“غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية استقرار المحيط الهادئ”

“غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية استقرار المحيط الهادئ”
Spread the love

الكتاب: “غليان آسيا .. بحر الصين الجنوبي ونهاية محيط هادئ مستقر”

الكاتب: روبرت كابلان

الناشر: راندوم هاوس – نيويورك – 2014 —

Asia's Cauldron

بقلم: د. هيثم مزاحم* — في كتابه “”غليان آسيا .. بحر الصين الجنوبي ونهاية محيط هادئ مستقر”، يلاحظ الباحث والكاتب الأميركي روبرت كابلان أن أوروبا في غالبيتها هي عبارة عن مساحات أرضية (بريّة) وأن شرق آسيا هي عبارة عن مساحة مائية في غالبها. فبحر الصين الجنوبي لا يحتوي فقط على احتياطات لا نهائية من النفط والغاز الطبيعي بل هو أيضاً عبارة عن خطوط ملاحة بحرية تمثل المعابر الحيوية لمرور التجارة، إذ أن دول المنطقة تعوّل كثيراً على بحر الصين الجنوبي وقد أصبح هذا البحر من أكثر الأجسام المائية احتداماً في العالم. ويضيف أنه “كما شكلّت ألمانيا الجبهة العسكرية الأمامية خلال الحرب الباردة، فإن مياه بحر الصين الجنوبي قد تشكل الجبهة العسكرية الأمامية خلال العقود القادمة.”وقام كابلان بلقاءات ممتازة مع أعضاء من مؤسسة الدفاع الفيتنامية والذين عبّروا عن موقف بلادهم في مسألة بحر الصين الجنوبي، كما أخبروه أن نزاعهم مع الصين هو ليس نزاعاً إقليمياً بل هو نزاع يتعلق بالممرات البحرية للتجارة العالمية التي تحوي احتياجات الطاقة لكل من كوريا الجنوبية واليابان.
يقول كابلان إن تشكل دولة الجبهة الأمامية لا يعني أن الحرب سوف تقع حتماً، والصين هي الدولة المسيطرة في المنطقة، وجيرانها يتطلعون الى الولايات المتحدة الأمريكية لكي تبقي تواجدها في المنطقة من أجل كبح جماح الصين الواثقة من نفسها.
يتمحور موضوع الكتاب حول منطقة بحر الصين الجنوبي وأهميتها. فهي مساحة بحرية واسعة تشمل 1.35 مليون متر مربع من المحيط المفتوح. وتحيط بهذه المنطقة الجغرافية الدول التالية: الصين وتايوان وفيتنام وماليزيا وسنغافورة والفليبين.
وقد خصص كابلان في الكتاب فصلاً كاملاً لكل من هذه البلدان يتحدث عن مصالح كل دولة ومزاعمها المتداخلة في هذه المنطقة الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن الصين لا تعترف بمزاعم تلك الدول وقد أعلنت “سيادتها على بحر الصين الجنوبي والتي لا يمكن التنازع عليها”. وقد أشارت الى هذه المنطقة على أنها “التراب الوطني الأزرق”، فالرهان كبير على هذه المزاعم المتنافسة والتي لها علاقة بحقوق الصيد، والتنقيب عن واستخراج الهيدروكاربون وحرية الإبحار.
وقد ميّز كابلان بين معضلة كل دولة ورؤيتها حيث قال إن فيتنام هي من أكثر الدول تضرراً من تزايد النفوذ الصيني، ففيتنام لها تاريخ طويل في مقاومة التجرؤات الصينية ولكن في نفس الوقت فإن اقتصادها لا يمكن أن يعمل من دون الصين.
أما ماليزيا فهي منشغلة كثيراً بتناقضاتها الداخلية والتي تبعدها عن التركيز بالتهديدات الخارجية، فهي بخلاف فيتنام ذات الوطنية المفرطة لا تسعى الى أي نزاع مع الصين.
بينما سنغافورة منزعجة من الطاقة الواسعة الكامنة في الصين، ولكن مخاوفها ليست حادة كجيرانها، فالنخبة في سنغافورة تجد نفسها مرتاحة أكثر مع أعداء جادين بدلاً من أصدقاء غير جادين.
وتبدو الفليبين في تقديرات كابلان الأكثر ضعفاً فهم مطوقة من قبل الصين ومقيدة بالتمردات الداخلية المختلفة.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة الأمريكية القوة البارزة في منطقة المحيط الهادئ، مستخدمة قوتها البحرية لتسهيل حرية تدفق التجارة على طول الخطوط البحرية. هذا الاستقرار سمح للدول أن تركز على تطوير اقتصادياتها، وبالتالي انتشال أبناء هذه الدول من براثن الفقر.
الصين هي واحدة من الدول التي تجسد هذا النمو المشار إليه، ولكن تزامن مع هذا التزايد في القوة الاقتصادية، تزايد في الإنفاق العسكري للصين. وبما أن كابلان يتبع المبدأ الواقعي في تحليلاته، فقد رأى أن هذا التطور في الأحداث طبيعي بما أن الصين ترغب في الصعود فهي تسعى للاستفادة من هذه القوة الجديدة التي عثرت عليها.
وبالتالي مع الأخذ في الاعتبار صعود الصين كقوة إقليمية وارتباطه بانحدار الولايات المتحدة الأمريكية، يقول كابلان إنه مع الوقت سوف تبسط الصين إرادتها على بحر الصين الجنوبي، طاردةً القوى الخارجية من المنطقة مثل ما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الكاريبي في نهاية القرن التاسع عشر.
ويشير كابلان هنا الى أرجحيّة الواقع الجغرافي المرتبط بالقوة ونفوذ الدول. وفي هذا الصدد، يقول إنه بما أن بحر الصين الجنوبي يمثل الساحة الخلفية للصين، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية التي عليها أن تبحر العالم كلّه لكي تبقى في إطار المنطقة، فإن الصين سوف تبدأ في لعب دور أكثر فأكثر توسعاً في هذه المنطقة بالتحديد.
ويرى كابلان أن الهدف النهائي للصين سوف يكون “فنلدة” “Finlandize” الدول الصغرى في جنوب شرق آسيا، بشكل مشابه لما فعلت روسيا خلال الحرب الباردة بدول أوروبا الشرقية، وهذا الهدف من قبل الصينيين سوف يدفع بالولايات المتحدة الأمريكية الى خارج المنطقة. وبالتالي يتوقع كابلان أن تلجأ هذه الدول الى القتال.
ويتبنى كابلان المذهب الواقعي حيث قال: “إن توازن القوى نفسه غالباً ما يكون حامياً للحريات، حتى أكثر من القيم الديمقراطية التابعة للغرب. إن المنطقة هي في خضم تسابق مسلح، ومن أكثر الأمور رواجاً هو العمل على الحصول على غواصات”.
ويتساءل كابلان: الى أي مدى سوف تكون شراسة الصين في هذا الصراع؟ ويقول إن “بحر الصين الجنوبي هو قبل كل شيء من نصيب الصين، والمفصل الجيوسياسي الذي تقع على عاتقه أمور الحرب والسلام في المنطقة. فهنا يقع بيت الصين”.
ويقيم الكاتب مقارنة بين مصالح الصين في بحر الصين الجنوبي وبين المصالح الأمريكية القديمة في الكاريبي والتي أول ما تجسدت في عقيدة مونرو.
فبالرغم من حقيقة أن الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ هو أكبر وأقوى من القوات الصينية، فإن المساحة بين بحر الصين الجنوبي والولايات المتحدة الأمريكية هي طويلة جداً، وهنا تمثل الصين حقيقة جغرافية بينما تصبح الولايات المتحدة الأمريكية مجرد مفهوم جيوسياسي. وهكذا فإن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتبع استراتيجية تكبح الصين من دون الحاجة الى استفزازها في منطقتها، علماً أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يعوّلون كثيراً على الولايات المتحدة لمنع الصين من السيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي، مما يعني العودة الى مفهوم الاحتواء الذي ساد خلال الحرب الباردة وفقاً لسياسة الاحتواء البديلة عن تحقيق طرف لمكسب عسكري، كما وردت في الأصل على لسان مهندسها الدبلوماسي، جورج كينان.
هذه السياسة يجب أن تصاغ بعناية وعلى وجه السرعة، فبحر الصين الجنوبي ممتلئ بالجزر الصغيرة (في كثير من الأحيان العديد منها مغمور بالمياه) والتي أشارت العديد من الدول عن استعدادها للقتال على هذه الجزر. ومع أخذنا بالاعتبار للقدرات العسكرية الحقيقية لكثير من اللاعبين في هذه المنطقة – ليس فقط الصين والولايات المتحدة الأمريكية – يجب علينا الاعتراف ببؤر التوتر تلك.
يقول المؤلف إنه لا تزال بعض المناطق الجغرافية في العالم في وضع حساس دقيق من الناحية الجيوبوليتيكية، كما هي الحال في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا حيث من المنتظر أن يؤدي التصاعد في القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية إلى تقويض التوازن الذي لا يزال صامدًا إلى حد ما في تلك المنطقة من العالم بسبب قوة الدول الأخرى المحيطة بالصين. ولكن الخوف من أن ينهار التوازن سريعًا دفع بالولايات المتحدة الأميركية في العام 2011 إلى نقل تركيزها على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري إلى المحيط الهادئ وإلى تلك المنطقة تحديدًا.

*د. هيثم مزاحم، رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، باحث لبناني له العديد من الكتب والدراسات والمقالات ومراجعات الكتب.

المصدر: الميادين نت