حالنا.. واقعٌ وأسباب

حالنا.. واقعٌ وأسباب
Spread the love

 

بقلم: د. عمران صبره إسماعيل علي الجازوي* — لقد ترك لنا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ، وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم – الدين حصناً منيعاً من تحصن به فقد أمن. فما إن توالت الأجيال ، وبعدت الشقة بيننا وبين العهد النبوي حتى بردت حرارة الإيمان في قلوب معتنقيه ، وخبت جذوته ، فتفرقنا أيادي سبأ ، وولت كل طائفة منا وجهها شطر النصوص القرآنية والحديثية تلوي أعناقها ، وتحمّلها مالا تحتمل لتشهد لها على ما ذهبت إليه ، وتعدينا حيز التخطيء والتضليل إلى التفسيق والتكفير ، وهبت رياح الابتداع العاتية على حصننا فهزت أركانه ، وصدعت بنيانه ، فأصبح لا يرد غازياً ، ولا يقف في وجه عادٍ ، وأصبح ديننا وكأن له بابين دخلت المبتدعات من أحدهما فخرجت المسنونات من الآخر ، وأصبحت السنة بدعة ، والبدعة سنة ، وأضحى معروف الذين أنعم الله عليهم منكراً ، والمنكر معروفاً ، ولُبّس علينا أمر ديننا ، وأصبحنا كحاطب ليل لا يميز بين صحيح و سقيم ، أو غثٍ وسمين فإلى الله المشتكى ، وإنا لله ، وإنا إليه راجعون .

أسباب التردي :

ثمة أسباب أدت إلى تردي حال أمتنا الإسلامية ، وانهيارها ، ومن أهمها ما يلي :

الأول – وهو السبب الرئيس في تردي حال الأمة وانهيارها ، ويتمثل في البعد عن منهج الله – عز وجل – الذي اختطه لعباده ، وأوضح لهم السبيل إليه ، وحذر من تنكبه ، واتباع السبل التي تفرق عن سبيله قائلاً : ” وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ” َالأنعام آية / 153 بيد أننا لم نوله اهتماماً ، ولم نعره قلوباً ولا أسماعاً وشردنا عن حظيرته الإلهية ، فسُلط علينا أعداؤنا فجعلوا من جمعنا تفرقاً ، وكثرتنا قلة ، وقوتنا ضعفاً ، وعزنا ذلاً ، وسنظل كذلك إلى أن نعود

يحكى أن ابنة هولاكو زعيم التتار كانت تطوف في بغداد
فرأت جمعاً من الناس يلتفون حول رجل منهم فسالت عنه، فإذا هو عالم من علماء المسلمين. فأمرت بإحضاره.
فلما مثل بين يديها سألته: ألستم المؤمنون بالله؟ قال : بلى .
قالت: ألا تزعمون أن الله يؤيد بنصره المؤمنين؟
قال: بلى . قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟
قال: بلى . قالت: أفلا يعني ذلك أننا أحب إلى الله منكم؟
قال : لا . قالت: لم ؟ قال: ألا تعرفين راعي الغنم؟
قالت: بلى . قال : ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب؟
قالت: بلى . قال: ما يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه وخرجت عن سلطانه ؟ قالت: يرسل عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه ..
قال : كم تستمر الكلاب في مطاردة الخراف؟ قالت: ما دامت شاردة. قال : فأنتم أيها التتار كلاب الله في أرضه، وطالما بقينا نحن –
المسلمين – شاردين عن منهج الله وطاعته، فستبقون وراءنا حتى نعود إليه – عزوجل – .

الثاني – افتقاد القدوة ، والمرجعية العلمية ، وذلك لانتشار الجهل من ناحية ، وتقصير العلماء والدعاة من ناحية أخرى ، وقد أخبر النبي بذلك حينما قال – صلوات ربي وسلامه عليه – : ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ” ، وقد وقع ما أخبر عنه – صلى الله عليه وسلم – فلقد نيطت الدعوة بأعناق رجال ليسوا لها بأهل ، وتصدر للفتوى من لا علم له ، وأُفسح المجال في الإعلام لمن يهرفون بما لا يعرفون ، ولا يمتكلون أدوات الحوار .

الثالث – الشعور بالانهزامية والدونية تجاه الآخر ، وما ذلك إلا لضعف العقيدة في نفوس معتنقيها ، وسريان المرض في قلوبهم ، قال تعالى : ” فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ” سورة المائدة آية 52  بالإضافة إلى غياب العزة الإسلامية تلك العزة التي أشار إليها عمر بن الخطاب قائلاً : لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا ابتغينا العزة بغيره ِ أذلنا الله . ، والتي دفعت كسرى  إلى أن  يستنجد بملك الصين عندما أرسل إليه خالد بن الوليد قائلاً : أسلم تسلم ، وإلا جئتك برجال يصرون على الموت كما تصرون أنتم على الحياة ، فأرسل إلى ملك الصين يطلب منه المدد والنجدة ، فرد عليه ملك الصين قائلاً : يا كسرى لا قبل لي بقومٍ لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها .
الرابع – السماح بالتدخلات الأجنبية وخاصةً عند وقوع المنازعات والمشاجرات . الأمر الذي ترتب عليه اتساع الفجوة بين أبناء هذه الأمة ، وإذكاء روح التنافر والتباعد ، وما لهذا خُلقنا ، ولا  بهذا أمُرنا ، ورضي الله عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ لما وقع الخلاف بين علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – قيصر الروم أن يستغل ذلك ، ويذكي نار الفتنة بينهما فأرسل إلى معاوية قائلاً : من قيصر الروم لمعاوية : قد علمنا ما وقع بينك وبين علي بن أبي طالب ، وإنا  لنرى أنكم أحق منه بالخلافة ، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً يأتون إليك برأس علي ، فرد عليه قائلاً : من معاوية إلى هرقل : أخّان و تشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك و آخره عندي يأتونني برأسك أُقدِّمه لعلي .  ..

هكذا كانت أواصر المودة والمحبة موجودة لا يهزها خلاف ، ولا يفتّ في عضدها نزاع . وهكذا كانوا وهكذا ينبغي أن نكون إذا ما أردنا أن تعود حضارتنا الإسلامية سيرتها الأولى لتتبوأ مكان الريادة والصدارة من جديد .