هذه ليست “مسيرة حماس” بل مسيرة عشرات آلاف المستعدين للموت

هذه ليست “مسيرة حماس” بل مسيرة عشرات آلاف المستعدين للموت
Spread the love

بقلم: عميره هاس – مراسلة المناطق الفلسطينية في صحيفة هآرتس —
•في الأيام الأخيرة قال ممثلو حركة “فتح” في عدة مناسبات: “نحن سعداء لأن ‘حماس’ فهمت أن الطريق الصحيح هو النضال الشعبي وليس المسلح”. وقال محمود عباس جملة مشابهة في خطابه في افتتاح مؤتمر المجلس الوطني في مطلع هذا الشهر، والمقصود هنا مزيج من السخرية والغيرة، سخرية لأن موقف “فتح” الرسمي هو أن الكفاح المسلح بقيادة “حماٍس” أساء إلى الموضوع الفلسطيني عموماً وإلى قطاع غزة خصوصاً. والغيرة بسبب الانطباع السائد، والذي يتمسك الجيش الإسرائيلي به، بأن دعوة “حماس” كافية لإخراج عشرات الآلاف من المتظاهرين العزل للوقوف في مواجهة القناصة الإسرائيليين في شرقي القطاع. وفي مقابل ذلك، دعوات “فتح” ومنظمة التحرير في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، لم تُخرج إلى الشوارع وإلى نقاط الاحتكاك مع الجيش والشرطة أكثر من بضعة آلاف. وأيضاً يوم أمس (الإثنين) يوم انتقال السفارة الأميركية إلى القدس، كان عدد المتظاهرين الفلسطينيين في قطاع غزة أكبر بما لا يقاس مقارنة بعددهم في الضفة الغربية.

•لقد قررت التنظيمات جميعها في القطاع، بينها “فتح”، المشاركة في مسيرة العودة. لكن “حماس” هي الطرف الأكثر تنظيماً، والتي تستطيع تحضير الاستعدادات اللوجستية المطلوبة، وتجهيز مخيمات العودة (نقاط التجمع والنشاطات التي أُقيمت على بعد بضعة أمتار من حدود القطاع)، والإبقاء على اتصال بالمتظاهرين وإعلان الإضراب العام احتجاجاً على نقل السفارة. هذا ما قاله للصحيفة، بأسف، عضو من “فتح”. هذا لا يعني أن جميع المتظاهرين هم من مؤيدي “حماس” أو من مؤيدي الحركات التي تأتمر بأوامرها. كلا وألف كلا. المتظاهرون جاؤوا من كل صفوف الجمهور الفلسطيني، سواء كان لهم انتماء السياسي أو لا. يقول أحد المشاركين الدائمين في التظاهرات : “من يخاف بقي في البيت، لأن الجيش يطلق النار على الجميع، والمجانين هم الذين يقتربون من الحدود، وهؤلاء ينتمون إلى جميع التنظيمات، أو لا ينتمون إلى أي منها”. بيانات الجيش الإسرائيلي للصحافيين التي تطلق على التظاهرات وصف “مسيرات حماس”، تقلل من وزن الحدث ومن أهمية استعداد عشرات الآلاف من قطاع غزة للتعرض للخطر. ومن المفارقات أن رسائل الجيش تعزز مكانة “حماس” كتنظيم سياسي مسؤول يعرف كيف يغير تكتيك النضال، وفي الوقت عينه يعرف كيف يُحجّم دوره.

•يوم أمس وبعد سقوط ما لا يقل عن 52 مواطناً من قطاع غزة حتى الساعة السابعة مساء، لم يعد هناك مجال للسخرية والغيرة. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعلن الحداد وتنكيس الأعلام مدة ثلاثة أيام، وإضراباً عاماً اليوم. إنه عباس نفسه الذي أعدّ مجموعة عقوبات اقتصادية ضد القطاع، كمحاولة أُخرى لإخضاع “حماس”. سكان قطاع غزة مع قتلاهم وجرحاهم يؤثرون في السياسة الداخلية الفلسطينية، سواء بصورة واعية أو لاواعية. حالياً لن يجرؤ أحد على فرض هذه العقوبات. والأيام هي التي ستقول ما إذا كان الفلسطينيون سيستنتجون من ذلك أنه إذا كانت إسرائيل تقتل كثيرين في تظاهرات غير مسلحة، فإنه من الأفضل العودة إلى الهجمات المسلحة، انتقاماً أو كتكتيك يؤدي إلى سقوط عدد أقل من الضحايا بين الفلسطينيين.

•في ساعات الصباح الأولى من يوم الإثنين، دخلت جرافات الجيش الإسرائيلي أرض القطاع وعمدت إلى إزالة كومات التراب التي أقامها الفلسطينيون كوسيلة لحماية أنفسهم من القناصة، هذا ما نقله مراسلون على الأرض تابعون لمنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان (الميزان). وقرابة الساعة السادسة والنصف صباحاً أطلق الجيش النار في اتجاه خيَم “مسيرة العودة”، وبعض هذه الخيم اشتعلت فيه النيران. وكان بعضها قد استُخدم لتقديم المساعدة الطبية الأولية بحسب (الميزان). وتحدثت القناة الإخبارية الفلسطينية “سما” عن إطلاق الشرطة كلاباً بوليسية في اتجاه خيَم العودة، وعن مياه كريهة أطلقها الجيش في منطقة الحدود.

•كل الإشارات والتحذيرات والعدد الكبير من القتلى في الأسابيع الأخيرة، والتقارير المقلقة من المستشفيات لم تردع أمس عشرات آلاف المتظاهرين. إن حق العودة ومعارضة انتقال السفارة الأميركية إلى القدس هما هدفان أو سببان كافيان بالنسبة إلى الجميع. لكنهما لا يكفيان لانضمام سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى إخوتهم في القطاع. فالأهداف التي تستحق التظاهر من أجلها في الضفة هي المطالبة التي من السهل تنفيذها فوراً، أي اعادة حرية التنقل إلى سكان القطاع وحقهم في الاتصال بالعالم الخارجي، وخصوصاً بأبناء شعبهم من وراء الأسلاك الشائكة التي تحيط بهم. هذا هو مطلب الجمهور “العادي”، وليس هدفاً خاصاً لـ”حماس”،لا سيما أن زعماء “حماس” والناس العاديين يدركون جيداً أنهم في اللحظة التي تطأ أقدامهم معبر إيرز سيجري اعتقالهم.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية