الاستخبارات الأميركية والانقلاب في تركيا

الاستخبارات الأميركية والانقلاب في تركيا
Spread the love
قتح الله غولن وغراهام فولر مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية
قتح الله غولن وغراهام فولر مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية

بقلم: د. هيثم مزاحم* — كان لافتاً اتهام النيابة العامة التركية الداعية الإسلامي فتح الله غولن ومنظمته “خدمة”، المسماة بـ”الكيان الموازي”، المتهمين بالإعداد للانقلاب الفاشل منتصف تموز يوليو الجاري، بالعمل تحت إمرة الولايات المتحدة الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA). كما اتهم عدد من المسؤولين الأتراك وبعض الصحف التركية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس رجب طيب اردوغان صراحة الاستخبارات الأميركية بالوقوف وراء الانقلاب، ما استلزم نفياً أميركياً رسمياً لأي علاقة بالانقلاب ومدبريه.

فقد أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري كيري اتصالاً بنظيره التركي مولود جاوش أوغلو السبت الماضي، أكد له فيه أن الادعاءات بتورط واشنطن في محاولة الانقلاب بتركيا “كاذبة تماماً”. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن كيري أشار في اتصاله إلى أن “مثل هذه الاتهامات مضرة جداً بالنسبة إلى العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة”، مؤكداً “عزم الولايات المتحدة مساعدة أنقرة في إجراء التحقيق”.

من جهته، أكد وزير العدل التركي بكير بوزداغ أن السلطات الأميركية تعلم بأن الداعية فتح الله غولن يقف خلف محاولة الانقلاب وأنه “واثق بأن الاستخبارات الأميركية تعلم بأنه قام به”.

وتعزز فرضية الاتهامات التركية للاستخبارات الأميركية بعلمها بالانقلاب وبوجود دور ما لها فيه مسألة إقامة غولن في الولايات المتحدة منذ عام 1999 ورفض السلطات الأميركية سابقاً تسليمه لتركيا.

وينفي غولن أي ضلوع في محاولة الانقلاب فيما أوضح الرئيس الأميركي باراك اوباما أن أي تسليم محتمل لغولن سيتم وفق القانون الأميركي، إذ أرسلت تركيا طلباً رسمياً لتسليمه وأعلن الرئيس رجب طيب اردوغان أنه سيتم قريباً إرسال أدلة الى الولايات المتحدة تفيد بتورطه في محاولة الانقلاب التي خلفت 270 قتيلاً.

صحيفة “يني شفق” التركية زعمت الثلاثاء الماضي أن جنرالاً أميركياً هو من قاد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وأن الـ”سي آي إيه” دعمت الانقلابيين بمبالغ مالية كبيرة. وقالت الصحيفة إن قائد قوات إيساف السابق في افغانستان الجنرال جون كامبل كان مدير الانقلاب، بينما تم إيصال النقود إلى الانقلابيين عن طريق بنك نيجيريا من الـ(سي آي إيه)، مشيرة إلى أن كامبل قام بزيارتين سريتين إلى تركيا من قبل، زار فيهما أرضرورم وأجرى لقاءات سرية في قاعدة إنجرليك العسكرية.

غراهام فولر، مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية حيث عمل نائباً لرئيس هيئة الاستخبارات الوطنية (إن آي سي)، التابعة للـ”سي آي إيه”، وعمل سابقاً كمسؤول تركيا في قسم الاستخبارات الخارجية التابعة للوكالة، وكذلك السفير الأميركي السابق في تركيا مورتون أبراموويتز كانا من الأسماء التي سجلت كفالتها لغولن لحصوله على إمكانية تجديد إقامته في أميركا.

فولر روى في مقال كتبه قبل أسبوع قصة تدخله لعدم إبعاد غولن من الولايات المتحدة إذ يقول في شهادته: “كتبت رسالة غير سريّة المحتوى بصفتي مواطناً عادياً مرتبطة بطلب غولن للإقامة(Green Card) في العام 2006، وذكرت في الرسالة أنّي لا أعتقد أنّ غولن يشكّل خطرًا على أمن الولايات المتحدة… ووجدت أن “خدمة”(بزعامة غولن) هي حركة معتدلة وغير عنيفة، تتقبّل الغير، وتفتح باب الحوار، وتؤيّد التعليم بشكلٍ قوي باعتباره وسيلةً لتمكين المسلمين في مستقبلٍ آخذ في العولمة. ولاحظت أنّ خدمة هي حركة اجتماعيّة أكثر ممّا هي حركة سياسيّة”. وأشار فولر إلى أنه في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن وإعلان حربه العالميّة ضد “الإرهاب، فقد دعا الكثير من المحافظين الجدد في واشنطن لترحيل غولن ومئات علماء الدين المسلمين الآخرين باعتبارهم خطراً على أمن الولايات المتحدة. لكن، لم يكن للتهمة أساس من الصحّة في رأي فولر الذي لا يزال يعتقد أنّ حركة “خدمة” من مظاهر الإسلام المعاصر والمعتدل. ويقول غولن بصراحة: “أردت أن يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي(FBI) رأيي المدروس خلال نظرهم في قضيّة غولن. ومنذ ذلك الحين، توصل أعداء غولن والكثير من الأتراك المؤمنين بنظريّة المؤامرة إلى النتيجة التالية: بما أنّني مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزيّة، وكنت قد تقاعدت قبل ذلك الحدث ب18 سنة، وبما أنّني تحدّثت دفاعاً عن غولن، فقد بات لديهم دليل واضح بأنّ غولن عميل في وكالة الاستخبارات المركزيّة”.

في مقاله المذكور أعلاه، يدافع فولر عن غولن مستبعداً أن يكون الأخير هو العقل المدبر لمحاولة الانقلاب معتبراً أنه “لا يمكن لأحدٍ نفي الأمر أو تأكيده بغياب الأدلّة حتّى الآن”، بينما حاولت وسائل تركية وعربية نسب القول لفولر بأنه يعتقد بأن غولن يقف خلف الانقلاب.

يشير فولر إلى بداية الخلاف بين اردوغان وحركة خدمة التابعة لغولن في العام 2013، حيث نشر أتباع غولن أدلة من أجهزة تنصّت الشرطة تكشف عن انتشار الفساد في أوساط أردوغان ما أثار حفيظةَ الأخير، فشنّ حملة تطهير واسعة ضد أعضاء “خدمة” وداعميها ومسؤوليها في دوائر الشرطة والقضاء ومؤسساتها الماليّة والتربوية والاجتماعية ومحطّاتها الإعلامية، وبذلك تم تدمير مؤسّسات “خدمة” قبل محاولة الانقلاب بثلاثة أعوام. ويخلص فولر إلى أن غولن يدعم مفهوم الدولة القوية ويعارض الإسلام السياسي ويؤيد الديموقراطية وهو قد ندّد بالانقلاب فور حدوثه مرجحاً أنّ يكون تنديده حقيقياً وليس تقية، لأن ذلك يتماشى مع معارضة غولن للحكم العسكري والعنف والإرهاب. ويستبعد فولر قدرة غولن وأنصاره على تدبير هكذا انقلاب بسبب مراقبة المخابرات التركية لحركة “خدمة” منذ سنوات وهي في أضعف حالاتها حالياً.

ويرى فولر على غرار غيره من المراقبين والمحللين أن أردوغان يستغل محاولة الانقلاب للقضاء على جميع الأطراف الذين يقفون في وجه خططه لتعزيز صلاحية الرئيس بسلطة غير محدودة في إطار سعيه للاستئثار بالسلطة.

في مقابل فولر، يقول صحافي تركي مطلع طلب عدم الكشف عن اسمه للميادين نت إن غولن وحركته يقفان وراء الانقلاب وأن خطة الحركة كانت من الأساس اختراق أجهزة الدول للوصول إلى السلطة.

بالعودة إلى مسألة الدور المفترض للاستخبارات الأميركية “السي آي إيه” في محاولة الانقلاب، يرى باحث عربي مقيم في واشنطن، طلب عدم كشف اسمه، أن غولن مرتبط بالأميركيين وأن الاستخبارات الأميركية وراء محاولة الانقلاب تلك.

هذه الفرضية ذهب إليها الكثير من المحللين الأتراك والعرب والغربيين فقد ذهب الباحث والمؤرخ الأميركي – الألماني ف. وليام انغدال إلى ذلك معتبراً أن الانقلاب كان رد فعل على التحول الجيوسياسي الكبير الأخير لأردوغان وأنه جاء بتحريض من قبل شبكات في تركيا موالية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، لكنها كانت حركة يائسة، غير معدة جيداً. ويرى انغدال أن هذه الشبكة من الضباط داخل الجيش الموالين لحركة فتح الله غولن الذي هو تحت السيطرة الكاملة للاستخبارات الأميركية حيث يعيش منذ سنوات في المنفى في سايلاربرغ في ولاية بنسلفانيا بعد أن حصل على ممر آمن وإقامة دائمة من قبل كبار المسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية مثل غراهام فولر وسفير الولايات المتحدة السابق لدى أنقرة.

ويعتبر انغدال أن غولن كان لعقود طويلة مشروع جنون لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتسليح الإسلام السياسي كأداة لتغيير النظام.

الصحافي التركي بريل ديدي أوغلو كتب في صحيفة “ديلي صباح” يقول عن محاولة الانقلاب: “ربما كان الجزء الذي لا يصدق هو حرص المتآمرين على قتل أبناء شعبهم، ولعل هذا هو السبب في أن معظم الشعب التركي مقتنع بأن أيادي أجنبية متورطة في هذا الجنون.”.

يضيف ديدي أوغلو: “يعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة تقف وراء هذه المحاولة الانقلابية، وذلك ربما لأن زعيم الكيان الموازي يعيش في أميركا، أو لأن البلدين بينهما خلافات في السياسات حول سوريا. وعلاوة على ذلك فإن الناس لم ينسوا أن الولايات المتحدة تدعم الحزب الاتحادي الديمقراطي(الكردستاني) السوري. يثبت تاريخ تركيا السياسي أن الولايات المتحدة اتخذت جانب المتآمرين في محاولات الانقلاب السابقة… ونتيجة لذلك فإن الجميع في تركيا تقريبا لديهم شكوك في الولايات المتحدة”.

يخلص الكاتب أنه ليس من الصعب تخمين أن هناك بعض الجهات الخارجية متورطة في محاولة الانقلاب لكن من المتورط بالتحديد فربما كانت دوائر من خارج الإدارة الأميركية الحالية!

ستبقى قضية الدور الأميركي المزعوم في محاولة الانقلاب هذه لغزاً إلى حين تقرر وكالة الاستخبارات الأميركية كشفها، أو في حال نجحت التحقيقات التركية في كشف هذا الدور ورأت مصلحة في الإعلان عنه. لكن من المؤكد أن هذه القضية قد تركت آثارها على العلاقات الأميركية – التركية التي لم تكن في أحسن أحوالها قبل الخامس عشر من تموز 2016.

المصدر: الميادين نت

*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط