الحرب السورية: الاستراتيجيات والمفاهيم العسكرية الجديدة

الحرب السورية: الاستراتيجيات والمفاهيم العسكرية الجديدة
Spread the love

*الكتاب: “الحرب السورية: القوى – الاستراتيجيات – الخطط – المفاهيم العسكرية الجديدة”

*تأليف: سمير الحسن.
*نشر: بيسان للنشر والتوزيع.
*الطبعة الأولى: تموز (يوليو) 2017.

مراجعة: حسن صعب* | يقرأ مؤلف هذا الكتاب في الحرب السورية ويقف على تفاصيلها، منذ شرارتها الأولى، ويعرّف بالقوى والجماعات التي تحترب؛ كما يشرح تركيب وتشكيلات الجيش العربي السوري، ويروي دور حزب الله والمقاومة الإسلامية وحلفائها، ويدرس الدور الروسي، مع استعراضه للأسلحة التي اختُبرت في الحرب؛ كما يعالج تطوّر دور وتشكيلات فصائل «القاعدة» و«داعش» وأخواتها، ويشرح تكتيكاتها العسكرية.
والأهم أن المؤلف يجيب على السؤال المحوري: لماذا سوريا؟ والميزة الاستثنائية للكتاب أنه كُتب بيد من حمل السلاح وقاد فصائل واشتبك مع «جيوش» ومع ميليشيات، حسب ما أورد الباحث والمحلّل السياسي مخائيل عوض في تقديمه الموجز للكتاب.
أما العميد المتقاعد الياس فرحات، فيشير في تقديمه الموسّع للكتاب، بدوره، إلى أن سمير الحسن لم يأتِ من الأكاديميا إلى عالم الكتابة العسكرية، بل جاء من الخبرات والتجارب القتالية في الإغارات وحروب الشوارع والحروب غير النظامية على أنواعها. وهو عرض في كتابه لما يبدو أنها نظرة عسكرية تنطلق من الخبرات والمطالعات وبعض الأساسيات الأكاديمية.
وقد عرض العميد فرحات في مقدمته لما عدّه رؤية شاملة للحرب السورية، كي تكون بمثابة تمهيد لرؤية المؤلف المفصّلة في الكتاب. وشملت هذه الرؤية عرضاً تاريخياً موجزاً للسياقات العسكرية والسياسية التي شهدتها الحرب السورية خلال ستة أعوام، وأدوار القوى والجيوش التي انخرطت في العمليات الحربية، بكل تداعياتها المهولة؛ وكذلك الأدوار التي أدّتها دول إقليمية وأجنبية في تلك الحرب؛ والنتيجة الأبرز فيها، التي تمثلت في صمود الدولة السورية، بجيشها وشعبها ومؤسساتها، والذي أسّس لدعم القوى والدول الحليفة والصديقة لسوريا في وقت لاحق.
يقول مؤلف الكتاب في المقدمة إن الحرب السورية كانت جزءاً من مخطّط (الفوضى الخلاّقة) الذي تبنّته الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، وأعلنت عنه وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006، هذه الفوضى التي حاولت الولايات المتحدة تعميمها بهدف تقسيم دول المنطقة، منذ انطلاق ما سمّي (الربيع العربي) في تونس في أواخر العام 2010، وبما ينسجم مع المشروع الذي وضعه المستشرق الصهيوني برنارد لويس في نهاية العام 1982.

في الفصل الأول، وكتمهيد للفصول الآتية، يتحدث المؤلف عن تسلسل الأحداث والتطورات التي أدّت فيما بعد إلى الحرب التي استمرت طيلة أعوام ستة، وتدخلت فيها جماعات وجيوش من دول قريبة وبعيدة، بدءاً من حادث درعا (15 آذار 2011) الذي اعتقد كثيرون أنه حادث عابر، وأن السلطات الأمنية ستتمكن من إنهائه، لكن، بعد أيام قليلة، نُصب كمين مسلّح للجيش السوري قضى فيه أكثر من ثلاثين جندياً، والذي قامت به جماعة تابعة للإخوان المسلمين، حيث أدركت السلطات السورية أن للأمور خفايا لا يمكن الركون إليها.
وبعد تصاعد التظاهرات المعارضة والمؤيدة للنظام، وكذلك أعمال العنف والإرهاب ضد المواطنين وقوات الأمن، وظهور جماعات مسلحة في عدة مدن ومناطق، وأغلبها بأسماء إسلامية، حصل تراجع للنظام في بداية العام 2015 تحت ضغط منظّم من المسلحين، أو حتى بنوع من الانهيار عندما خسر النظام إدلب، وتراجع نحو جسر الشغور، وباتت فصائل المعارضة المدعومة إقليمياً على مشارف اللاذقية، وعقر دار الرئاسة في القرداحة.
في تلك المرحلة، وبعد ما لمس حلفاء النظام الإيرانيون خطورة الموقف، اضطروا للتدخل، ولو بشكل غير مباشر، برفد النظام بقوى عسكرية مسلحة «حزب الله وخبراء من فيلق القدس ومتطوعون من الأفغان والباكستانيين والعراقيين واليمنيين»، كما بتشكيلات من متطوعي «الدفاع الوطني» السوري، مع تدخل مباشر من الطيران الروسي في المعارك، ممّا أعاد التوازن إلى المعركة؛ وعاد الجيش السوري (وحلفاؤه) إلى التقدم على مختلف الجبهات، وخاصة مع استعادة حلب الشرقية في النصف الثاني من العام 2016.

في الفصل الثاني (لماذا سوريا؟)، يقدّم المؤلف لمحة تاريخية عن سوريا، حيث يمتزج عبق التاريخ مع أريج الجغرافيا في منطقة اختارها الله لتكون مهبطاً لرسالاته السماوية، كونها ملتقى القارات الثلاث (آسيا، أوروبا، أفريقيا)، ومنها انتشرت الرسالات إلى سائر بقاع الأرض.
وبعدما يتوقف عند إسهام السوريين في تاريخ الرومان، سياسياً وثقافياً، يعرض المؤلف للفتحين الإسلامي والعثماني لبلاد الشام، ولنتائجهما السياسية والاجتماعية على سوريا، وصولاً إلى مرحلة تقاسم بريطانيا وفرنسا، المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى، لكل من سوريا والعراق.
فقد قرّر السوريون مقاومة الاحتلال الجديد (الثورة السورية الكبرى)، للحصول على الاستقلال، والذي حصل في 31 كانون الأول 1946م، بجلاء الجيوش الفرنسية عن سوريا ولبنان.
وفي مراحل ما بعد الاستقلال، التي تميّزت بعدم الاستقرار السياسي، والانقلابات العسكرية، يتحدث المؤلف عن الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد، والموقف السوري من «إسرائيل» (حرب 1973)، والتحولات في بعض دول المنطقة (الحرب الأهلية اللبنانية والحرب العراقية – الإيرانية ومفاوضات التسوية التي انطلقت في نهاية أكتوبر 1991م في مدريد)، والسياسة السورية الثابتة في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين.

في الفصل الثالث (تدحرج الأزمة)، يعرض المؤلف لأهم محطات الأزمة التي تدحرجت بسرعة نحو حرب شاملة، انخرطت فيها عدة جيوش وجماعات مسلّحة في مواجهة الجيش السوري، الذي تمكن من صدّ الهجمات عليه، بفضل شجاعة وخبرة الجنود والاستراتيجيات الدفاعية والهجومية التي طبّقها، مع استناده إلى دعم حلفاء أقوياء له (إيران، حزب الله..) وبيئة شعبية حاضنة في أغلب المدن والمناطق السورية.
شرح المؤلف المراحل الثلاث التي اعتمدها النظام في مواجهة المعارضة المسلحة، وهي:
1 – المرحلة الدفاعية (مرحلة التلقي والاستيعاب).
2 – مرحلة التوازن (مرحلة الصمود).
3 – مرحلة كسر التوازن والحسم.
لقد كانت مراحل بداية الأزمة هي الأصعب، لكن الجيش السوري استوعبها وتلقى الصدمة بمزيد من التماسك والصبر؛ كان يحتوي الهجمات ومن ثم يعاود النهوض بعد كل انتكاسة، مقابل تراجع للمسلحين بعيد كل إنجاز أو تقدم، برغم الدعم الكبير الذي كانوا يتلقونه من السعودية وتركيا وقطر والكيان الإسرائيلي على وجه الخصوص. وفي المحصلة، نجح الجيش السوري في منع المعارضة من استثمار أي نصر تكتيكي وتحويله إلى نصر استراتيجي، بالارتكاز إلى مبدأ الصمود وإطالة الحرب؛ هذه الخطة التي قامت على ردّات فعل قوية وتكتيكات متطورة وهجمات متتالية واستثمار ناجح للطيران والمدفعية.

في الفصل الرابع (الجيش السوري)، يقول المؤلف إن المؤسسة العسكرية السورية شكّلت صمّام أمان للنظام، ليس في الحرب الأخيرة فحسب، إنما على مر عقود، فالتزاوج بين السلطة والجيش كان من أبرز عوامل القوة لديه؛ وهذه ميزة تفردت بها سوريا عن سائر أنظمة المنطقة. ومن هنا كان الفشل مصير رهان الغرب وأطراف المعارضة السورية على انقسام الجيش رغم فرار الكثير من جنوده من رتب مختلفة.
إن العارفين بخبايا تركيبة هذا الجيش الحديدية يدركون أهميته كمؤسسة مغلقة، ومدى ارتباطه بالسلطة؛ وهذا يفسّر صلابة النظام في مواجهة التحديات المحدقة به من كل حدب وصوب.
بعد عرض المؤلف لهيكلية القيادة العامة للجيش السوري والقوات المسلحة، وطبيعة الإمكانات والقدرات التي يتمتع به، وخاصة قدرات الفرقة الرابعة وقوات الحرس الجمهوري وقوات النمر والقوات الجوية، تحدث عن دور اللجان الشعبية في قتال الإرهابيين، والتي استحدثها النظام كقوات رديفة للجيش؛ وقد حمت هذه المجموعات شبه العسكرية الجيش من الاستنزاف والإرهاق، وهي كانت تظهر تماسكاً داخلياً أكثر مما تظهره بعض وحدات الجيش، مع تحقيقها لإنجازات عسكرية لافتة (في حمص وغيرها). كما عزّز احتضان المجتمع السوري للمؤسسة العسكرية من قدرات الجيش على الصمود؛ بموازاة استناد الجيش إلى بُنية وعقيدة راسختين.
وفي السياق يؤكد المؤلف على أهمية الدورين الروسي والإيراني في تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، نوعياً ومعنوياً، في أخطر مراحل الحرب.

في الفصل الخامس (حزب الله سنكون حيث يجب أن نكون)، يؤكد المؤلف على التحول الكبير الذي أحدثه تدخل حزب الله السريع في الحرب السورية، في وقف تقدم قوات المعارضة في منتصف العام 2012، ومن ثم كسر الروح المعنوية لجميع فصائل المعارضة، عبر استخدام التكتيكات المضادة للحروب غير النظامية، مثل القدرات الفردية، كسرعة التصويب على الأهداف المختلفة، والانتقال السريع للعناصر القتالية في الميدان بشكل يربك الخصم؛ بالإضافة إلى استخدام الأسلحة التي تطلق من على الكتف والضغط على القواعد المركزية والإسنادية.
ويلفت المؤلف إلى وعي وحكمة قيادة الحزب، والتي تدخلت مبكراً في الصراع السوري لحماية المقاومة ممّا كان يُحضّر لها من قِبل الجماعات المسلحة وداعميها الغربيين والعرب، في إطار الصراع الأكبر بين محوري المقاومة والتبعية للحلف الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة؛ وبالتالي فقد بدت مقولة خصوم المقاومة حول تدخلها «غير المشروع» في سوريا متهافتة وغير واقعية، خاصة مع إعلان المعارضة المسلحة عن هدفها التالي بعد إسقاط النظام السوري، وهو ضرب المقاومة في لبنان.
ويشرح المؤلف كيفية تطور قدرات حزب الله البشرية والمادية، وكذلك تكتيكاته واستراتيجياته، كجيش شبه نظامي وليس كمجموعات مقاتلة ومدرّبة بشكل جيد، كما كانت الحال في حرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان.
كما يعرض إحصاءات مقارنة حول قدرات الحزب الصاروخية قبل وبعد حرب 2011 (السورية)، وتحليل خبراء غربيين لتجربة مقاتلي الحزب في حرب تموز 2006 والحرب السورية، والتي جعلت مكانة حزب الله في مستوى الجيوش الكبيرة والقوية، مع مميزات تسليحية وعملانية لعناصر الحزب، والتي تمّ اكتسابها من الميدانين اللبناني والسوري، مع الاستناد إلى بيئة شعبية واسعة ومتماسكة.

في الفصل السادس (المعارضات)، يعرض المؤلف لنشوء «المعارضات» السورية المتناقضة في الرؤى والتوجهات ومصادر التمويل والدعم وهذا الأمر ظهر منذ بداية الحرب، مع تصدّر الجماعات المنتمية لتيار «الإخوان المسلمين» المشهد، من خلال «الجيش السوري الحر» وغيره من الفصائل «الجهادية»؛ ولتنتزع فصائل أكثر تطرفاً صدارة المواجهات مع الجيش السوري لاحقاً، مثل جبهة النصرة (القاعدة) و«داعش».
ويؤكد المؤلف أن أغلب هذه المعارضات قد وقع في فخ التبعية لدول إقليمية وأجنبية تسعى لتدمير سوريا واستغلال ثرواتها، مثل السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة، مشيراً إلى الخلافات الكثيرة بين مختلف الفصائل المعارضة، في المجالات السياسية والفكرية، وفي سياق التسابق للسيطرة على الأرض، والموارد وساحات المعركة.
وفي المحصلة، كانت الهزيمة النكراء مصير تلك الجماعات التي تمكنت خلال الأعوام الأولى للحرب من السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية (والعراقية)؛ ويبدو بحسب المراقبين والخبراء أنه لن تقوم قائمة لهذه الجماعات الإرهابية في المدى المنظور والاستراتيجي، لأنها تفتقد إلى الوعي بحقائق الأمور، وتعتمد التطرف والسلبية المطلقة تجاه الآخرين.

في الفصل السابع (عاصفة السوخوي.. التحولات الاستراتيجية)، يكشف المؤلف عن أهمية التدخل العسكري الروسي في تغيير مجرى الحرب، في أيلول 2015، من خلال شن عشرات القاذفات الروسية المتطورة، وفي مقدّمتها طائرات السوخوي 34، لآلاف الغارات الدقيقة والمدمّرة على مواقع وأهداف تابعة لقوات المعارضة التي كانت تتحضر لشنّ هجوم شامل من عدة جهات، وفي عدة مناطق، لإسقاط النظام أو حصره في رقع ضيّقة ومعزولة؛ وقد تم إجهاض هذا الهدف بفعل الغارات الروسية وتدخل القوات الإيرانية وقوات حزب الله (وحدات الرضوان)، بحيث انقلب المشهد العسكري الميداني والسياسي لصالح الجيش والقيادة السورية، في تدمر وحلب على وجه الخصوص، ليس بتأثير القصف الروسي فحسب، بل بفعل التكتيكات التي اتبعها الروس الإيرانيون وحزب الله على الأرض لتدميرالقوات المعادية واستنزافها وتحرير المناطق المحتلة.
ومن ثم يعرض المؤلف للترسانة العسكرية الروسية في سوريا، والتي ضمّت طائرات سوخوي 24/25، وسوخوي 34، وسوخوي من طراز 30 إس إم، والقاذفة الصاروخية الاستراتيجية تو – 160، وراجمة الصواريخ الثقيلة TOCI8؛ إضافة إلى نظام بانتسير إس المضاد للطائرات، ومنظومة أس 300، وهي منظومة الصواريخ المضادة للجو المتوسط المدى..

في الفصل الثامن (حلب: معركة الفصل)، يشير المؤلف إلى خطورة احتلال مدينة حلب من قبل قوات المعارضة المدعومة من تركيا والسعودية والولايات المتحدة، كون احتلال حلب كان يعني احتلال الشام كلها، ولم يعبر غزاة شرق المتوسط إلا وكانت حلب قبلتهم؛ فموقعها على الحدود التركية يجعل لها أهمية استراتيجية، وهي معبر حتمي لطريق الحرير (الصيني)، وممر بين الشرق والغرب، مما جعل منها موقعاً تجارياً ذا أهمية محورية، مع تحوّلها إلى مركز صناعي أساسي حديثاً.
لقد قدمت تجارب تحرير حلب (من قبل الجيش السوري وحلفائه) نمطاً متجدداً من تنسيق الجهد والنار والحركة، وتنظيم الوسائط النارية، وتناغم الأذرع القتالية فيما بينها. كما اعتمد الجيش السوري في معركة حلب على انتصارات جزئية سبقت المعركة الكبرى؛ وكانت أولى الإنجازات في منتصف العام 2013، حيث تم فتح طريق فرعي من السلمية إلى أثريا – السفيرة؛ وبذلك تم تأمين طريق إمداد إلى حلب، وبالتالي فك الحصار عن معامل الدفاع، والذي تبعه فك الحصار عن سجن حلب المركزي، وتحرير مطار كويروس والمحطة الحرارية.
ويلفت المؤلف إلى أن الجيش السوري (مع الحلفاء) اعتمد على أسلوب العزل والقضم، وقطع طرق الإمداد، والاستنزاف المتواصل عبر الضغط المتتالي، وتشتيت المجموعات، والتركيز على العمليات الخاطفة والسريعة والنوعية، ومن اتجاهات عدة.
أما سياسياً، فقد اعتبر المؤلف أن معركة حلب كانت مفصلية في التاريخ الحديث، حيث تركزت فيها تطورات تعدّلت فيها موازين القوى العالمية، وانتفت سيطرة القطب الأميركي الأوحد في العالم.

في الفصل التاسع (تطوّر حرب العصابات)، يقدم المؤلف لمحة موجزة عن تطور حروب العصابات تاريخياً، وصولاً إلى تنظيم «داعش» الإرهابي الذي قدم إسهاماً وإضافة على حروب العصابات، حيث ظهر كتشكيل متميز ومتمكن ومتماسك، وتميّز بأسلوبه السريع والمرن والمرعب؛ وهو نجح في وقت قياسي بإلحاق هزائم متتالية بالجيشين العراقي والسوري.
ويضيف المؤلف: صحيح أن مزج أساليب القتال، من متماثلة وحرب غير نظامية، ليس بالأمر الجديد؛ وهو ما اصطلح على تسميته بالحرب غير المتناظرة. لكن كانت لداعش تكتيكات خاصة، مثل اعتماده على استراتيجية الهجوم الدائم، وعدم اللجوء إلى الدفاع إلا في حالات استثنائية.
ويمكن تلخيص استراتيجية داعش بالتالي: هو لا يعتمد القتال الجبهوي، ويبحث دائماً عن المناطق الرخوة أمنياً، ويستغل الظروف الاجتماعية والمعيشية للسكان، إضافة إلى الثغرات الأمنية، بالتماشي مع خلق خلايا مقاتلة داخل القرى والبلدات لتتحول إلى قوة رديفة إلى القوة القادمة من الخارج، لتسهيل عملية إسقاط المناطق.
ولكن من دون شك، يبقى حزب الله التشكيل الأقوى، والأفضل في العالم، من حيث التركيب الهرمي، والبنية التنيظيمة، والكفاءة القتالية، بما يتمتع من قدرة على التكيف في بيئات مختلفة، ومتغيرة. وهو اكتسب خبرة القيادة والسيطرة على المستويات العملياتية والتكتيكية، بما في ذلك القدرة على القيام بعمليات هجومية على مستوى سرايا، كما امتاز بالمعرفة، فهو يدرس خصومه، ويستخلص النتائج من عملياته القتالية.

في الفصل العاشر (سقوط المفاهيم العسكرية القديمة في سوريا)، يتحدث المؤلف عن تغير كبير في المفاهيم العسكرية التي كانت تتبناها المدارس العسكرية والتدريبات وإنشاء الجيوش وثقافة الميدان.
ففي الحرب السورية تحديداً، تفاعل الجيش الروسي مع طبيعة المواجهات الجارية، بحيث راحت طائرات السوخوي تغير على أهداف محددة ومتواضعة (للإرهابيين)، بناء على معلومات استخبارية وتنصت، فيما بات بمقدور طائرات الاستطلاع الأميركية بدون طيار (بريديتور) أن تعمل بفعالية أكبر من غارات الطيران الكلاسيكي (إف 16 أو غيرها).
كما أسقطت حالات في الحرب السورية بنية الجيوش القائمة والمفاهيم التي كانت تتبناها، مع التطور الهائل في أنواع الأسلحة ومنظوماتها؛ وبات الصاروخ (تاو) الموجه والمحمول على الكتف، والعبوة المفخخة (كلايمور أو سجيل) والإنغماسي، من الأسلحة ذات الفاعلية الحاسمة في المعارك.

في الفصل الحادي عشر (مفاهيم جديدة في الحرب السورية)، يقول المؤلف إن الجيش السوري تمكن بقدرته من إسقاط مجمل المناهج العسكرية على البنية النظامية، مع تطوير الأساليب المتاحة بناء على الواقع، واستطاع تنظيم الوحدات العسكرية بما يتلاءم مع طبيعة المعركة، وتطوير الهيكلية لتوظيف القوة والطرق والوسائل لتغطية الاحتياجات العملياتية والتكتيكية، سواء كانت دفاعية أو هجومية، مع تنظيم الأفراد والأسلحة.

في الفصل الثاني عشر والأخير (جيوش القرن الواحد والعشرين: نماذج رائدة)، يعرض المؤلف لتجارب الجيش العربي السوري والجيش العراقي والجيش اليمني، ولتجربة كتائب القذافي وتجربة المقاومة اللبنانية والحشد الشعبي العراقي والجماعات الإسلامية الأفغانية كمقاومات أثبتت عجز جيوش نظامية كبرى في مواجهتها.
وقد برزت الجيوش في سوريا والعراق واليمن كجيوش مستقبلية تعتمد الأسلوب المركّب، أي المزاوجة بين النظامي وأسلوب حرب العصابات.
ويختم المؤلف كتابه بتقدير مستقبلي بأن الساحة السورية، بكلّ ما شهدته من معارك طاحنة، باتت هي الميدان التاريخي الذي تشكل فيه بدايات معالم العالم الجديد، في ضوء التراجع الأميركي الواضح في المنطقة، في مقابل صعود روسي – صيني – إيراني أتاحت الساحة السورية بلورته على عدة صعد ومستويات.

*باحث لبناني.