لماذا لا يخشى حزب الله إدارة ترامب؟

لماذا لا يخشى حزب الله إدارة ترامب؟
Spread the love

 

التهديدات الأخيرة المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله أثارت الخشية من وقوع عدوان إسرائيلي وشيك على لبنان خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تعطي ضوءاً أخضر لحكومة بنيامين نتنياهو لشن هذه الحرب.

 

بقلم: د. هيثم مزاحم* – -يحذر بعض المراقبين من أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعادية لإيران سوف تطال حزب الله في لبنان. فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في 23 شباط فبراير الماضي من أن تزايد دور حزب الله في لبنان وسوريا، قد يعرّض لبنان لعقوبات أميركية، بينها استهداف المصارف وتقليص التمويل للجيش اللبناني ولللاجئين السوريين في لبنان.

لكن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله  كان قد أعلن في 12 شباط فبراير الماضي، أن حزب الله غير خائف من إدارة ترامب، مشيراً إلى أن سلفه باراك أوباما كان يضع قناعاً من النفاق “فهو يتكلم بكلام طيب، لكنه يحاربك ويفرض بحقك عقوبات”. واعتبر أن ترامب قد وضع النفاق جانباً، وكشف “عن الوجه الحقيقي للإدارة الأميركية، العنصرية البشعة المجرمة”. وأضاف: “نحن لسنا قلقين بل نحن متفائلون جداً، لأنه عندما يسكن في البيت الأبيض أحمق يجاهر بحماقته، فهذا بداية الفرج للمستضعفين في العالم”.

تنطلق ثقة نصر الله من أمرين: الأول هو قوة حزب الله الشعبية والسياسية والعسكرية وانتشاره في لبنان وسوريا، وتحوّله إلى شبه جيش منظم ومدرّب لديه خبرة قتالية وترسانة صواريخ لا تملكهما دول في المنطقة. والأمر الثاني هو أن الحزب يتعرض لحرب أميركية مباشرة وبالواسطة منذ العام 1983، فهو موضوع على اللائحة الأميركية للإرهاب، وتعرّضت مؤسسات وشخصيات منه لعقوبات أميركية، إضافة إلى ملاحقات أمنية أميركية ضد قياداته. كما يعتبر حزب الله الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 حرباً أميركية بالواسطة، استمرت بحرب ناعمة دعائية إعلامية وحرب نفسية تهويلية وعقوبات مالية ومصرفية ضده.

وكان نصرالله قد تحدث عن هذه الحرب الناعمة في 26 تموز يوليو 2012 حين قال: “نواجه اليوم حرباً من نوع آخر تتمثل بالحرب الناعمة التي تديرها الإدارة الأميركية .. هناك وسائل إعلام وفضائيات تعمل على مدى 24 ساعة لتشويه قيم المقاومة والشهادة وكل قيمنا فقط للقضاء على منظومتنا الفكرية والمقدسات التي نؤمن بها”.

من هنا لا يرى نصر الله اختلافاً كبيراً بين إدارتي أوباما وترامب بشأن حزبه، فالأولى كانت تحاربه بطرق ناعمة لكنها قاسية، لكنها لم تنجح في إضعافه وتقليص شعبيته ونفوذه في لبنان، وتمدد دوره إلى سوريا. بينما ستواجه إدارة ترامب تعقيدات كثيرة في لبنان وسوريا، في حال أرادت مواجهة مباشرة مع إيران وحزب الله، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الجديدة ترفع شعار أولوية محاربة الإرهاب وبخاصة “داعش”، وإيران وحزب الله منخرطان في هذه الحرب في سوريا والعراق.

وبالتالي، فإن وجود إدارة أميركية صريحة في معاداتها لإيران وحزب الله ستساعدانهما في تعبئة جماهيرهما ضد “الشيطان الأكبر”، وفي إضعاف التيار الداعي إلى علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة.

أما نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش فقد صرّح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو وترامب قد اتفقا في لقائهما الأخير في واشنطن في 15 شباط فبراير الجاري على مواصلة الإجراءات السابقة ضد ايران وحزب الله كفرض العقوبات والقيام بحملات إعلامية وسياسية معادية ومحاولة تجفيف المنابع المالية، لكن دعموش اعتبر أن هذه الإجراءات قد فشلت، وأن ايران وحلفاءها خرجوا منها أشد قوة وأكثر نفوذاً في المنطقة.

القلق اللبناني من الموقف الأميركي المرتقب من حزب الله رافقه تصعيد متبادل بين إسرائيل وحزب الله. ففي خطاب لاحق في 16 شباط فبراير، أشار نصر الله إلى أن إسرائيل تعتبر أن حزب الله هو التهديد الاستراتيجي الأهم لها الآن. لكنه اعتبر أن هناك هدفاً إسرائيلياً بالضغط النفسي الدائم على الشعب اللبناني من خلال التهويل المستمر بحرب وشيكة، وأن هذه الحملة تصاعدت بعد وصول ترامب. وأضاف أن البعض يقدر أن ترامب يمكن أن يأذن لإسرائيل، أن تشن حرباً على لبنان لتصفية حزب الله. لكن ما يعني إسرائيل هو تحقيق النصر في هذه الحرب، خصوصاً بعد فشلها في حرب 2006، وحروب  غزة، وذلك نتيجة ما تملكه المقاومة من عناصر قوة ومن احتضان كبير لها من اللبنانيين ودعم الرئيس ميشال عون.

ولتجديد الردع ضد إسرائيل، أطلق نصر الله تهديدات باستهداف مفاعل ديمونا النووي في حال شنّت عدواناً على لبنان، مشيراً إلى أن إسرائيل قررت نقل خزانات الأمونيا من حيفا بعد تهديده باستهدافها في أي حرب مقبلة.

صحيفة الحياة نقلت عن مصادر قولها إن تهديدات نصرالله جاءت بعدما نقلت جهة عربية تحذيراً إلى حزب الله من أن إسرائيل ستقدم على ردّ عسكري كبير ضد الحزب والأراضي اللبنانية كافة، إذا أقدم الحزب على عمل عسكري ضدها انطلاقاً من الأراضي السورية أو اللبنانية، وأن حكومة بنيامين نتانياهو لديها قدرة على الحركة في عهد ترامب، أعلى بكثير من قدرته إبان رئاسة أوباما.

وترى مصادر إعلامية قريبة من 14 آذار أن تهديدات حزب الله ضد إسرائيل جاءت كرسالة رد على مواقف ترامب المعادية لإيران، وعزمه على انتهاج سياسات تقلّص من النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن.

وإذ يستبعد المراقبون حرباً إسرائيلية وشيكة، وذلك للاسباب التالية: أولاً بسبب امتلاك 100 ألف صاروخ يمكنها أن تصل إلى معظم المدن والمنشآت الإسرائيلية الحساسة، وجهوزية الحزب للسيطرة على بلدات إسرائيلية. وثانياً، ليست لحزب الله مصلحة في حرب مع إسرائيل الآن، بسبب انشغاله في الحرب السورية، لكنه مستعد لخوضها في حال فرضت عليه.

من جهته، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية هيرتسي هاليفي يقدر بأن حزب الله غير معني حالياً بمواجهة مع إسرائيل، بسبب خسائره في سوريا وصعوبة تجنيد مقاتلين جدد.

وبرغم تقليل حزب الله من تأثيرات الحرب الناعمة الأميركية ضده، إلا بعض المحللين يرون أن هذه الحرب المالية ستضع الحزب في مواجهة القطاع المصرفي اللبناني، وستجعل مؤسساته الاجتماعية وقاعدته الاجتماعية الشعبية الحاضنة له معزولة مصرفياً. ولا شك أن الحصار المالي الأميركي على حزب الله والصعوبات المالية الإيرانية نتيجة تدني أسعار النفط، قد دفعا الحزب إلى إعادة هيكلة موازنته وتقليص نفقاته والبحث عن مصادر داخلية لتمويل نشاطاته، عبر تكثيف التبرعات الشعبية له.

 

 

*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.