبهة فتح الشام” أبو محمّد الجولاني يعرف أنّ رأسه مطلوب دوليّاً، وأنّ خطّة عزل “المعتدلين” عن “المتطرّفين” التي تسعى روسيا إلى تحقيقها في أستانة، ليست سوى تمهيد لإعلان حرب ضروس ضدّ تنظيمه، إضافة إلى خشيته من تنامي التيّار الرافض لفكّ الارتباط مع تنظيم القاعدة داخل جبهته، وخصوصاً الاعتراض على الاندماج مع بعض الفصائل ضمن “هيئة تحرير الشام” بسبب عدم وضوح المبادئ العقائديّة والأهداف السياسيّة لهذا الاندماج. فجاءت الضغوط من الداخل والخارج على الجولاني كي تجعله يفكّر في حلّ عاجل يمكّنه من كسب رضا كوادره داخل التنظيم، وسحب ذرائع استهدافه دوليّاً، من خلال عدم إعلان التمسّك بالجهاد العالميّ وإقامة دولة إسلاميّة في الوقت الراهن، من دون التخلّي عن الهيمنة على المناصب القياديّة في “هيئة تحرير الشام”، حيث احتفظ الجولاني بمنصب القائد العسكريّ

والسؤال المطروح حالياً هو هل ستنجر الحركتان الجهاديتان الكبيرتان إلى مواجهة عسكرية أم سيحافظان على حد أدنى من التعاون العسكري بينهما، وخصوصاً ضد الجيش السوري؟

من جهته، يتوقع علوش حصول مواجهة بين الجماعتين بسبب التداخل الكبير بين مناطق نفوذهما ومحاولاتهما دمج أكبر قدر ممكن من الفصائل الأخرى في حركتيهما. وأضاف أن “هيئة تحرير الشام” تخشى أن تتحول “حركة أحرار الشام” إلى رأس حربة في مواجهتها، إذا قررت المعارضة طرد تنظيم “القاعدة” والمقاتلين الأجانب من سوريا. لذا قد تستبق الحركة ذلك بافتعال مشاكل معها، وهي بدأت تشكك في نوايا “أحرار الشام” عبر حسابات شخصيات بارزة فيها.

ولا يستبعد علوش حدوث تقارب بين “هيئة تحرير الشام” و”داعش” في المستقبل إذا إتحدت جميع الفصائل ضد الهيئة.

بدوره، يستبعد علي وجود أيّ دعم إقليميّ لـ”هيئة تحرير الشام”، حيث اضطرّ بعض الأطراف الإقليميّة، في ظلّ التوجّهات الدوليّة الجديدة لمحاربة الإرهاب، إلى التخلّي عن بعض الفصائل في سوريا.

وبحسب الإحصاءات السابقة، يتوقّع أن يصل عدد مقاتلي “هيئة تحرير الشام” إلى أكثر من 25 ألف مقاتل منتشرون في إدلب وأرياف حلب وريف حماة الشماليّ.

المصدر: المونيتور على الرابط التالي:

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/02/syria-jihadist-factions-tahrir-al-sham-jabhat-fateh.html#ixzz4ZDxOYz58