قدر واثق الخطى

قدر واثق الخطى
Spread the love

بقلم: سوسن رضوان أحمد – باحثة دكتوراه، مصر |

ظن أنها تزوجت ولكنه لم يمنع نفسه من المشي في نفس الشارع الذي رآها فيه أول مرة في شارع شبرا العريق، وإذا به يراها تتهادى أمامه ذات الشعر الأسود اللامع المصقول ممشوقة القوام، وتنهد تنهيدة وإذا بصديقه يسأله عما به؛ فيحكي له أمنيته التي التصقت بفؤاده وعقله؛ فيضحك صديقه ويقول له:
– إنها لم تتزوج بعد وإنما أختها التي تزوجت. كاد يرقص فرحًا في الشارع، وسارع بطرق البيت من بابه، ورأته لأول مرة وهي التي كانت ترفض من يتقدم لها، كانت تريد أن تكمل دراستها، وتطمح أن تكون معيدة في كلية التربية الموسيقية؛ ولكنها وجدت الأمور ميسرة؛ فأتى إلى البيت لم تهتم كثيرًا بزينتها ولا بثوبها فهي ليست في حاجة إلى هذا، هي لا تتصنع أي شيء؛ فالكثير تسابق لطلب يدها ولكنها كثيرًا ما رفضت، نظرت إليه رأته وسيمًا ممشوق القوام ذا ملامح مريحة تزيده غبطة، وجدت عينيه تحتويها تعدها بأشياء كثيرة…
الأمور تسير وكأنها مغيبة عن الوعي.. حلم سرمدي.
تمت الخطوبة. لم تدر ماذا تفعل أتشكره أنه حمل عنها كل العبء، كانت معه ملكة متوجة تحلم؛ فتتحقق كل الأحلام، كلما اشتهت شيئًا وجدته يحضره من دون أن تطلب، تقول في نفسها:
– ربما يهدأ بعد الزواج ويصير زوجًا عاديًا يكبلها بأعباء المنزل، وطلباته التي لا تنتهي ولكن هيهات لقد ازداد رومانسية لقد جعلها ملكة متوجة فوق عرش قلبه لم يسمح لأي واحدة أن تمس جدار قلبه، ولو من دون قصد أو في اللاشعور لم يتركها تحمل همًا لشيء إنه فريد هذا اسمه، وعندما تناديه به يظل يتردد داخل نفسه بصوتها ويقول لها:
– ناديني باسمي مرة ثانية ويستغرب يقول لها:
– هل كان أبي يعرف أنني سأتزوجك؛ لذلك أسماني فريدًا! يا لسعادتي بك .. أتعرفين أنا لن أتزوج غيرك حتى في الجنة أكيد أنت حورية من الجنة؛ لذلك سأبحث عنك هناك ولن أرضى بسواك،
تغرورقت عيناها بالدموع ينتابها الحنين، لا تحن إلى أحد سواه! كيف هانت عليه وتخلى عنها بعد أن أدخلها عوالم من السعادة لم تكن أبدًا لتبحر فيها وحدها رغم أنها كانت تخاف قبل ذلك من مجرد أن تمس قدماها الشاطىء، ولكنها مشت عليه وتعمقت فيه وخاضت غماره ليس وحدها، وإنما معه. كان يمسك بيدها بل يحتضن كل ذرة فيها يحتويها يخاف عليها من الهواء الطائر كما يقولون.
ما اشتهت شيئًا إلا ووجدته أمامها تسمعه ينادي عليها:
– ياقوت ياقوت يدخل عليها في حجرة البنات يحتضنها بعينيه قبل ذراعيه، ينسى وجود ابنتيه ويقول لها:
– يا حوريتي وسعوا يا بنات حتى أسلم على نصفي الحلو.
– كيف حالك حبيبتي؟ وهي لا تملك إلا الضحكات التي تزيد في أسره ولا يملك منها فكاكًا تأخذه من يده وتقول له:
– لقد أحضرت طعامًا شهيًا. هيا لنأكل. يترك يدها من يده غاضبًا أو متغاضبًا
– منذ متى وأنت تأتين بالطعام أنا لن أكل من هذا الطعام؟! هل قصرت معك في شيء؟! تقول له في دلال:
– أبدًا يا حبيبي، ولكنني أريد أن أصنع لك بعض اللحظات الحلوة كما تفعل معي دائمًا يقول لها:
– لا تفعلي هذا مرة أخرى أنت حبيبتي ليس عليك إلا الأمر فقط.. التمني، وأنا طوع أمرك سيدتي، تذكره ببعض المواقف، كانا يمشيان في الطريق هي لا تتصنع هي طبيعية في كل شيء لا تضع أي مساحيق إلا كحلًا أسود يزيدها جمالًا فوق الجمال سمهرية العود كحيلة الشعر كشلالات المياه الصافية يتمايل معها في همس الحركات وهو لا يملك أعصابه، ولا نفسه من نظرات الإعجاب التي تلاحقها رغم وسامته، وجسده الرياضي، وملابسه الأنيقة وهي لا تملك نفسها تيهًا وإعجابًا به، ولكنها تريد منه أن يهدأ ولكنه يزداد ثورة.
في يوم كانت تتمايل على أغنية لكاظم الساهر قالت له:
– ما رأيك يا فريد أريد أن أذهب في إعارة؟ قال لها:
– ماذا؟ هل تحتاجين إلى شيء؟ لن أسمح لك أبدًا أنا لا أتحمل نظراتهم لك وأنا معك، فكيف يخطر ببالك أن أتركك تذهبين إلى أي مكان وأنا لست معك؟! أنا تركتك تعملين هنا تحت سمعي وبصري لكنني لن أتركك تذهبين بعيدًا عني..
– لماذا؟
– هل أنا مجنون؟ إنك كلما كبرت تزدادين جمالًا وروعة (ولا عايزة العرسان تجيلك هناك ألا يكفي أن يأتي العريس إلى بيتنا، وبدلا من أن يطلب واحدة من البنات يطلب أمها) تزداد هي في الدلال والحبور.
لم يتحمل قلبه كل هذه السعادة، وحاولت الجميلات اختراق صلابة جدار قلبه حتى وهن قلبه أو شعر بذلك. أراد أن يقوي حائط الصد بقلبه؛ ليزداد حبه لياقوتته ويتمنع أكثر على الغريمات وخاصة أيضا أنه يزداد وسامة كلما كبر في السن، وتزداد العصافير المغردات من حوله ولكنه أبداً لا يبالي!
دخل المستشفى لعمل دعامة لقلبه، قوي القلب ولكن أصيب بفيروس ودخل في غيبوبة. كل هذا في لمح البصر ومازالت الأحلام كثيرة من سيحققها إذا ذهب فريد؟ كيف ستكون ملكة إذا ذهب الملك وذهب معه العرش؟
رافقته في المستشفى. لم تتوانَ. كان قلبها يلهج بالدعاء أن يشفيه الله ولا يتركها. لمن سيتركها وقد كان كل عالمها هي التي لم تنزل إلى السوق مرة واحدة، لم يسألها مرة عن راتبها وكم يبلغ أو ماذا تفعل به؟ وكانت تستغرب لبعض زميلاتها، فهناك من تقول لها:
– أن راتبها يضيع في الجمعيات وطلبات الأولاد ولا يتبقى لها أي شيء منه. وأخرى تقول:
– إن زوجها ينتظرها على باب المصلحة؛ ليأخذ راتبها الذي تتمنى ضياعه حتى لا يصل إليه..!
نزلت من عليائها ومازالت فيها مسحة الكبرياء، زادت الأطماع ولكنها ما زالت وفية لذكراه حينئذ أدركت أنه رحل من دون إرادة منه ولم تنسَ أنه في انتظار حوريته التي هبطت من السماء؛ لتعيش معه على الأرض. هو هناك يبحث عنها وهي تريد الصعود إليه ولكن من يكون لبناتها بعدها؛ لذلك كل يوم في هذا الوقت تتغرورق عيناها بالدموع ويصيبها الحنين رغم لقائها معه. ولكنها كل يوم تعاتبه لماذا لم ينتظر معها، أو لماذا لم يأخذها معه؟! وتستيقظ على يد ابنتها وهي تهزها:
– اصحِ يا ماما!
أغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول:
– الطيبون يرحلون في هدوء..