الأزمة اللبنانية والنازحون السوريون

الأزمة اللبنانية والنازحون السوريون
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم | يشهد لبنان اليوم أزمة اقتصادية-اجتماعية مستفحلة وانهياراً مالياً، في ظل احتجاجات مستمرة منذ شهرين وحكومة مستقيلة لا تقوم بتصريف الأعمال وخلافات حول رئيس الحكومة وشكلها ومن يشارك فيها، إذ يطالب معظم المحتجين بحكومة تكنوقراط أو اختصاصيين وإصرار رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” وحزب الله وحركة أمل على حكومة تكنوسياسية يشاركون فيها بعدد من الوزراء السياسيين.
في هذه الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية، يستمر التهويل الإعلامي الكبير بانهيار نقدي كبير يصل فيه الدولار إلى أربعة آلاف ليرة أو أكثر، والتهديدات الخارجية والداخلية بحصار طويل وسنوات عجاف يشهد فيها الشعب اللبناني مجاعة على غرار مجاعة العام 1914.
وبرغم كل هذه الصعاب والأزمات، لا يكلف المجتمع الدولي والأشقاء العرب أنفسهم مشقة مساعدة لبنان نقدياً واقتصادياً وسياسياً، على الرغم من استضافته نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري ونحو 400 ألف لاجئ فلسطيني ونحو 300 ألف عامل وعاملة أجانب.
في هذه الأثناء، يدعو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى إعادة توطين مليون لاجئ سوري في “منطقة سلام” في شمال سوريا طواعية خلال فترة قصيرة جداً.
وقد صرّح إردوغان الذي تستضيف بلاده 3.7 مليون لاجئ سوري أمام المنتدى العالمي للاجئين في جنيف اليوم، قائلاً: “نحن بحاجة لإيجاد صيغة تسمح للاجئين… الذين سافروا إلى تركيا بإعادة التوطين في بلادهم”.
وذكر أردوغان أنه من الممكن بناء مساكن ومدارس في المنطقة التي عاد إليها بالفعل نحو 371 ألف لاجئ سوري منذ أن بدأت تركيا عمليات عسكرية للقضاء على ما تسميه “التنظيمات الإرهابية” في المنطقة مشيرا إلى تنظيم داعش ووحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.
في المقابل، تعجز الحكومة اللبنانية عن إعادة النازحين السوريين الذين تستضيفهم وسط انقسام لبناني تجاه طريقة إعادتهم أو حتى الرغبة في إعادتهم أساساً، بين من يريد استخدام هؤلاء اللاجئين للضغط على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وبخاصة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربط عودتهم بتسوية سياسية، وبين من يخشى من بقائهم وتوطينهم في لبنان وتغيير الواقع الديموغرافي الطائفي والعرقي فيه.
وعلى الرغم من جهود الأمن العام اللبناني بالتعاون مع حزب الله والحكومة السورية التي أعادت عشرات الآلاف من النازحين السوريين إلى سوريا، إلا أن ثمة تضارباً في الأرقام بين إحصاء الأمن العام (100 ألف لاجئ) والإحصاءات الدولية( نحو 15 ألف لاجئ) والإحصاءات الروسية (55 ألف لاجئ) لعدد الذين عادوا.
وفي جميع الأحوال، فإن هذه العودة لم تصل إلى نسبة العشرة بالمئة من هؤلاء النازحين الذين يقيمون في لبنان منذ نحو 9 سنوات ويشكلون ضغطاً على الاقتصاد اللبناني والبنى التحتية وقد كلفوا الدولة اللبنانية نحو 40 مليار دولار حتى الآن، فيما المساعدات الدولية محدودة ويذهب الكثير منها إلى الجمعيات ويتبخر بعضها في فساد الوزارات.
من هنا، فإنه في ظل هذه الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية، على الحكومة اللبنانية الحالية أو التي قد تشكّل أن تعمل على تكثيف هذه العودة، ورفض الذرائع الأمنية والخوف على سلامة بعض النازحين المعارضين. فإقامة تركيا “منطقة آمنة” في شمال سوريا تسمح للدولة اللبنانية بتخيير هؤلاء النازحين إما بالعودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية أو سيطرة الحكومة التركية أو مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.
وبذلك تسقط ذريعة ضرورة العودة الطوعية للاجئ والخوف على أمنه وسلامته، فهو إن كان معارضاً يذهب إلى “المنطقة الآمنة” أو إدلب، وإن كان موالياً أو محايداً يمكنه الذهاب إلى المناطق الآخرى تحت سيطرة الحكومة السورية.
وبسبب الأزمة الاقتصادية الي تعاني منها سوريا وتراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار، نتيجة شح الدولار في السوق اللبنانية ووجود مدخرات سورية في المصارف اللبنانية، فإن اللاجئ لن يعود طوعياً إلى سوريا طالما يجد عملاً في لبنان، أو طالما يتلقى مساعدات نقدية وغذائية من الأمم المتحدة ومنظماتها وجمعيات خيرية دولية في لبنان.
وفي حال استفحال الأزمة الاقتصادية في الأشهر المقبلة، قد يأتي وقت لن يجد هؤلاء النازحون وظائف مثلهم مثل أشقائهم اللبنانيين ولو بأجور أدنى، لكنهم سيعانون من الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية وغيرها. فالأفضل للبنان ولهؤلاء اللاجئين عودتهم إلى سوريا وتلقيهم هذه المساعدات النقدية والغذائية والطبية في بلادهم، ما يجعلهم في وضع مادي أفضل هناك نتيجة كون المعيشة في سوريا أرخص من لبنان، نتيجة دعم الحكومة للغذاء والدواء والوقود، ومجانية الطبابة والتعليم.
بعد استفحال الأزمة النقدية في لبنان، بدأت بعض المؤسسات والشركات بالتعاون مع وسائل الإعلام وبعض الناشطين بالترويج لفكرة دعم المنتوجات اللبنانية، وهو أمر جيد يُثنى عليه، لكن يجب تعميم التجربة وحض جميع اللبنانيين وإلزامهم أحياناً بمنح الوظائف للبنانيين حصراً في ظل هذه الأزمة.
وقد بدأ الكثير من العاملات الأجنبيات مغادرة لبنان بسبب هذه الأزمة وشح الدولار.
ورب ضارة نافعة!