في الحرب على سوريا: ترامب واللعب بلا قواعد

في الحرب على سوريا: ترامب واللعب بلا قواعد
Spread the love

بقلم: عبدالله أحمد* — قد يقول البعض إن ما نشهده اليوم من تصرفات الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب ما هو إلا خلاصة لتوصيات مشاريع أميركية سابقة مثل “إعادة التفكير الاستراتيجي”. هذه المشاريع  التي ترسم خطوط المواجهة مع روسيا والصين  والتحديات التي ستواجه الإدارة الأميركية بعد التراجع الأميركي في مختلف مناطق العالم.

في الواقع هذا صحيح. إلا أن التطورات الأخيرة في الساحة السورية والتي أثبت فيها حلفاء دمشق ارتفاع منسوب القوة في خطى حثيثة تبشر بانتصار العقيدة الاوراسية  الروسية،  أي ولادة عالم متعدد الأقطاب ونهاية القطب الواحد، قد أربك الحسابات الأميركية ودفعها إلى توتير الأوضاع في المنطقة بالعودة إلى لغة التوماهوك وأم القنابل ورفض الحلول السلمية في سوريا، رافضة القبول بانتصار الدولة السورية وحلفائها.

من الواضح  أننا نشهد حقبة جديدة من تاريخ العالم عنوانها الأساس الصراع واللعب بلا قواعد… هذا على الأقل ما تحاول إدارة ترامب تكريسه من خلال التصعيد الخطير الذي شاهدناه في الأسابيع الماضية، بداية مع الضربات الصاروخية على  قاعدة الشعريات السورية، والمخاطرة بالاصطدام المباشر مع روسيا الاتحادية  وصولاً إلى استعراض القوة في شبة القارة الكورية. هذه الممارسات قد تضع العالم على حافة الحرب الكبرى … كما كان الحال في أزمة الكاريبي في ستينيات القرن الماضي.

الصراخ والتهويل والكذب المترافق مع المناورات السياسية والمعالجات الدبلوماسية هو ما يميّز الإمبريالية الأميركية، إلا أن اللعب من دون قواعد في ظل صراع متفاقم في مناطق مختلفة من العالم، من أوكرانيا والبلقان إلى سوريا واليمن وليبيا وصولاً إلى كوريا الشمالية قد يؤدي إلى نتائج كارثية إذا استمرت الولايات المتحدة الأميركية في التصعيد الخطير والمعتمد على حسابات غير دقيقة.

لقد شهد العالم في القرن الماضي في ظل الحرب الباردة صراعات وهزات خطيرة كادت أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة إلا أنه كانت هناك دائماً قواعد للعبة ما بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة إبان الحرب الباردة. إلا أن ما نشهده الآن هو مختلف تماماً.

الرسالة الأميركية هي أن الولايات المتحدة لن تسمح لسوريا وحلفائها بالانتصار، وبأنه لا يوجد بلد في العالم لديه مجموعة متنوعة من الأدوات العسكرية تحت تصرفها، كما هو الحال مع الولايات المتحدة، وإنها مستعدة لاستخدامها في سوريا في أي  وقت ومكان.

 

سوريا والحسابات الأميركية

تدرك الولايات المتحدة أن موازين القوة في سوريا قد تغيرت لصالح الجيش السوري وحلفائه وبالأخص بعد تحرير حلب، وتدرك أيضاً كما أدرك الرئيس السابق باراك أوباما، أن مشروع تغيّر النظام في سوريا قد فشل وأن إعادة إنعاشه سوف تحتاج إلى مواجهة أوسع مع روسيا. وهذا في  حد ذاته يحمل مخاطر توسع الحرب وتفجير المنطقة.

أدرك الاستراتيجيون الأميركيون أن تحالف سوريا – روسيا – إيران – حزب الله قد أحدث واقعاً استراتيجياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، وقد أثبت هذا التحالف أنه يمتلك القوة والإرادة من أجل تحقيق الانتصار النهائي، بما في  ذلك من تداعيات على مستوى العالم من أبرزها عالم متعدد الأقطاب.

ومن هنا كانت الضربات الأميركية على القاعدة الجوية السورية بحجة الرد على الهجوم الكيمائي المفترض في خان شيخون، من أجل خلط الأوراق وتعقيد المشهد السوري. إلا أن ترجمة العمل العسكري الأميركي إلى مكاسب سياسة قابلة للتحقيق، كان يتطلب بحسب المصادر الأميركية متابعة الضربات الصاروخية مع زيادة التنسيق الدبلوماسي مع شركاء الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية. وهذا لم يتحقق لقوه رد الحلفاء سواء في مجلس الأمن، أو في التصريحات وكذلك في الإجراءات التي اتخذت لتدعيم قدرة الجيش السوري في الرد المباشر على أي ضربة أخرى محتملة.

وتضمنت المكاسب السياسية الأميركية المفترضة ضمان أن للولايات المتحدة الدور الأهم في تشكيل مستقبل سوريا، بعدما وفرت المليارات من الدولارات في الدعم السري للمجموعات المسلحة من أجل تغيير النظام في سوريا وخلق واقع جيوسياسي ونفوذ استراتيجي على مدى أكثر من خمس سنوات. ومع ذلك، في ظل الأدوات العسكرية الهائلة التي وفرتها الولايات المتحدة للمجوعات المسلحة لكي تكون فعالة، فإنها لم تستطيع خلق التأثير السياسي المنشود، وأخفقت المناورات السياسية الأميركية  في تغيير المعادلة  التي  فرضها الجيش السوري وحلفاؤه.

 

كوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي

في الإطار ذاته بدأت الولايات المتحدة الأميركية تصعيداً خطيراً مع كوريا الشمالية، وحركت سفنها الحربية باتجاهها، وكانت قد نشرت منظومة “ثاد” المتطورة المضادة للصواريخ  في كوريا الجنوبية، وبدا خطر اندلاع مواجهة شاملة نووية قائماً وبالأخص مع التهديد الأميركي بتوجيه ضربات محددة ضد نظام بيونغيانغ. وهذا بالضرورة سيؤدي إلى رد شامل من قبل كوريا الشمالية، فالصورة التي رسمتها عائلة كيم يونغ أون حول نفسها تستدعي الرد الحتمي وإلا فإنها سوف تفقد كل شي، وهذا ما سيهدد استقرار المنطقة. إلا أن من المفارقات الغربية أن تدعو إدارة ترامب الصين إلى المساعدة في مواجهة كورية الشمالية والكل يعلم أن هذا التصعيد  الخطير يستهدف الصين وروسيا أيضاً.

تركيا والسلطان المشاغب

قد يجادل البعض في حقيقة الدور التركي  في المنطقة وفي علاقته مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن حقيقة الموقف التركي ينسجم مع الدور الذي رسم لتركيا كأداة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، سواء الدور الوظيفي المشاغب والمتغلغل في القوقاز من أجل مواجهة روسيا، أو في سوريا ضمن أدوات مشروع الشرق الأوسط الكبير. أما التحولات الكبيرة في هيكلية الدولة التركية بعد الاستفتاء الأخير فما هي إلا استكمال لانقلاب حزب العدالة والتنمية، “الإخوان المسلمون”، على الاتاتوركية، في إعادة استنهاض افتراضي للسلطنة العثمانية البائدة. إلا أن ذلك لن يغيّر في موقع تركيا، وستبقى تركيا أداة في يد الولايات المتحدة الأميركية  المهيمنة على القرار التركي والداعمة للسلطان التركي المشاغب رجب طيب أردوغان.

 

في الخلاصة

من الواضح أن الحرب على سوريا مستمرة، فالوصول إلى استقرار إقليمي وتسويات دولية تشمل المنطقة والعالم لم ينضج بعد، والمناورات الأميركية مستمرة وقد نشهد تصعيداً آخر ضد سوريا وحلفائها من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها “الناتو العربي” المشكل مما يسمى دول الاعتدال العربي وتركيا وإسرائيل. من هنا نرى التصعيد الأميركي الإسرائيلي بالتعاون مع الأردن في المنطقة الجنوبية في سوريا، والمشاريع الأميركية في المنطقة الشرقية منها وإدلب بالاعتماد على الدعم التركي والخليجي. وتبدو مخاطر تدخل كبير في سوريا من قبل الولايات المتحدة الأميركية كبيرة سواء أكان من خلال الصواريخ الجوالة “توماهوك”، أو من خلال التدخل العسكري على الأرض من قوات خاصة ومرتزقة من الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها.

وتبقى الخيارات الأكثر وضوحاً لسوريا وحلفائها في الاستمرار في تحرير المناطق والمدن السورية من المنظمات الإرهابية المدعومة أميركيا هو المفتاح الأساسي لحل الأزمة السورية ودفع المنطقة نحو الاستقرار. أما الرهان على المناورات السياسية الأميركية فلن يؤدي إلى أي نتائج، والأشهر القادمة تؤشر إلى مواجهات ساخنة. فانتصار سوريا وحلفائها أصبح ضرورة إقليمية ودولية من أجل عالم جديد متعدد الأقطاب، يؤدي إلى استقرار وتوازن القوى الإقليمية في المنطقة، وإن كان ذلك قد يحتاج إلى سنوات عدة والى تضحيات كبيرة لسوريا وحلفائها. إلا أنها الحتمية التاريخية .. إنه قدر دمشق..

باحث سوري.

 

المقالة تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبرّر بالضرورة عن رأي الموقع.