الإعلامي الذي داس على ثقافته؟: قراءة علمية في الواقع الإعلامي

الإعلامي الذي داس على ثقافته؟: قراءة علمية في الواقع الإعلامي
Spread the love

بقلم: ايزابيل التنوري* — إنّ مهنةَ الإعلام لم تولد لأيّ إنسان ولم تولد من عدم، وخصوصًا للأشخاص الذين ينظرون الى المهنة من باب الظهور والشهرة الواسعة. الإعلام حقل واسع جدًا لا يقتصر على مهمة واحدة بل هو يتمثل بمجموعة من المهارات العلمية والعمليّة. ولا يمكن لأي كتاب بحسب المراجع العلمية الموثوقة أن يتناول كل النواحي المتعلقة بحقل الإعلام، نظرًا لتطوره من الناحية العلمية والأكاديمية ولكونه علمًا حديثًا نسبيًا.
نحن نفتقد في مجتمعنا اللبناني الى التثقيف الإعلامي الذي من المفترض أن يكون الموجّه الأساسي لاختيار الملفات والمواضيع التي تطرح على الجمهور. كما يغيب عن الأغلبية من الإعلاميين أهمية دراسة الجمهور وخلفيته الذهنية والدينية والاجتماعية، لما لذلك من أثر على اختياره لوسيلة إعلامية دون الأخرى. إذا كان الإعلام هو علم التخاطب بالأساس، فهو اليوم يجمع علوماً مختلفة ومتداخلة تتطلّب من الإعلاميين أن يكتسبوا النضج العلمي والعملي وما يكفي لبناء شخصية إعلامية تليق بأن تمارس صلاحياتها كسلطة رابعة.
إنّ ما نشاهده على شاشات التلفزة اليوم لم يعد مادة تثقيفية للمشاهد بل أخباراً بما هو معلوم منذ سنوات. لا إضاءة على أهمية إبداعات المؤلفين أو على قوانين معيّنة قد غابت عن أذهان اللبنانيين، لا بل عن أذهان المسؤولين.
إن الانتشار المتزايد للقنوات الإخبارية الفضائية العربية والإدارة السيئة لهذه القنوات، كما هو الحال في القنوات المحلية يلعب دورًا كبيرًا في عملية تطور الإعلام بشكل عام. إضافة الى أنّ كتابة تقرير سيّء عن سياسي أو عن ردّ بين السياسيين ليس من أولويات المشاهد أو المواطن بشكل محدد لأنّ ما يهمه هو أهم من هذه التفاهات اليومية.
يدوس بعض الإعلاميين على مستواهم الأخلاقي والثقافي عندما يصبح الإعلام إعلامًا يخدش، إعلامًا لا يعرف الحياء ولا يحترم الإنسان. إنّ صناعة العناوين الفضائحية المبتذلة أو إهانة أي إنسان ليس من صلب العمل الإعلامي، إذ أصبحت بعض وسائل الإعلام اليوم سوقًا رخيصة بيد مموّل أو مدير أرخص!
فهل يمكن لإعلام بهذا الشكل أن يساهم في تكوين مجتمع سليم أو نوع من الوعي عند الشباب؟
والخطير في الأمر هو غياب رقابة إعلامية تعاقب المتجاوزين والعاملين على تضليل الرأي العام خصوصًا عندما تصبح الإهانة أو أي موضوع غير لائق للبثّ مادّة ضروريّة للجذب!
الصلة بين العلم والإعلام مهمة جدًّا إذ ليس الإعلام باختصاص لمن ليس له اختصاص. وينشأ العلم من الفكر ويتميز بقواعد ومبادىء. كما يتصل العلم بالأخلاق وضرورة التطور واعتماد التخصص وتعميق المعارف.
ينقل الإعلام الإنسان من الجهل الى العلم وهو مسؤولية وطنية. ومن هنا آسف لإعلام لا يركّز إلا على مواضيع مثل الإغتصاب وزواج القاصرات والمثليين والنزاعات الدينية والسياسية، ذلك أنّ هذه المسائل يكون أساسها التربية أو الحرية الفكرية الشخصية، ودور الإعلام في هذا الإطار هو التوعية بشكل عام، وليس أن يجلب الناس ليظهروا أكثر ما يجرحهم في حياتهم على الشاشة. ومن المهم أن يدرك الإعلامي أن كيفية استخدام صوته يهدف أيضًا الى التأثير على الجمهور.
ليس ما يجذب المشاهد هو الحزن والبؤس كل الوقت وعلى مدى الأسبوع. التميّز في مجال الإعلام شبه غائب. صناعة الخبر تعاني من وباء السياسة وكتابة المقالات وإجراء التحقيقات من سيطرة الممولين وبعض الأحزاب السياسية.
امّا في ما يخص الإدارة الإعلامية للأحداث الوطنية فيبدو أنّ الحياة المهنية قد أصبحت مشوبة ببعض النشرات الأخبارية التي لا تتضمن خبرًا واحدًا على الأقل بل هي مرتهنة الى هذا وذاك! لا تفاؤل ولا نقطة أمل تنقلها نشراتنا الى المواطن اللبناني والعربي. إنّهم لا يدركون أنّ أخبار المتلقي لا تعني فقط نقل المعلومة بل أيضًا “تشكيل العقل” كما تقول آنا بريغز في كتاب “التاريخ الاجتماعي للوسائط”.
ومن الجدير أن يدرس الإعلام جيدًا محتوى ما يقدمه من مواد وكيفية تأثير الطريقة في تقديمه لجمهور من مختلف الأعمار والثقافات، كما عليه أن يدرس الجوانب الاجتماعية والثقافية لوسائل الاتصال. الإعلام هو مسألة ثقافية وعلمية مسؤولة عن احترام الوطن والقيم وعن تثقيف المواطنين حول مسائل ضرورية في حياتهم، وعن تأثير الإعلانات على الجمهور من حيث تنمية عاداته الاستهلاكية.
الإعلامي التافه أصبح يغزو مجتمعاتنا ذلك أنه يسلط الضوء على ما لا يهم المواطن وما لا يهمّ الأم والأب والمراهق والطبيب والمثقف أو المتعلم بشكل عام. بات الإعلام قائمًا على سوق الإعلانات وعلى إدارات تخفق في اختيار الموظفين، على مدير لا يحترم القيم الإنسانية ويهين الموظف أو الصحافي بكرامته. لقد غاب عن هؤلاء المدراء أنّ الصحافي هو مسؤول أمام الوطن تماماَ كالمسؤولين. غاب عنهم أنّ عمليّة الإدارة تأتي نتيجة نجاح جماعي يحترم حرية التعبير والكفاءات العلمية والعملية.
نأسف لإعلام يختار الجسم الرشيق والوجه المنتفخ من كثرة عمليات التجميل. ونأسف لإعلام لا يرجّف السّلطة وأي إنسان يخون الوطن. إن الانشغال المستمر في حل مشاكل ونزاعات جانبية لم يكن من المفروض حصولها منذ البداية أمر يخفق الإعلام في تناوله، إذ نفتقد اليوم قواعد التخطيط السليمة في غرف التحرير. نفتقد بالأحرى الى حريّة “العبارة” والقصد منها.
فقدان النظام وانعدام خطة العمل لا يسمحان للإدارة بقراءة المستقبل، كما لا يسمحان لها بإدارة حسنة للحال في الحاضر.
إن المهمة الأساسية للإعلام الناجح هي التوجيه إلى رؤية واضحة للوطن واستدراك الخطر وسدّ الثغرات التي يعاني منها الوطن، إضافة الى تقييم الإنجازات والأداء ووضع الحلول للأزمات الطارئة.

*باحثة وإعلامية لبنانية.

إيزابيل تنوري

المصدر: مجلة KAM News مجلة الحدث والخبر