“هآرتس”: اتفاق بين إسرائيل والسودان يفرض حذراً مضاعفاً

“هآرتس”: اتفاق بين إسرائيل والسودان يفرض حذراً مضاعفاً
Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي |

“أخيراً أخيراً في استطاعة الإسرائيليين طلب لجوء سياسي في السودان”، انتشرت هذه النكتة في يوم الجمعة، بعد إعلان اتفاق التطبيع بين الدولتين. بلهجة أكثر جدية، بدأت في إسرائيل الأحاديث عن الربح المنتظَر من طرد طالبي اللجوء والعمال المهاجرين السودانيين مجدداً إلى وطنهم. وكما هو متوقع، “روتين” توقيع اتفاقات تطبيع مع دول المنطقة ينشّط تلقائياً الأوراق السياسية والعسكرية الحافلة بقوائم الربح والخسارة لكل طرف من الطرفين، كأن السلام مع دولة أُخرى في المنطقة ليس أكثر من عملية تجارية.
الفوائد للطرفين واضحة ومفروغ منها. سيُرفع اسم السودان عن قائمة الدول المؤيدة للإرهاب في الولايات المتحدة، وسيستطيع البدء بالحصول على قروض خارجية من مؤسسات مالية دولية، في الأساس من صندوق النقد الدولي؛ وفي استطاعة شركات دولية الاستثمار فيه وإيجاد آلاف مراكز العمل؛ وربما سيكون في إمكان الدولة الأكثر فقراً في العالم البدء بإعادة بناء نفسها، بعد عشرات السنوات من حكم الزعيم المجرم عمر البشير.
تستكمل إسرائيل مع هذا الاتفاق حزام أمنها في البحر الأحمر، الذي يتشارك فيه كلّ من مصر، والأردن، وجنوب السودان، والسعودية؛ وسيُكبح بصورة أكبر معبر انتقال السلاح من سيناء إلى غزة، الذي اعتمد على طرق التهريب من السودان، لكن الرصيد الأساسي بالنسبة إلى إسرائيل هو ترسيخ التطبيع مع دول المنطقة وقبوله كاستراتيجيا إيجابية تخدم المصالح العربية.
التطبيع مع السودان والإمارات والبحرين، ولاحقاً ربما أيضاً مع السعودية، وقطر ودول أُخرى، لن يؤدي إلى تبخُّر النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، لكنه ينفي الحجة التقليدية بأن السلام مع الفلسطينيين مشروط بإنهاء النزاع الإسرائيلي العربي. وبينما يأخذ هذا النزاع بالتفتت، ستبقى المشكلة الفلسطينية مشكلة إسرائيلية، من دون أن يكون لذلك علاقة بعدد السياح الإسرائيليين الذين سيزورون الأبراج الفاخرة في الإمارات، أو عشاق الرحلات الميدانية الذين سيكون في إمكانهم السفر مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم.
اتفاق التطبيع مع السودان، مثل الاتفاقات التي سبقته مع دول الخليج، هو ثمرة مفاوضات سياسية – اقتصادية حيكت بتعاون وثيق مع السعودية، التي يبدو أنها هي التي ستمول التعويضات البالغة 335 مليون دولار، التي تعهد السودان دفعها إلى المتضررين من عمليات إرهابية أدخلت السودان إلى قائمة الدول الإرهابية في الولايات المتحدة. نشأت علاقات قوية بين السعودية والسودان منذ نهاية فترة ولاية عمر البشير، عندما انضم السودان إلى الائتلاف العربي الذي أنشأه الملك سلمان في بداية الحرب على اليمن في سنة 2015. لاحقاً طرد السودان الوجود الإيراني من أراضيه، وأرسل مقاتليه إلى ساحة القتال اليمنية ضد الحوثيين.
عندما أُزيح البشير في نيسان/أبريل 2019، في أعقاب تظاهرات كبيرة قُتل فيها عشرات الأشخاص، سارعت السعودية والإمارات إلى تقديم مساعدة مالية مقدارها 3 مليارات دولار إلى المجلس العسكري الذي استولى على السلطة. وبذلك أصبحتا راعيتيْ القيادة السودانية الجديدة. هذه القيادة مؤلفة من ذراعين: المجلس العسكري الموقت الذي يتضمن 11 عضواً، بينهم خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، وزعيمه الجنرال عبد الفتاح البرهان. تحته تعمل حكومة برئاسة عبد الله حمدوك، وبحسب القانون الذي وُقِّع في سنة 2019، يجب أن تستمر هذه التركيبة حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2022، الموعد المحدد لإجراء انتخابات عامة.
في هذه الأثناء لا يوجد برلمان بعد حلّه عقب طرد البشير. وهذه التركيبة الهشة تعرضت لانتقادات عامة من الشارع الذي لم يتوقف عن الغليان. في يوم الأربعاء الماضي جرت تظاهرات في عدة مدن في البلد، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي الصعب، وعلى الارتفاع الكبير في الأسعار، وعلى النقص في الوقود الذي تسبب بطوابير طويلة أمام محطات الوقود، وعلى نية الحكومة تقليص الدعم على المحروقات. لا علاقة لهذه التظاهرات باتفاق التطبيع، لكنها تدل على فقدان الثقة بالحكومة الموقتة والغضب عليها.
هذا التوتر يمكن تجنيده بصورة طبيعية أيضاً لأهداف سياسية، وهو يتغذى من حجة أن اتفاق التطبيع ليس شرعياً، لأنه موقّع من حكومة موقتة ومن دون موافقة البرلمان. من أجل تهدئة الأجواء صرّح وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين، بأن الاتفاق سيدخل في حيز التنفيذ فقط بعد موافقة البرلمان، أي بعد عامين على الأقل، لكن المجلس العسكري الموقت لا ينوي الانتظار: تطبيق الاتفاق بدأ مع فتح الأجواء في السودان أمام طائرات إسرائيلية، وبدء النقاشات بشأن الاتفاقات الاقتصادية في مجاليْ الزراعة والصحة. لكن صراعات القوى السياسية بدأت للتو.
الصادق المهدي زعيم حزب الأمة الإسلامي، أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة هدّد بأن حزبه سيستقيل من الحكومة إذا وقّعت اتفاق التطبيع. وهذا تهديد مهم لأن المهدي المعارض لسلطة المجلس العسكري الموقت على الرغم من مشاركته في الحكومة، لا يمثل فقط حركته، بل أيضاً تيارات إسلامية كثيرة أُخرى في البلد. استقالته واستقالة حركات أُخرى يمكن أن تؤدي إلى سقوط الحكومة، وتجدُّد التظاهرات ونشوب مواجهات عنيفة بين الجيش والشرطة وبين المدنيين، تحديداً في فترة يحتاج السودان إلى هدوء واستقرار.
السودان ليس دولة مثل الإمارات والبحرين، حيث السلطة موجودة في يد العائلة المالكة التي لا تسمح بخطوات ديمقراطية لتغيير السلطة. هو دولة فيدرالية، حيث للقبائل المحلية قوة ونفوذ. حركات احتجاج مدنية نجحت في طرد حكم مستبد استمر سنوات طويلة، والوثيقة القانونية تفرض انتخابات وتعديلات تسمح بنشاط سياسي واسع لحركات المعارضة. لذا ليس هناك ما يضمن نجاح الحكومة في الصمود أمام الضغوط الداخلية (وربما ستؤجل تطبيق اتفاق التطبيع)، كما أنه ليس هناك ما يضمن أن حكومة جديدة لن تخرق الاتفاق. على هذه الخلفية يُفهم إعلان رئيس الحكومة حمدوك، الذي قال فيه، في الفترة الأولى لن يكون هناك تبادُل سفراء أو سفارات.
هذا الحذر يجب أن تلتزم به إسرائيل أيضاً. مظاهر احتفالية وتصريحات علنية بشأن الاتفاقات والفرص، ستخدم جيداً معارضي الاتفاق وحركات المعارضة، الذين سيوظفون الآن جهودهم لعرقلة تطبيق هذه الاتفاقات. الاختبار سيكون في الفائدة الاقتصادية المباشرة التي يستطيع أن يقدمها الحكم للمواطنين؛ السودان غارق في ديون تقدَّر بـ60 مليار دولار، وميزانيته ضعيفة وواقعة تحت العجز، ونحو 75% من موارده النفطية اقتُطعت منه بعد إنشاء جنوب السودان في سنة 2011، والتضخم ارتفع في الشهر الماضي ليصل إلى أكثر من 212%، وانخفضت قيمة الجنيه السوداني في السوق السوداء ليصل إلى 250 جنيهاً للدولار الواحد، في مقابل السعر الرسمي، نحو 52 جنيهاً للدولار.
لا تستطيع قيادة السودان الاكتفاء بقروض من صناديق دولية أو جدولة الديون؛ هي بحاجة إلى تدفق مباشر للمال من أجل حاجات التنمية، وهذه نظرياً يمكن أن تأتي من السعودية، ومن دول خليجية أُخرى. السؤال المطروح: مَن سيفوز في المنافسة؟ الدولة المانحة أو الاحتجاج الداخلي. وبهذا سيرتبط أيضاً مصير اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.