باسم الخشن: تأثرت بـ “براندن ساندرسون” في السرد و بـ “آرون سوركين” في الحوار

باسم الخشن: تأثرت بـ “براندن ساندرسون” في السرد و بـ “آرون سوركين” في الحوار
Spread the love

حوار: أحمد صلاح المهدي/

باسم الخشن هو كاتب وروائي مصري، ولد سنة 1986 في لندن، وتخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم علم النفس، حصل على شهادة الماجيستير من جامعة ويسترن أستراليا في علم الإجرام. عمل مع الإنتربول كمدرب في عدة دول وعمل أيضًا مع منظمة الأمم المتحدة في مشاريع إعادة تأهيل اللاجئين في شرق آسيا.

تخصص باسم الخشن في كتابة الفانتازيا والإثارة، فصدرت روايته الأولى “ظل بابليون” سنة 2019 عن دار ن للنشر والتوزيع بمصر، وهي تنتمي لأدب الفانتازيا، تدور أحداثها في مصر في الزمن الحاضر في جوٍّ من المغامرات والإثارة، حيث تتحدث عن جماعات دينية، وميثولوجيا قديمة، وأسرار غامضة.

في عام 2020 صدرت روايته الثانية “زراد: مملكة الملاعين” عن دار ن للنشر والتوزيع، وهي فانتازيا ملحمية، تدور أحداثها في عالمٍ خيالي من اختلاق الكاتب، عالم مفعم بالتفاصيل بممالكه ومدنه وآلهته ودياناته وأقماره.
وبجانب التأليف فالكاتب خاض أيضًا مجال الترجمة، حيث صدرت له في هذا الشهر ـ سبتمبر ٢٠٢٠ ـ ترجمة رواية “إينولا هولمز” تأليف نانسي سبرينجر.
ورغم أن الفانتازيا قد قطعت شوطًا كبيرًا في الأدب الغرب، إلا أنها لا تزال تخطو خطواتها الأولى في عالمنا العربي. ولكن في السنوات الأخيرة ظهر على الساحة العربية عدد من الكتاب العرب في مجال الفانتازيا، ومن هؤلاء الكتاب ضيف حوارنا اليوم الكاتب باسم الخشن، الذي استطاع خلق عالمه الفانتازي الخاص به بطابع مميز؛ حيث تتميز رواياته بالخيال الخصب، والأفكار العميقة، والأسلوب الأدبي السلس. وسنسأله اليوم في حوارنا عن الأدب.. والفانتازيا.

– في البداية، ما رأيك في وضع أدب الفانتازيا في الوطن العربي عمومًا وفي مصر خاصةً؟
لا أريد أن يكون ردي إكليشيهيًّا، فعندما تسأل أي شخص عن نوع الأدب الذي يكتبه فدائمًا ما يقول إن هذا النوع من الأدب مهدر حقه، بعكس ذلك فهناك الكثير من كتاب الفانتازيا في هذه الفترة، والكثير من الروايات الناجحة مثل روايات عمرو عبد الحميد “ثنائية أرض زيكولا”، و”قواعد جارتين”، كذلك رواية مثل حكايات الغول الأحمر الأخير، والتي سوِّق لها على كونها فانتازيا، لكنها أقرب إلى الخيال التاريخي، ومع ذلك وضعت في تصنيف الفانتازيا وحققت نجاحًا كبيرًا. هناك إقبال كبير بالفعل على الفانتازيا وهذه ليست المشكلة، بل المشكلة هي عدم التنوع؛ فالفانتازيا التي تُقدم في الأدب العربي والأدب المصري في الوقت الحالي تتخذ نمطًا واحدًا وهو “من عالمنا إلى العالم الآخر المختلف”، حيث يعيش الأبطال في عالمنا العادي ثم ينتقلون فجأة إلى عالم آخر عن طريق مرآة مسحورة أو دولاب أو هزة أرضية. تلك التيمة موجودة في روايات أخرى مثل “نارنيا” للكاتب سي. اس. لويس، أو “أليس في بلاد العجائب” للكاتب لويس كارول، أو حتى بعض مسلسلات الأنمي اليابانية، وهي تيمة شهيرة كأن تستيقظ لتجد نفسك في عالم فانتازي. استخدام تلك التيمة مفهومًا إذا أخذنا أسلوب السرد في اعتبارنا، فهي تُتيح الفرصة للشخص أن يرى العالم الجديد ويصفه، لأنه ليس منطقيًّا أن نبدأ من عالم فانتازي ونبدأ وصف ما هو معروف بالفعل لسكان هذا العالم؛ لذلك فهم يستغلون وجود الغريب، الذي يدخل مكانًا جديدًا كأداة لعرض بناء العالم من وجهة نظره.
لكن هذا يحد من قدرات الكاتب، لأنه يجعل العمل الأدبي يخاطب فئة صغيرة أو ما نسميها فئة اليافعين، فلا يكون مناسبًا لمن هم أكبر من ذلك، فلا يأخذونها بجدية إلا بعض الاستثناءات؛ لذلك من الأفضل أن تلقي القارئ في عالمك، ثم تبدأ تعريفه بذلك العالم شيئًا فشيئًا، حتى إذا كان هناك بعض العرض أو الشرح للعالم بشكل مباشر في البداية، ولكنه أفضل، وهناك الكثير من طرق السرد التي تجعلك تتجنب تلك المباشرة، وأن تشكل عملًا أدبيًّا لا يُشعر القارئ بالملل.

– ما هي مصادر إلهامك في الفانتازيا؟ من الذين تأثرت بهم من الكتاب في هذا اللون من الأدب؟
أدعي أن غالب تأثري في أدب الفانتازيا خاصةً كان من “براندن ساندرسن”، الذي يعتبر الأب الروحي للفانتازيا الحديثة، وإن كانت كتاباته مفرطة في الملحمية على عكس كتاباتي التي أفضل دائمًا أن تنتهي القصة في كتاب أو اثنين لا أكثر. هناك كاتب آخر تأثرت به كثيرًا في طريقة كتابتي للحوار، ولكنه ليس كاتب روائي ولكنه كاتب السيناريو الشهير “آرون سوركين”، من أشهر كتاباته مسلسل West Wing، وNews Room، وقد حصل على جائرة الأوسكار عن سيناريو فيلمه The Social Network، وترشح مرتين أخريين. وككل جيلي قد تأثرت بكتابات دكتور أحمد خالد توفيق، وقراءتي له هي التي مهدت لي الطريق لقراءة الأدب العالمي في الأساس.

– كيف استطعت ابتكار العالم الخاص بك في رواية زراد؟ وما الصعوبات التي واجهتك؟
رواية زراد شعرت بعالمها يخلق ذاته بذاته، كل ما فعلته هو إلقاء بصيص من الضوء على جزء من هذا العالم واتبعت ذلك الضوء ليكشف لي أكثر وأتعرف على العالم أثناء كتابته. لم تكن الصعوبة في الحقيقة في كيفية ترابط العالم وبنائه بقدر ما كانت بشكل أساسي تكمن في محاولتي لكبح جماحي؛ ألا أسهب في التفاصيل ووصف كل شبر من هذا العالم، بل أحاول دائمًا أن أترك للقارئ مساحة لكي يصل بنفسه لفهم بعض العلاقات المتشابكة بين ساكني هذا العالم. وكان من الطريف أنه بعد صدور الرواية كنت أقابل نوعين من القرَّاء؛ من يتقافز فرحًا وهو يخبرني أنه انتبه لعلاقة ما بين حدثين أو شخصيتين قبل أن أكشف عنها، وقارئًا آخر يلومني أني أطلت فترة إبقاء تاريخ العالم في الظلام حتى منتصف الرواية، وهو شيء كنت أقصده تمامًا؛ فكما قلت من قبل لست من مشجعي العرض التفصيلي لكل شيء، ولكن أريد القارئ أن يشعر أنه في رحلة معي لاستكشاف هذا العالم وقوانينه.

– هل تفكر في الاتجاه إلى ألوان أخرى من الأدب الخيالي كأدب الخيال العلمي أو الرعب؟
روايتي القادمة كمثال هي رواية من فئة الرعب، ويعود ذلك بشكل كبير لتأثري بصحبة صديقي كاتب الرعب الأشهر محمد عصمت، لكني حتى وأنا أكتبها فإني أعتبر نفسي أكتب دربًا من دروب الفانتازيا القاتمة. لدي أيضًا مشروع لرواية خيال علمي أعتقد أنها ستكون غير سهلة بالمرة لأن القارئ العربي في العادة ينفر من الخيال العلمي العربي لاستشعاره أنه ممسوخ من الكتابات الأجنبية ولا يحمل العناصر التي تسمح له بالتماهي معه. وهناك مشروع آخر لرواية جاسوسية، فكما ترى أن مشروعي الدائم هو تقديم قصة مسلية دائمًا. أيًا كان تصنيفها فستجدني أستكشف في أروقة الخيال دون أن أحد من نفسي داخل سياج اللون الأدبي الواحد.

– دراستك كانت في علم النفس، وقمت حتى بعمل ماجستير في علم النفس الإجرامي لماذا لم تكتب رواية بوليسية؟
أعتقد أن كثرة الحقائق تفسد الخيال، قليل هم الأطباء الذين يستمتعون بالمسلسلات الطبية، أو المحامون الذين يستطيعون مشاهدة مسلسل قانوني دون أن يقفز على لسانهم الكثير من الاعتراضات والمغالطات، ولكن القارئ أو المشاهد قد اعتاد تلك المغالطات حتى إن محاولة تصحيحها كمثال المسدسات الكاتمة للصوت لا تكتم صوت الطلق الناري حقًا بل تخفض من الصوت بنسبة قليلة، وتؤثر على دقة التصويب بشكل كبير، لذا فكتابة رواية مثل تلك وإن كانت في خطتي المستقبلية ستحتاج مجهودًا أكبر لأكون على وفاق مع الخيال الجمعي لقرَّاء تلك النوعية من الكتابات على أن أكون دقيقًا في وصف ما يحدث في الحقيقة.

– هل رواية “إينولا هولمز” هي تجربتك الأولى في الترجمة؟ وهل أنت من اختار العمل أم الدار؟
لا، هذه ليست هل تجربتي الأولى في الترجمة، فقد ترجمت من قبل مسلسلًا صوتيًّا بعنوان “الأكاديمية” لصالح منصة ستوريتل للكتب الصوتية، وسيصدر قريبًا على المنصة. بالنسبة لرواية “إينولا هولمز” فأنا من اخترت الرواية لترجمتها، وسعيد لحصولي على حقوق ترجمتها من المؤلفة نانسي سبرينجر، لأني من مُحبِّي عوالم شارلوك هولمز، حتى الأعمال التي لم يكتبها آرثر كونان دويل نفسه، فشخصية هولمز هي من الشخصيات المميزة التي أستمتع بالقراءة في عوالمها وتجاربها المختلفة، ونانسي سبرينجر ليست هي أول من يبتكر شخصية جديدة في عوالم هولمز، وإينولا هي أخت شارلوك هولمز الصغيرة، وهي شخصية مختلفة ذات روحٍ مرحة، وتضيف بمغامراتها بُعدًا جديدًا إلى عوالم المحقق شارلوك هولمز، وأتمنى أن أقدر بترجمتي أن أقدم هذه العوالم إلى القارئ العربي.

– في نهاية الحوار، هل يمكن أن تشارك القراء اقتباسًا من رواية زراد يلقي لمحة على هذا العالم؟
أعتقد أن أفضل اقتباس قد يعرف القارئ بعالم رواياتي هو المقطع الافتتاحي للرواية:
“يكتمل قمرا القرن ليغمر ضوؤهما الأحمر سماء (زَرَاد) ويحيل ضبابها قرمزيًّا، وفي ثنايا الضباب يتخبط الملاعين السكارى في طقس عهدت رؤيته كلما اكتمل القمران.
إنه حدث جلل، لا يحدث إلا مرة كل عام، وجده الملاعين مناسبةً طيبة ليثملوا ويتصارعوا في الطرقات، وكل المناسبات هي مناسبة رائعة للملاعين ليثملوا ويتصارعوا في الطرقات.
فقط الميناء الشمالي تلون بالأخضر القاتم، وابتعد عنه كلٌ من الضباب والملاعين، وأنوار القمرين أيضًا. لم يثمل أحدهم كفاية ليتجاهل الأعلام الخضراء الخاصة بالعزل الصحي.
تتعالى الأمواج في الميناء، بفعل مد القمرين، ومعها النسائم الكبريتية النتنة.
وحيدًا وعلى رصيف الميناء يتقدم ظلٌ أسود يثير الهلع؛ فبرأسه منقار طويل كمنقار الغراب وبيده عكاز مدبب تتلاعب به الظلال لتظن أنه امتدادٌ ليده، ولا تساعد خطواته عالية الصوت -التي تشي بنعلٍ معدني لا يرتديه العامة – على تغيير هالة عدم الراحة المحيطة به.
يتوقف الظل عند آخر خيمة منصوبة على الميناء، يمد عكازه المدبب ليقرع على الجرس المدلى أمام الخيمة.. لحظات وتمتد رأس عجوز تسبقه يد بها مصباح غازي.
يتأمل العجوز للحظة الوجه المغطى بقناع خشبي، ثم يلتفت برأسه مناديًا:
– طبيب الوباء قد وصل، أرسِلِ البائسين.”