“كيف صنعت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟”: ماري ترامب تنتقم من عمها

“كيف صنعت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟”: ماري ترامب تنتقم من عمها
Spread the love

تأثر ترامب بشخصية والده القاسي والمتنمر المعتل نفسياً واجتماعياً، الذي خلق بيئة مؤذية وصادمة بالنسبة لعائلته في المنزل. تصف ماري في كتابها كيف أن جدها “المتسلط” كان “يهزأ” من والدها، وكيف أن دونالد الذي كان يصغره بـ7 أعوام “تعلم كيفية الكذب لكي يبرز نفسه”.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

من سوء حظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ ابنة أخيه ماري فريد ترامب، التي أصدرت كتاباً عنه بدأ توزيعه اليوم، تعرف الكثير من أسراره العائليّة والشخصيّة وهي دكتورة في علم النفس السريري قادرة على تحليل شخصيته وسبر أغوارها. كما أن لديها دافعاً شخصياً هو الثأر لأبيها فريد، إذ تتهم عمها دونالد بتدمير والدها الذي توفي عام 1981 بعمر الـ42 عاماً بسبب نوبة قلبية نتيجة مضاعفات إدمانه على الكحول. تقول ماري: “لقد دمر والدي ولن أسمح له بتدمير بلادي”.

واضح أن توقيت نشر الكتاب، الذي عنونته ماري بـ”أكثر من اللازم وغير كافٍ أبداً: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم؟”، اليوم وقبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة يهدف إلى التأثير على الرأي العام ودفعه لإسقاط ترامب وحرمانه من ولاية ثانية.

فقد وجّهت ماري (55 عاماً) في كتابها المؤلف من مقدمة و14 فصلاً وخاتمة، انتقادات حادة لعمها دونالد، حيث وصفته بـ”النرجسي والمتعجرف والمتنمر والكاذب”، وأن الغش في نظره هو أسلوب حياة. كما اتهمته بـ”العجرفة والجهل المتعمد” منذ صغره، وهي كلها صفات عرفناها عن ترامب خلال ولايته الأولى عبر سياساته الداخليّة والخارجيّة وسلوكه مع وزرائه ومساعديه وحتى مع رؤساء دول حليفة، كما كشف مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون في كتابه الأخير، وكما كشفت التسريبات الإعلامية لمسؤولين عملوا معه.

لكن الجديد في الكتاب هو التحليل النفسي لشخصية دونالد ترامب، وتفسير سبب هذا الاضطراب النفسي، والذي تردّه المؤلفة إلى طفولته وتربيته من قبل أبيه فريد القاسي والمتنمر، الذي كان قاسياً ومتنمراً مع والدها فريد الإبن، وهو نجله الأكبر، وكان يضغط عليه لتولي أعمال العائلة. ولما رفض فريد ذلك، لم يكن أمامه سوى دونالد كي يتسلّم إدارة أعمال العائلة رغم عدم كفاءته وجهله. وقد راقب ترامب جيداً كيف كان والده يقسو ويتنمر على أخيه الأكبر فلجأ إلى الكذب لتفادي ذلك وسعى جاهداً لإرضاء والده.

ولا نستغرب كشف المؤلفة أن دونالد قد دفع لطالب زميل له كي يقدم عنه اختبار “سات” الذي يؤهله للدخول إلى الجامعات الأميركية لأن علاماته لم تكن جيدة بما يكفي لذلك. فترامب معروف أنه يكره القراءة فضلاً عن الدرس برغم غروره وتباهيه بقدراته التجارية وهو الذي أفلس خمس مرات في أعماله العقارية.

عندما اجتمعت عائلة ترامب الواسعة في البيت الأبيض في نيسان/أبريل 2017 للاحتفال بعيد ميلاد شقيقتيّ الرئيس، أشار ترامب إلى صورة وراء مكتبه قائلاً “أليست هذه صورة رائعة لأبي؟”، متوجهاً بالسؤال إلى أخته ماريان. لكنها ردت بتوبيخ: “ربما يجب أن تكون لديك صورة لأمي أيضاً”.

يبدو أن الرئيس لم يفكر في ذلك أبداً. وقال: “إنها فكرة عظيمة. ليحضر أحد لي صورة لأمي”.

نحن نعلم أن العديد من الرؤساء لديهم مشاكل تتعلق بالأب: الحلم بآبائهم الغائبين، أو الغضب على أحكامهم، أو النضال تحت إرثهم. عند مناقشة والده في مذكراته “ترامب: فن الصفقة”، يشدد الرئيس الأميركي على ذكاء الأعمال الذي استخلصه من والده الراحل فريد. يقول ترامب: “لقد تعلمت منه الصلابة في عمل صعب للغاية، وتعلمت تحفيز الناس، وتعلمت الكفاءة والفعالية”.

في كتابها، تصف ماري ترامب تلك الدروس بشكل مختلف إلى حد ما. تقول إن تأثير جدها الثري “كان تأثيراً خانقاً ومدمّراً، فهو لم يكن متوفراً عاطفياً وقاسياً وسيطر على إبنه. قام فريد ترامب بغرس أسوأ صفات ابنه الأوسط دونالد وهي البلطجة، وعدم الاحترام، وانعدام التعاطف، وانعدام الأمن، والغرور والأنانيّة”.

تكتب ماري ترامب قائلة إنها “عائلة مختلة بشكل خبيث، تشارك في تجريد إنساني غير رسميّ حول مائدة العشاء، وهي عائلة يلتقي فيها الامتياز والقلق معاً، حيث يكون المال هو القيمة الوحيدة، حيث الأكاذيب جيدة والاعتذارات ضعيفة”.

جميع العائلات السعيدة وغير السعيدة على حد سواء يمكن أن تشكر الله على الأقل أنهم ليسوا عائلة آل ترامب من كوينز.

الكتاب هو رواية مكتوبة بذكاء عن الصدمة عبر الأجيال، ولكنه أيضاً يعاني من حزن يائس تقريباً، الحزن في القصص التي يرويها والحزن في الرواية كذلك. تقدم ماري ترامب لهذه الرواية المنظور الداخلي لأحد أفراد الأسرة، والقدرات الملاحظة والتحليليّة لطبيب نفسي سريري، وموهبة الكتابة لطالبة دراسات عليا سابقة في الأدب المقارن.

لكنها تجلب أيضاً ضغائن القطيعة. كتبت ماري أن والدها، فريد، الإبن الأكبر لعائلة ترامب، سُلب من حقه وسعادته لارتكابه خطيئة لا تغتفر من الفشل في تلبية مطالب فريد الأب وتوقعاته. كان من المفترض أن يستحوذ فريد على الشركة العائلية، وكان من المفترض أن يكون “قاتلًا”، وهو ما يعني في عائلة ترامب أن تكون عرضة للخطر تماماً. لكنه فضّل أن يصبح طياراً مدنياً، وهو طموح سخر منه والده باستمرار.​

تكتب ماري: “لم يكن فريدي ببساطة هو الذي يريده أن يكون. قام فريد بتدمير إبنه الأكبر من خلال تخفيض قيمة كل جانب من جوانب شخصيته وقدراته الطبيعية وإهانتها إلى أن تمّ ترك كل ما تبقى من الاتهامات في نفسه وخلق حاجة ماسة لإرضاء رجل لم يكن له فائدة”. وبدلاً من ذلك، كان دونالد شأنه مرتفعاً بينما تمّ التخلي عن فريدي، الذي كان يعاني من إدمان الكحول وأمراض القلب، وتمّ محو خط عائلته بالكامل.

حاولت عائلة ترامب، ربما خوفاً من العار أو ممّا هو أسوأ من ذلك، جاهدةً إلغاء هذا الكتاب، استناداً إلى شروط التسويّة في دعوى قضائيّة قديمة. كان الأمر يتعلق بالمال كذلك. لقد فشلوا في منع الكتاب، وقدمت ماري ترامب بعض القصص المحرجة، وحتى السخيفة، حول نشأة ترامب، أنه على الرغم من ثرواتهم، تهرب ترامب وزوجاته من هدايا عيد الميلاد، وأعادوا سلال الطعام القديمة وحقائب اليد المصممة؛ وأن ماريان، وهي قاضية محكمة استئناف سابقة، وصفت شقيقها الأصغر دونالد بأنه “مهرج بلا مبادئ”. وقالت إنه دفع أموالاً لشخص آخر للخضوع لامتحانات “سات”، ما ساعده على دخول كلية “وارتون” لإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا.

إن الكتاب يكشف أن الشرير هو جدها فريد وليس عمها دونالد. تصف ماري جدها بأنه “معتل اجتماعي عالي الأداء”، وهي حالة يمكن أن تشمل إساءة المعاملة والراحة مع الخداع واللامبالاة تجاه الصواب والخطأ. مع زوجته، مع أمّ كانت غالباً غائبة بسبب المشاكل الصحية، بدأ الشاب دونالد في تطوير آليات تعامل “قويّة لكنها بدائية”، بما في ذلك العدوان واللامبالاة تجاه الإهمال الذي واجهه. فهو لم يكن قادراً على تلبية احتياجاته العاطفية، “لقد أصبح ماهراً جداً في التصرف كما لو لم يكن لديه أيّ شيء”.

تمّت كتابة كتب ومقالات تتكهن بالصحة العقليّة للرئيس الخامس والأربعين، إلى التشخيص المتكرر حول “اضطراب الشخصيّة النرجسيّة”. تضيف ماري ترامب “اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع” (الإجرام المزمن، والغطرسة، وتجاهل الآخرين) و”اضطراب الشخصية التبعية” (عدم القدرة على اتخاذ القرارات أو تحمل المسؤولية، وعدم الراحة من الوحدة). حتى أنها تشير إلى أن ترامب يعاني من “إعاقة تعليميّة طويلة لم يتمّ تشخيصها، تعيق معالجته للمعلومات”. إنها تقدم القليل من الأدلة أو السياق المحدد لهذا التأكيد – وهي عادة تتكرر في جميع أنحاء الكتاب، حيث تصدر الكاتبة تصريحات نهائيّة حول الحالة العقلية لعمها.

تقول: “إنه شخصية هشة يجب تعزيزها في كل لحظة لأنه يعرف في أعماقه أنه ليس شيئاً مما يدعيه. إنه يعرف أنه لم يكن محبوباً أبداً. الرئيس ينسحب إلى مناطق الراحة مثل تويتر وفوكس نيوز لأنه وسيظل دائماً صبياً مذعوراً”. وتزعم أن ترامب قد “تمّ إضفاء الطابع المؤسسي على معظم حياته البالغة، حيث أنه تمّ حمايته من عيوبه – سواء من خلال والده الذي أنقذه من الاستثمارات الرهيبة أو من قبل حكومة فدراليّة تمّ نشرها الآن لحماية نفسه”.

وتختتم ماري ترامب قائلة: “إن أمراض دونالد معقدة للغاية وسلوكياته غير قابلة للتفسير في كثير من الأحيان لدرجة أن التوصل إلى تشخيص دقيق وشامل يتطلب حزمة كاملة من الاختبارات النفسية والعصبية التي لن يخضه لها أبداً”.
ترك أخاه على فراش الموت وذهب للسينما

أكثر لحظات ماري ترامب إقناعاً هي تلك التي ترسم فيها أوجه الشبه السلوكيّة بين فريد ودونالد. تماماً مثل إبنه في المكتب البيضاوي، كان فريد ترامب “دائماً ما يجعل من يقدمون إليه، إما في مكتبه في بروكلين أو منزله في كوينز، يظلون واقفين بينما هو جالس”. غالباً ما شارك فريد ترامب في المبالغة أثناء التحدث؛ “كان كل شيء رائعاً ومثالياً” تماماً مثل مكالمة ترامب الهاتفية “المثالية” مع زعيم أوكرانيا. تبدو عاداتهم المهنية متشابهة كذلك: العمل على الخداع والغش فيما يتعلق بفريد، كانت كلها تكتيكات عمل مشروعة.

قامت المؤلفة بمحاكاة والدها عندما تعلّق الأمر بمعاملة دونالد لأخيه فريدي، سخريته منه ونبذه وتجاهله في النهاية. لم يحضر دونالد حفل زفاف فريدي، وفي اليوم الذي تمّ فيه نقل فريدي إلى المستشفى في أسوأ الظروف، كان شقيقه مشغولاً للغاية كي يقوم بزيارته. وكتبت ماري قائلة: “بينما كان والدي يموت وحده، ذهب دونالد إلى السينما”.

ربما يضم الكتاب “الكثير من الانتقام”. عندما تصبح مصدراً سريّاً لتحقيق صحيفة “نيويورك تايمز” الحائز على جائزة “بوليتزر” حول ضرائب عائلة ترامب، حيث قدمت 19 صندوقاً من المستندات القانونية والمالية لثلاثة صحافيين، تفكر بشكل خاص في الحاجة إلى “إسقاط دونالد”.

لكن خطيئتها المطلقة ضد العائلة لا تساعد صحيفة “نيويورك تايمز” في تحطيم عمها. إن كتابها ليس عن دونالد بل عن جدها فريد – ليس البطريرك الجديد بل القديم. وأوضحت أن كل الفوضى التي تحدث على المسرح الوطني والعالمي هي شكل من أشكال الخلل الأسري الأكبر، مع المفاخرة المتواصلة والرئيسية الموجهة “لجمهوره: والده المتوفى منذ فترة طويلة”.

عادة عندما نحتفظ بصور لأحبائنا بالقرب من مكاتبنا، يمكننا أن نتذكرهم وننظر إلى وجوههم ونعيد النظر في الأوقات الجيدة. ولكن بعد قراءة هذا الكتاب، يتساءل المرء عمّا إذا كانت الصورة التي تحوم خلف كتف الرئيس في المكتب البيضاوي تخدم الغرض المعاكس – لا يمكن لدونالد أن ينظر إلى فريد ولكن قد يتمكن فريد من النظر إلى ذلك الصبي الصغير الخائف، وهو الآن في ذروة قوته ومنحه الموافقة أخيراً. كما قالت ماري ترامب، “أصبحت كل واحدة من تجاوزات دونالد اختباراً لصالح والده، كما لو كان يقول: “انظر، أبي،أنا القاسي، أنا القاتل”.

المصدر: عن الميادين نت