انتكاسة مشروع الضم أم خطوة صهيونية إلى الوراء؟!

انتكاسة مشروع الضم أم خطوة صهيونية إلى الوراء؟!
Spread the love

بقلم الأسير الروائي الفلسطيني كميل أبو حنيش* |

قد يبدو المشهد نضالًيا بعد إخفاق نتنياهو في تطبيق خطة الضم الاستعمارية لأجزاء من الضفة الغربية في الأول من تموز / يوليو الجاري وبعد احجاب فاق الأمر الذي من شأنه أن يثير قلقًا لدينا كفلسطينيين بدلاً من الإعلان المبكر عن الانتصار. وبصرف النظر عن القراءة السياسية لهذا المشهد وما يمكن أن ينطوي عليه من نتائج وآثار، فإنه من المؤكد أن ما جرى شكّل كسرًا لغرور وغطرسة نتنياهو الذي لا يزال معتنقًا الفكر الاستعماري الوبائي البائس، ولا يرى في العالم سوى سوق لاتخاذه السياسي وبالعرب والفلسطينيين سوى قطيع بشري يخنع أمام منطق القوة.
لقد فوجئ نتنياهو بخطأ حساباته بعدما حدد الأول من تموز – يوليو كموعد للمباشرة في تنفيذ مشروع الضم، مستغلًا الوضع الراهن في ظل انشغال العالم بجائحة كورونا، وبوجود رئيس أميركي متحيّز بصورة عمياء “لإسرائيل”، وحالة الضعف والهشاشة العربية والانقسام الفلسطيني، والأهم من كل ذلك اعتقاده أن الإقدام على خطوة بهذا الشكل من شأنها أن ترفع من شعبيته وتخلق زخمًا سياسيًا قد يفضي لإمكانية إعفائه من المحاكمة بتهم الفساد المنسوبة إليه.
لقد راهن نتنياهو على هذه العوامل واعتقد أن شريعة الغاب السياسية التي يؤمن بها هي القانون الذي يحكم العلاقات الدولية، غير أنه فوجئ بالموقف الدولي الرافض والمتقزز من هذا السلوك الاستعماري البغيض وتلك الغطرسة والعنجهية العمياء التي لا تحترم أي قانون أو عرف دولي. وبالرغم من انشغال العالم بجائحة الكورونا والأزمات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، إلا أن العالم بأسره قال كلمته الفصل، وخرجت مئات المواقف المناوئة للمشروع من جانب دول ومنظمات وبرلمانات واتحادات على مستوى العالم التي أحجبت عنه الضوء الأخضر. فالرئيس الأميركي ليس لديه كل القدرة وهو ضعيف في ظل انشغاله في مواجهة أزمة الكورونا وانفجار التظاهرات المنددة لسياساته اليمينية العنصرية، فاستطلاعات الرأي تتنبّأ بسقوطه المدوّي في الانتخابات القادمة، فضلًا عن تنامي أعداد المعارضين لهذا المشروع من داخل إدارته أو من جانب أعضاء في الكونغرس وشخصيات سياسية وإعلامية. وبدا أمام العالم ساذجًا وضيق الأفق وهو يطرح خطة للسلام قائمة على الإملاء وفرض الأمر الواقع، ولم يتمكن من منح الضوء الأخضر لإسرائيل في ضوء المواقف الدولية المناوئة والرافضة لهذا المشروع.
كما فوجئ نتنياهو في الموقف العربي الرافض لهذا المشروع بعد أن ألمح أن عددًا من الأنظمة العربية تتفهّم وتؤيد إلى حدٍ ما هذا المشروع، وكان الموقف الأردني حادًا بهذا الشأن. أما الموقف الفلسطيني فقد فاجئ نتنياهو؛ إذ توحّد الشعب الفلسطيني في مختلف قواه وأجمع على رفض المشروع، وأدركت إسرائيل أن ضم هذه الأراضي أو جزء منها من شأنه ان يُشعل انتفاضة أو حربًا جديدة وهو خيارٌ لم يرد في حسبان إسرائيل.
أما داخل الدولة العبرية فقد تبيّن لنتنياهو أن ثمة معارضة قوية لهذا المشروع الذي يأتي في ضوء استفحال تفشي وباء الكورونا وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، فحزب “أزرق أبيض” المشارك في الحكومة يُعارض مشروع الضم لاعتبارات سياسية، وثمة معارضة لدى أحزاب وتيارات سياسية وشخصيات عسكرية لأنها تُعارض ضم سكان هذه المناطق لإسرائيل. أما المعارضة من اليمين فقد جاءت من جانب عدد من قادة المستوطنين الذين يريدون ضم مساحات أوسع مما جاء في خطة الضم ولا يكتفون بثلث مساحة الضفة، لأنه بحسب رأيهم ستقوم دولة فلسطينية على ما تبقى من هذه الأراضي وهو أمرٌ مرفوض من حيث المبدأ بالنسبة لهم. وفي ضوء هذه المواقف مجتمعةً لم تقدم إسرائيل على هذه الخطوة وجرى تجاوز الأول من تموز / يوليو من دون حتى الإعلان عن تأجيلها أو إبداء أي تصريح بشأنها.
إن قفز نتنياهو عن الأول من تموز / يوليو من دون الإقدام على خطوط الضم أو الإعلان عن إرجائها أو تحديد موعد جديد لها يعني ضمنياً خسارته لمعركة مهمة في حياته السياسية ولا يعني بالضرورة موتًا لهذا المشروع.
ومن ناحيتنا كفلسطينيين تُشكّل هذه المحطة اختبارًا مهمًا لإرادتنا السياسية المقاومة ويتعيّن علينا ألّا نكتفي بقول إننا نجحنا في إرغام العدو على التراجع، بل يجب أن نواصل العمل على قبر خطة “صفقة القرن”. ولا يمكن أن يتأتى لنا ذلك من دون إنجاز المصالحة الوطنية والعودة إلى مربع الوحدة الميدانية وينبغي أيضًا أن يتواصل هجومنا السياسي وأن نقول للعالم بأننا لن نقبل باستمرار الوضع القائم، وأن الاحتلال العسكري العنصري والاستعماري يجب أن ينتهي، ولن نسمح له أن يطيل أمد ممارساته الهمجية ونهبه للأرض وإذلاله اليومي لشعبنا.
إن عدم إقدام نتنياهو على تنفيذ مشروع الضم يُشكّل انتكاسة مهمة لهذا المشروع. غير أن الوضع لا يزال خطيرًا ما لم نتنبّه نحن الفلسطينيون إليه، فالتقارب بين حركتي فتح وحماس خطوة جيدة، لكنها غير كافية لأن عدم تنفيذ المصالحة يُضيّع فرصة كبيرة ويُطيل أمد الاحتلال، ويمنح نتنياهو المزيد من الوقت لإعادة رسم توجهاته الاستعمارية التوسعية.
فإذا أردنا أن ندقّ المسمار الأخير في نعش مشروع الضم كمقدمة لإلحاق الهزيمة بالمشروع الاستعماري الصهيوني يتعين علينا التشبث بالوحدة الوطنية والنضال المستمر والدؤوب، وما دون ذلك فإن تأجيل مشروع الضم يعتبر خطوة للوراء من أصل عشر خطوات صهيونية للأمام.

*أسير فلسطيني في سجن ريمون الصحراوي.