بأربع لغات..هذا هو الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بحضور البابا فرانسيس

بأربع لغات..هذا هو الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بحضور البابا فرانسيس
Spread the love

ألقى الملك محمد السادس، خطابا باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية. خلال مراسم الاستقبال الرسمي الذي خصص السبت، لقداسة البابا فرانسيس، بباحة مسجد حسان بالرباط، بمناسبة الزيارة الرسمية التي يقوم بها البابا للمملكة المغربية.

وقال الملك محمد السادس في معرض خطابه إن المغرب يشهد حدثا استثنائيا لسببين رئيسيين؛ أولهما زيارة البابا فرنسيس الأول إلى المملكة، وثانيهما أن زيارة الحبر الأعظم تذكره بزيارة البابا يوحنا بولوس الثاني، التي كانت زيارة تاريخية إلى المغرب أيضا.

واعتبر الملك في خطاب ألقاه خلال مراسم الاستقبال الرسمي الذي خصصه لبابا الفاتيكان، اليوم السبت بباحة مسجد حسان في الرباط، أن “هذه الزيارة تندرج في إطار العلاقات العريقة بين المغرب والفاتكان”، مؤكدا حرص المملكة على أن يعبر توقيت الزيارة ومكانها عن الرمزية العميقة، والحمولة التاريخية، والرهان الحضاري لهذا الحدث.

وأضاف الملك محمد السادس: “الموقع التاريخي الذي يحتضن لقاءنا اليوم يجمع بين معاني الانفتاح والعبور والتلاقح الثقافي، ويشكل في حد ذاته رمزا للتوازن والانسجام، فقد أقيم بشكل مقصود في ملتقى نهر أبي رقراق والمحيط الأطلسي، وعلى محور واحد، يمتد من مسجد الكتبية بمراكش، والخيرالدة باشبيلية، ليكون صلة وصل روحية ومعمارية وثقافية بين إفريقيا وأوروبا”.

وتابع الملك في خطابه: “أردنا أن تتزامن زيارتكم للمغرب مع شهر رجب، الذي شهد إحدى أكثر الحلقات رمزية من تاريخ الإسلام والمسيحية، عندما غادر المسلمون مكة، بأمر من النبي محمد ﷺ، ولجؤوا فرارا من الاضطهاد إلى النجاشي، ملك الحبشة المسيحي، فكان ذلك أول استقبال وأول تعارف متبادل بين الديانتين الإسلامية والمسيحية..وها نحن اليوم نخلد معا هذا الاعتراف المتبادل، من أجل المستقبل والأجيال القادمة”.

ولفت الجالس على العرش الانتباه، في كلمته بالمناسبة، إلى أن زيارة البابا تأتي في سياق يواجه فيه المجتمع الدولي، كما جميع المؤمنين، تحديات كثيرة من نوع جديد، تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر، فضلا عن أطروحات دنيئة أخرى.

وفي عالم يبحث عن مرجعياته وثوابته حرصت المملكة المغربية على الجهر والتشبث الدائم بروابط الأخوة التي تجمع أبناء إبراهيم عليه السلام، كركيزة أساسية للحضارة المغربية، الغنية بتعدد وتنوع مكوناتها..ويشكل التلاحم الذي يجمع بين المغاربة، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم، نموذجا ساطعا في هذا المجال، يضيف الملك محمد السادس.

كما أوضح أن هذا التلاحم واقع يومي في المغرب، وهو ما يتجلى في المساجد والكنائس والبيع، التي ما فتئت تجاور بعضها البعض في مدن المملكة. وزاد: “بصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين، على اختلاف دياناتهم. وبهذه الصفة لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين، فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية، وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى الذين يعيشون في المغرب”.

وتابع الملك محمد السادس: “إننا في بحث متواصل عما يرضي الله، في ما وراء الصمت، أو الكلمات، أو المعتقدات وما توفره من سكينة؛ وذلك لتظل دياناتنا جسورا متميزة ونيرة، ولكي تظل تعاليم الإسلام ورسالته منارة خالدة. بيد أنه من الواضح أن الحوار بين الديانات السماوية يبقى غير كاف في واقعنا اليوم، ففي وقت تشهد أنماط العيش تحولات كبرى، في كل مكان، وبخصوص كل المجالات، فإنه ينبغي للحوار بين الأديان أن يتطور ويتجدد كذلك”.

كما اعتبر الملك في خطابه أن “الحوار القائم على التسامح استغرق وقتا، ليس بيسير، دون أن يحقق أهدافه”، وزاد موضحا: “الديانات السماوية الثلاث لم توجد للتسامح في ما بينها، لا إجباريا كقدر محتوم، ولا اختياريا من باب المجاملة، بل وجدت للانفتاح على بعضها البعض، وللتعارف في ما بينها، في سعي دائم إلى الخير المتبادل .. قال تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، صدق الله العظيم”.

وأوضح أمير المؤمنين أن التطرف، سواء كان دينيا أو غير ذلك، مصدره انعدام التعارف المتبادل، والجهل بالآخر، بل الجهل، وكفى، مردفا: “ذلك أن التعارف المتبادل يعني رفض التطرف، بكل أشكاله؛ وهو السبيل لرفع تحديات هذا العصر المضطرب. قال تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، صدق الله العظيم”.

وزاد الملك في خطابه: “لمواجهة التطرف بكل أشكاله فإن الحل لن يكون عسكريا ولا ماليا؛ بل الحل يكمن في شيء واحد، هو التربية؛ فدفاعي عن قضية التربية إنما هو إدانة للجهل؛ ذلك أن ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوما الدين. واليوم، فإني بصفتي أمير المؤمنين أدعو إلى إيلاء الدين مجددا المكانة التي يستحقها في مجال التربية”، مضيفا أن الدين “ليس هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين”.

وشدد الملك على أن “الوقت حان لرفض استغلال الدين كمطية للجهلة، وللجهل وعدم التسامح، لتبرير حماقاتهم، فالدين نور ومعرفة وحكمة، وهو بطبيعته يدعو إلى السلام، ويحث على استثمار الطاقات في معارك أكثر نبلا، بدل هدرها في سباق التسلح، وأشكال أخرى من التسابق الأعمى”، مستطردا: “لهذا الغرض أحدثنا مؤسسة محمد السادس للعلماء، وفي السياق نفسه استجبنا لطلبات العديد من البلدان الإفريقية والأوروبية باستقبال شبابها في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات”.

واعتبر أيضا أن “القيم الروحانية ليست هدفا في حد ذاتها بقدر ما تدفعنا إلى القيام بمبادرات ملموسة؛ فهي تحثنا على محبة الآخر، ومد يد العون له. بيد أن هناك حقيقة أساسية، وهي أن الله غفور رحيم. وبما أن الرحمة من صفاته تعالى، فقد جعلنا السماحة والعفو والرأفة في صلب عملنا، ولأن المحبة من صفاته أيضا، فقد بادرنا طوال سنوات حكمنا بالعمل على القرب من الفئات الأكثر فقرا وهشاشة”.

هذه القيم، وفق الملك محمد السادس، “روح وجوهر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقناها في بلادنا منذ 14 عاما، بهدف تحسين ظروف عيش الأشخاص الذين يعانون من الفقر والهشاشة، وإدماج من يعانون من الإقصاء، وتوفير سكن للمشردين، وإعطائهم الأمل في مستقبل يضمن لهم الكرامة”، مضيفا: “وتلكم القيم هي أيضا في صلب الفلسفة التي ترتكز عليها سياسة الهجرة واللجوء التي اعتمدناها ببلادنا، وحرصنا على أن تكون مبنية أساسا على التضامن”.

وختم الملك خطابه بالقول: “بصفتينا، أمير المؤمنين والحبر الأعظم، فإننا مدعوون لأن نكون في نفس الوقـت مثاليين وعمليين، واقعيين ونموذجيين، رسائلنا تتسم بطابعها الراهن والأبدي في آن واحد، وهي تدعو الشعوب إلى الالتزام بقيم الاعتدال، وتحقيق مطلب التعارف المتبادل، وتعزيز الوعي باختلاف الآخر؛ وبذلك نكون، قداسة البابا، قد اجتمعنا “على كلمة سواء بيننا وبينكم””، معتبرا أن الكلمة “تتجاوز دلالاتها المعنى الضيق للتوافق التحكيمي”، موردا: “فنحن نفهمها، ونعيشها، كرسالة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، موجهة إلى البشرية جمعاء، وذلكم هو ما يجمعنا اليوم، وما ينبغي أن يوحدنا في المستقبل”.

 المصدر: جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية