الحضارة الهندية.. أقدم الحضارات البشرية

الحضارة الهندية.. أقدم الحضارات البشرية
Spread the love

قراءة: حسن صعب* |
يقدم كتاب “الحضارة الهندية” للباحث خزعل الماجدي، الصادر عن دار الرافدين للنشر والتوزيع ومنشورات تكوين، إطلالة شاملة على الحضارة الهندية منذ بدايتها حتى اليوم؛ كأقدم حضارة بشرية متواصلة خلال كلّ مراحل التاريخ.
وفي الكتاب تفصيل لكلّ الإرث الحضاري الهندي الثقيل، بكلّ تنوعاته الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأدبية والفنية والعلمية والمادية والتقنية والنفسية والأخلاقية.
والكتاب يقدّم، لأوّل مرة، باللغة العربية، هذا الكم الهائل من المعلومات والتحليلات الجديدة النوعية لواحدة من أعرق الحضارات التي بناها الإنسان ولاي زال نبضها مسموعاً وقادراً على أن يقدّم للبشرية طرقاً جديدة في التحضر والتوازن بين ما هو مادي وروحي.
يقول المؤلف في مقدّمة كتابه إن حضارة الهند هي المثل الأعرق والنموذجي لحضارة واحدة متراصة في كلّ عصور التأريخ. فالحضارات التي رافقتها اندثرت وجاءت غيرها في المكان نفسه. فعلى سبيل المثال، انتهت الحضارة السومرية في 2006 ق.م، وانتهت الحضارة المصرية في 322 ق.م، وانتهت الحضارة الآشورية في 611 ق.م، والحضارة البابلية في 539 ق.م، والحضارة الفارسية في 638 ق.م، والحضارة الرومانية في 476م… إلخ.
أما الحضارة الهندية فما زالت مستمرة، وإن تعرضت للهزّات التاريخية الكبرى والقطع والثلم هنا وهناك؛ لكنها ما زالت موجودة.
وما يلفت النظر في الحضارة الهندية هو تميّزها في الجوانب العلمية والدينية في آن واحد، وثراؤها المهول في الجوانب الفنية والثقافية. فالعلماء الهنود برعوا براعة استثنائية في الرياضيات بشكل خاص، وقدّموا في الطب براعة نادرة لا نجدها في تراثات الشعوب الأخرى. وكانت أهراماتهم المعرفية في الدين مثار إعجاب لا حدود له، وخصوصاً في العقائد الدينية التي كان لهم الفضل في وضعها مدوّنة، إذ لم توضع العقائد والأفكار الدينية في أية حضارة علمية كما وضِعت في الهند واضحة وصريحة.
في الفصل الأول من الكتاب (مقدّمة تعريفية بالهند وجغرافيتها وعلم الهنديات «إندولوجي»)، يعدّد المؤلف بعض أسماء الهند ويشرح معانيها. فاسم «هند» مشتق من (إند) وهو (إندوس) أي نهر إندوس (هندوس) الموجود في بلاد السند شمال غرب الهند، ومكانه الحالي في باكستان. وهذه التسمية فارسية أولاً ثم استعملها الإغريق (إندو).
و«هندوستان» هي كلمة فارسية معناها (بلاد النهر)؛ و«سندهو» كلمة سنسكريتية تعني بلاد السند؛ و«دهارتي» تعني الأرضي الطيّبة.
حول جغرافيا الهند، يقول المؤلف إن الهند تقع جنوب آسيا، وهي سابع أكبر بلد في العالم من حيث المساحة الجغرافية، والثانية من حيث عدد السكان، والأولى من حيث الازدحام بالسكان. أما حدودها، فهي من الجنوب المحيط الهندي، ومن الغرب بحر العرب وباكستان، ومن الشرق خليج البنغال وبنغلادش وميانمار، ومن الشمال جمهورية الصين الشعبية والنيبال وبوتان.
تبلغ مساحة الهند 3.287.590 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها، حسب إحصائية البنك الدولي لعام 2018، هو نحو مليارو و340 مليون نسمة. أما موقع الهند فهو شمال خط الاستواء بين 6.44 و 97.25.
وحول حضارة الهند وعلم وعلماء الهنديات، يقول المؤلف إن الحضارة السندية عريقة جداً وتناظر في عراقتها سومر ومصر. وفي القرن العشرين ظهرت البحوث والكتب المميّزة للعلماء والمستشرقين الذين بهرتهم الحضارة الهندية ووجدوا فيها الجذر الآري الأكثر عراقة لحضارة أوروبا الهندو-أوروبية (الآريّة الجذور). وشيئاً فشيئاً نشأ علم الهنديات، والذي أصبح له علماء ومدارس في كل أنحاء العالم.
أما عن نظريات أصل الهنود، فيقول المؤلف إن الدرافيديين والآريين يشكّلون أهم مجموعتين عرقيتين قديمتين في الهند. والدرافيديون هم سكان حضارة السند؛ وهي أول حضارة هندية قديمة عاصرت الحضارتين السومرية والمصرية ونشأت مثلهما على ضفاف نهر، هو نهر السند وواديه. والدرافيديون شعب عريق؛ والدرافيدية عائلة لغوية مكوّنة من 20 لغة فرعية، يتحدث بها، اليوم، ما يقرب من 200 مليون هندي.
وحول أصل الآريين الهنود، يقول المؤلف إن هناك من يُثبت هجراتهم من شرق أوروبا، وهناك من ينفيها ويجعلهم السكان الأصليين للهند مع الدرافيديين. ويُعتقد أن هذا التمازج الحضاري بين الشعبين هو الذي أنتج الحضارة الهندية؛ وهو ما يحصل دائماً في قوانين ظهور وانبثاق الحضارات.
ويوضح المؤلف المقصود بمصطلح «إندولوجي» (Indology) أو علم الهنديات، وهو العلم الذي يدرس تاريخ وتراث الهند منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، بكلّ تنوّعه ودرجات تكوينه وألوانه وبيئاته المختلفة. ويشمل البحث كلّ مفردات ومظاهر الحضارة والتراث في الهند.
وبرز أيضاً مصطلح «الهندومانيا» (Indomania)، وهو الهوس بالهنديات وبكلّ ما يتعلق بتأريخ وتراث الهند من قِبل المستشرقين أو الأجانب بشكل عام، وحتى من قِبل الهنود أنفسهم. وهو يناظر مصطلح الهندوفيليا الذي يعني الحبّ المفرط لكل ما هو هندي، وخصوصاً ما حصل في الغرب منذ القرن التاسع عشر في ألمانيا، بحيث جرى زرع الجذور التأريخية المشتركة في التاريخ المعاصر للثقافة والتعليم في ألمانيا.
وفي السياق يورد المؤلف جداول عدة بأسماء علماء الهنديات منذ القرن السابع عشر وحتى القرن الحادي والعشرين.

موجز تاريخ الهند
في الفصل الثاني من الكتاب (موجز تاريخ الهند)، يتحدث المؤلف عن مراحل بارزة في تاريخ الهند منذ عصور ما قبل التاريخ (العصور الحجرية)، إلى التاريخ القديم لها، وفيه المرحلة السندية والمرحلة الفيدية، وصولاً إلى التاريخ الوسيط والتاريخ الحديث والتاريخ المعاصر للهند (1947 – حتى الآن).
ومما يلفت في المعطيات والمعلومات التي وردت في هذا الفصل:
– لم تظهر الحضارة الأولى في كل بقاع الهند، بل في وادي السند حصراً، وتسمّى ثقافة هذه الحضارة بـ(ثقافة هرّابا) التي أخذت اسمها من مدينة (هرّابا) الواقعة في وادي السند، في الباكستان الحالية؛ وتسمّى عموماً بحضارة وادي السند أو الحضارة السندية.
– يقول جون مارشال، وهو المرجع المعترف به حول حضارة وادي السند، والمشرف على التنقيبات الموسّعة لمدينة موهنجو – دارو Mohengo Daro (مدينة أثرية تقع على الضفة الغربية لنهر السند): «إن كلاً من الفن والدين في وادي السند اتسم بطابع خاص وفريد لا يوجد مثيل له إلا في هذا الوادي».
– هناك من يرى أن بداية الحضارة في وادي السند كان بحافز حضاري من وادي الرافدين، وبشكل خاص في مجال الكتابة والعمران والتجارة.
وهذا مرجّح بسبب السبق الحضاري لحضارة وادي الرافدين زمنياً؛ ويؤيد هذا تواصل الرحلات التجارية بينهما على مدى التاريخ القديم.
– سابقاً، اعتقد بعض المؤرّخين أن الغجر وفدوا من بلاد الرافدين، وافترض غيرهم أنهم من مصر أو شمال أفريقيا أو أثيوبيا. لكن البحوث الحديثة رجّحت أن الوطن الأصلي للغجر هو الهند. ويرجّح المؤلف أنهم من شعوب وادي السند، وأن يكونوا من الدرافيديين الذين هم السكان الأصليون للهند؛ وقد هاجر بعضهم إلى جنوب الهند بعد الغزو الآري للبلاد.
– حول المرحلة الفيدية (الهندوسية)، يقول المؤلف إن هناك رأيين: الأول يقول بحصول هجرة أو غزو آري (هندوأوروبي) دمّر الحضارة السندية الدرافيدية وأخذ مكتسباتها وتطوّر وفق تكوينه الآري، وأنتج الثقافة الفيدية، وهي صلب الحضارة الهندوسية وأساسها؛ والثاني ينفي وجود هجرة أو غزو آري، ويعتبر أن وجود الآريين طبيعي في داخل القارّة الهندية وأنهم استمروا باستكمال الحضارة السندية.
– بعد قرن من ظهور الإسلام قام محمد القاسم بغزو بلاد السند، وأصبحت عاصمته هناك تسمّى بـ(المنصورة)، وهي تبعد عن حيدر آباد الحالية بـ72 كيلومتراً. ثم قام الهنود بهزيمة العرب في معركة ولاية راجستان؛ وأسّست مجموعة من الممالك الإسلامية (السلطنات) في باكستان وأفغانستان، والتي نشطت تجارياً ودينياً.
– قامت إمبراطورية السيخ (1799 – 1849) بقيادة (مهراجا رانجت سينغ) الذي أسّس دولة علمانية حول البنجاب. وقد اتسعت ووصلت إلى ذروتها في القرن التاسع عشر، من ممر خيبر غرباً وحتى كشمير شمالاً، ومن السند جنوباً وحتى التبت الغربية في الغرب.
– في مرحلة الاستعمار الأوروبي للهند (1497 – 1499)، قام البرتغالي فاسكودي غاما بين أعوام (1497 – 1499) باكتشاف الطريق البحري الجديد الذي يصل أوروبا بالهند، والذي مهّد للتجارة الهندية – الأوروبية بشكل مباشر، وأصبحت في (غوا) و(دمان) و(ديو) و(بومبي) أهم قواعد التبادل التجاري البرتغالي حتى عام 1961، حين استولت الهند على مراكز التبادل هذه. أما الهولنديون، فقد أنشأوا لهم مركزاً تجارياً في سيلان، والبريطانيون في ميناء الساحل الغربي من (سوارت)، وكذلك فعل الفرنسيون. وقد مهّدت هذه النشاطات التجارية للنفوذ السياسي لهذه الدول الأوروبية تدريجياً.
– حصلت شركة الهند الشرقية البريطانية عام 1617 على تصريح من الإمبراطور المغولي (جهانجير) للتجارة في الهند. وأدّى نفوذها المتزايد بالإمبراطور المغولي (فاروق سيار) لمنحهم تصاريح للتجارة الحرّة في البنغال في عام 1717.
– بعدما أوغلت الشركة البريطانية في سياستها القاسية، اقتصادياً وسياسياً، قام الجنود الهنود الذين تستخدمهم الشركة في شمال ووسط الهند بثورة ضد الشركة وإدارتها. فقد أفقدت الهنود ما كانوا يستفيدون منه من ثروات بلادهم التي استأثرت بها الشركة بشكل فظيع. وقد حصلت هذه الثورة في العام 1857.
– ظهرت القومية الهندية، بمعناها السياسي الجديد، في القرن التاسع عشر بعد دخول عمليات التحديث والإصلاح، وشعور الهنود بضرورة حكم بلدهم واستثمار خيراتهم. وقد أدّى الصراع المسلح مع البريطانيين دوراً مهماً في يقظة القومية الهندية.
– برز من الزعماء الوطنيين الهنود «مهاتما غاندي»، والذي ظهر من رحم تيار الإصلاح والاعتدال، ووجد أن أفضل حل هو باستخدام الوسائل السلمية وليس العنف والحرب. ومن هذه الوسائل التظاهر والعصيان المدني والمقاومة الاقتصادية. وقد حقّقت حركته نتائج مهمة، منها قانون الحكومة الهندية عام 1935؛ كما حقّقت استقلال الهند وباكستان عام 1947.

نظام الحكم في الهند
في الفصل الثالث (المظهر السياسي)، يتحدث المؤلف عن نظام الحكم في الهند، والذي يشمل أنظمة الحكم ونظام الإدارة. فقد تنوعت أنظمة الحكم والإدارة في الهند بأشكال مختلفة جمعت أغلب نظم الحكم السياسية في العالم؛ وبرز أهمها كما يلي:
أ – دويلات المدن: التي تشكلت في الحضارة السندية أولاً وأسّست مدناً متطورة في كل المجالات.
ب – النظام الملكي: حيث ظهرت الممالك منذ الاستيطان الآري، وكانت تتّسم بطابع قبلي، فكان لكلّ قبيلة كبيرة مملكة خاصة.
ج – النظام الإمبراطوري: حيث اتسعت الممالك وضمّت بعضها لتتكوّن الإمبراطوريات، مثل الموريانية والجوتية وغيرها.
د – النظام الجمهوري: الذي ظهر في الهند مبكراً، ولكنه كان نظاماً بسيطاً استقلت فيه الولايات عن بعضها وكان لها حكّام متنفذون. فقد ظهرت في النيبال القديمة بعض الجمهوريات المبكرة، مثل جمهورية ليكشافي (licchavi) في فايشالي، وجمهورية ساكيا (Sakya) في كفاليفاستو، وجمهورية فيديا (Videha) في متيلا.
وقد نشأ نظام الجمهورية الحديث في الهند في عام 1947؛ وهو نظام برلماني فدرالي تتكوّن فيه الهند من 26 ولاية. وتقوم الحكومات الفدرالية بواجبات رئيسة هي: الدفاع، والعلاقات الخارجية، والضريبة، وتسجيل الولادات والوفيات، ووضع الخطط الاقتصادية والصناعية.
عن نظام الإدارة، يقول المؤلف إنه تمّ العثور على أنظمة إدارة كانت موجودة في فترات مختلفة في الهند. وأقرب إشارة يمكن أن تُعزى إلى حضارة وادي السند. فمن الحفريات يتبين أن الحكومة في موهنجو دارو وهرابا كانت منهجية وعملية؛ فقد أوجدت نظم الإدارة والصرف الصحي، مما يدلّ على أن في هذه المدن حكومة بلدية ترعى الاحتياجات والترتيبات المنتظمة للمدن.
وحول العلاقات الخارجية، يقول المؤلف إن الهند تكوّنت من أعراق وقوميات وديانات مختلفة، وتكوّنت من طبقات اجتماعية وسياسية متباينة. وقد نشأ من كل هذا حركات صراع وحوار على مدى تاريخ الحضارة الهندية؛ لكن النزاعات العقائدية والعرقية كانت مؤثّرة بالاتجاه السلبي والدموي أحياناً.
ويتحدث المؤلف عن وجود مجموعة هائلة من النصوص الهندية القديمة التي توضح مدى تطور الدبلوماسية الهندية وتنظيم العلاقات بين الدول وأنظمة الاستخبارات والتجسس والمعاهدات الحربية والسلمية. فقد ظهرت منذ بدايات الحضارة الفيدية وأفصحت عنها ملاحم المهابهاراتا والرامايانا وغيرها.
وللهند تاريخ عريق في عقد المعاهدات السلمية والحربية عبر الصراعات الساخنة والباردة لدولها وممالكها وإمبراطوريتها الكثيرة الحركة والمناورة.
وأخيراً، حول النظام العسكري في الهند، يقول المؤلف إن الحاجة إلى وجود نظام عسكري قوي وواضح التنظيم منذ حضارة السند. لكن هذا النظام ازدهر مع مجيء الآريين وظهور الحضارة الفيدية ثم البراهمية التي كانت حاضنة للملاحم الهندية الضاجّة بالحروب والمعارك والجيوش.
وقد وصلت الأنظمة العسكرية ذروتها مع إمبراطوريات الهند الكبرى، مثل (مورياوغوبتا).

التشكيل الاجتماعي الطبقي
في الفصل الرابع من الكتاب (المظهر الاجتماعي)، يقول المؤلف إن مرجع التشكيل الاجتماعي الطبقي الهندي هو الفكر الديني الفيدي والهندوسي عموماً، الذي هو بمثابة المنظّم الداخلي العميق للمجتمع الهندي.
وقد ظهرت أول ضوابط الدين والمجتمع في الهند مع كتب المعارف (الفيدا) الأربعة التي كان جوهرها فلسفة وحدة الوجود Pantheism التي ترى أن الإنسان يمكنه أن يتعرف على وحدة الوجود داخله ويصل إلى وعي ذاته ووعي الإله براهما عن طريق التقشف والتطهر وتحرير النفس من الذنوب والفساد. وكل هذا يتطلب المعرفة بالمخلوق الأول للتشريع والقانون الإلهي (دارما)، والذي يسمّى (مانو)؛ وهذا يتطلب أن يقوم كهنة براهما بتعليمه للناس وإطاعة هؤلاء أوامرهم. وهكذا تم التمسك بالعلاقات الاجتماعية من خلال (المقدّس) ولصالح طبقة المقدس، وهم البراهما التي هي أعلى طبقة في المجتمع؛ فهي أعلى من الملك ومحاربيه. وهؤلاء يعلّمون كتب المعارف (فيدا) والـ(دارما) ويطبّقون الـ(مانو).
أما طبقات المجتمع الهندي فهي:
1 – البراهمة (براهما Bhramin): وهي طبقة الكهنة والمتعلمين، ويمثّلون رأس براهما وحكمته وقوّته وعقله ووجهه؛ يقرأون كتب الفيدا المقدّسة ويعلّمونها للناس.
2 – الكشتاريون (كشتاريا Kshataryia): وهم طبقة الملوك والمحاربين؛ فهم يمثّلون الجهة التي تنفّذ إرادة الآلهة. ولذلك هم مخلوقون من ذراعي براهما؛ وأهم واجباتهم حماية البلاد والناس.
3 – الفيشاويون (Vaishya) (فيزيا، فايشيا): وهم التجّار وملاك الأرض ويسمّون الفيشاش؛ ومهمتهم توفير الطعام وحراسة أمنه وتوفيره للمجتمع، وتأمين الرخاء والعيش الكريم له.
4 – الشودرا Sudra: وهم عامة الشعب، وهم أقرب إلى العبيد والخدم لأن مهمتهم الخدمة وإنجاز ما يؤمرون به من قِبل الطبقات الثلاث الأولى.
5 – باريا Pariah: ويسمّون الهرج Harigans؛ كما يسمّون أبناء الآلهة، و(المحظور لمسهم) Untouchable أو الأنجاس؛ وهم المنبوذون. والمقصود بأبناء الآلهة أنهم مخلوقون من قِبل الآلهة الأخرى من غير براهما… أي تلك التي يتعبدونها هم؛ وهؤلاء لا يُعتبرون طبقة اجتماعية.
ورغم أن هذا التقسيم الطبقي الجائر قد أوجد تناحراً حاداً بين مكوّناته، وحجب الطريق أمام الكفاءات والمواهب وأفقد المجتمع العدالة، إلاّ أنه يبدو راسخاً بقوة بين الهنود لأنه من جذور دينية قوية.
وقد حاول المهاتما غاندي أن يزحزح هذا النظام (التقسيم الطبقي)، لكنه فشل بسبب تأصل عقيدة النظام وصورته في أعماق المجتمع الهندوسي.
وحول البيت والأسرة والمرأة، يقول المؤلف إن الهنود كانوا يهتمون بالنسل وإنشاء الأسرة على أساس دافع ديني راسخ؛ وكانت الأسرة أبوية الطابع. أما المرأة الهندوسية فلم تكن تتمتع بحقوقها، وكانت خاضعة لسيطرة الأب وهي طفلة، وللزوج وهي شابة، وللابن الأكبر وهي أرملة؛ ولم تكن تعمل وليس لها حقّ المطالبة بحريّتها.
وكان الهنود يفضّلون ولادة الذكور على الإناث لأسباب تتعلق بالعمل وإعانة الأسرة. وكان الهنود يقومون قبل ولادة أبنائهم بمجموعة من الطقوس ذات الطابع السحري.
في مجال القضاء، يشرح المؤلف قوانين مانو Manu, Manou، وهي قوانين دينية (شريعة) هندوسية تُنسب لمانو أو ملوك الهند الخرافيين بعد الطوفان الذي يزعمون أنه تلقاها وحياً من (براهما)؛ وهي القوانين التي رُسمت للتقسيم الطبقي في الهند.
أما عن الخمر، فقد ضمّت جميع كتب الفيدا إشارات عن النبيذ كمشروب ووحي؛ لكن المشروب المسكر في الأزمان القديمة تلك كان هو (سوما) الذي ذُكِر في كتب الفيدا أنه نزل من السماء بواسطة طائر بجناحين ذهبيين.
وبشأن الجنس، فتتمثل ريادة الهند في حقل الحب والجنس أنها حوّلتهما إلى حقل علمي وفلسفي، وأنها عرضت التربية الجنسية من خلال الأدب والفن بالكثير من البراعة والاتقان. وتحفل نصوص الفيدا بالحديث عن الحب والجنس وبنصوص الصلوات المتضمنة لذلك؛ وكان الإله كريشنا يمثّل الإله الحسّي بامتياز.
وكان الزواج بامرأة واحدة هو القانون السائد في طبقات العامة. أما الطبقات الحاكمة فكانت تجيز الزواج بأكثر من امرأة تحت حجّة الحفاظ على نسل الحكّام وتوارثهم للسلطة.

اقتصاد الهند
في الفصل الخامس من الكتاب (المظهر الاقتصادي)، يقدّر المؤلف أن اقتصاد حضارة وادي السند كان يميل إلى أن يكون تجارياً إذا ما عُرف تقدّمهم في هندسة الريّ والنقل. وتدعم الآثار فكرة توسع تجارة وادي السند مع البلدان المجاورة ، مثل فارس وبلاد وادي الرافدين ومصر.
وأتت الزراعة بالدرجة الثانية من اقتصاد السند، وكانت تؤكد على زراعة القمح والبازلاّء والشعير والسمسم والتمر والبطيخ.
وقد تمكن أهل وادي السند من تحويل القطن، لأول مرة، إلى ملابس حوالى عام 2000 قبل الميلاد، حيث قاموا بغزل نسيجه وتحويله إلى قماش؛ وهو ما نشّط تجارتهم الداخلية والخارجية.
أما الحضارة الفيدية أو الآرية المبكرة في وادي نهر الغانج، فقد كانت بدوية ورعوية وتعتمد على تربية الماشية. وفي حدود العام 1000 قبل الميلاد استخدم الآريون الحديد، وعلموا الزراعة والفلاحة.
وبظهور التجارة أصبح المجتمع مستقراً وارتقى اقتصادياً وازدهرت المدن من جديد، وأعيد اختراع الكتابة في حدود 700 – 600 ق.م، ودوّنت كتب الفيدا التي كانت تُحفظ شفاهياً لما يقرب من ألف عام؛ وأصبح الريف ثم التجارة أساس الحياة الاقتصادية في الهند.

الديانات في الهند
في الفصل السادس (المظهر الديني)، يورد المؤلف في البداية أعداد أفراد الديانات الموجودة في الهند، وأكبرها الهندوسية، التي يبلغ عدد أفرادها نحو مليار نسمة (966.3 مليون)، والإسلام (172.2 مليون) والمسيحية (27.8 مليون) والسيخ (20.8 مليون) والبوذية (8.4 مليون).
ويُفرد المؤلف مساحة واسعة في كتابه للحديث عن تاريخ الديانة الهندوسية، حيث يرى الهنود أنها ليست ديانة بالمعنى المألوف، بل هي (طريقة حياة)، كونها هضمت عبر تاريخها الطويل، كل التبدلات والتحوّلات والمؤثرات التي مرّت بها وأعادت نشرها في داخل عقائدها وتكوينها.
ومعروف أن جذور الهندوسية المبكرة تعود إلى الديانة الدرافيدية التي سبقتها في وادي السند. فقد أعادت الهندوسية، في بواكيرها، تركيب الديانة الدرافيدية وآلهتها بما يتوافق مع طبيعة الشعب الآري الذي ظهر في الهند لكي يتحول تدريجياً إلى شعب هندوسي يتجاوب مع معطيات بيئته الجديدة.
أما المكوّنات الرئيسة للدين الهندوسي، فيعدّدها ويشرحها المؤلف ضمن عناوين عدة، تشمل: الألوهية بين: التعدد، والتفريد، والتوحيد، حيث لا يمكن فهم التوحيد الهندوسي إلا من خلال وحدة الوجود؛ فمثلاً، اليوغا Yoga (الاتحاد) هي طريقة للخلاص الطوعي للإنسان حين يحاول الوصول إلى الحقيقة أو الاتحاد بالإله؛ وتعني وضع القيود؛ وهي رياضة صارمة.
أما النصوص والكتب الهندوسية، فتنقسم إلى قسمين رئيسيين هما:
1 – شروتي، وهي الكتب والنصوص الدينية.
2 – سمريتي، وهي الكتب والنصوص الدنيوية.
بعد ذلك يشرح المؤلف بعض الأساطير والطقوس الهندوسية، والتي تتضمن الطقوس اليومية وطقوس المناسبات والطقوس الدورية والأعياد وعناوين أخرى ذات صلة.

الثقافات الهندية
في الفصل السابع (المظهر الثقافي)، أورد المؤلف معطيات كثيرة شملت: اللغات الهندية، الكتابات الهندية، الأدب الهندي، الفلسفة الهندية. ومن أبرز تلك المعطيات:
1 – الهند هي الأكبر ثقافياً ولغوياً وتاريخياً ومن حيث الوجود الجغرافي، بعد القارة الأفريقية. وهي موطن فصيلتين لغويتين أساسيتين هما:
– الهندية الآرية (وهي من بقايا اللغة السنسكريتية، ويتحدث بها حوالى 74% من السكان).
– الدرافيدية: وهي من بقايا لغة السكان الأصليين للهند وحضارة السند، وهم الدرافيديون، ويتحدث بها حوالى 24% من السكان.
2 – إذا كانت (الحكمة) سمة من سمات الإنتاج الفكري الشرقي، فإن الحكمة الهندية تخطّت المستوى التقليدي الشرقي وتحولت إلى فلسفة عميقة بأدق معاني الكلمة. وإذا كانت الحكمة المصرية مصدراً أساسياً من مصادر الفلسفة الإغريقية، فإن الفلسفة الهندية كانت المصدر الثاني الذي تتكشف أهميته يوماً بعد يوم.
3 – بعد الاستعمار الأوروبي للهند ظهرت تغيرات عميقة في المجتمع الهندي صاحبتها تغيرات ثقافية طالت كل جوانب المعرفة، ومنها الفلسفة. وقد نشأت الفلسفة الهندية الحديثة بفلاسفة كبار جدد، مثل: طاغور، محمد إقبال، نيجاماندا.
أما أبرز الصفات المميّزة للفلسفة الهندية، فهي:
1 – فلسفة مبكرة نشأت من رحم الديانة الهندوسية ولم تنفصل عن الدين، بل ظلّت مرافقة له باعتبارها وجهاً آخر للخلاص العقلي المرافق للخلاص الروحي.
2 – فلسفة تطبيقية في مجال الميتافيزيقيا ومشكلاتها بقدر ما هي تلامس التفاصيل الواقعية؛ فهي فلسفة روحية واقعية إن صحّ التعبير.
3 – تقترب في طبيعتها من الفلسفة الهيلينستية وتياراتها التي مزجت بين الدين والفلسفة، وأنتجت ألواناً فلسفية لمعالجة المشكلات العملية.
4 – الطابع الأساسي للفلسفة الهندية هو الفكر الروحي الذي يعتني بالتواصل الروحي مع الكون.
5 – الجانب الدنيوي أو الحياتي في الفلسفة الهندية يتركز في (الأخلاق) الذي هو مبحث أساسي فيها، وهو قاعدة تكوينها الاجتماعي.
6 – النزعة الباطنية للفلسفة الهندية جعلها تهتم بالحياة الداخلية للإنسان أكثر من اهتمامها بالعالم الخارجي والمادي.
7 – الزهد هو الجامع الأساسي بين تيارات الفلسفة الهندية، والذي حث على عدم التعلق بشيء؛ وهو ما ينتج الاكتفاء ومن ثم الانعتاق (موشكا)، ثم النيرفانا (الفناء)، وهو التحرر النهائي من دورة التجسد (سمسارا).
8 – الفلسفة الهندية أقدم وأطول وأعرق تراث فلسفي أنتجه الإنسان، ولا يجوز مقارنته بالتراث الفلسفي الغربي لأن لكل منهما طريقته في فهم الإنسان والعالم والروح.

العلوم في الهند
في الفصل الثامن (المظهر العلمي)، عن العلوم الطبيعية بمختلف مجالاتها، وعن العلوم الإنسانية التي تشمل التربية والتعليم والقانون والفكر الجغرافي وعلم السياسة، وعن العلوم السحرية التي اشتهر بها الهنود طوال تاريخهم. ومن المعطيات المهمة في هذه الأنواع الثلاثة من العلوم في الهند:
– استعمال الصفر بشكله الصريح هو من المساهمات الكبرى للرياضيات الهندية.
– أعطت الهند للبشرية أعظم علماء الرياضيات في التاريخ، مثل: أيابهاتا، براهماغوبتا، مهافيرا.
– ابتكار التفاضل والتكامل قبل قرنين من ظهوره في الغرب.
– ظهرت الأرقام الهندية (مع الصفر) بسيطة واضحة تتبع النظام العشري، وانتقلت إلى إيران وعرفها العرب حين فتحوا إيران، وانتقلت إلى أرجاء الدولة العثمانية ومنها إلى الغرب، وقد عُرفت بـ(الأرقام العربية) وحلّت محلّ الأرقام الرومية.
– تُعتبر اليوغا نظاماً من التمارين التي تُغذي الجسد والعقل والروح، وهي أحد التقاليد العريقة في القدم في الديانة والفلسفة الهنديتين.
– وُجد السحر الهندي بكافة أشكاله، وخصوصاً في الهندوسية والبوذية. فهناك السحر الأبيض للأعمال المفيدة، وهناك السحر الأسود المؤذي. ولكن السحر الشعبي الشائع يعتمد أغلبه على خفة اليد والخدعة وترويض وتدريب الحيوانات، وخصوصاً الأفاعي.
– أصبح التنجيم الهندوسي الحديث جزءاً من المعتقدات الشعبية في الهند الحديثة والمعاصرة. فما زال الكثير من الناس يعتقدون أن للنجوم والكواكب أثرها على حياة الناس.

الفنون
في الفصل التاسع والأخير (المظهر الفنّي)، يتحدث المؤلف عن تطوّر الفنون التشكيلية في الهند وأشكالها، فهناك الفن الدرافيدي، والفن الهندوسي القديم، والفن البوذي؛ فضلاً عن الرسم والفنون الصغرى.
وقد أورد المؤلف في هذا الفصل معطيات كثيرة، أبرزها:
1 – الحضارة الفيدية أقدم حضارة هندية أصيلة، كما دلّت آثارها المكتشفة في منطقتي (موهنجو دارو) و(هرّابا) في وادي نهر السند.
2 – رغم اختفاء حضارة نهر السند القديمة، لكن الحضارة الهندية استمرّت على يد الآريين الذين بعثوا فيها روحاً جديدة من خلال الدين بشكل خاص، حيث دخلت ترانيم الفيدا المقدسة كشكل جديد من أشكال العبادة، والتي توجهت أولاً إلى الآلهة التي تشير إلى قوى الطبيعة، مثل (إندرا إله الحرب الذي يرمز إلى الرعد)، و(سوريا إله الشمس)، و(فارونا إله السماء).
3 – احتضنت الهند ميلاد (بوذا) في حدود 500 ق.م. وظهرت الديانة البوذية التي تُغنى بالروح والمثالية وذات النظام الديمقراطي والمعادية لتقسيم المجتمع إلى طبقات.
4 – الرسم أو التصوير الهندي فن عريق، وقد بدأ بفن الصخور. والنقوش والرسوم التي ظهرت على الكهوف والملاجئ الصخرية في بمبكتا منذ ما يقرب من 30 ألف سنة؛ وتمثّل كهوف أجانتا أهم الكهوف واللوحات التي صمدت بوجه الزمن.
5 – أعطت الديانة الهندوسية أهمية كبيرة للموسيقى. ففي الأساطير الهندية يرتبط كل إله بنوع معين من الآلات الموسيقية. وقد اعتُبرت الموسيقى مصدراً أساسياً للثقافة الهندية القديمة.
وفي ختام هذا الفصل عدّد المؤلف المنجزات المنفردة للحضارة الهندية، وأهمها:
1 – أول جامعة في التاريخ، وهي جامعة تاكشاشيلا Takshashila أُسست في حدود 700 ق.م.؛ وهي جامعة كبيرة تقع في شمال غرب الهند.
2 – الشطرنج اختراع هندي يوحي بفهم رياضي عميق. وقد أصبحت هذه اللعبة من أرقى الألعاب الذهنية في العالم، ويُعتقد أنها نشأت في الهند بين (550 – 280)ق.م.
3 – البوذية كديانة عالمية نشأت بدايتها في الهند ثم انتشرت في بلدان الشرق الأقصى قديماً، وفي العالم الغربي حديثاً؛ وهي ديانة اللاعنف وديانة التصوّف وديانة الحد من العالم الغيبي؛ فهي ديانة أرضية لا سماوية، ولكنها زاخرة بالشحنة الروحية.
4 – الهنود أول من استخدموا جراحة عتمة العين (الساد)، حيث نفّذت بإبرة منحنية لجعل العدسة ترتخي، ثم تم دفع الساد عن منجال الرؤية، وبعدها تغليف العين بالزبدة الحارة والضماد؛ وكانت هذه الطريقة ناجحة.
5 – قدّمت الهند الحديثة في القرن العشرين جهاز ريسكوغراف سي Rescograph، وهو جهاز لقياس النمو في النباتات اخترعه سيريجادش شاندرابوس.
6 – رقاقة البنتوم (Pentium chin) التي ساهمت بتطوير معالجات إلكترونية جديدة قام بها المهندس الهندي فينود دهام Vinod dham.

*حسن صعب باحث لبناني.

المصدر: الميادين نت