في عوامل نجاح الثورة

في عوامل نجاح الثورة
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* |

أعطى بعض المؤرخين والباحثين العامل الاجتماعي والاقتصادي الدور الأبرز في دفع الناس إلى القيام بالثورات، فيما رأى البعض الآخر أن الدافع السياسي نتيجة الاستبداد والظلم هو الذي يجعل الشعوب تنتفض ضد الحاكم الظالم والمستبد. وفي حالات أخرى، لعب العامل الثقافي الديني الدور الرئيسي في وقوع الثورة، من دون أن يعني ذلك أن عاملاً واحداً يكفي وحده لإشعال الثورة. بل إن اجتماع عوامل عدة وتراكم الدوافع والأسباب هي التي تؤدي إلى اندلاع الثورة، بحيث يطغى عامل أو سبب ما على العوامل والأسباب الأخرى.
والثورة تحتاج إلى فترة زمنية حتى تختمر هذه العوامل وتتراكم الدوافع وتنضج ظروف الثورة. فكم من ثورة فشلت في التاريخ، بسبب عدم نضوج ظروفها وعدم توافر عواملها الموضوعية. والثورات الشيعية في العهدين الأموي والعباسي شواهد على ذلك، بينما كان مآل الثورة العباسية الانتصار بسبب نضوج الظروف وتوافر عوامل النجاح.
والثورة تتطلّب قائداً أو قيادة تلهمها وتوجّهها وتقودها نحو النصر. فكم من انتفاضة أو حركة معارضة أو ثورة فشلت في تحقيق أهدافها أو انحرفت عن مسارها بسبب غياب القيادة وافتقادها للقائد الملهم والحكيم.
وتحتاج الثورة إلى عقيدة أو أيديولوجيا تحدد المبادئ والأهداف المنشودة للثورة وتساعد في تحريض الجماهير على الخروج والانتفاض والاحتجاج في سبيل تحقيق هذه الأهداف. وقد تكون هذه العقيدة دينية – فلسفية، أو سياسية أو اقتصادية -اجتماعية، إسلامية أو مسيحية، ليبرالية أو شيوعية أو غيرها.
والثورة تتطلب وجود تنظيم مترابط يضم أطراف الحركة ويحدد مسؤوليات الأعضاء فيها ودرجات انتمائهم وأساليب عملهم. ومهمة هذا الحزب أو التنظيم تعبئة الجماهير وتحريضهم على الانتفاض ضد السلطة. وثمة ثورات اندلعت فجأة من دون تخطيط وإعداد من أي حزب أو حركة، ولكن سرعان ما تلقفها حزب أو تيار سياسي واستثمرها للوصول إلى السلطة. حتى في الثورات الفرنسية والأميركية والروسية، لم يخطط الثوريون لها، بل بدأت كاحتجاجات محدودة وسرعان ما انفلت زمامها وتحوّلت إلى ثورات، إنضم إليها أحزاب وقوى وتيارات وشخصيات.
كما أن تعبئة الجماهير تعتمد على وسائل الإعلام، من صحف وإذاعة وتلفزيون، وصولاً إلى الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الأسباب الرئيسية لانبثاق الظروف الثورية مختلف العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، ومنها: انعدام المساواة الاجتماعية، الضرائب الباهظة، ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية للفقراء، شيوع الفقر بين شرائح واسعة من المجتمع، فساد الطبقة الحاكمة، سيادة القمعية، ومصادرة الحريات الفردية والاجتماعية والسياسية، الهزائم العسكرية والدبلوماسية، وهيمنة ونفوذ الأجانب، وتجاهل القيم المقبولة لدى المجتمع.
وينبغي عدم ‬التفاؤل بشأن الثورة إذا لم تسر في ‬طريقها المرسوم، إذ أن ثمة حقيقة مؤسفة مفادها أن معظم الثورات المعروفة كانت أبعد ما تكون عن إنجاز تكوين الحرية، بل إنها لم تتمكن من الإتيان بضمانات دستورية للحقوق والحريات المدنية.
من الدروس الأساسية في ‬الثورة هو التنبّه لدور “الثوريين المحترفين” الذين يقفزون إلى السلطة بعد اندلاعها. ‬فميزتهم الكبرى في ‬صراع السلطة هذا لا تكمن في‬ نظرياتهم وفي عملهم، وإنما في أن أسماءهم كانت الأسماء الوحيدة المعروفة لدى الجمهور. ‬
لا يكفي العنف ‬ لوصف ظاهرة الثورة وإنما مستوى التغيير هو الوصف الأجدر بها،‬ ولا‬ يمكننا الحديث عن الثورة إلا حين‬ يحدث التغيير، وإلا حين ‬يستخدم العنف لتكوين شكل مختلف للحكومة ونظام سياسي جديد.
إن الثورة ليست عاصفة تهب فجأة تحت سماء صافية. وضربتها العنيفة المفاجئة ليست سوى “الدَّاية”. فالثورة تجمع بين الانتقال التراكمي التدريجي التاريخي والانفجار الثوري الآني. فلحظة الانفجار لا تنفي وجود عمليات تاريخية تدريجية قبلها وبعدها. كما أن الثورة التراكمية/التدريجية لا تنفى احتمال حاجتها في شروط خاصة إلى ضربة أو شرارة تشعلها.
لم تسقط أية حكومة أمام الثوار المهاجمين إلا بعد فقدها السيطرة على القوات المسلحة أو فقدها القدرة على استخدامها على نحو فعّال أو فقدها السيطرة على تلك القوات بسبب تدخل قوات أجنبية أقوى. ولم ينجح أي من الثوريين في ثوراتهم إلى أن أصبحت القوة المسلحة الفعالة إلى جانبهم.
ثمة مستويات متباينة لدرجة انخراط الطبقات الاجتماعية المتعارضة المصالح في الثورة. فقد يكون الاستقطاب محصوراً في النخب السياسية، أو قد يشمل قطاعات أوسع من المجتمع. وحينما يصل الصراع السياسي إلى درحة اتحاد الجميع ضد السلطة السياسية يكون قد اقترب نشوب الثورة. وفي التاريخ الكثير من حالات التمرّد والانتفاضات ضد السلطة الحاكمة، ولكن الثورة لا تنفجر إلا بانسجام الشعب واتحاده حول الأهداف والقيم الجديدة.

*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.
**المقالة مقتطفات من خلاصة كتاب “لماذا تحدث الثورات؟” الصادر عن دار الرافدين في بيروت.