رؤية “داعش” للمرأة في مانيفستو “نساء الخلافة”

رؤية “داعش” للمرأة في مانيفستو “نساء الخلافة”
Spread the love

د. هيثم مزاحم* |

مع بروز تنظيم “داعش” أخذ “الجهاد النسائي” بعداً غير مسبوق، إذ لم يحدث أن دعت أي منظمة “جهادية” -ولا حتى تنظيم القاعدة الذي انشق عنه “داعش”- النساء للالتحاق بها بأعداد كبيرة لنصرة قضيتها ودعمها معنوياً أو جسدياً. فقد كان عدد الجهاديات الأوروبيات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة قبل ظهور “داعش”، فتنظيم القاعدة كان يرفض قطعياً تطوع النساء، ويأبى رؤيتهن في الجبهات وموتهن كشهيدات. لكن “داعش” قدم مفهوماً غير مسبوق حول “جهادية النساء”، بل تعدى ذلك نحو اقتراح استثمار الدوافع الأنثوية الصرفة وراء انخراطهن في التنظيم.
ففي دراسة ميدانية لأكثر من ستين حالة يحاول فتحي بن سلامة، وهو أستاذ علم النفس المرضي في الجامعات الفرنسية، وفرهاد خسرو خاور، مدير الدراسات في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، في كتابهما المعنون بـ”جهاد النساء: لماذا اخترنَ “داعش”؟” تفسير قوة الغواية التي مارسها التنظيم على عدد من الشابات اللواتي اتجهن إلى سوريا والعراق واندفعن في مشروعه الجهادي.
يرى بن سلامة وخسرو خاور أن “وجود أراضٍ شيدت عليها مدينة إسلامية نموذجية، وقيام الخلافة فيها، هو حدث حاسم في جاذبية هذا العرض، حيث يُقدر عدد اللواتي التحقن بالتنظيم في سوريا والعراق بنحو (500) امرأة، وكان من الممكن أن يتضاعف هذا العدد لولا القيود التي فرضتها الدول الأوروبية وتركيا حول عبور الرجال والنساء إلى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم”.
وعلى الرغم من أن أيديولوجيا “داعش” بعيدة كل البعد عن أن تكون لطيفة مع النساء، فهي “لا تعاملهن بإنصاف، وتحبسهن في مقرات مغلقة حيث عليهن انتظار أزواجهن المستقبليين، وتمنعهن من الخروج وحدهن في الشوارع، وتفرض عليهن الحجاب الكامل، وتمارس عليهن أقسى أنواع التمييز فيما يخص حقوق الإنسان، فإنها استطاعت أن تجذب أعداداً كبيرة منهن، إذا ما قيست بغيرها من الأحزاب أو الأيديولوجيات”.
تهدف هذه الدراسة إلى عرض وتحليل محتوى البيان الذي أصدرته ما يعرف بـــ “سرية الخنساء الإعلامية” التنظيم النسائي التابع لداعش، والذي إلى جانب انخراطه في الأعمال العسكرية والحسبة والتجنيد، نشر بياناً حدد فيه مواصفات “المرأة في الدولة الإسلامية”. لا يعد هذا البيان النسائي الإسلاموي الأول من نوعه، فقد سبق للناشطات والمنضويات في جماعة الإخوان المسلمين وكذلك تنظيم القاعدة، توجيه الرسائل والنصائح التي تعبر عن رؤيتهن المستمدة من مرجعيتهن الإخوانية أو السلفية الجهادية، ويمكن لنا أن نذكر في هذا المجال مؤلفات الداعية زينب الغزالي التي حملت في سياقها نظرة الإخوان للمرأة، يضاف إليها تعليقات ورسائل نشرتها “نساء القاعدة” لا سيما زوجات القيادات العليا في التنظيم.
بيان سرية الخنساء: المرأة في الدولة الإسلامية
أصدرت سرية الخنساء الإعلامية رسالة موجهة إلى النساء أشبه بـ”مانفيستو” بعنوان “المرأة في الدولة الإسلامية: رسالة وتقرير” نشره التنظيم على بعض مواقعه، وهو مؤلف من (36) صفحة. تبدأ الرسالة بمقدمة تتباهى بـ”طلوع شمس الخلافة” وانتهاء “التيه الذي عاشته أجيال المسلمين منذ عقود طويلة”، وانقضاء زمن التقليد للمنتصر الغربي في أسلوب الحياة، مشيرة إلى أن المجتمع الإسلامي الذي بدأت “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، أي دولة داعش، “بتكوينه هو مجتمع يجتمع أساساً لغاية العبادة لله الواحد الأحد، وكل ما سوى تلك الغايات إذا تعارضت مع هذه الغاية قُذفت إلى الجحيم”.
وتقول الرسالة: “إن هدف “دولة الخلافة” هو إعادة المجتمع الإسلامي الذي بدأ بالتكوّن في ظلها إلى صورته الأولى التي كانت في زمن الحكم النبوي والخلافة الراشدة، مذكرة بدور المرأة المسلمة آنذاك بوصفها فرداً من أفراد المجتمع، حيث يجب أن يكون لها اليوم دور أيضا،ً وفق ضوابط الشريعة”.
تضيف الرسالة أنها ستقوم بتحديد الدور الحقيقي للمرأة اعتماداً على الهدي القرآني والنبوي، “بعيداً عن تعكير هذه الأزمان المتأخرة، التي عبثت بفطرتها وبدينها حتى أنستها وأنستنا سبب وجودها ووجودنا على ظهر الأرض”. وينبّه المنشور الداعشي إلى أن هذه الرسالة “إنما هي اجتهاد شخصي لبعض مناصرات الدولة الإسلامية، ولا يجب أن تحسب عليها أو على قادتها، ولا يصح اعتبارها كدستور أو شيء من هذا تريد الدولة أن تقرره بشأن المرأة”.
اللافت هنا كيف أن تنظيم “داعش” المعروف بصرامته الفكرية والفقهية ومركزيته الشديدة، يمكن أن يسمح بنشر منشور يخاطب به المرأة المسلمة، قائلاً: إنه اجتهاد شخصي لبعض مناصرات التنظيم، ولا يجب أن تحسب عليه أو على قادته، ولا يصح اعتباره كدستور أو نظام لداعش بشأن المرأة. والمرجح أن “داعش” أراد بهذه الفقرة ترك مجال للتراجع عن بعض الأفكار والأحكام في حال تعرضت للنقد من بعض الفقهاء المسلمين خصوصاً السلفيون منهم. فالرسالة -بحسب المنشور- قد كُتبت لثلاثة أغراض هي: أولاً: تبيان دور المرأة المسلمة والحياة التي يجب أن تكون عليها لتسعد في الدنيا والآخرة. ثانياً: إظهار الحال الطيبة والمعيشة الكريمة للمرأة في ربوع “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وتفنيد الشبهات المثارة حول التضييق عليها وغير ذلك، بشهادات بعض المسلمات المقيمات هناك. ثالثاً :”فضح التوحيد المزور” في الجزيرة العربية، “الذي يدّعي التفرد في حماية المرأة والحفاظ على دينها وحقوقها”.
هدف الحياة عند “داعش”…العمل للآخرة
في الجزء الأول من المنشور المعنون “رسالة المسلمين في الحياة”، تقول الرسالة: إن الهدف الرئيس لرسالة المسلمين في الحياة هو التوحيد وإقامة الشريعة ونشر الإسلام. ويدين المنشور محاولات المسلمين التشبه بالحضارة الغربية وترك العلوم الإسلامية التي يعتبرها الأساسية مع عدم إهمال العلوم الدنيوية الضرورية للبشرية، بشرط أن يؤخذ منها بالقدر الذي يكفي حاجة الناس.
وينقل المنشور عن الشيخ ناصر الفهد قوله في كتابه “حقيقة الحضارة الإسلامية”: “فالعلم؛ هو العلم الشرعي، وهو الذي دل عليه القرآن والسنة وكلام السلف لا علوم الفلاسفة والملاحدة”. كما ينقل عن علماء قدامى أقوالاً تصب في السياق نفسه، ومنها قول ابن القيم: “العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان”.
وتخلص رسالة “داعش” إلى أن المسلمين اليوم قد وقعوا “في خللين كبيرين”، الخلل الأول: “هو انصرافهم عن العبادة، الغاية الوحيدة من خلقهم، ووقوعهم في الجهل الأكبر حيث أعرضوا عن العلم الشرعي من عقيدة وفقه وغيرهما. ولهذا تجدهم اليوم لا يفهمون عقيدتهم، ولا يدركون أصل دينهم ولا يعلمون ردة حكوماتهم العميلة”. أما الثاني فهو “اختلال ميزان التفاضل بين الناس، والولاء والبراء، فتجدهم يعقدون العلاقات الودية مع الكفار المحاربين، ويسكنون بين ظهرانيهم لأجل علمهم الدنيوي الحقير بالنسبة إلى علم الآخرة، وتجدهم على إثر ذلك يعتدّون بالهيئات العلمية الدولية والوثائق التي تصدر عنها، منظمة اليونسكو، منظمة الصحة العالمية، منظمة الغذاء والزراعة…”.
تكشف هذه الرؤية الإسلاموية المتطرفة تنظيم “داعش” ورؤيته ضيقة الأفق للحياة؛ فهي تقتصر على العمل للآخرة باعتبار أن الهدف من الوجود هو عبادة الله، والتعلّم بالعلوم الشرعية هو الأساس لأنها العلم الحقيقي، بينما العلوم الدنيوية حقيرة في نظره، لكن لا بأس بالتعلّم منها بمقدار الحاجة إليها. فهذه الرؤية التي تخالف نصوص القرآن الكريم التي تدعو إلى التدبّر والتفكّر بآيات الكون واكتشافها، وحديث الرسول الأكرم (ص) بالدعوة لطلب العلم ولو في الصين، ومن المؤكد أنه لم يقصد العلوم كلها، ولم يقصد فقط العلم الشرعي في الصين، والإسلام لم يغادر الجزيرة العربية بعد. كما أن هذه الرؤية تحرّم العلاقات الودية والدبلوماسية والسياسية والعلُّمية مع من تعتبرهم “الكفار” ومع الهيئات الدولية العلمية والإنسانية، بذريعة عقيدة الولاء والبراء، واختلال ميزان التفاضل بين المسلمين وغير المسلمين، غير آبهة بتطور العلاقات الدولية والنظام الدولي العالمي والأدوار الإنسانية والثقافية والطبية والعلمية.
رسالة المرأة المسلمة في الحياة
في الجزء الثاني وعنوانه “رسالة المرأة المسلمة في الحياة”، يقول المنشور: إن المرأة قد خُلقت لإعمار الأرض كما الرجل، لكن على النحو الذي أراده الله لها. “فقد خلقها من آدم ولأجل آدم، فبعد أن تؤدي حق خالقها فيما افترض عليها، لا يكون هناك حق أعظم من حق زوجها عليها، قال ربهما في كتابه: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” فحدد الدور وعلّل بالهدف بقوله: “(لتسكنوا) إليها”.
ولكن الرسالة الداعشية ترى أن “المشكلة اليوم، أن المرأة لا تجد نفسها منتمية لوظيفتها الحقيقية المتماشية مع فطرتها وطبيعتها”، من جهة أن الرجال قوامون على النساء ولهم زمام القيادة وللنساء شرف تنفيذ أوامرهم وضرورة طاعة المرأة لزوجها. ويجب “على المسلمات أن يهذبن أنفسهن ويربين بناتهن على ما أراد الله خالقهن منهن ليقوم البيت المسلم، ويقوم من بعده مجتمع المسلمين”.
وتعتبر هذه الرسالة أن “وظيفة المرأة الأساسية ومكانها الصحيح في المجتمع، هو ذلك المسكن الهادئ، بين أبنائها وأهلها، تربي وتعلّم، تحفظ وترعى الأجيال، ولا يتأتى هذا لها إذا كانت أمّية جاهلة، والإسلام لا يقر منع التعليم وحجب الثقافة عن المرأة”. وتضيف أنه قد تقتضي الظروف أن تخرج بعض النساء لخدمة المجتمع المسلم في أحوال عدة، “عدا خروج جميع النساء لحوائجهن المعروفة المعهودة، من سفر وزيارة واستشفاء… إلخ، وهو خروج طارئ غير مستمر كما الحال مع الرجل”. ويحصر تنظيم “داعش” وظيفة المرأة بالعبادة، والعلاقة الزوجية العاطفية والجنسية، وتربية الأبناء، ويكون خروجها طارئاً لقضاء الحوائج المعهودة كالسفر والزيارة والاستشفاء.

المرأة الغربية الأنموذج المعاكس لـــ “امرأة الخدور” الداعشية
يعتبر المنشور أن المجتمع الغربي قد أثبت فشل نظرته للمرأة عندما حررها مما اعتبره قيوداً تأسرها وتقلّل من قيمتها وأهمية دورها في المجتمع، حيث قاموا بتحريف أربعة مفاهيم اخترقوا بها عقول المسلمات وعبثوا بعواطفهن من خلالها، وهي:
•القرار: الذي لم يعد يلقَ ترحيباً عند النساء اللاتي ترفضنَ ملازمة بيوتهن.
•العمل خارج المنزل.
العلم: يقول المنشور: إنهم (ادعوا أن علوم الدنيا هي العلوم، وعلم الآخرة “العلوم الشرعية” ليست من العلم! وأن على المرأة أن تطلب هذا العلم الدنيوي الحقير في أقاصي الجبال، وأخامص الأودية، وأن تطوي الأرض راحلة في قصده إلى الديار الغربية لتجلس في مقعد واحد مع “مثقف” آخر، وتفحص وإياه خلايا مخ الغراب، وحبات الرمل، وشرايين الأسماك! حتى تنقذ الأمة، وتصلح الأجيال، وتنشر العدل، وترفع عَلم الإسلام!). لكن الرسالة الداعشية ترى أن المرأة “إذا تعلمت القراءة والكتابة، وتعلمت أمر دينها وتفقهت فيه، وضمّت إلى ذلك (من) المعارف الدنيوية كان ذلك كافياً ومعيناً لها على القيام بوظيفتها التي خُلقت لها خير قيام، ولا حاجة للقفز هنا وهناك لنيل الشهادات والأوسمة، ولا حاجة لإثبات أن (ذكاءها) يفوق ذكاء الرجل!”.

وبذلك يكرس “داعش” صورة نمطية سلفية للمرأة يجعل بقاءها في المنزل هو القاعدة وخروجها منه لحالات طارئة محدودة هو الاستثناء، ووظيفتها محصورة بين إسعاد الزوج وخدمته وتربية الأطفال. حتى تعليم المرأة في رؤية “داعش” ليس مطلوباً لذاتها وإرضاء لعطشها المعرفي وحاجتها للمعرفة والثقافة، إنما كي تكون مؤهلة لتدريس أبنائها وبناتها، فهي ناقل للمعرفة وليس حاملاً لها.

4- الجمال: ينتقد المنشور عمليات التجميل التي تقوم بها النساء المسلمات والموضة، وطرق قص شعر المرأة وتزيينها التي تعرض في دور الأزياء وصالونات الحلاقة والتجميل، إذ لم تعد النساء تقتنعن بالجمال الذي منحهن إياه رب العالمين، بل بتنَ يشوهنَ أنفسهن بعمليات التجميل والتبرج والأزياء غير المحتشمة.
ويستدل كاتبو الرسالة– المنشور بأن الحديث النبوي “يشجع المرأة على عدم الخروج حتى [للصلاة] وهي أعظم ما يكون من أمر، بينما يحث الرجال بل ويوجب عليهم أن يخرجوا لصلاة الجماعة خمس مرات في اليوم والليلة”.
إن رؤية “داعش” للمرأة رؤية ذكورية متطرفة وهي تخالف الرؤية الحقيقية للإسلام تجاه النساء . فالمرأة في العهد النبوي – وكذلك في عهد الخلفاء الراشيدن- كانت تأتي إلى النبي تسأل عن مسألة دينية أو حاجة دنيوية أو تشكو من ظلم تعرضت له. وكانت تتعلم وتسافر وتتاجر ضمن الظروف المتوافرة آنذاك للدراسة والعمل والتجارة والسفر. ومن الشواهد على دور المرأة السياسي في عهد الخلفاء الراشدين زيارة السيدة فاطمة الزهراء (رض) بنت النبي إلى الخليفة أبي بكر تطالبه بأرض فدك التي ورثتها عن أبيها، وخروج السيدة عائشة أم المؤمنين في حرب الجمل مطالبة بدم الخليفة عثمان بن عفان. فبغض النظر عن صحة هذا الموقف السياسي أو ذاك لكل منهما، لكن لم يعترض أحد عليهما من الناحية الدينية بالقول: إن المرأة لا يحق لها الخروج إلا لقضايا طارئة كالاستشفاء والسفر.
تقول الرسالة الداعشية: إن وظيفة المرأة الأساسية هي الاهتمام بزوجها وأسرتها ومنزلها، إلا أنها ترى أن هناك بعض الوظائف والأدوار التي يمكن للمرأة القيام بها وهي:
•الجهاد المتعين، إذا هاجم العدو بلدها وكان هناك نقص بالرجال، وأفتى العلماء لها بذلك، كما فعلت بعض النسوة في الجهاد العراقي والشيشاني.
•طلب علوم الدين.
•الطب والتعليم شرط مراعاة الشروط الشرعية.
يزعم المنشور الداعشي أنه لا يشجع “الأمية، والرجعية، والجهل” و”لكن المرأة كما قيّد ذلك علماؤنا الأفاضل من سلف وخلف، إذا تعلمت القراءة والكتابة، وتعلمت أمر دينها وتفقهت فيه، وضمّت إلى ذلك (من) المعارف الدنيوية كان ذلك كافياً ومعيناً لها على القيام بوظيفتها التي خُلقت لها خير قيام، ولا حاجة للقفز هنا وهناك لنيل الشهادات والأوسمة، ولا حاجة لإثبات أن (ذكاءها) يفوق ذكاء الرجل!”.
مرة أخرى تبرز الرؤية الذكورية لتنظيم “داعش” في منشوره تجاه المرأة، على الرغم من زعمه أن المنشور كتبته نساء في التنظيم. فهو يقر لها بتعليم محدود كافٍ للقيام بوظيفتها الزوجية والتربوية أو الطبية والتمريضية بمقدار الحاجة لنقل هذه المعرفة إلى آخرين أو الاستفادة منها في علاج مريضة بسبب حرمة عرض المرأة على طبيب رجل. وبالتالي لا داعي لها أن تنال الشهادات والأوسمة أو حتى منافسة الرجل وإثبات ذكائها وتفوقها، فالرجل متفوق بالضرورة وهو قوام عليها.

اقتراحات للمناهج التعليمية للفتاة المسلمة
ترى الرسالة/ المنشور أن أعمار الفتيات المسلمات قد ضاعت “في مجتمعات العلمنة وهن يدرسن علوماً لا تقيم ديناً ولا تصلح دنيا، وامتدت دراستهن السنوات تلو السنوات، وامتنعن عن الزواج حتى يكملن هذه الدراسة العجيبة، مما أظهر لنا المشكلات السكانية والاجتماعية المعروفة المترتبة على ترك الزواج، أو تأجيله إلى سنوات متقدمة من العمر، وهو ما يخالف الهدي النبوي ويصادمه”. وتقترح الرسالة أن يتم رسم تخطيط للمنهج التعليمي للبنات، بحيث يبدأ من السابعة وينتهي بالخامسة عشرة أو قبلها بقليل، يتم فيه توزيع العلوم العقلية والمهارية بحسب قدرات كل عمر وإمكانات كل مرحلة، وذلك تبعاً للنمو العقلي والجسدي للفتاة.
ويقسّم الاقتراح مراحل الدراسة على الشكل الآتي:
المرحلة الأولى: “من السابعة إلى التاسعة تكون هناك ثلاثة مناهج: المنهج الديني عقيدة وفقهاً، والمنهج اللغوي للغة القرآن (قراءة وكتابة)، والمنهج العلمي (أساسيات في الحساب وعلوم الطبيعة)”.
المرحلة الثانية: “من العاشرة إلى (12) يتم التعمق أكثر في المنهج الديني لا سيما الفقه، ويُركز أكثر ما يُركز على الفقه بأمور النساء وأحكام الزواج والطلاق، بالإضافة إلى المنهجين اللغوي والعلمي، ويُزاد منهج مهاري يختص بتدريس فنون الحياكة والنسيج، وأبجديات الطهي”.
المرحلة الثالثة: “من (13–15) يُتوسع أكثر فأكثر في العلوم الشرعية، وكذا المهارية بإضافة (المعارف الخاصة برعاية الأطفال)، ويضيق المنهج العلمي ويكتفى بما تم تدريسه من أساسيات، ويضاف منهج جديد لدراسة التأريخ الإسلامي، والسيرة النبوية وسير التابعين والتابعيات”.
وتعتبر الرسالة أن “سن التاسعة هو السن الشرعي فتكون البنت بموجبه امرأة يمكنها الزواج”، مشيرة إلى أن أكثر النساء كانت “قبل تلوّث المفاهيم يتزوجن في سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة في أبهى سنوات الفتوة والنشاط، ولم يكن شباب المسلمين يتأخرون عن سن العشرين في تلك العصور المجيدة”.
تظهر اقتراحات المناهج هذه سذاجة منظري أو منظّرات تنظيم “داعش” ومحدودية تفكيرهم وتفكيرهن وبعدهم وبعدهن عن الواقع المعاصر والعالم الحديث والمناهج التربوية والعلمية الحديثة، إذ يرى مقترحو هذه المناهج أن الفتاة يكفيها تعلّم بعض أساسيات الحساب وعلوم الطبيعة بين السابعة والتاسعة من عمرها، والاكتفاء بتلك الأساسيات وعدم تعلّم المزيد منها لاحقاً، وكأن عقلها في هذا السن قادر على استيعاب وهضم هذه الأساسيات التي لن تتعدى بعض عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، وبعض المعلومات عن جسم الإنسان والطبيعة. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على النظرة الدونية للمرأة واعتبارها أقل ذكاء ومنزلة من الرجل، وقصر دورها في الحياة الزوجية من حب وجنس وإنجاب وتربية الأطفال من جهة، وقصر تعليمها على فقه النساء والحياكة والطهي وبعض السيرة والتاريخ الإسلاميين من جهة أخرى.
ويبرهن على تلك النظرة الدونية والتحقيرية للمرأة ما قاله المنشور بأنه لا حاجة للمرأة للخروج أو السفر للدراسة “لنيل الشهادات والأوسمة، ولا حاجة لإثبات أن ذكاءه يفوق ذكاء الرجل!”.
المرأة في “الدولة الإسلامية” رهينة الجدران
يعتبر المنشور أن النساء لم تجنِ “من خرافة “المساواة” بالرجال إلا الشوك، “فبموجب المساواة كانت أيام عملها وإجازاتها مساوية للرجل بالرغم مما يعتريها من عوارض شهرية أو سنوية بحمل وغيره، وبالرغم من طبيعة حياتها ومسؤوليتها عن زوج وأبناء ووالدين و… و… و… فإن كانت مضطرة لتعمل خارجاً وتنفع المسلمات، وجب علينا أن نكافئها بما يعينها على الخدمة، ويحفظ بيتها وأولادها في غيبتها الطويلة”.
تقترح الرسالة وفق ما ترى أنه يتناسب مع طبيعة المرأة الآتي:
•”أن يكون العمل مناسباً لها ولقدراتها، وأن لا تُكلف بما لا تطيق أو بما يصعب عليها إنجازهن.
• ألا تزيد أيام عملها على ثلاثة أيام في الأسبوع، وأن لا يمتد عملها طويلاً في اليوم حتى لا تغيب عن بيتها لوقت طويل.
•أن تُراعى في ظروفها الإجبارية من مرض طفل أو سفر زوج أو غيره، وأن لا يُتزمت معها في أمر الإجازات.
•أن تُعطى إجازة أمومة لمدة سنتين على الأقل، تربّي فيها وليدها وترضعه، وأن لا تعاود العمل إلا بعد أن يبدأ في الاعتماد على نفسه في أهم الأمور.
•أن يوفر في مكان العمل مكاناً تضع فيه أبناءها ما داموا لم يبلغوا سن المدرسة، بحيث تطّلع عليهم بين الفينة والفينة منعاً للمشاكل المترتبة على بقاء الصغار وحدهم في المنزل، أو تكليف أحد بالعناية بهم أو نحو ذلك”.
تشير رؤية “داعش” لعمل المرأة إلى تفهم التنظيم لحاجته للنساء في ميادين عدة من تعليم النساء ومعالجتهن ومراقبتهن وتلقي شكواهن… إلخ، مما يتطلب عمل بعض النساء في الدولة والمجتمع، كمعلمات ومربيات وممرضات وطبيبات وكمراقبات وشرطيات وسجانات وجلادات في كتيبة “الخنساء”. لكن التنظيم يرفض مساواة الرجل بالمرأة ويعتبر الأمر خرافة مستنداً إلى التراث الفقهي السلفي الجامد وغياب الاجتهاد الفقهي الذي يواكب التطورات الإنسانية والحضارية، ورفض التأويل للقرآن والحديث والاقتصار على ظاهر النصوص.
يقول الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية المصرية السابق، “إنَّ الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات؛ فقال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.. [آل عمران : 195]، وقال عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.. [البقرة : 228]، وقال جل شأنه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.. [النحل]”.

مواصفات “نساء دولة داعش”
في الجزء الثاني، وهو تقرير لواقع النساء في دولة “داعش” التي امتدت على أجزاء من العراق وسوريا، يشير المنشور إلى أنه عند التجوال في كل من شوارع الموصل في العراق والرقة في سوريا، يمكن ملاحظة الحالة العامة للمرأة هناك وما تعانيه. ويختار حال المرأة في كل من نينوى والرقة كأنموذجين. ويقول التقرير إنه كان لـ”سرية الخنساء الإعلامية” تجوالها الخاص في المدينتين، “لرصد الواقع المفرح حقيقة لما آل إليه أمر المرأة المسلمة وعودتها إلى مجدها الأول، وأثوابها السود التي تغيظ المنافقين وأولياءهم”.
ويبدأ التقرير بعرض الواقع في نينوى العراقية كما يلي:

المرأة والحجاب
يقول المنشور: إن الحجاب هو من أسس حفظ الدين وأهم من “الضرورات الخمس” التي فرضتها الشريعة الإسلامية، ألا أن هذا الحق قد سُلب من المرأة خلال عقود الاستعمار الفكري والعسكري، حيث تم إيذاء النساء اللواتي التزمن الحجاب الشرعي واتهمن بالرجعية والتخلف، بينما تم تسيير أمور السافرات والمتبرجات واعتبرن المثقفات والمتحضرات. أما بعد قيام دولة “داعش”، فيزعم المنشور أنها أعادت للمرأة التي التزمت حجابها كرامتها، وتم القضاء على جميع الأسباب التي كانت سبباً لإهانتها.
يضيف المنشور: “أما بعد التمكين للخلافة، فتعجبك صورة الستر والحشمة التي عمّت البلاد ولله الحمد، ويمكن للأخت أن تسافر إلى أهلها في الرقة دون أن تضطر لكشف وجهها لعين متفحصة واحدة، وأعيدت كرامة أجسادهن التي طالما ابتذِلت من عيون الناظرين أصحاب القلوب المريضة، ومُنعت أسباب إهانتها مرة أخرى، فصودرت العباءات الكاشفة من المحال التجارية، ومُنع تعليق الصور الفاضحة على الجدران والأرفف، وأذِن للطهر بأن يغشى بلاد المسلمين من جديد ولله الحمد والمنة”.

المرأة والأمن والصحة
يزعم المنشور/ التقرير أن المرأة السنية خلال غزو العراق وما بعده تعرضت إلى الخطف والأسر والتعذيب والتنكيل والاغتصاب والقتل، حيث كانت نساء أهل السنة والجماعة تختطف على أيدي الميليشيات، وفي بعض الأحيان كنَّ يحكمنَ بالإعدام ظلماً. يقول: “وكانت تلك ثمرات تحكيم الشريعة التي جاءت لتحفظ الضرورات بما فيها الأنفس والأموال والأعراض، والتي ما قامت دولة الإسلام إلا لتحكيمها في الأرض، أن حصل الناس على حقوقهم، ولا سيما النساء. إن المرأة تسير الآن في الأسواق وتقضي حوائجها ولا أحد يجرؤ أن يتعرض لها، ومن يفعل يُجزى بالعذاب الأليم”.
ويضيف: “قامت في دولة الخلافة حملات تطعيم وقائي ضد عدد من الأمراض للأطفال والرضع.. وكان للمرأة نصيب وافر من هذه العناية الصحية، فكانت –مثلاً- مستشفيات التوليد التي تقدم فيها الرعاية الفائقة للأم ووليدها”. وقد سعت دولة “داعش” إلى “منع الاختلاط بين الرجال والنساء وتضييقه إلى أبعد الحدود، وهي بهذا تكون النموذج الأول والفريد الذي قدم خدمة صحية “حكومية” متكاملة وناجحة من غير اختلاط، في المستشفيات الحديثة في هذا العصر”.
المرأة والعدل
يزعم المنشور/ التقرير أنه لم تكن المحاكم قبل قيام “الخلافة” المزعومة عادلة لسببين: الأول عدم تطبيق السلطة الحاكمة للشريعة، والثاني عدم اهتمام الشيعة بحقوق أهل السنة وخصوصاً حقوق النساء، ولذلك فإن حقوق أكثرهن كانت تضيع.
يقول المنشور في هذا الصدد: “والآن وبعد وجود المحاكم التي تحكم بما أنزل الله، فقد خصصت الأوقات الطويلة من القضاة للجلوس إلى الناس لا سيما في قضاياهم الاجتماعية من زواج وطلاق وميراث، والتي للمرأة نصيب كبير فيها، واعتمدت الأقسام المعنية بها عدم التأخر في البت فيها قدر الاستطاعة”. ويضيف: “المرأة تذهب إلى المحكمة وتطرح تظلمها بكل حرية، وهي تجد من يستمع لها ويضمن لها حقها بدون مساومات أو رشاوى؛ مما حدا ببعض الباحثين أن يقولوا: إن نسبة الفساد في الدولة صفر!”.

المرأة والمعيشة
يزعم منشور “داعش” الموجه للنساء أنه لم تكن المرأة التي استفحل الفقر عليها وعلى أسرتها تعيش حياة كريمة في ظل حكم العراق الذي يهيمن عليه الشيعة، حيث كانت المرأة التي فقدت زوجها أو أولادها في الحرب تطرد وتهان من دون أن تُقدم لها أي مساعدة. ويقول: إنه في ظل “دولة الخلافة” فقد عادت لتعيش بكرامتها وتأخذ نصيبها من الأموال من بيت الزكاة وتقدم لها الرعاية الصحية والطبية الكاملة.
يقول المنشور: “تلك الحالة المأساوية قد آذنت بالرحيل، وأصبحت تقصد ديوان الزكاة لتأخذ حقها الذي كفله الله تعالى لها ولأطفالها فتعطاه بكل احترام وتقدير، لا يتبع ذلك منٌّ ولا أذى، وكذلك أكرمت صاحبات الحقوق ممن وجبت لهن الزكاة من المحتاجات وقُدمت لهن الرعاية الصحية الكاملة”.
يحاول “داعش” هنا من خلال استثارة العصبيات المذهبية لتبرير هجماته الإرهابية بالقول إن النساء السنة كن ضحايا الميليشيات والحكومة في العراق لأسباب طائفية، وذلك لاستقطاب مؤيدين ومؤيدات من العراق وسوريا والعالم الإسلامي تحت عنوان نصرة النساء المضطهدات.
المرأة والتعليم
يقول المنشور/ التقرير: إن “الدولة الإسلامية”، دولة داعش، لم تمنع المرأة من إكمال كل مراحل الدراسة في المدارس والجامعات، وقد سعت لفصل الذكور عن الإناث في الجامعات، وقد بدأت بهذا فعلاً في “جامعة الموصل”.
كما اهتمت دولة “داعش” بتعليم النساء بالثقافة الدينية والفقهية، من خلال ما افتتحته من المعاهد والدورات الشرعية، وما تتلقاه النساء من الدروس في تلك المدارس. ثم ينتقل للحديث عن الوضع في الرقة السورية عاصمة الخلافة أو “الدولة الإسلامية” المزعومة. ويعتبر أن وضع الرقة في ظل حكم “داعش” لا يختلف كثيراً عن الوضع الذي كان قائماً في بلاد الرافدين خصوصاً بالنسبة للمرأة، من حيث العدل والأمن والمعيشة والتعليم والرعاية الصحية والطبية، بحيث لم تنل المرأة حقوقها ولم تعش بكرامتها إلا بعد تثبيت الخلافة فيها.

المهاجرات إلى الرقة…النعيم في حجيم داعش
عن أحوال المهاجرات في الرقة، يزعم المنشور أن الأسر المهاجرة تعيش في الرقة “أياماً جميلة لا تكدر صفوها أوجاع الجوع ولا هبات البرد ولمسات الصقيع، فالخلافة تقسّم المال على الناس بالعدل مهاجرهم وأنصارهم لا تفرق في ذلك بين عربي وأعجمي، وأسود وأبيض، فالكل بموجب حكم الإسلام إخوة، ولا يمكن أن يعيش المرء هذا الجو من الألفة الإسلامية في أي بقعة من الأرض تحكمها الطواغيت التي فرضت الوطنية ديناً والقومية شريعة”. ويضيف: “وفي دولتي هنا، فالشيشانية صديقة الشامية، والحجازية جارة الكازاخية، بل والتقت الأنساب، وتعارفت القبائل، واندمجت الأعراق تحت راية التوحيد، لتنتج لنا أجيالاً فريدة تجتمع فيها محاسن الثقافات ومكارم الشعوب المتعددة، فما أجمله من لقاء، وما أعذبه من وفاق!”.
يحاول التنظيم الإرهابي رسم صورة طوباوية لدولته في أجزاء من العراق وسوريا، محاولاً التغطية على جرائمه ضد المسلمين والمسيحيين والإيزيديين من قتل وسلب واستعباد وتدمير للمساجد والأضرحة والكنائس والمتاحف والمدارس والمنشآت، فهو يتغنى بلقاء الشيشانية بالشامية والحجازية بالكازاخية، متناسياً أنه فرّق بين العراقي وجاره العراقي بسبب المذهب والدين، وبين السورية والسورية بسبب الانتماء التنظيمي والديني. وينسى “داعش” وزعيمه أبو بكر البغدادي كيف كفّر عامله على سوريا أبا محمد الجولاني ودخل في حرب طاحنة معه بسبب الخلافة على الزعامة.
وفي خاتمته يزعم المنشور أن دولة “داعش” وخليفتها أبا بكر البغدادي قد حفظ حق المرأة “بعد أن كان خفّضها العلمانيون”، وأقاموا فيها “أمر الله من الإحسان والحماية”. ويوجّه المنشور رسالة إلى “أخواتنا اللاتي ينعمن بحكم الله تحت ظل الخلافة، اتقين الله وأدين واجبكن تجاه دولتكن، واحذرن أن تسئن إليها من حيث تعرفن أو لا تعرفن، بادرن بتنشئة أبناء الخلافة على التوحيد الخالص، وبناتها على العفة والحشمة، واعلمن أنكن أمل هذه الأمة فمن بين أيديكن يخرج لنا حراس العقيدة وحماة الأرض والعرض، بارك الله فيكن وكتب أجر صبركن، أنتن منا ونحن منكن”.
سعى “داعش” من المقارنة بين واقع النساء في دولته وبين فاعلية المسلمات ونشاطهن في مجتمعاتهن إلى تحقيق أمرين: الأول: التحريض ضد الأنظمة السياسية والأطر الاجتماعية والدينية الحديثة؛ والثاني: استقطاب ما أمكن من النساء لا سيما اللواتي يعانين من التهميش الاجتماعي واللواتي يرفضن ضغوط الحياة المعاصرة للهجرة إلى مناطق سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، فمن الواضح أنه يغمز من قناة تململ بعض النساء من الأعباء التي يفرضها عليهن الواقع الراهن، بدعوتهن للعودة إلى وظائفهن البيولوجية والأسرية فحسب، وهذا تحريض خطير يتنافى مع الوقائع التاريخية التي شهدتها الحضارة الإسلامية والتي تبرهن على حضور النساء ودورهن الفاعل والمؤثر في الثقافة والاجتماع والقرار السياسي والدين.
ولا يقتصر “داعش” على جذب وتجنيد الرجال فحسب، بل يكشف المنشور الذي قمنا بعرضه وتحليله عن سعي التنظيم إلى استقطاب النساء إلى صفوفه، وفق خطة معينة تركز على جذب نساء لم يحصلن على تعليم جيد ويعدهن بدور محدد في المجتمع يتمثل بـ”الأطفال والمطبخ والدين”. “فالتنظيم يحاول جذب النساء من خلال فكرة العودة للدور التقليدي للمرأة وشرف فكرة كون المرأة ربة بيت وأم”.
يزعم كتاب “المرأة في الدولة الإسلامية”، الموجه للمسلمات في محاولة لجذبهن إلى صفوف “داعش”، أنه يقدم للمسلمات حقوقهن التي كفلها الإسلام.
ترى أستاذة العلوم الإسلامية حميدة محققي أن هذا المنشور هو عبارة عن “منشور للتجنيد والبروباغندا في المقام الأول. وتقول: “في عالم يزداد تعقيداً يعتبر هذا (المنشور) بمثابة عرض يريحك من التفكير ويحررك من الأعباء”، محذرة من أن السلاسة الفكرية لـ”داعش” هي من عناصر النجاح، حيث يقوم المنشور -كما عرضنا- بتجميل شكل الحياة للرجال وبخاصة للنساء في مناطق سيطرة “داعش، ويعطي نموذجين لنينوى في العراق والرقة في سوريا.
ويخلص الباحث الألماني شتيفان فايدنر إلى أن المنشور يوضح نوعية النساء المستهدفات وهن النساء المحرومات من أي نوع من التعليم العالي، واللاتي لم يتمكنّ من الحصول على وظائف مهمة. يتعلق الأمر هنا ببرنامج للمسلمات الشابات المنحدرات من الطبقة الدنيا سواء في العالم العربي أو بين صفوف الفئات المهاجرة المهمشة في الغرب.

الخاتمة
هذا المنشور المكتوب بلغة بسيطة بعيداً عن التنظيرات الفكرية والتعقيدات الفقهية يتوجه إلى الساذجات وغير المتعلمات من المسلمات، فيعدهن بالتطهّر والعودة إلى مجتمع “فائق الذكورية” حيث يكون دور المرأة فيه داخل جدران المنزل بشكل أساسي من زواج وإنجاب وتربية أطفال، إضافة إلى أدوار مساعدة للرجل في تربية وتعليم النساء ومعالجتهن صحياً أو مراقبتهن وإخضاعهن أمنياً وقضائياً
، فضلاً عن دور بعض النساء في كتيبة الخنساء من تأمين زوجات وسبايا للمقاتلين. وبذلك يكون دور المرأة في دولة “داعش” ضرورياً لتحفيز الرجال على الهجرة والانضمام إلى هذه الخلافة المزعومة، بحيث يجدون الزوجات والسبايا فيحققون متعهم الجنسية ويبنون أسرهم بأقل التكاليف المادية. يتضمن المنشور أفخاخاً كثيرة ويجب الحذر من اللغة التبسيطية التي يستخدمها والتي وقع ضحيتها الكثيرون، ممن وضعوا تصورات وهمية عن “دولة إسلامية متخيلة” ينهض بها “رجال”؛ دولة لا تقيم اعتباراً للنساء إلاّ ضمن الأدوار التقليدية المحددة مسبقاً.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية.