الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا التابعة لتنظيم «داعش» في أفريقيا
عرض: جمانة مناصرة
بعد انحسار نفوذ ونشاط ما يسمى بتنظيم “«داعش» في العراق والشام” توقع بعض المراقبين أن تنشط عمليات التنظيم الإرهابي في مناطق أخرى انطلاقاً من رؤية التنظيم العالمية. فعلياً، ينشط التنظيم منذ 2016 في جنوب شرق آسيا، ولكنه رسخ وجوده فيها بكثافة أكبر أخيراً، خاصة في إندونيسيا والفلبين. ولم تكن أفريقيا أيضاً بمعزل عن نشاط التنظيم طيلة السنوات السابقة، حيث تنشط الخلايا التابعة له في مناطق مختلفة في أفريقيا، وقد كانت مسؤولة عن عدد كبير من العمليات الدامية فيها. وقد أكد اجتماع التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي عقد أخيراً في المغرب ضرورة التركيز على وجود داعش في أفريقيا.
يُلقي هذا التقرير الضوء حول ما طرحه كل من جاسون وارنر، الأستاذ المساعد في الأكاديمية العسكرية الأمريكية وصاحب كتاب (مستقبل «داعش» في إفريقيا)، وتشارليت هولم، الباحث في جامعة يالي الأمريكية، في تقريرهما الذي نشر في “مركز مكافحة الإرهاب” CTC، والمعنون بـ”«داعش» في أفريقيا: الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا لتنظيم «داعش»”، الصادر في أغسطس (آب) 2018.
في محاولة لبدء فهم المشهد الأوسع لوجود «داعش» في أفريقيا، يعرض هذا التقرير نظرة عامة على العدد التقريبي للمقاتلين المنتمين لمختلف الخلايا التابعة لتنظيم «داعش». ووفقاً للتقرير فإن البيانات المتاحة، وتقديرات الخبراء، تشير إلى وجود ما يقرب من ستة آلاف مقاتل، في الوقت الحاضر، يتبعون تنظيم داعش، ويتوزعون على تسع خلايا، حول القارة الأفريقية.
نظرة عامة على وجود تنظيم «داعش» في أفريقيا
إن الأرقام الواردة تمثل تقديرات تقريبيبة في أفضل الأحوال، حيث إن تقدير أعداد المقاتلين أمر صعب للغاية. نظراً لتعدد التحديات وقلة البيانات المتوافرة، فإن هذا التقرير لا يمثل سوى محاولة في فهم تهديدات الخلايا التابعة لداعش في أفريقيا. يعرض الشكل التالي لمحة موجزة عن النتائج، ويليها مناقشة لتطور أعداد المقاتلين في مختلف خلايا «داعش» في أفريقيا.
الشكل رقم (1): الأعداد التقديرية للمقاتلين في الخلايا الأفريقية المختلفة التابعة لداعش(يوليو/ تموز 2018)
ألقى التقرير الضوء على تسع خلايا تابعة لتنظيم “داعش” في أفريقيا، وهي على النحو التالي:
- تنظيم داعش غرب أفريقيا
- داعش في سيناء
- داعش في ليبيا
- داعش في الصحراء الكبرى
- داعش في الصومال
- داعش في تونس
- داعش في مصر
- داعش في الجزائر
- داعش في الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا
تنظيم “داعش” غرب أفريقيا
يُشير التقرير إلى أن جماعة بوكو حرام التي أصبحت منذ عام 2009 تحت قيادة أبي بكر شيكاو وتعرف بـ”تنظيم داعش غرب أفريقيا” تشكل خطرا كبيرا، فقد كانت مسؤولة عن عدد من الأعمال الإرهابية، من خطف وقتل واغتصاب.
تم تأسيس “داعش غرب أفريقيا” في مارس (آذار) 2015، بعدما تعهد شيكاو بالولاء للبغدادي و”داعش”، الأمر الذي أثار قلقا حقيقيا كبيرا داخل المجتمع الدولي، حيث وصف البعض ذلك بـ”زواج من جحيم”. الذي لحقه تزايد وتيرة أعمال الجماعة العنفية، خاصة تفجيراتها الانتحارية، التي شارك في تنفيذها نساء وأطفال.
اعتمد الكاتبان على التقديرات التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية، لتقدير أعداد مقاتلي «داعش» في غرب أفريقيا، والتي قدرته بـ(4500) مقاتل.
«داعش» في سيناء
“أنصار بيت المقدس”، أو “أنصار القدس” هو فصيل مصري متمرد أنشئ بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في بداية عام 2011، وبعد ثلاثة أعوام باتت الجماعة فصيلاً يمثل تنظيم داعش في سيناء. ومنذ انضمام أنصار بيت المقدس لتنظيم «داعش» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، قامت الجماعة بشن هجمات عديدة كبرى في سيناء. كما شنت سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل خلال الصراع الذي دار آنذاك في غزة، ثم عادت عملياتها لتركز مرة أخرى على مهاجمة مصر.
تعد جماعة أنصار الله في سيناء ثاني أكبر خلية تابعة لداعش في أفريقيا، تلي تنظيم داعش غرب أفريقيا، مع ما يقدر بـ(1000) إلى (1500) مقاتل. ومن المثير للاهتمام بشكل خاص هو الاتساق النسبي في أعداد مقاتلي «داعش» في سيناء تبعا للعديد من المصادر، حيث إن الغالبية العظمى من المصادر المفتوحة تفيد بأن عدد المقاتلين في الجماعة يتراوح ما بين (1000) و(1500) مقاتل، لذلك اعتمد الكاتبان متوسط هذه البيانات.
«داعش» في ليبيا
وفقا للتقرير، فإن تنظيم «داعش» في ليبيا قد نال اهتماما كبيرا، لذلك، كانت البيانات حول أعداد مقاتليه الأكثر قوة وشمولية مقارنة بما هو معروف عن الخلايا الأفريقية الأخرى. قدرت منظمة الأمم المتحدة أعداد المقاتلين في التنظيم بـنحو (2000) مقاتل في نهاية عام 2015. وبحلول أبريل (نيسان) 2016، قدرت وزارة الدفاع الأمريكية أعدادهم ما بين (4000-6000) مقاتل. وبعدها تمكنت القوات الليبية إلى جانب الجهود الأمريكية من طرد مقاتلي «داعش» من المدن الكبرى، باتت تُشير التقديرات إلى أن أعدادهم لا تتجاوز الخمسمئة مقاتل في الوقت الحاضر.
«داعش» في الصحراء الكبرى
صعد تنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى في مايو (أيار) عام 2015، عندما أعلن أبو وليد الصحراوي، القيادي البارز في جماعة “المرابطون” الولاء للبغدادي ومبايعته، بعد أن رفض القائد العام لـ”المرابطون” مختار بلمختار انضمام الجماعة للقاعدة، وشكل خلية تابعة لتنظيم داعش في مالي، باتت تعرف فيما بعد بـ”«داعش» في الصحراء الكبرى”.
قامت الجماعة بشن هجمات عدة خلال عام 2016، التي تضم محاولة تنفيذ هجوم في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، الذي استهدف سجن كوتوكالي في نيامي، كما كانت مسؤولة عن عملية كمين تونغو تونغو، وكان قد أسفر عن مقتل أربعة أمريكيين، وخمسة نيجيريين، يذكر أن هذه الأحداث قد أسهمت في بروز دور «داعش» في الصحراء الكبرى.
تشير التقديرات المتوافرة إلى أن عدد المقاتلين قد بلغ حوالي (40) مقاتلا في مايو (أيار) 2015. وتبعا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية اعتبارا من أبريل (نيسان) 2018، فإن أعداد المقاتلين التابعين للمجموعة يصل إلى (300) مقاتل.
«داعش» في الصومال
يلفت التقرير إلى أن تنظيم «داعش» قد ظهر بالصومال في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، عندما أعلن مؤيد حركة الشباب السابق عبدالقادر مؤمن الولاء لتنظيم داعش. وعلى الرغم من أن هذا الولاء لم يتم الاعتراف به رسميا، فإن «داعش» في الصومال قد ضاعفت وتيرة عملياتها طوال عام 2018. حيث أعلنت «داعش» في الصومال مسؤوليتها عن (67) هجوما، ومع ذلك، يُشير التقرير إلى أن التنظيم لا تزال قدرته قاصرة على تحدي حركة الشباب في الهيمنة الجهادية في الإقليم.
أشارت مجلة (لونغ وار جورنال) إلى أن فصيل «داعش» في الصومال يضم عشرين مقاتلا فقط، وكان هذا التقدير في 2015. ووفقا للمصدر ذاته، بعد عام، قدرت المجلة أعداد المقاتلين في الجماعة بعد قيامها بتنفيذ هجوم بارز استهدف الاستيلاء على ميناء قندالا الواقع شمال شرق الصومال بـ(200-300) مقاتل. ويلفت التقرير إلى انخفاض أعداد المقاتلين في نهاية عام 2016، أي بعدما تمكنت السلطات الصومالية من طرد الجماعة من قندالا.
يُشير التقرير إلى ازدياد أعداد المقاتلين في التنظيم بعد ذلك، نتيجة حملات التجنيد، والتي شملت استهداف الأطفال الذين لم يبلغوا من العمر عشر سنوات، تذبذبت التقديرات واعتمد التقرير متوسط البيانات المتاحة المقدر بـ(150) مقاتلاً.
«داعش» في تونس
أشار التقرير إلى أن «داعش» قد تشكلت في تونس خلية أفريقية صغيرة تتبع لتنظيم داعش، التي أنشأت عندما أعلنت جماعة تسمى “جند الخلافة” بالولاء لقيادة تنظيم «داعش» المركزية.
ويلفت الكاتبان إلى اختلاف التقديرات حول أعداد هذه الخلية، ويبقى الإجماع على أن المجموعة صغيرة. ووفقا لخبير تونسي وصل عدد مقاتلي المجموعة في يونيو (حزيران) 2018 إلى (90-100) مقاتل.
«داعش» في مصر
قام تنظيم داعش في مصر بارتكاب أعمال إرهابية عدة، وكان قد أعلن مسؤوليته عن تفجير مركبة في يوليو (تموز) 2015، تتبع القنصلية الإيطالية في القاهرة. إلى جانب مسؤوليته عن أحداث أحد الشعانين عام 2017، حيث استهدف التنظيم كنائس المسيحيين الأقباط، في كل من طنطا وتلتها الإسكندرية، وقد راح ضحية هذه الهجمات الإرهابية (45) شخصا. تتراوح التقديرات المختلفة لعدد المقاتلين التابعين لتنظيم داعش في مصر ما بين (100) و(150) مقاتل، وقد اعتمد الباحثان المتوسط، أي حوالي (75) مقاتلاً.
«داعش» في الجزائر
تم تشكيل تنظيم «داعش» في الجزائر في سبتمبر (أيلول) عام 2014. يذكر أن الجماعة كانت مسؤولة عن مقتل السائح الفرنسي ايفير جورديل الذي قبض عليه وقطع رأسه في العام نفسه. مدعية أن العملية تشكل ردا على الضربات الجوية الفرنسية على العراق. لاحقا أصبحت الجماعة تجتذب مجموعات منشقة. وكان أحدث هجوم لها قد وقع في أغسطس (آب) عام 2017، على (جبل الوحش).
لاحقا، قتل زعيم المجموعة عبدالمالك غوري على يد قوات الأمن الجزائرية، وتلاشى التنظيم، وبات عدد المقاتلين النشطين فيها قليلاً جدا، أقل من (25) مقاتلا.
«داعش» في الصومال، كينيا، أوغندا
يلفت التقرير إلى تشكل جماعة تسمى “«داعش» في الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا”، أو “جبهة أفريقيا الغربية” في أبريل (نيسان) 2016، بجهود محمد عبد علي، ولكن لاحقاً، تم اعتقاله في مايو (أيار) من العام نفسه، لتآمره على نشر الجمرة الخبيثة في كينيا. كان العنف الذي مارسته المجموعة محدودا، ويلفت التقرير إلى أنه ليس من الواضح تماما إن كانت لا تزال فاعلة، ويفترض الكاتبان أن عددهم أقل من (25) مقاتلا، إن وجد.
قدر الخبراء عدد المقاتلين في مختلف الخلايا التابعة لداعش في أفريقيا، ولكن يعتقد الباحثان أنه من المفيد أيضاً عقد مقارنة بين هذه الأرقام مع أعداد المقاتلين في التنظيمات الجهادية وغير الجهادية الأخرى في أفريقيا. كما هو موضح في الشكل رقم (2).
الشكل رقم (2): عدد المقاتلين التقديري في المنظمات المتطرفة المختلفة في أفريقيا (يوليو/ تموز 2018)
اعتبر مجلس العلاقات الخارجية حركة الشباب الصومالية كأكبر فصيل في القارة غير تابع لتنظيم داعش، مقدرا أعداد مقاتليه ما بين (300-6000) مقاتل خلال يناير (كانون الثاني) 2018. بينما قدرت وزارة الدفاع الأمريكية أعداد مقاتليه ما بين (4000-6000) مقاتل. لذا اعتمد التقرير على متوسط هذه البيانات. كما يوضح التقرير أن (جماعة نصر الإسلام والمسلمين) تعد ثاني أكبر فصيل في القارة الأفريقية غير تابع لتنظيم داعش، يقدر عدد مقاتليها بـ(800) مقاتل تبعا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية.
كما تشكل (جماعة المقاومة للرب) أصغر فصيل إرهابي أفريقي غير تابع لتنظيم داعش مع عدد مقاتلين يقدرون بأقل من مئة مقاتل.
يخلص التقرير إلى وجود اختلافات في حجم الفصائل المختلفة التابعة لتنظيم داعش في أفريقيا. مشيرا إلى أن أعداد المقاتلين داخل التنظيمات يتأثر بعوامل معقدة ومتعددة، حيث يمكن النظر إلى عدد من العوامل المؤثرة مثل درجة وطبيعة المنافسة بين الميليشيات، وفعالية جهود مكافحة الإرهاب ضد هذه التنظيمات، كما تلعب روابط التنظيمات وعلاقاتها عبر الوطنية بعدا آخر. ولاحظ الباحثان أن التنظيمات التابعة لداعش تكون أصغر في حال كانت الخلايا قد نشأت في دولة أو إقليم انضم أعداد كبيرة من المقاتلين فيه للقتال في سوريا والعراق. كما أن الخلايا التي بايعت تنظيم داعش في وقت مبكر، أي قبل عام 2015، قد تمكنت من اجتذاب أعداد كبيرة من المقاتلين مقارنة بغيرها.
في الختام:
أسهم التقرير في تقديم صورة تقريبية وشاملة عن أعداد مقاتلي الخلايا المختلفة التابعة لتنظيم داعش في أفريقيا، وبالرغم من كون الأرقام تقديرية، فإنها توحي بخطر الإرهاب الذي تعاني منه الدول الأفريقية، والذي لن ينعكس عليها وحدها بالتأكيد. هذا إلى جانب حضور جماعات إرهابية أخرى تتبع لتنظيم القاعدة وغيره في القارة الأفريقية، المسألة التي تستدعي إلقاء الضوء عليها والسعي لبذل المزيد من الجهود لمواجهتها، في منطقة مضطربة تضم صراعات متعددة ودولاً هشة وسط تنافس إقليمي ودولي.
- The Islamic state in Africa: Estimating fighter numbers in cells across the continent, combating terrorism center, August 2018, https://goo.gl/iabaXj
المصدر: مركز المسبار للدراسات والبحوث
