“ستراتفور”: واشنطن تكثف الدعم المالي لأوروبا الوسطى والشرقية لمواجهة الصين وروسيا

“ستراتفور”: واشنطن تكثف الدعم المالي لأوروبا الوسطى والشرقية لمواجهة الصين وروسيا
Spread the love

قال موقع مركز “ستراتفور” الأميركي القريب من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أن الدعم المالي الأميركي لـ”مبادرة البحار الثلاثة” يُظهر أن البيت الأبيض لا يزال ملتزماً بمشاركاته الأمنية والاقتصادية في وسط وشرق أوروبا، مع التركيز على مواجهة الوجود الصيني وروسيا في المنطقة.

ففي 19 تشرين الأول / أكتوبر، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستساهم بمبلغ 300 مليون دولار في صندوق استثمار “مبادرة البحار الثلاثة”، الذي يموّل مشاريع الطاقة والنقل والبنية التحتية الرقمية عبر الحدود في المناطق الواقعة بين بحر البلطيق والبحر الأسود والبحر الأدرياتيكي، رافعة رأسمالها لأكثر من 1.3 مليار دولار.

وستستخدم الولايات المتحدة التعاون مع “مبادرة البحار الثلاثة” للتنافس مع الصين وروسيا على النفوذ في أوروبا الوسطى والشرقية، فضلاً عن تعزيز أجندة سياستها الخارجية في المنطقة (التي لا تتوافق دائماً مع أجندة الاتحاد الأوروبي). ومع ذلك، فإن الانقسامات الداخلية بين دول “مبادرة البحار الثلاثة” ستحد من فعالية حملات التأثير الأميركية ..

“مبادرة البحار الثلاثة” هي مجموعة إقليمية تم إنشاؤها في عام 2015. وتضم في عضويتها إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والتشيك وسلوفاكيا والمجر والنمسا وسلوفينيا وكرواتيا وبلغاريا ورومانيا.

ومعظم أعضاء “مبادرة البحار الثلاثة” هي من الدول الشيوعية السابقة التي ترى العضوية في حلف الأطلسي )الناتو( والعلاقات الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة كجزء رئيسي من سياستها الخارجية.

شاركت الولايات المتحدة في قمة “مبادرة البحار الثلاثة” التي عُقدت في إستونيا في 19 تشرين الأول / أكتوبر بوفد ضم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونائبه مارك مينيزيس، بالإضافة إلى وكيل وزارة الخارجية للاقتصاد والنمو والطاقة والبيئة كيث كراش.

سيؤدي التركيز الكبير لـ”مبادرة البحار الثلاثة” على البنية التحتية إلى فتح الباب أمام الشركات الأميركية للاستثمار في مشاريع في المنطقة، ولكن سيظل نقص التمويل يمثل مشكلة. منذ نشأتها، عانت “مبادرة البحار الثلاثة” من نقص مزمن في التمويل، والذي من المحتمل أن يجعله الركود العالمي الحالي بسبب وباء كورونا أسوأ. ولكن حتى بدعم الولايات المتحدة، سيظل العديد من هذه المشاريع يكافح للعثور على تعاون من القطاع الخاص، خاصة أنه قد لا يكون هناك عائد فوري على الاستثمار.

في شباط / فبراير الماضي، قالت الولايات المتحدة إنها مستعدة لزيادة مساهمتها في صندوق استثمار “مبادرة البحار الثلاثة” إلى مليار دولار إذا زاد أعضاؤها الـ12 مساهماتهم الخاصة.

وافقت “مبادرة البحار الثلاثة” حتى الآن على 77 مشروعاً للبنية التحتية في قطاعات النقل والطاقة والقطاع الرقمي. ولكن حتى الآن، تم الانتهاء من ثلاثة فقط من هذه المشاريع، والباقي في مراحل مختلفة من التطوير. وتشمل المشاريع المنجزة ممر شحن بالسكك الحديدية بين بولندا والمجر وسلوفاكيا وسلوفينيا؛ ومحطة ضاغط في نظام نقل الغاز في كرواتيا؛ وتحديث ميناء رييكا في كرواتيا.

حصلت المجموعة على ما يقرب من 12 في المئة فقط من 85.5 مليار يورو (101 مليار دولار) التي تحتاجها لتمويل جميع المشاريع.

ستستخدم الولايات المتحدة التعاون مع “مبادرة البحار الثلاثة” للتنافس مع الصين وروسيا على النفوذ في أوروبا الوسطى والشرقية، فضلاً عن تعزيز أجندة سياستها الخارجية في المنطقة (التي لا تتوافق دائماً مع أجندة الاتحاد الأوروبي).

ومع ذلك، ستحد الانقسامات الداخلية بين دول “مبادرة البحار الثلاثة” من فعالية حملات التأثير الأميركية هذه من خلال إضعاف قدرة المجموعة على تنسيق أعمالها. سيسمح الاستثمار في مشاريع تنويع الطاقة والوعد المستمر بوجود عسكري أميركي في المنطقة للبيت الأبيض بالبقاء مؤثراً والتنافس مع الصين (التي زادت الاستثمار في المنطقة في السنوات الأخيرة من خلال “مبادرة الحزام والطريق”) وروسيا (التي لا تزال مصدراً صافياً للطاقة إلى المنطقة). كما سيسمح للبيت الأبيض بالترويج لأجندته الخاصة بالسياسة الخارجية في المنطقة من دون مشاركة أعضاء كبار في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا، أو ممثلين عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والتي غالباً ما تختلف معها واشنطن (تميل برلين إلى إرسال ممثلين إلى اجتماعات المجموعة، لما لها من اهتمام بالمنطقة).

ومع ذلك، فإن الدول الأعضاء في “مبادرة البحار الثلاثة” لديها مصالح سياسية واقتصادية مختلفة. كما أن لديها مستويات مختلفة من التنمية الاقتصادية والحوكمة والجدارة الائتمانية، والتي في بعض الحالات ستثبط الاستثمار الخاص في مشاريع البنية التحتية. وهذا بدوره سيجبر الولايات المتحدة على تطوير استراتيجية مجزأة أكثر للمنطقة.

تنتقد الولايات المتحدة ودول مثل بولندا مشروعات البنية التحتية التي تدعمها روسيا في أوروبا، بما في ذلك خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يربط روسيا بألمانيا. وفي السنوات الأخيرة، ضغطت الحكومة الأميركية أيضاً على حلفائها الأوروبيين لقطع علاقاتهم مع الشركات الصينية مثل شركة “هواوي”.

تتضمن بعض مشاريع “مبادرة البحار الثلاثة” إنشاء محطات جديدة للغاز الطبيعي المسال (LNG) في أوروبا. تهتم الولايات المتحدة بزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

لا تشترك دول مثل النمسا وسلوفينيا وكرواتيا في نفس الشعور بالإلحاح مثل بولندا أو رومانيا عندما يتعلق الأمر بردع العدوان الروسي المحتمل، بينما أعربت دول مثل المجر عن اهتمامها بزيادة الاستثمار الصيني.

ترجمة: د. هيثم مزاحم

المصدر: الميادين نت