قراءة في المسودة الروسية للدستور السوري؟

قراءة في المسودة الروسية للدستور السوري؟
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — نشرت وكالة “سبوتنيك” الروسية قبل أسابيع أجزاء من المسودة الروسية التي وزعها الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانا حول سوريا على المفاوضين من الحكومة والمعارضة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أوضح أن الجانب الروسي وضع هذا المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار ما سمعه طوال السنوات الماضية من الحكومة والمعارضة ودول المنطقة.
الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أوضحت “أن موسكو لا تحاول فرض أفكار ما على أحد، إنما يكمن الهدف من مبادرتها في تحفيز السوريين، لكي يبدؤوا مناقشة هذا الموضوع، فلن يطرح أي من الطرفين أبداً مشروعاً يمكن اعتماده كأساس، إنه أمر مستحيل”.
المعارضة السورية أعلنت رفض هذا الدستور من حيث المبدأ بغض النظر عن مضمونه، لكن الحكومة السورية لم تعلق على المقترح بعد، في دلالة على الإحراج الشديد الذي تشعر به.
وليس مبالغة القول إن السوريين، بغض النظر عن تلويناتهم السياسية والطائفية والمذهبية، لن يهضموا فكرة أن تضع دولة أجنبية، ولو كانت حليفة، دستوراً لهم يعيد تذكيرهم بفترة الاستعمار الفرنسي أو الاحتلال العثماني.
لكن الأمر لم يقتصر على شكل المبادرة الروسية التي لم تراعِ مسائل السيادة والكرامة الوطنية والعزة القومية، إنما أثارت بعض بنود الدستور المقترح استياء معظم السوريين، وخصوصاً ما اقترحته المسودة الروسية من إزالة تعابير تشير إلى عربية الجمهورية السورية وإحلال اسم “الجمهورية السورية” للتشديد على ضمان التنوع في المجتمع السوري.
ويؤكد البند الأول من المادة الأولى: “تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية تعتمد على أولوية القانون ومساواة الجميع أمام القانون والتضامن الاجتماعي واحترام الحقوق والحريات ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين، دون أي فرق وامتياز”.
ويقول البند الثالث من هذه المادة نفسها: “بصفة التراث الوطني الذي يعزز الوحدة الوطنية، يتم ضمان التنوع الثقافي للمجتمع السوري”.
كما اقترحت المسودة جعل تغيير حدود الدولة ممكناً عبر الاستفتاء العام، إذ جاء في البند الثاني من المادة التاسعة للمشروع: “أراضي سوريا غير قابلة للمساس، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري”.
واللافت إشارة مشروع دستور مقترح لدولة، هي في خضم حرب أهلية وأطماع إقليمية وهجمة تكفيرية، إلى إمكانية تغيير حدودها الوطنية، التي تعبتر رمز سيادتها!
كما ينص المشروع على اعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته، وهي إشارات إلى شكل من أشكال النظام الفدرالي، لإرضاء الأكراد في حكم ذاتي أو إقليم على غرار إقليم كردستان في العراق.
فقد جاء في البند الثاني من المادة الرابعة: “تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين”.
وتشير المسودة إلى ضرورة مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا في التعيينات الحكومية، مع تخصيص بعض المناصب لتمثيل الأقليات.
فقد جاء في البند الثالث من المادة 54 للمسودة: “يكون التعيين لمناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء تمسكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التشاور في هذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب والمناطق”.
يذكّرنا هذا البند بالمحاصصة الطائفية في لبنان والتي لا يزال يعاني منها الشعب اللبناني منذ نشوء الدولة اللبنانية في العام 1920.
وتقترح المسودة توسيع صلاحيات البرلمان بقدر كبير على حساب صلاحيات الرئيس السوري بحيث لا تسمح للرئيس بحلّه. كما تمنح البرلمان إعلان الاستفتاء على المصالح العليا للبلاد، وإمكانية تغيير حدود الدولة باستفتاء عام، وتولي مجلس الشعب إقرار مسائل الحرب والسلام.
كما تمنح المسودة البرلمان صلاحية تنحية رئيس الجمهورية وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
فقد ورد في المادة 44 من مسودة المشروع، إذ ورد فيها “تتولى جمعية الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من المنصب، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب”.
والمعلوم أن الدستور السوري الحالي لا يمنح البرلمان هذه الصلاحيات. كما لم تشر المسودة الروسية إلى حقّ رئيس الجمهورية بحلّ المجلس النيابي، كما لم تشر إلى إمكانيته تعيين نائب رئيس له، وهما من حقوق الرئيس المسجلة في الدستور الحالي.
فقد جاء في الدستور السوري الحالي بأن لرئيس الجمهورية الحق بـ”حل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه”، وأن “يسمي نائباً له أو أكثر، وأن يفوضهم ببعض صلاحياته”.
وتقترح المسودة الروسية منح رئيس الجمهورية صلاحية إعلان الاستفتاء حول المصالح العليا للبلاد، إذ جاء في المادة 59 للوثيقة: “يحق لرئيس الجمهورية إعلان الاستفتاء العام حول المواضيع المهمة والتي تخص المصالح العليا للبلد، وتعد نتائج الاستفتاء إلزامية وتدخل حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ إعلانها من قبل رئيس الجمهورية”.
كما تقترح المسودة الإبقاء على مدة ولاية رئيس الجمهورية لسبع سنوات مع إمكان الترشح لولاية واحدة تالية، إذ جاء في البند الأول والثاني من المادة 49: “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية من قبل مواطني سوريا في انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة وسرية، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”.

ماهي صلاحيات رئيس الجمهورية في مسودة الدستور؟
في مقارنة بين الدستور السوري الحالي الذي تم تعديله عام 2012 والمسودة الروسية، يتبين أن المسودة الروسية قد أعطت صلاحيات أوسع لمجلس الوزراء مع أن للرئيس الحق في تحديد “الاتجاه العام” وأنه يشرف على تنفيذ القوانين. لكن رئيس الوزراء لم يعد مسؤولاً فقط أمام رئيس الجمهورية، بل أيضاً أمام “جمعية المناطق” التي يقدم لها رئيس مجلس الوزراء “برنامج عمل الحكومة”. ولم يعد “رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية” كما هو الحال في دستور 2012، وحذف “حق” الرئيس بـ”إحالة هؤلاء على المحاكمة”.
خلافاً للدستور القائم، فإن المسودة الروسية قد نصت على أنّ تعيين مناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكون “تمسّكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية وتُحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية”، إضافة إلى صلاحية “عقد معاهدات واتفاقيات تعطي الشركات الأجنبية حق الامتياز، والاتفاقيات التي تقصد نفقات إضافية غير منصوص عليها في الموازنة” و”تعيين موظفي الدولة والعسكريين وفصلهم”.
كما مُنحت الحكومة صلاحيات تشريعية بحيث “يجري إصدار المراسيم على أساس القانون الذي يعطي الحكومة صلاحيات مناسبة”.
وقد مُنحت “جمعية المناطق” و”جمعية (مجلس) الشعب” صلاحيات واسعة”، إذ يحق لثلث أعضائها طرح حجب الثقة عن الحكومة أو حجب الثقة عنها بغالبية أصوات الحاضرين من “الجمعيتين”، وهي نقطة غير واضحة، ولم يعرف إن كان المقصود منها اجتماع كل جمعية على حدة أو اجتماعهما معاً.
تنص المادة 33 من الدستور الحالي على “تشكيل مجلس القضاء الأعلى وأن يَرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه”، لكن المسودة الروسية قد ركزت على مجلس الدولة والقضاء وترك بعض الأمور.
كما نصت المسودة على أن “المحكمة الدستورية العليا” تضم سبعة أعضاء و”تعيّنهم جمعية المناطق”، بعدما كان يسمّيهم رئيس الجمهورية بمرسوم وفق المادة 140 من الدستور.

مكانة القوات المسلحة
في المسودة، يبقى الرئيس قائداً للجيش والقوات المسلحة، وأضيفت إلى مهمته قيادة “التنظيمات المسلحة” الأخرى، (قد تعني قوات الدفاع الوطني أو القوى الأمنية الأخرى)، لكن مهمتها انتقلت من “الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية” وفق المادة 11 من الدستور الحالي الى القول بأن القوات المسلحة “تكون تحت الرقابة من قبل المجتمع ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية ولا تؤدي دوراً في عملية انتقال السلطة”.
واضح أن هذه المادة في المسودة هي محاولة لطمأنة الجماعات المسلحة المعارضة إلى أن الجيش لن يلعب دوراً في الصراع الداخلي وفي عملية انتقال السلطة، إذ تنص المادة 60 على أن بقاء الجيش خارج العمل السياسي يدعم العملية الديمقراطية ويخفف القدرة على السيطرة على العملية.
تشدد المسودة على عدم جواز استخدام القوات المسلحة في المجال السياسي واضطهاد السكان أو عملية انتقال السلطة، حيث جاء في البند الرابع من المادة العاشرة بالمسودة: “تكون القوات المسلحة وغيرها من الوحدات المسلحة تحت الرقابة من قبل المجتمع وتحمي سوريا ووحدة أراضيها، ولا تستخدم كوسيلة اضطهاد للسكان السوريين ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية ولا تلعب دوراً في عملية انتقال السلطة”.
تنص المسودة في الفقرة الثانية من المادة 8 على أن “سوريا تنبذ الحرب كنمط في استقلال دول أخرى ووسيلة لحل نزاعات دولية”، وإمكانية تعديل الحدود الدولية، في إشارة إلى ربما إلى مسألة الجولان السوري المحتل والتخلي عن خيار الحرب لتحريره من إسرائيل وإمكان المساومة عليه سياسياً.
كما تؤكد المسودة على سمو القانون الدولي والمعاهدات التي تقرها سوريا واعتبارها جزءاً أساسياً من النظام القانوني للدولة. فقد نص البند الثالث من المادة السابعة على أن: “تكون مبادئ وأحكام القانون الدولي المعترف بها ومعاهدات سوريا الدولية جزءاً لا يتجزأ من نظامها القانوني”.
يذكر أن الدستور السوري الحالي يخلو من أي إشارة إلى المعاهدات الدولية والتزام الدولة بها.
وقد تم حذف المادة الثالثة من الدستور الحالي التي تنص على أنّ “دين رئيس الجمهورية الإسلام”، وأن “الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، في توجّه أكبر نحو العلمانية وإرضاء الأقليات الطائفية الأخرى.
اعتمدت المسودة مبدأ “التعددية السياسية” نتيجة الانتخابات وليس نتيجة حصص مسبقة.
وأشار بعض الخبراء القانونيين إلى أن معظم المسودة مأخوذ من دستور عام 2012 المستند الى دستور 1973، مع إضافات من دستور 1950.
وذكرت المادة الأخيرة من المسودة على أن هذا الدستور سيعتبر نافذاً منذ اليوم الذي يقوم الشعب السوري بالموافقة عليه عبر الاستفتاء.
والطرح الروسي ليس بجديد فهم سرّبوه لصحيفة الأخبار اللبنانية منذ شهور عدة، لكن البعض يرى أن نزع عروبة سوريا مطلب أميركي ثابت وقديم، والروس يقومون بذلك تلبيةً للرغبة الأميركية، وينطبق ذلك على “أقلمة” سوريا، أي “فدرلة مغلفة”.
وكان لافتاً تشبيه الصحافي عبد الباري عطوان لمسودة الروسية للدستور السوري بأنها تعيد تجربة بول بريمر، الحاكم العسكري الأميركي للعراق، “التي زرعت بذور الطائفية في البلد، وقسّمته الى أقاليم، في إطار صيغة الفيدرالية، وأسست لحكم ذاتي كردي بصلاحيات رئاسية توفر كل أسس وركائز “الاستقلال” والانفصال لاحقاً”.
يشار إلى أن الرئيس الأسد كان قد صرّح في 29 مارس/آذار أن صياغة الدستور السوري الجديد “ربما ستكون جاهزة خلال أسابيع”، مضيفاً أن “الخبراء موجودون، وهناك مقترحات جاهزة يمكن جمعها، فيما الأمر الذي يتطلب الحيز الأكبر من الوقت، هو مناقشة المواد الدستورية، والأمر الأهم لا يكمن في عامل الوقت، وإنما في العملية السياسية التي سيتم تطبيقها بموجب الدستور”.
وقال الأسد في حديثه لوكالتي نوفوستي وسبوتنيك أن “فكرة وجود فيدرالية ليست طرحاً عاماً في سوريا، لذلك لا أعتقد أن هذا الطرح، في حال طرح ليتم التصويت عليه، سيحظى بموافقة الشعب السوري، مشيراً إلى ضرورة عدم الخلط بين بعض الأكراد الذين يريدون النظام الفيدرالي في البلاد، وجميع الأكراد في سوريا، لكون معظم أكراد البلاد، يرغبون بالعيش في ظل دولة سورية موحدة.