عن أهداف جولة وزير الدفاع الأمريكي إلى البلدان المغاربية

عن أهداف جولة وزير الدفاع الأمريكي إلى البلدان المغاربية
Spread the love

بقلم: توفيق المديني/

قام وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بجولة مغاربية شملت كل من تونس والجزائر والمغرب، مع بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري،الهدف منها إقامة شراكات استراتيجية عسكرية وسياسية جديدة بين البلدان الثلاثة وأمريكا تحت يافطة محاربة الإرهاب،ومواجهة التمدد الروسي في ليبيا،علمًا أنَّ منطقة المغرب العربي تمثل تاريخيًا الفناء الخلفي لأوروبا المتوسطية ,ولم تمثل عامل جذ ب للولايات المتحدة.

وتنظرأمريكا إلى منطقة المغرب العربي وبلدان الساحل الإفريقي جنوب الصحراء الكبرى على أنَّها معرضة لاضطرابات أمنية بالنظر إلى الانتكاسات التي يتعرض لها تنظيم “داعش” الإرهابي في ليبيا،وأيضا في حال عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوترإلى بلدهم،أو توجههم إلى بلدان الساحل التي أصبحت أرضًا خصبةً لهذا النوع من التنظيمات الارهابية،لا سيما شمال مالي،حيث تتمركز بعض التنظيمات الإرهابية ،مثل:تنظيم “أنصار الإسلام وجامعة المسلمين”، الذي تشكل من تحالف أربعة تنظيمات إرهابية في شمال مالي، بقيادة الزعيم السابق لتنظيم “أنصار الدين”،إياد غالي،و”كتيبة الصحراء”التي تتبع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ومجموعة “التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا”،إضافة إلى مجموعات مسلحة صغيرة على صلة بأنشطة التهريب والهجرة السرية والمخدرات،والتي لن تتوانى في استغلال موجة عودة الارهابيين من سورية والعراق، وتنقل آخرين من ليبيا، لمزيد من الدعاية والتحرك، لكي يستمر التهديد الإرهابي في شكل جديد.
إسبر يوقع اتفاق تعاون عسكري مع تونس بأول زيارة لأفريقيا
وقع وزير الدفاع الأمريكي،مارك إسبر،خلال زيارته إلى تونس، في إطار جولة مغاربية،اتفاقًا للتعاون العسكري لمدة عشر سنوات،مؤكدًا على أهمية التقارب مع هذا البلد العربي كشريك من أجل مواجهة تأزم الوضع في ليبيا.وفي أول زيارة له إلى دولة أفريقية منذ توليه منصبه،التقى إسبر بالرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج،وألقى خطابًا في المقبرة العسكرية الأمريكية، المرقد الأبدي لما لا يقل عن 2800 جندي وجندية أمريكيين قاتلوا في شمال إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية وأكثر من 3700 بطل تخلّد ذكراهم أسماؤهم المحفورة على جدار المفقودين .

وقال وزير الدفاع الأمريكي،مارك إيسبر،إنَّ ” الولايات المتحدة، بصفتها الشريك العالمي المفضّل،تواصل تعميق تحالفاتها وشراكاتها في مختلف أنحاء القارة الإفريقية،بما في ذلك تونس،حيث مكّن الحكم الديمقراطي وسيادة الدولة فيها،من إنجاز الكثير من عملنا في المنطقة.
وأكد إسبر اهتمام بلاده بتعميق التعاون “من أجل مساعدة تونس على حماية موانئها وحدودها”، موضحا أنَّ الهدف من ذلك هو مواجهة “المتطرفين.. ومنافسينا الاستراتيجيين الصين وروسيا.. بسلوكهما السلبي”.
وترتبط الولايات المتحدة بتعاون عسكري وثيق مع تونس التي تحظى برتبة الشريك الرئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ 2015.وخصص البنتاغون دعما للجيش التونسي بحوالي مليار دولار منذ ثورة 2011،وفقا للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم).وأمضى وزير الدفاع التونسي إبراهيم البرتاجي ووزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر على وثيقة خارطة طريق لآفاق التعاون العسكري التونسي الامريكي في مجال الدفاع للعشرية القادمة.
وأكدّ وزير الدفاع التونسي على أهمية الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية في مجال أمن الحدود ومساهمتها في تركيز منظومة المراقبة الإلكترونية بالحدود الجنوبية الشرقية والغربية لتونس وفي تطوير القدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية عموما، ملاحظا أنَّ تطور نسق التعاون التونسي الأمريكي في السنوات الأخيرة يعود إلى الثقة المتبادلة والعلاقات الإستراتيجية التي تربط البلدين الصديقين.

وتواجه تونس تَحَدِّيَيْنِ كبيرين،وهما: أولاً،الإرهاب سواء على المستوى الداخلي،أو المُصَدَّرِ من الجارة ليبيا،حيث يقول المسؤولون التونسيون أنَّ الإرهاب ظاهرة عالمية تتطلب مواجهته توافرإرادة سياسية إقليمية ودولية جدية،مشدّدين على أنَّ التعاون مع الولايات المتحدة في هذا المجال ضروري وحيوي لأمن البلدين.و ثانيا،الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وحاجة تونس إلى إعادة الثقة للمستثمرين والمانحين الدوليين،وتطلعها إلى الدعم القوي من شركائها،وفي طليعتهم الولايات المتحدة الامريكية.
وتظل تونس شريكًا اقتصاديًا صغيرالحجم بالنظر إلى حجم تجارة الولايات المتحدة مع العالم .أما المساعدات الخارجية الأمريكية، فهي في نقصان مستمر منذ سنة 1985،وشهدت السنوات الأخيرة تراجعاً تدريجياً في المساعدات الأميركية للخارج.والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لتونس،في إطار ما يسمى التعاون سوف لن تتجاوز 180 مليون دولار،وهو مبلغ صغير جداً.
جدل حول إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب التونسي
ما يهم الولايات المتحدة الأمريكية من تونس،والذي يبقى دائمًا ضمن الاتفاقيات السرِّية غير المعلنة،هو حرص الإدارة الأمريكية على أن تمنحها تونس قاعدة عسكرية على أراضيها ،أي إقامة قيادة عسكرية أمريكية (أفريكوم) في تونس،لا سيما بعد أن رفضت الجزائر هذا الطلب الأمريكي.
وتؤكد السلطات التونسية مرارًا أنَّه ما من قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها، وأنه لن تكون هناك واحدة في المستقبل.غير أنَّ تقارير إعلامية أمريكية كشفت في العام 2017 أنَّ فريقا عسكريًا متخصصًا في تسيير الطائرات دون طيار متواجد في قاعدة تونسية في محافظة بنزرت (شمالا).

وكانت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) أعلنت يوم 30 أيار/مايو 2020 في بيان توضيحي، عن الجنرال ستيفن تاونسند، قائد قوات القوات الأمريكية في أفريقيا قوله: “بينما تواصل روسيا تأجيج نيران النزاع الليبي، (حيث تدعم روسيا و دول عربية قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في قتاله ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج المعترف بها دوليا.)فإنَّ الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا يشكل مصدر قلق متزايد”. وتابع الجنرال: “نحن نبحث عن طرق جديدة للتعاطي مع قلقنا المتبادل بشان الأمن مع تونس بما في ذلك استخدام اللواء المساعد لقوات الأمن”.
ودفع هذا التصريح إلى التكهن بوجود خطط أمريكية للتدخل في ليبيا،لكن (أفريكوم) نفت ذلك في تحديث لها لاحقا. وجاء في البيان التوضيحي “أنَّ القوات المشار إليها من قبل أفريكوم تتعلق بوحدة تدريب صغيرة ضمن برنامج التعاون العسكري ولا ترتبط بأي حال بوحدات عسكرية مقاتلة”.
ويعتزم البنتاغون تدريب 9000 من القوات الإفريقية في كتائب مجهزة لعمليات الحدود والصحراء الممتدة،كما ينوي ربط جيوش دول الساحل والمغرب العربي بالبرنامج عن طريق اتصالات جرى تأمينها على درجة عالية من الدقة،وبعيدة من أي اختراق عبر الأقمار الاصطناعية.ويشمل البرنامج تدريب قوات كل من تونس والجزائروالمغرب وتشاد ومالي والنيجر وموريتانيا والسينغال ونيجيريا،على أمل مواجهة الإرهاب القادم من ليبيا،بعد أن أصبحت تونس ومعها الأنظمة المغاربية وأنظمة الساحل كلها تحت نفس الخط الأحمر إزاء ما يمكن للإدارة العسكرية الأمريكية أن تقدمه لها:أي المساعدات اللوجستيكية و الدعم السياسي الذي يعني صرف النظر عن كل الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن لتلك الأنظمة الإفريقية المعنية أن ترتكبها ضد شعوبها، لأن الغاية تبرر الوسيلة للأمريكيين، أي استغلال المخاوف الأمنية التونسية والإفريقية لزرع مزيد من الرعب الذي على أساسه يمكنها أن تتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية ،لاسيما الدول العربية والإفريقية ذات الأكثرية الإسلامية. و هو الهدف الذي لم يكن بريئا نظرًا لارتباطه بالموارد الطبيعية التي تزخر بها العديد من الدول الإفريقية،كالنفط للجزائروغينيا و نيجيريا،واليورانيوم الذي اكتشف في عدد من الدول مثل النيجر.
زيارة أول وزير دفاع أمريكي للجزائرمنذ 2006
إذا كان المسؤولون العسكريون الأمريكيون،يزرون بشكل متكرر تونس والمغرب، حيث يوجد تعاون عسكري مع الولايات المتحدة،فإنَّ زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبرللجزائر- حليفة روسيا والصين –تُعَدُّ الأولى من نوعها،منذ زيارة وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفلد في شباط/ فبراير 2006.وكانت الزيارة فرصة لإعطاء دفع جديد للتحالف بين أمريكا و الجزائر،اللتين لهما مصالح استراتيجية مشتركة في مواجهة الإرهابيين في منطقة الساحل والنزاع في ليبيا.
وتحادث إسبر مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون،القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع،بحضور رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة ومدير الأمن الخارجي محمد بوزيت،بحسب صور نقلها التلفزيون الحكومي.وسبق وزير الدفاع الأمريكي إلى الجزائر قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند مؤخرًا حيث التقى الرئيس تبون ورئيس هيئة الأركان.
في الوقت الحالي أصبح لدى الولايات المتحدة علاقات أمنية ثنائية قوية مع الجزائر تعود على الأقل إلى بداية الحرب على الإرهاب بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001،كما أشار مايكل شوركين،المحلل في مؤسسة راند كوربوريشن وهو معهد أميركي للدراسات الاستراتيجية العسكرية.

وكان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ذكر أنَّ الجزائر كانت من أوائل الدول التي أبلغت البيت الأبيض بدعمها لشن هجوم دولي ضد الإرهاب.وقال “لقد فهم بلدي،ربما أفضل وقبل غيره، ألم أمريكا”، في إشارة إلى الحرب الأهلية في الجزائر بين القوات المسلحة والمقاتلين الجهاديين خلال “العشرية السوداء” (1992-2002).
زيارة إسبر إلى المغرب تكريس للتحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرباط
اختتم وزير الدفاع الأميركي،مارك إسبر،جولته المغاربية،بتوقيع اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري لمدة 10 سنوات بين الولايات المتحدة والمغرب،وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع الوزير المغربي المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبداللطيف لوديي،ووزير الخارجية ناصر بوريطة،في العاصمة الرباط.
وقال بوريطة، خلال المؤتمر،إنَّ الرباط وواشنطن وقعتا اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري ضد التهديدات المشتركة بين عامي 2020-2030،موضّحا أنَّ هذه الاتفاقية تأتي في إطار تحديث الصناعات العسكرية والدفاعية في المغرب.
وأكَّد إسبر أنَّ الاتفاقية “ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين المغرب وأميركا والدول الإفريقية”، مستدلاً على ذلك بمناورات “الأسد الإفريقي” التي انطلقت في العام 2007 بين المغرب والولايات المتحدة، بمشاركة عدة دول إفريقية، لتطوير المهارات الميدانية والقتالية للقوات المشاركة. ويحتضن المغرب كل سنة مناورات الأسد الإفريقي تحت إشراف القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم). وهي العملية التي ألغيت هذه السنة جراء وباء كوفيد-19.
ولم تخل محادثات إسبر مع المسؤولين المغربيين من التطرق للقضايا الإقليمية الحارقة لاسيما الأزمتين الليبية والمالية .فقد احتضن المغرب مفاوضات ليبيبة-ليبيبة في منطقة بوزنيقة للمساهمة في الجهود الدولية لتحقيق تسوية في البلد الذي يشهد تناحرًا سياسيًا وعسكريًا منذ انهيار حكم العقيد معمر القذافي في العام 2011.ويلعب المغرب دورًا متقدمًا في حلّ أزمة مالي بمواكبته جميع المستجدات ودعمه المسار الانتقالي للبلاد، وذلك نظرا للصلات التاريخية الوثيقة بين البلدين.
خاتمة:
تطرح جولة وزير الدفاع الأمريكي المغاربية تساؤلات عن توقيتها،وأسبابها، ومدى اعتبارها مقدمة لدور أمريكي أكبر في الأزمة الليبية، بهدف قطع الطريق على روسيا، فضلا عن مدى استفادة تركيا التي أصبح دورها بارزا في الملف الليبي.فأمريكا تريد أن تكون حاضرة قياسا بحجم تفوقها العسكري والإقتصادي ضمن صراعات النفوذ بين العمالقة الروس والصينيين وأوروبا، للاستحواذ على الثروات الهائلة من النفط والغاز في ليبيا والمنطقة.

ولم يكن أمام أمريكا التي لا تريد تجاوز واقع الحرب الباردة مع الروس إلا أن تتعامل مع روسيا من خلال قوة لها وزنها وكذلك يمكن اعتبارها ضابط إيقاع أيضًا وهي تركيا التي لعبت دور المواجهة دبلوماسيًّا وعسكريًّا مع روسيا بعد خبرةٍ كانت لها في حلبة إدلب السورية.فقد دخلت تركيا خط الأزمة الليبية مسنودةً من الناتو الذي تعتبر تركيا أهم أعضائه، ومن أمريكا أيضا رغم عدم ارتياح فرنسا التي قادت أوروبا العجوز نحو سياساتٍ غبية في ليبيا جراء أطماعها الموسعة حتى باتت أوروبا خارج دائرة المنافسة في ليبيا.
وسوف يتعاظم الدور التركي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، في حين ستسعى فرنسا الخاسرة وكذلك روسيا مع الإمارات لمحاولة تدارك انهيار كامل مشروع حفتر من أجل أن يكون هناك مفاوضات لعلها تمنح فرنسا والإمارات وروسيا بعض المصالح بعد أن كانوا يخططون للسيطرة على كامل ليبيا من حيث الغاز والموانئ والنفط، وذلك وفق قاعدة ما لا يُدرك كله لا يُترك جله.

مجلة البلاد اللبنانية