مسؤولون سابقون في البيت الأبيض ساعدوا دولة خليجية على تأسيس وحدة تجسس

مسؤولون سابقون في البيت الأبيض ساعدوا دولة خليجية على تأسيس وحدة تجسس
Spread the love

تحقيق: جويل شيكتمان وكريستوفر بينغ – رويترز – في الأعوام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر أيلول، حذر ريتشارد كلارك، خبير مكافحة الإرهاب الأميركي، الكونجرس من أن البلاد تحتاج لقدرات تجسس أكثر
اتساعا لمنع وقوع كارثة جديدة. وبعد خمس سنوات من تركه العمل بالحكومة، سوّق فكرته ذاتها لشريك أكثر حماسا: دولة خليجية تملك ثروات ضخمة.
ذهب كلارك في عام 2008 للعمل كمستشار لدولة الإمارات العربية بعدما أسست لقدرات استطلاع إلكترونية تستعين فيها بمتعاقدين بارزين من المخابرات الأميركية للمساعدة في رصد التهديدات التي تحيق بها.
وكان اسم الوحدة السرية التي أشرف كلارك على تأسيسها نذير سوء: (دريد)، وتعني الهلع بالإنجليزية، وتتكون من الأحرف الأولى لعبارة (دفلوبمنت ريسيرتش إكسبلويتيشين اند أناليسيس ديبارتمنت) أي وحدة
تحليل واستثمار بحوث التنمية. وفي الأعوام التالية وسّعت الوحدة الإماراتية نشاطها لما هو أبعد بكثير من المتطرفين المشتبه بهم ليشمل ناشطة سعودية مدافعة عن حقوق المرأة ودبلوماسيين بالأمم المتحدة وأفراداً من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وبحلول عام 2012 أصبح البرنامج معروفا بين الأميركيين العاملين فيه بمشروع ريفين.
وكشفت تقارير لرويترز هذا العام كيف ساعدت مجموعة من العاملين في وكالة الأمن القومي وغيرهم من صفوة أفراد الاستخبارات الأميركيين الإمارات على التجسس على نطاق واسع من الأهداف من خلال البرنامج
الذي لم يكشف عنه من قبل، ومن بين الأهداف إرهابيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان وصحفيون ومنشقون.
والآن يظهر فحص لمنشأ برنامج (دريد)، ينشر هنا لأول مرة، كيف عمل مسؤولان بارزان سابقان في البيت الأبيض مع جواسيس سابقين في وكالة الأمن القومي ومتعاقدين مع (بيلتواي) ولعبا أدوارا حيوية في وضع
برنامج تخضع أنشطته حاليا لتدقيق السلطات الاتحادية.
ومن أجل وضع تصور لتقييم مهمة التجسس الإماراتية، فحصت رويترز أكثر من عشرة آلاف وثيقة من برنامج (دريد) وأجرت مقابلات مع أكثر من 12 من المتعاقدين والعاملين بالمخابرات والمسؤولين السابقين
في الحكومة الذين كانوا على علم مباشر بالبرنامج. وتغطي الوثائق التي فحصتها رويترز فترة زمنية تمتد لنحو عشر سنوات من عمر برنامج (دريد) بدءا من عام 2008 وتشمل مذكرات داخلية تصف لوجيستيات
المشروع وخطط التشغيل والأهداف.
وكان كلارك الأول من مجموعة من المسؤولين التنفيذيين السابقين بالبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية الذين وصلوا إلى الإمارات بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول لتأسيس وحدة التجسس. وتمكن كلارك بفضل
علاقاته المقربة بحكام الدولة، والتي وطدتها خبرة اكتسبها على مدى عقود من وجوده بين صفوة صناع القرار الأميركي، من الفوز بالعديد من عقود الاستشارات الأمنية في الإمارات. أحدها كان لتأسيس وحدة تجسس
في مطار غير مستخدم في أبوظبي.
وقال كلارك في مقابلة أجريت في واشنطن إنه بعد التوصية بأن تقيم الإمارات وحدة للتجسس الإلكتروني، اختيرت شركته (جود هاربور كونسالتنغ) للمساعدة في إقامتها. وأشار إلى أن الفكرة كانت إقامة وحدة قادرة على تعقب الإرهابيين. وأضاف أن وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الأمن القومي وافقتا على الفكرة وأن شركته اتبعت القانون الأميركي. وقال “الدافع كان المساعدة في قتال تنظيم القاعدة. الإمارات شريك جيد جدا في مكافحة الإرهاب. يتعين أن تتذكر التوقيت في ذلك الوقت، بعد هجمات 11 سبتمبر”. وتابع “وكالة الأمن القومي أرادت حدوث ذلك”.
ولم ترد وكالة الأمن القومي على أسئلة مكتوبة عن معرفتها ببرنامج (دريد) أو الصلة بأي من المتعاقدين. وقالت وزارة الخارجية إنها تفحص بعناية اتفاقات خدمات الدفاع الأجنبية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. ولم يرد متحدثون باسم الإمارات سواء في سفارتها في واشنطن أو في وزارة الشؤون الخارجية على طلبات التعليق.
وكان عمل كلارك على تأسيس (دريد) انطلاقا لعِقد شهد انخراطا مكثفا للعاملين في بيلتواي والمخابرات الأميركية في وحدة التجسس الإلكتروني الإماراتية. وساعد الأميركيون الإمارات على توسعة المهمة من مجرد التركيز على تهديدات المتشددين إلى عملية استطلاع واسعة تستهدف آلافا حول العالم تعتبرهم الحكومة الإمارتية أعداء.
وقال بول كيرتس شريك كلارك السابق في (جود هاربور) إن تقارير سابقة لرويترز أظهرت أن البرنامج امتد ليشمل تضاريس خطرة وإن انتشار المهارات الإلكترونية يستوجب مراقبة أميركية أكبر. وقال كيرتس وهو مدير بارز سابق مختص بالأمن القومي في البيت الأبيض “شعرت بالاشمئزاز وأنا أقرأ ما حدث في نهاية الأمر”.
عمل خمسة على الأقل من المسؤولين المخضرمين السابقين في البيت الأبيض لدى كلارك في الإمارات، سواء في برنامج (دريد) أو في مشاريع أخرى. وتركت شركة (جود هاربور) قيادة مشروع (دريد) في عام 2010 لمتعاقدين أميركيين آخرين في حين بدأ المشروع ينجح في التجسس الإلكتروني على الأهداف.
ووجدت رويترز أن تعاقب المتعاقدين الأميركيين ساعد في الإبقاء على فريق الأميركيين في “دريد” على كشوف الأجور في الإمارات، وهو ارتباط سمحت به اتفاقات سرية أبرمتها وزارة الخارجية الأميركية.
وتُظهر مراحل تطور البرنامج كيف تستفيد ثقافة تشغيل المتعاقدين في واشنطن من نسق من الثغرات القانونية والرقابية يسمح للجواسيس السابقين والمسؤولين الحكوميين السابقين بنقل خبراتهم لدول أجنبية، حتى تلك المعروف أن سجلها ضعيف فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان.
وتمكن العاملون الأميركيون لدى (دريد) من تفادي الحواجز القليلة التي تمنع العمل في التجسس لأجانب، ومنها القيود على التسلل الإلكتروني على أنظمة الكمبيوتر الأميركية.
فعلى الرغم من حظر استهداف الخوادم الأميركية، على سبيل المثال، استهدف العاملون في “دريد” بحلول عام 2012 حسابات بريد إلكتروني على غوغل وهوتميل وياهو. وفي نهاية الأمر شملت شباك التجسس الإلكتروني التي توسعت مواطنين أميركيين آخرين كما ذكرت رويترز في وقت سابق هذا العام.
وقال مايك روجرز الرئيس السابق للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي في مقابلة إنه كان يتابع بقلق متزايد كيف تتصاعد أعداد ضباط الاستخبارات الأميركيين السابقين الذين يتربحون من العمل لدى
دول أجنبية. وأضاف “هذه المهارات ليست ملكك” موجها الحديث لضباط الاستخبارات الأميركيين السابقين، وقال إن تلك المهارات ملك الحكومة الأميركية التي دربتهم عليها. ومضى قائلا إن واشنطن لا تسمح لجواسيسها بالعمل لدى دول أجنبية أثناء عملهم في وكالة الأمن القومي “فكيف بحق الرب نشجعهم على ذلك بعد أن يتركوا الحكومة؟”
وقال متحدث باسم وكالة الأمن القومي إن العاملين السابقين مكلفون مدى الحياة بعدم الكشف عن معلومات سرية.

* من البيت الأبيض إلى الخليج
اصطدم كلارك على مدى سنوات، قبل تأسيس (دريد)، بالحاجة إلى تجسس داخلي في الولايات المتحدة فضلا عن مخاطر ذلك المحتملة.
ولعل أكثر ما اشتهر به كلارك، مستشار مكافحة الإرهاب لكل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن، أنه قدم اعتذارا علنيا بيّنا عن عدم قدرة واشنطن على منع هجمات 11 سبتمبر أيلول.
وقال كلارك في 2004، بعد عام من تركه الحكومة، في شهادته أمام لجنة أميركية تأسست للتحقيق في إخفاقات الاستخبارات التي قادت إلى هجمات 11 سبتمبر أيلول “حكومتكم خذلتكم، المكلفون بحمايتكم خذلوكم، وأنا خذلتكم”.
وللحيلولة دون وقوع هجمات مستقبلية، حث كلارك الولايات المتحدة على إقامة خدمة استخبارات داخلية لكنه قال إنه يتعين تجنب التعدي على الحريات المدنية. وأضاف “يجب أن نفسر للشعب الأميركي بأسلوب مقنع جدا لماذا يحتاج لخدمة استخبارات داخلية، لأنني أعتقد أن معظم الأميركيين سيخشون فكرة وجود بوليس سري”.
وساعدت شهادة كلارك أمام لجنة 11 سبتمبر أيلول في الجهود التي أدت إلى تأسيس خدمة استخبارات داخلية عام 2005 داخل مكتب التحقيقات الاتحادي، فيما وصف بأنه “خدمة داخل الخدمة”، عمل بها ضباط استخبارات اتحاديون وخبراء في تحليل اللغات ومتخصصون في المراقبة.
وقبل ذلك بعامين انضم كلارك لنائبه السابق روجر كريسي في شركة الاستشارات الأمنية الجديدة (جود هاربور كونسالتنغ). وأحضر كلارك أحد أبرز الأسماء في الأمن القومي الأميركي.
كما جاء كذلك بعلاقة تمتد عقودا مع زبون ثري محتمل هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ابن أقوى حكام الإمارات. وفي الأشهر التي سبقت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 1991 أُرسل كلارك، الذي كان في ذلك الوقت دبلوماسيا بارزا، إلى الخليج لطلب المساعدة من حلفاء إقليميين. وتقدم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تستعد فيه لخوض حرب.
وقدم الشيخ محمد بن زايد يد العون لكلارك كي يحصل على إذن من الحكومة بالقصف من المجال الجوي الإماراتي، وضخ المليارات للمجهود الحربي الأميركي. وفي عام 1991 عندما ثارت في الكونغرس أسئلة عما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة السماح بمبيعات سلاح بقيمة 682 مليون دولار للإمارات تصدى كلارك للأمر. وقال أمام اللجنة الفرعية للحد من السلاح في مجلس النواب: “حوّلوا أربعة مليارات دولار للخزانة الأميركية لدعم المجهود الحربي… هل هذه دولة نقابل صنيعها بمنعها من الحصول على 20 طائرة هليكوبتر مهاجمة؟ لا أعتقد”. وحصلت الإمارات على الطائرات.
وفي السنوات التي أعقبت انضمام كلارك إلى (جود هاربور) بعد 2003، أتاح الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات في ذلك الوقت، فرصة نادرة للشركة للمساعدة في وضع استراتيجية الأمن الداخلي من أساسها. وفازت الشركة بعد ذلك بمجموعة عقود أمنية لمساعدة الإمارات على تأمين بنيتها الأساسية بما في ذلك العمل على حماية موانئها ومشروعاتها النووية ومطاراتها وسفاراتها ومنشآت البتروكيماويات وفقا لما ذكره شخصان على دراية بهذه العقود.
وإلى جانب مساعدته في تأسيس وحدة للطوارئ ووحدة للأمن البحري، كان كلارك يعتقد أن الإمارات بحاجة إلى جهاز مثل وكالة الأمن القومي له القدرة على التجسس على الإرهابيين. وقال إنه أوكل هذا العقد لبول كيرتس، شريكه في (جود هاربور) والمسؤول السابق في البيت الأبيض.
وقال كيرتس في اتصال هاتفي مع رويترز “عند المستوى الأعلى، كان الأمر يتعلق بالدفاع الإلكتروني وكيف تحمي شبكاتك الخاصة”. وتابع أن الإمارات كانت تريد أن تعرف “كيف نفهم المزيد عما قد يفعله الإرهابيون”.
وقال كلارك ردا على سؤال عما إذا كان قد شعر بالقلق من أن تستخدم الإمارات هذه القدرة في الحمل على النشطاء والمعارضين: “الشاغل الأكبر كان الوصول لتنظيم القاعدة”. وأضاف أن اطّلاعه على البرنامج كان محدودا في ذلك الوقت وأن كيرتس كان هو المسؤول عن إدارة العمل اليومي لعقد تأسيس هذا البرنامج.
وقال كيرتس إن تدخله الشخصي كان قاصرا على الاستشارات رفيعة المستوى وإن معرفته بالأنشطة اليومية كانت “شبه معدومة”. وأضاف أن الشركة اعتمدت في الخبرات الفنية بمجال التسلل على متعاقدين من
الباطن من شركة الدفاع الأميركية (إس.آر.إيه إنترناشونال) التي يديرها كارل جومتو.
وقال كلارك إن الاختيار وقع على (إس.آر.إيه)، التي كان يعمل بها في ذلك الوقت سبعة آلاف شخص ويقع مقرها في فيرفاكس في ولاية فرجينيا، لسابق خبرتها بالعقود مع وكالة الأمن القومي.

* المهمة انطلقت
بدأت (جود هاربور) باستخدام ثمانية متعاقدين من (إس.آر.إيه) في تأسيس (دريد) في 2008 داخل مبنى يشبه حظيرة طائرات على مشارف مطار البطين في أبوظبي. وبدأ البرنامج كذراع لديوان الشيخ محمد بن زايد
الأميري وكان يديره في بادئ الأمر ابنه خالد. وأسس المتعاقدون المشروع من الصفر ودربوا طاقما إماراتيا
محتملا على التسلل الإلكتروني وأعدوا شبكات كمبيوتر سرية وحسابات خفية على الإنترنت يمكن للإمارات استخدامها في عمليات التجسس.
وأظهرت وثائق (دريد) أن المجموعة بدأت في عام 2009 في عمل أداة تجسس أطلق عليها اسم (ذا ثريد)، وهي برنامج كمبيوتر يتيح للإماراتيين سرقة ملفات من أجهزة كمبيوتر تستخدم برنامج التشغيل ويندوز ونقلها لخوادم يسيطر عليها ديوان الأمير. ولم يكن لشركتي (جود هاربور) و(إس.آر.إيه) دور حيوي في عمليات
التجسس باستثناء التوجيه والدعم.
وكان الهدف من البرنامج هو تزويد الإمارات بقدرات إلكترونية تتيح لها تعقب التهديدات الإرهابية بنفسها. لكن ثلاثة من العاملين السابقين في (دريد) قالوا إن الأميركيين وجدوا في غضون بضعة أشهر أنهم بحاجة لتولي القيادة من زملائهم الإماراتيين الأقل خبرة.
ولكن بعض المتدربين الإماراتيين بدوا فاقدين للحماسة والمهارة. وأظهر تقرير عن البرنامج اطلعت عليه رويترز أن مدربا وهو متعاقد سابق من (إس.آر.إيه) خبير في الكتابة بالشفرة يدعى كيث تاتل خلص
إلى أن أحد تلاميذه “فقد الاهتمام” وأن آخر “ما زال يعاني مع التكنولوجيا”.
وقال اثنان من العاملين السابقين ببرنامج (دريد) لرويترز إن ذلك لم يترك خيارا أمام الأميركيين سوى التدخل بدرجة أكبر. وفي نهاية الأمر كانوا يفعلون كل شيء باستثناء ضغط آخر زر في عملية تسلل إلكترونية. ورفض تاتل التعليق بناء على نصيحة محاميه.
وقال متحدث باسم شركة (جنرال دايناميكس)، التي امتلكت (إس.آر.إيه إنترناشونال) بعد عدة عمليات استحواذ، إن العقد الأصلي مع (جود هاربور) انتهى في عام 2010 ورفض الإدلاء بالمزيد.
وتزايدت طلبات التجسس الإلكتروني من قوات الأمن الإماراتية على الوحدة الجديدة بعد عيد الميلاد في عام 2009، أي بعد عام واحد من بدء (جود هاربور) في تأسيس (دريد). وتلقى زعماء الإمارات تحذيرات
استخباراتية من هجوم وشيك وعنيف من متطرفين. ووصل طلب مذعور لفريق التجسس الإلكتروني الوليد فحواه: ساعدونا في التجسس على حركة تواصل على الإنترنت متجهة للخارج وآتية من شبكة كمبيوتر بمنزل شخص يشتبه في أنه متطرف في المنطقة الشمالية من البلاد.
وكان ما زال أمام العاملين في “دريد” بضعة أشهر لاستكمال برنامج “ثريد” للتجسس على ويندوز. وقال شخصان على علم بالواقعة إن العاملين الأميركيين انخرطوا فجأة في إعداد أدوات تجسس مؤقتة تستند إلى
برنامج لاختبار أمن الكمبيوتر متاح بالمجان على الإنترنت. ونجحوا خلال أسابيع في التسلل إلى المتطرف المشتبه به في مهمة اعتبرها الإماراتيون نجاحا مهما ربما يكون قد منع هجوما. ومثلت الواقعة نقطة مهمة في العلاقة. وقال شخصان مطلعان إن طلبات التجسس زادت بعد هذا النجاح وتعمق دور الأميركيين.
وأظهرت وثائق البرنامج أن (جود هاربور) ابتعدت، بحلول نهاية عام 2010، عن (دريد) تاركة السيطرة في يد جومتو نائب رئيس (إس.آر.إيه). وكان قد بدأ لتوه شركته الخاصة (سايبر بوينت) في ماريلاند. وقال جومتو في اتصال هاتفي “تركيزنا كان على مساعدتهم في الدفاع عن بلدهم”.
وبرحيل (جود هاربور) انضم كيرتس إلى (سايبر بوينت) لكنه قال إن مشاركته في (دريد) انتهت في عام 2011.

40 أميركياً و34 مليون دولار
في غضون عامين تمكن جومتو من زيادة عدد الأميركيين في البرنامج من نحو 12 فردا إلى ما يصل إلى 40. وأمكنه جلب أكثر من 12 من أروقة وكالة الأمن القومي أو قائمة المتعاقدين معها. وبلغت ميزانية
(دريد) السنوية ما يقدر بنحو 34 مليون دولار وفقاً لوثائق المشروع.
وتملكت بعض العاملين الأميركيين مخاوف تتعلق بالعمل لدى جهاز تجسس أجنبي. لكن ارتباط البرنامج بشخصيات تحظى بالاحترام في مجال الأمن القومي مثل كلارك وكيرتس وجومتو دفعهم للاعتقاد بأن هذه
الجهود فوق مستوى الشبهات حسبما قال أربعة عاملين سابقين.
وقال جوناثان كول ضابط الاستخبارات الأميركي السابق الذي انضم إلى (دريد) في عام 2014 إنه يعتقد أن مهمة الإمارات تحظى بمباركة واشنطن بسبب مشاركة طاقم (سايبر بوينت) في ماريلاند في برامج سرية
أخرى لصالح الحكومة الأميركية. وأضاف “وضعت بعض الافتراضات”.
في عام 2011 انتقل البرنامج لأول قصر من سلسلة قصور سرية عرفت باسم (الفيلا) وأطلق عليها المتعاقدون الأميركيون اسم مشروع ريفين.
وقال جومتو لرويترز إن مهمة المتعاقدين الأميركيين كانت تقتصر على تدريب الجواسيس الإلكترونيين الإماراتيين وإنهم كانوا ممنوعين من المساعدة في العمليات بأنفسهم. ويمنع القانون الأميركي بشكل عام
الأميركيين من التسلل إلى أجهزة كمبيوتر في أي مكان، ويمنع بشكل خاص استهداف مواطنين أو شركات أو خوادم أميركية.
وأدار جومتو عقد (دريد) لمدة خمس سنوات من بالتيمور، لكنه قال إنه لم يعلم قط بحدوث مثل هذه الأنشطة بين طاقمه. وأضاف أن رؤيته كانت محدودة إذ كان يزور طاقمه في الإمارات خمس أو ست مرات في
السنة. وأضاف “لم أنخرط في أنشطة البرنامج اليومية… إذا كان لدينا شخص مارق فليس هناك ما يمكنني عمله”.
ومع ذلك، سرعان ما شغل الأميركيون كل المناصب الرئيسية في البرنامج. وساعد عاملون أميركيون في تحديد حسابات أشخاص مستهدفين واكتشاف نقاط ضعفهم وتدبير هجمات إلكترونية. ولتجنب مخالفة
القانون، قال عشرة عاملين سابقين لرويترز إن الأميركيين لم يكونوا يضغطون على الزر الأخير لشن هجوم، بل كانوا في أغلب الأحيان يقفون حرفياً وراء الإماراتي الذي يفعل ذلك.
وبعد أن هزت انتفاضات “الربيع العربي” المنطقة، خشي خبراء الأمن الإماراتيون أن يأتي الدور على بلدهم. وبدأت أهداف برنامج (دريد) تتحول من مكافحة الإرهاب إلى فئة منفصلة أطلقت عليها الإمارات اسم
“أهداف الأمن القومي”، فساعدوا في حملات واسعة النطاق على معارضين وآخرين ترى الحكومة أنهم يمثلون خطرا سياسيا. وشملت العمليات اختراقات لم يكشف عنها من قبل على جماعة ألمانية مدافعة عن حقوق
الإنسان ومسؤولين من الأمم المتحدة في نيويورك ومسؤولين تنفيذيين في الفيفا.
وفي الفترة من 2012 إلى 2015 أوكل إلى فرق منفردة التجسس الإلكتروني على حكومات منافسة مع تحول تركيز البرنامج من مكافحة الإرهاب إلى التجسس على خصوم جيوسياسيين بحسب الوثائق.
وكان بين الأهداف دولة قطر، التي أصبحت في عام 2010 محط أنظار العالم بعد فوزها باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
وفي عام 2014 استهدف العاملون في (دريد) مسؤولين في الفيفا، الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يقع مقره في سويسرا، وأناسا مكلفين بتنظيم استضافة قطر للبطولة.
وتم وضع الخطة لسرقة معلومات يمكن أن تضر بمسعى قطر للفوز باستضافة البطولة ويمكن تسريبها لإحراجها. ونشرت وسائل الإعلام في عام 2014 مزاعم عن حصول مسؤولين في الفيفا على رشى من قطر مقابل منحها حق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم.
وأظهرت مذكرات تخطيط عمليات لدريد اطلعت عليها رويترز أن عملية التجسس الإلكتروني على الفيفا، واسمها الحركي (بروتال تشالينج)، خطط لها كريس سميث المحلل السابق في (إس.آر.إيه). وبعث المتسللون
رسائل مفخخة على فيسبوك وعلى البريد الإلكتروني تحتوي على رابط باسم (وورلد كاب غيرلز) وبالضغط عليها تنشر فيروس تجسس على كمبيوتر الشخص أو الجهة المستهدفة.
ولم يتضح ما إذا كانت المهمة قد نجحت. لكن كان بين المستهدفين حسن الذوادي الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الجهة المسؤولة عن مشروعات ومبادرات كأس العالم لكرة القدم المقررة في قطر عام 2022، وجاك وارنر المسؤول التنفيذي السابق في الفيفا الذي أدانته الولايات المتحدة في وقت لاحق في اتهامات بغسل الأموال.
ولم ترد اللجنة العليا للمشاريع والإرث على طلب التعليق، وقال متحدث باسم الحكومة القطرية إن بلاده اعتبرت مسعاها الناجح لاستضافة كأس العالم “فرصة ليرى العالم منطقتنا من منظور جديد”.
وقالت متحدثة باسم الفيفا في بيان إن الاتحاد الدولي لكرة القدم “ليس على علم” بأي عمليات تسلل متعلقة بالمسعى القطري لاستضافة البطولة. وقال متحدث آخر إن تحقيقا داخليا فتحته الفيفا لم يتوصل إلى أن قطر دفعت رشى للفوز باستضافة البطولة.
ولم يتسنَ الوصول إلى وارنر الذي يواجه طلب تسليم للولايات المتحدة من ترينيداد وتوغو. وكان قد قال مرارا إنه بريء من الاتهامات. ولم يرد سميث على رسائل على البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

* رخصة أجنبية ورقابة ضعيفة
حصلت (سايبر بوينت) على رخصة خدمات دفاع أجنبي من وزارة الخارجية الأميركية في الفترة من 2010 إلى 2014 لإدارة أعمالها في الإمارات.
وكُتبت الاتفاقات التي اطلعت عليها رويترز بصياغات فضفاضة، فوصفت عمليات التجسس الإلكتروني بأنها “جمع معلومات من نظم اتصالات داخل الإمارات وخارجها”. ولم تضع الاتفاقات أي قيود على استهداف النشطاء في مجال حقوق الإنسان أو الصحفيين أو حلفاء الولايات المتحدة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن الوزارة تدرس بعناية قبل منح مثل هذا الترخيص اعتبارات حقوق الإنسان. وأضاف أن الترخيص لا يعطي الحق في انتهاك حقوق الإنسان، لكنه رفض التعليق على الاتفاقات
المبرمة بين الوزارة و(سايبر بوينت).
لكن الاتفاقات مع (دريد) منعت البرنامج من المساعدة في عمليات تسلل ضد أميركيين أو خوادم بريد إلكتروني يملكها أميركيون. وحذر محامٍ من (سايبر بوينت) في مذكرة صدرت عام 2011 من أن فعل ذلك
“يعرضك للمسؤولية الجنائية بموجب القانون الأميركي، حتى وإن تم تنفيذ هذه الأنشطة في الخارج”.
لكن وثائق المشروع تظهر تحايلا متكررا على هذا القيد. فقد ساعد موظفو (سايبر بوينت) في التسلل إلى مئات الحسابات على مواقع غوغل وياهو وهوتميل وفيسبوك، وعرضوا لقطات لصفحات حصلوا عليها من التسلل في عروض أمام مسؤولي استخبارات بارزين في الإمارات. وعلى سبيل المثال اخترق (دريد) حسابات على غوغل وياهو لسرقة تاريخ التصفح على الإنترنت لأحد الأشخاص المستهدفين وأبرز المتسللون ما رأوه مهما في تقارير رفعوها إلى رؤسائهم.
وفي عام 2012 استهدف البرنامج حسابات على هوتميل وغوغل تخص خمسة من العاملين في مؤسسة “كونراد أدينور” وهي جماعة ألمانية مناصرة للديمقراطية كانت في ذلك الوقت تضغط من أجل المزيد من حريات الصحافة والتعبير في الإمارات. واعترض “دريد” رسائل من حساب على جيميل يخص أحد مدراء المؤسسة. وجاء في رسالة من أحد المديرين لموظف لديه “أظن أن جميع قنوات الاتصال” قد تم تحييدها.
ومن وراء الكواليس، ذكر مصدر مطلع أن السفير الألماني لدى الإمارات استُدعي للقاء مسؤولين من وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية قالوا إنه يتعين على المؤسسة الألمانية غير الهادفة للربح مغادرة البلاد.
وساعد عاملون أميركيون كذلك في استهداف حسابات على جيميل وفيسبوك تخص أحمد غيث السويدي، وهو اقتصادي إماراتي وعضو في جماعة الإخوان المسلمين، في عام 2011. وأظهرت وثائق البرنامج أن المتسللين أبلغوا في يناير كانون الثاني من عام 2012 أن السويدي وقع وثائق على البريد الإلكتروني تجعل زوجته المسؤولة عن أصوله في حال حدوث أي شيء له.
وبعد شهرين أُلقي القبض على السويدي وأُودع سجنا سريا قال إنه تعرض فيه للتعذيب وأُجبر على التوقيع على اعتراف وفقا لمنظمة العفو الدولية. وأدين في عام 2013 في إطار محاكمة 94 ناشطا متهمين بالتحريض على قلب نظام الحكم وصدر عليه حكم بالسجن عشر سنوات. وقال صديقه الناشط محمد الزعبي إن السويدي لم يدعُ قط إلى انقلاب وإنما كان يطالب فقط بإصلاح سياسي.
وقال جومتو إن (سايبر بوينت) كانت، على حد علمه، حريصة على عدم تجاوز حدود ما يسمح به ترخيصها والقانون الأميركي.

* “منحدر زلق”
بمرور الوقت، نشبت صراعات بين الأميركيين والإماراتيين بشأن اختيار الأهداف التي اعتقد الأميركيون في بعض الأحيان أنها تجاوز الخط باستهداف كيانات مرتبطة بالولايات المتحدة. وبدأ الإماراتيون في فرض قيود على دخول الأميركيين على قواعد بيانات المراقبة ووضعوا على بعضها عبارة “محظور الاطلاع عليها لغير الإماراتيين”. وقرب نهاية عام 2015 ألغت الإمارات عقد (سايبر بوينت) وعينت بدلاً منها شركة الأمن الإلكتروني الإماراتية (دارك ماتر).
وحذر جومتو موظفيه من أن استمرارهم في العمل في البرنامج لن يكون مصرحاً به وفقاً لاتفاق وزارة الخارجية الأميركية. واستمر أكثر من 12 في العمل.
وتولت (دارك ماتر) المشروع لكنه ظل سرياً حتى أن بعض المسؤولين التنفيذيين في الشركة لم يكونوا على علم بوجوده وفقاً لما ذكره ستة من المطلعين على مجريات الأمور.
وقال عامل سابق إن برنامج (دريد) تحت قيادة (دارك ماتر) استهدف مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك في محاولة لاختراق حسابات بريد إلكتروني لدبلوماسيين من دول تعتبرها الإمارات دولاً منافسة. وأكد متحدث باسم الأمم المتحدة أن فريق الأمن الإلكتروني في المنظمة رصد هجمات من مجموعة تسلل مرتبطة بالإمارات.
وفي بعض الحالات استتبع عمليات تجسس قام بها برنامج (دريد) تعذيب للأهداف. وقال عامل سابق في (دريد) إنه في عام 2017 تم اختراق البريد الإلكتروني لناشطة حقوق الإنسان السعودية لُجين الهذلول بعد أن
حاولت تحدي حظر على قيادة النساء للسيارات في المملكة. وقبل ذلك بثلاث سنوات اعتقل السعوديون الهذلول التي كانت تدرس في الإمارات بعد أن حاولت القيادة عبر الحدود وسجنوها 73 يوماً.
وأعطى العاملون في (دريد) الذين يراقبون لجين الهذلول الناشطة اسما حركيا هو السيف الأرجواني.
وفي عام 2018، وقبل بضعة أسابيع من صدور مرسوم ملكي يسمح للنساء لأول مرة بقيادة السيارات في المملكة، اعتقلت قوات الأمن الإماراتية لجين الهذلول مرة أخرى في أبوظبي وأعادتها بطائرة خاصة إلى بلدها. وسجنتها قوات الأمن السعودية لدى وصولها لاتهامات بالتحريض وإثارة الفتن. وقال شقيقها وليد الهذلول لرويترز إنهم عذبوها في منشأة سرية خارج جدة وإنها ما زالت محتجزة بها.
والسعودية والإمارات حليفتان مقربتان. ولم يرد متحدث باسم السفارة السعودية على طلب التعليق.
وقالت (دارك ماتر) في بيان مقتضب أرسل بالبريد الإلكتروني إنها ليست على علم بما توصلت إليه رويترز أو بأي مخالفات قامت بها الشركة.
وتحقق هيئة محلفين اتحادية في واشنطن فيما إذا كان الطاقم الأميركي انتهك قوانين التسلل الأميركية في مهمته في الإمارات. ورفض مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة العدل التعليق.
ويطرح الكونغرس تساؤلات كذلك، مشيراً إلى تقارير سابقة نشرتها رويترز، في حين يضغط على وزارة الخارجية لتفسير برنامج (دريد) ويضغط من أجل المزيد من الشفافية فيما يتعلق بالتراخيص الأجنبية.
وكتب أعضاء في الكونغرس في مايو أيار لمدير الاستخبارات ووزارة الخارجية يقولون إن حكومات أجنبية “استغلت فيما يبدو التدريب المتطور وخبرات أفراد طوروا مهاراتهم التقنية أثناء العمل في الخدمة القومية في الولايات المتحدة”.
وقال روجرز الرئيس السابق للجنة الاستخبارات في مجلس النواب إن الوقت حان لأن تضع واشنطن قيودا على تعاقدات الاستخبارات في الخارج. وأضاف “أعتقد أن القضاء على مثل تلك الفرص بالكامل يجب أن
يكون مطروحا على الطاولة”.
ويتفق كيرتس الذي ساعد في إطلاق البرنامج قبل عشر سنوات على أن الحكومة الأميركية تحتاج لإعادة النظر في قدرتها على نقل القدرات الإلكترونية للخارج قائلا “يمكن أن يكون منحدرا زلقا جدا”.

المصدر: رويترز