جديد نزعة الإسلاموفوبيا في ألمانيا

جديد نزعة الإسلاموفوبيا في ألمانيا
Spread the love

معمّر عطوي _ كاتب لبناني مهتمّ بالشأن الألماني/

وسْط تصاعد المدّ اليمينيّ المتطرِّف في أوروبا، ولاسيّما في ألمانيا، واستفحال الجدل حول إشكاليّات الهجرة والاندماج في المجتمعات الغربيّة، عاد الكاتِب الألمانيّ تيلو زاراتسين إلى دائرة الضوء بكِتابٍ جديد ينتقد فيه الإسلام بشدّة تحت عنوان “استيلاء عدوانيّ”. كِتاب يظهر في خضمّ مَوجةٍ من الكراهيّة والعنصريّة التي تُنتِج يوميّاً أعمالاً عدوانيّة ضدّ مُهاجرين وتتزامن مع تعديلات متشدّدة في قانون الهجرة واللّجوء واستفحال نزعة “الإسلاموفوبيا”.

يحذّر الكاتِب الإشكاليّ، في كِتابه الجديد، من تزايد أعداد المسلمين في ألمانيا وأوروبا نتيجة الهجرة وارتفاع معدّلات المواليد، مُعتبراً أنّ هذا الأمر إذا استمرّ فإنّ المسلمين سيصبحون الأغلبيّة. ويستبعد أن يكون الألمان قادرين على حماية ثقافتهم ومجتمعهم، إلاّ من خلال وقف المزيد من هجرة المُسلمين والتشجيع بقوّة على دمْج المسلمين الذين يعيشون في بلاده. ويرى أنّ “كلّ النزعات الداعية لإصلاح الإسلام حتّى الآن فشلت إلى حدٍّ كبير… هكذا في أيّ بلد يشكِّل فيه المسلمون الأكثريّة… يعاني العالَم الإسلامي ككلّ من انفجارٍ في النموّ السكّاني، ويتزايد تعصّبه باستمرار”.

عقدة ديموغرافيّة

يبدأ النقد اللّاذع للكاتِب بالقرآن الكريم، وينتقل الى نقد الذهنيّة الإسلاميّة، مروراً بخصائص الدول والمجتمعات الإسلاميّة ومشكلاتها، وصولاً إلى مواقف المُسلمين المُهاجرين في الغرب وسلوكهم والعقدة الديموغرافيّة. يتخوّف بشدة من تزايد نسبة المسلمين في ألمانيا بشكلٍ كبير في العقود المُقبلة، قائلاً: “الإسلام المتخلّف، الذي تمارسه أغلبيّة المسلمين، يَضمن عدم وجود أيّ تكاملٍ ناجح والقليل من مهارات اللّغة الألمانيّة. ستعاني الأجيال التالية من المسلمين في المتوسّط من فقرٍ في التعليم، وتراجعٍ اقتصادي، وزيادة الجرائم، فضلاً أنّهم قليلو الانفتاح على الديموقراطيّة والمساواة في الحقوق”. يعتمد في توقّعاته على البيانات الحاليّة الصادرة عن المكتب الإحصائي الاتّحادي: “حوالى 8 في المئة من سكّان ألمانيا، البالغ عددهم 83 مليون نسمة، هُم في الغالب من بلدان إسلاميّة. فيما نسبة الأطفال دون سنّ الخامسة تقلّ عن 15% في المتوسّط. و بحلول العام 2050، سيشكِّل المسلمون 14 في المئة من جميع الأوروبيّين، وفي ألمانيا ستكون النسبة بما يقارب 20 في المئة”.

وعلى هذا يَستنتج الكاتِب العنصري القادِم إلى السياسة من عالَم المال والاقتصاد، أنّه “يجب منْع وصول اللّاجئين إلى أوروبا لتجنّب إساءة استخدام اللّجوء. يجب إعادة القوارب في البحر الأبيض المتوسّط إلى نقطة انطلاقها. أمّا المُهاجرون غير الشرعيّين وطالبو اللّجوء الذين تمّ رفضهم في ألمانيا، فيجب ترحيلهم على الفور ومن دون استثناء”. يرى زاراتسين في كِتابه المؤلَّف من 496 صفحة أنّه “بسبب حجم المجموعات المُسلمة، والاتّجاهات الانعزاليّة، والتخلّف وعدم التسامح من قبل الإسلام المُحافِظ، فإنّ الاندماج أسوأ بالنسبة إلى المسلمين من الجماعات الأخرى الأوروبيّة الشرقيّة والآسيويّة”.

هو يسلّط الضوء على قضيّة التوجُّه المُحافِظ الذي يرى، تعسّفاً، أنّه سمة أغلبيّة المُسلمين، ويشير إلى تدخّل الإسلام في التفكير اللّيبرالي والحقوق المتساوية وتحديد النسل والنجاح الاقتصادي والتكامل، معتبراً أنّ المسلمين اللّيبراليّين “أقليّة صغيرة ميؤوس منها، لذلك، فإنّ الدول الإسلاميّة في المتوسّط متخلّفة مُقارنةً بالعالَم الغربي من حيث الاقتصاد والتعليم والثقافة والديموقراطيّة”.

خنادق إيديولوجيّة

على المستوى السياسي والإعلامي، لم تكُن آراء زاراتسين محطّ إجماع، بل كانت الأكثريّة ضدّ طروحاته التي تُسهم في ” تقسيم المجتمع والتحريض على العنف”، بحسب ما رأى حزب الخضر، مُعتبراً أنّ “أيّ شخص يندفع إلى ديانة واحدة، يضع الأساس لعنف الجناح اليميني، وبالتالي هو جزء من المشكلة”.

بدَورها الكاتبة يوديت غيرس، رئيسة قسم التحرير في محطّة الأخبار التلفزيونيّة N-TV في كولن، كَتبت مقالاً تحت عنوان “زاراتسين ضدّ القرآن.. كِتاب يُمكن أن يُدمِّر فقط”، مفنِّدةً اتّهاماته بالتسلسل. فهي تعتبر أنّ “استيلاء عدوانيّ” هو عبارة عن “تفكيكٍ صحراويّ (تقصد بهذا التعبير التفكيك البرّي المتوحّش) لدينٍ عالَميّ – ومُعّد فقط من أجل الانقسام”. في رأيها أنّ القرآن ليس كِتاباً يُمكن فهمه بسهولة. إنّه مليء بالتكرار والأشكال الرمزيّة، وله بنية معقّدة تتطلّب بعض المَعرفة بالنبي محمّد والخلفيّة التاريخيّة لقراءته وفهْمه بشكلٍ صحيح…

في نظر الصحافيّة الألمانيّة أنّ “الإسلام الأوروبيّ لديه مُستقبل” على عكس ما يظنّ الكاتِب الذي يعتمد على التقسيم: “نحن – وأنتم”، قائلة “إنّه يحفر خنادق إيديولوجيّة”.

تُواصِل غيرس مناقشة طروحات الكاتِب المتطرّف وانتقاداته في المقالة المطوّلة التي نُشرت على مَوقع المحطّة الإلكترونيّ بتاريخ 30 آب (أغسطس) 2018، بإشارتها إلى أنّ “الجدل الدائر حول الإسلام الحديث والمُستنير ليس ميّتاً على الإطلاق، فالمرأة مثل الإيرانيّة زيبا مير حسيني والمصريّة نوال السعداوي تقاتلان لسنوات من أجل حركة نسويّة إسلاميّة. ألن يحصلوا على القدر نفسه من الاهتمام مثلما تحصل شابّة برلينيّة نشأت وسْط السلفيّة؟”.

تستنتج أنّ زاراتسين أخذ القرآن الكريم حرفياًّ، مُعتبرةً أنّ “هذا وحده يشهد على جهلٍ وفير. يكفي له أن يقتبس تلك السور التي تبرِّر العنف والحرب ضدّ الكافرين.. ومن المُفارقات، أنّه عن طريق أخْذ بعض الفقرات خارج السياق، يفعل بالضبط ما يفعله الإسلاميّون لتبرير فظائعهم. إساءة استخدام الكِتاب المقدَّس لخدمة أجندتهم السياسيّة الخاصّة”.

“رجل فَقَدَ أعصابه”

وكان الكاتِب أورلش زافتكا- غيرلاخ قد نشر في صحيفة “تسايت” الإلكترونيّة في العام 2010، مقالاً مطوّلاً يحكي فيه مسيرة زارتسين المهنيّة من كونه كان سيناتوراً ماليّاً ناجِحاً إلى أن بدأ “حملة صليبيّة ضدّ الفقراء” ويصف قصّته بأنّها قصّة رجل فقد أعصابه.

يقول كاتِب المقالة إنّ زاراتسين ابن طبيب وسليلة أحد ملّاكي الأراضي في بروسيا الشرقيّة، وُلِد في العام الأخير من الحرب في العام 1945، في بلدة صغيرة في منطقة فيستفاليا، ذهب، كما هو الحال بالنسبة إلى الأطفال من طبقته الاجتماعيّة، إلى معهد اللّغات القديمة، فدَرَس اللاتينيّة والعبريّة واليونانيّة. كان نَهِمَ القراءة منذ سنّ السادسة.. كرامة المُدن الأوروبيّة وجمالها، وتاريخها وقوّتها الإمبراطوريّة، كانت تُسيطر على زاراتسين دائماً. كان يرغب بدراسة التاريخ أو أن يُصبح مصوّراً، حتّى يتمكّن من التقاط الأشياء التي أحبّها إلى الأبد. لكنْ بعد ذلك، انجذَب إلى الاقتصاد. تقريباً من دون انقطاع، حصل بعد المدرسة الثانويّة والخدمة العسكريّة على الدبلوم ثمّ الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بون في العام 1973، وعمل مساعد باحث، وفي وزارات اتّحاديّة، وشركة “تراست”، و”دويتشه بان”، إلى أن أصبح سكرتير الدولة في راينلاند بفالز، وعضو مجلس الشيوخ عن الشؤون الماليّة.

عمل زاراتسين وزيراً للماليّة في حكومة برلين عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) بين العامَين 2002-2009. بعدها أصبح عضواً في المجلس التنفيذي لبنك Deutsche Bundesbank منذ 1 أيّار (مايو) 2009 ، لكنّه غادر هذا المنصب في 1 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2010 بعد الجدل الذي أثاره عندما قام بنشْر كِتابٍ نقديّ عن الهجرة الإسلاميّة بعنوان “ألمانيا تلغي نفسها”.

لعلّ النجاح الذي حقَّقه على الصعيد المالي بفضل مسيرته المهنيّة كمسؤولٍ في وزارة الماليّة في بون منذ العام 1975، هو الذي يجعل قيادة حزبه (SPD) تتأنّى في فصله بذريعة أنّها ستقرأ كِتابه “استيلاء عدواني” وعلى ضوئه تتّخذ قرارها. فالرجل قدَّم الكثير لبلاده على المستوى المالي، إذ خَدَم وزراء الماليّة الاتّحاديّين من العام 1974 حتّى العام 1998.

بينما أعلن أنه لن يترك الحزب طواعيّة، طالَبته قيادات الحزب الذي انضمّ إليه منذ 45 عاماً، بالاستقالة، بيد أنّ رئاسة الحزب الشريك في الحكومة الحاليّة، تؤكِّد أنّ “أولئك مثل تيلو سارازين، الذين يقومون بتشويه صورة الناس بشكلٍ عامّ، ويثيرون مَخاوف كبيرة لدى الآخرين، يجب أن يبحثوا عن منزلٍ سياسي مختلف”، بحسب ما جاء في صحيفة FOCUS-Online في الثاني من أيلول (سبتمبر) الماضي. لعلّ مفاجأة الكاتِب هي في أنّه عضو في حزب اشتراكي ذي أصول يساريّة، معروف بوسطيّته وبتسامحه في مسائل الهجرة واللّجوء وقضايا الانفتاح والاختلاف، بعكس أحزاب يمينيّة مثل حزب “البديل” الذي من الطبيعي أن يضمّ في صفوفه أشخاصاً على شاكلة زاراتسين المتزوّج من أورسولا المعلّمة الابتدائيّة التي واجهت منذ سنوات دعاوى قضائيّة بسبب ضربها لطفل في المدرسة.

ولاقى مَطلب زاراتسين تأييداً كبيراً لدى أنصار حزب “البديل من أجل ألمانيا”، حيث دَعَم هذا المطلب 68% من أنصار الحزب، بينما رفض هذا المطلب أغلبيّة كبيرة من أنصار الأحزاب الأخرى المُمثَّلة في البرلمان الألماني، بحسب استطلاعٍ أجراه معهد “كانتار إمنيد” لقياس مؤشّرات الرأي بتكليفٍ من مجلّة “فوكوس” الألمانيّة.

الألمان ضدّ زاراتسين

الأهمّ في الموضوع برمّته هو أنّ أغلبيّة كبيرة من الألمان أعربت، في استطلاعٍ للرأي، عن رفضها لمَطلب زاراتسين بعدم السماح للمُسلمين بدخول البلاد. وأظهَر الاستطلاع، الذي نُشرت نتائجه في31 آب (أغسطس)، أنّ 73% من الألمان يرفضون عبارة “يتعيّن حظر هجرة المُسلمين من ناحية المبدأ”. في المقابل، أيَّد هذا التوجُّه 24% من الذين شملهم الاستطلاع. ولم تُحدِّد النسبة المتبقيّة موقفها من الأمر.