مباط عال: تحت سماء البحر المتوسط.. آفاق لتعميق العلاقات الإسرائيلية – المصرية

مباط عال: تحت سماء البحر المتوسط.. آفاق لتعميق العلاقات الإسرائيلية – المصرية
Spread the love

أوفير فاينتر – باحث في معهد دراسات الأمن القومي/

ما بين 12-17 كانون الأول/ديسمبر 2019، عُقد في شرم الشيخ “منتدى الشباب العالمي” برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة نحو 7000 شاب من شتى أنحاء العالم. الموضوع الذي احتل مركز نقاشات المنتدى الذي تعقده مصر للمرة الثالثة على التوالي، كان توثيق التعاون بين دول البحر المتوسط في مختلف المجالات، وفي طليعتها: الطاقة، والعمالة، والبيئة، والعلوم، والهجرة غير الشرعية، ومحاربة الإرهاب. وخُصصت اجتماعات المنتدى لمناقشة المصالح الملموسة لدول البحر المتوسط، ولجوانب أكثر “ليونة”، من ضمنها القواسم المشتركة التاريخية والثقافية والاجتماعية بين شعوب الدول الواقعة على سواحل المتوسط.
جرى في المنتدى ذكر إسرائيل كشريكة ضرورية في صفقات الغاز مع مصر، وكشريكة كاملة لها في “منتدى الغاز في الشرق الأوسط” (EMGF) الذي أُنشىء في القاهرة في كانون الثاني/يناير 2019، بمشاركة قبرص، واليونان، وإيطاليا، والأردن، والسلطة الفلسطينية. على الرغم من ذلك، ظل دور إسرائيل ثانوياً في موضوعات شرق أوسطية تقع خارج مجال الغاز، وبناء على ذلك، يتعين على إسرائيل بلورة سياسة شرق أوسطية شاملة، تسمح لها بالعثور على فرص أُخرى لتطوير علاقاتها مع مصر في حوض البحر الأبيض المتوسط.

مصر كدولة شرق أوسطية

تولي مصر للبحر المتوسط أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة في ضوء ثلاثة تطورات أساسية: الأول، اكتشاف حقل الغاز “ظهر” الذي يزود مصر بأغلبية استهلاكها في مجال الغاز؛ الثاني، إقامة “منتدى الغاز في الشرق الأوسط” في كانون الثاني/يناير 2019، والذي يمهد الطريق لتحويل مصر إلى “Hub” مفترق طرق للطاقة الإقليمية، ومن أهدافه إقامة سوق إقليمية للغاز، وتطوير موارد وبنى تحتية، وتعميق التعاون والحوار بين الدول الأعضاء.
في ورقة أصدرها “المركز المصري للدراسات الاستراتيجية” بمناسبة عقد المنتدى العالمي للشباب، جرت الإشارة إلى أن اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط تنشىء دينامية إقليمية جديدة، تشمل قيام كتل اقتصادية، وعلاقات متعددة الأطراف، وتحالفات وتحالفات مضادة. كما جرى التوضيح أن مصر تقترح على إسرائيل وقبرص الخيار الأرخص لتصدير الغاز إلى أوروبا وأسواق أُخرى بفضل البنية التحتية لديها لتسييل الغاز ونقله، والتي يمكن توسيعها بتكلفة منخفضة نسبياً عند الحاجة. من جهتها، مصر مهتمة بحصد حصة من الأرباح وتعزيز مكانتها الاستراتيجية كدولة عظمى مصدّرة للغاز إلى أوروبا.
في السنوات الأخيرة، تعمل مصر على بناء “هوية شرق أوسطية”، تقدم إلى الجيل المصري كإحدى الركائز الأساسية “للشخصية المصرية”… تطوير الهوية الشرق الأوسطية يعبّر عن رغبة مصر في إلقاء الضوء في الداخل والخارج على ميزة إقليمية يمكن أن تُستخدم في حملة من أجل زيادة التفاعلات في الشرق الأوسط.

دلالات وتوصيات بالنسبة إلى إسرائيل

إسرائيل ليست غائبة عن الحوار الشرق الأوسطي الذي تدفع به مصر قدماً، لكن مكانها حتى الآن ثانوي في الموضوعات التي تتخطى المصالح الاقتصادية في مجال الغاز. بالنسبة إلى مصر، في قلب التعاون الشرق الأوسطي يوجد المثلث – مصر، واليونان، وقبرص، بينما تشكل إسرائيل شريكاً ثانوياً لها دور محدود ومراقب. في العرض الذي قدمه “المركز المصري للأبحاث الاستراتيجية”، جرى التوضيح أن إسرائيل ليست قادرة على المشاركة في التدريبات العسكرية المتواصلة التي تجريها مصر واليونان وقبرص، على الرغم من أنها تتشارك مع الدول الثلاث في نظرة أمنية مشابهة، وجرى التلميح إلى أن وجودها يُصعِّب من تحسين التعاون المتعدد الأطراف في المنطقة من أجل بناء “حلف”.
على الرغم من القيود السياسية التقليدية التي ترافق العلاقات بين الدول، يوفر البحر المتوسط لإسرائيل سلسلة فرص جديدة لتعميق علاقاتها مع مصر. أولاً، عليها مواصلة العمل على توسيع تعاونها مع مصر في مجال الغاز والطاقة، عبر تطوير موارد وبنى تحتية، وتنسيق ثنائي ومتعدد في إطار EMGF، وتشجيع حوار مهني بين أطراف حكومية وشركات وخبراء من الطرفين. التنفيذ الحالي لصفقة الغاز بين البلدين، والدعوة التي أرسلتها إسرائيل إلى مصر للانضمام إليها وإلى اليونان وقبرص لإنشاء أنبوب غاز إلى أوروبا، هي خطوات تسير في الاتجاه الصحيح لترسيخ مكانة قطاع الطاقة كمصدر للاستقرار والتقارب في علاقات الدولتين خصوصاً، وفي العلاقات الجيوسياسية الإقليمية عموماً.
ثانياً، يتعين على إسرائيل بلورة سياسة شرق أوسطية شاملة تطمح إلى توسيع قوس المصالح المشتركة مع مصر ودول أُخرى وتتجاوز مجال الغاز. من أجل ذلك، يجب عليها فحص المواقف الإسرائيلية بشأن موضوعات شرق أوسطية، مثل البيئة، والطاقة المتجددة، وتنقية المياه، والاستعداد لأوقات الطوارىء، والتعليم، والعلم، والعمالة. ومن الممكن استخدام الاتحاد من أجل المتوسط UFM، كمنصة ملائمة لاندماج إسرائيل في مشاريع إقليمية من هذا النوع، وعلى إسرائيل البحث في تخصيص موارد ويد عاملة أكبر لزيادة نفوذها ضمن إطاره (منذ سنة 2016، اختارت إسرائيل لاعتبارات مالية عدم تسمية ممثل لها في هيئة الاتحاد في برشلونة).
ثالثاً، إسرائيل مثل مصر يمكنها الاستفادة من تنمية هوية شرق أوسطية، تشدد على القواسم المشتركة لدول المنطقة وقيم الانفتاح المتبادل، والتسامح وقبول الآخر. وفي مقدورها العمل على تشجيع العلاقات المتبادلة بين شعوب البحر المتوسط، واللقاء بين الشباب وتبادل ثقافي يساهم في بلورة ميزة “إقليمية مشتركة” تساعد على توطيد مكانتها في المنطقة. تستطيع إسرائيل ومصر، من ناحيتهما، البحث في الدفع قدماً بمبادرة من نوع “أسبوع إحياء الجذور”، بمشاركة ذرية الجالية اليهودية في الإسكندرية التي بلغ عددها في زمن الذروة 40 ألف نسمة. تجديد كنيس “النبي إلياهو” في الإسكندرية من جانب الحكومة المصرية الذي فُتح هذا الشهر أمام الزائرين يشكل نموذجاً ملهماً لعالمية “الشرق الأوسط”، وإمكان ترجمتها إلى سياسات جديدة على الأرض.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية