آلية الانتخابات الرئاسية الأميركية وتمويلها

آلية الانتخابات الرئاسية الأميركية وتمويلها
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم |

ستكون الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الثالث من تشرين الثاني المقبل استثنائية فهي تأتي في زمن وباء فتاك وانقسام داخلي أميركي كبير. والمنافسة هي بين رئيس جمهوري استثنائي، دونالد ترامب، الذي كسر البروتوكولات والأعراف، ولجأ إلى شعبوية وتلقائية أربكت المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبين مرشح ديمقراطي، السناتور جو بايدن، إبن هذه المؤسسة الذي يعرف جيداً قوانين البلاد ومصالحها وخطوطها الحمر.

فالانتخابات الرئاسية الأميركية تجرى كل أربع سنوات وتقام في يوم الثلاثاء ما بين الثاني إلى الثامن من تشرين الثاني، وتجرى في اليوم نفسه كذلك انتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ومجالس الولايات والمجالس المحلية.

وعملية الوصول إلى يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية تسبقها مرحلة تمهيدية يتم خلالها انتخاب المرشح من كل من الحزبين الرئيسيين (الديموقراطي والجمهوري) عن طريق انتخابات أولية primary elections، إذ يجري الحزبان انتخابات في كل ولاية يصوّت فيها عادة المنتمون للحزب، ثم يختار المرشح من كل حزب نائباً له ويتم التصديق عليهما رسمياً في مؤتمر الحزب.

أما المرحلة الثانية فهي الانتخابات العامة التي يصوت فيها المواطنون الأميركيون للمندوبين الذين يدلون بأصواتهم لصالح أحد المرشحين.

 

المجمع الانتخابي

وقد لا يعلم كثيرون أن الرئيس الأميركي لا ينتخب بشكل مباشر من الناخبين الأميركيين، بل يجري انتخابه عبر ما يعرف بالمجمع الانتخابي. وقد لا يكون المرشح الحاصل على أكثر الأصوات في عموم البلاد هو الفائز بمنصب الرئيس فيها. فالمرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات في ولاية معينة يحصل على عدد أصوات مندوبي المجمع الانتخابي المخصصة لتلك الولاية والمتناسبة مع عدد سكان الولاية.

 

ويتكون المجمع الانتخابي من 538 مندوباً يقترعون رسمياً لاختيار الرئيس ونائبه. وعدد المندوبين المخصص لكل ولاية يساوي عدد أعضاء مجلس نواب الولاية زائد عدد شيوخها، إضافة إلى ثلاثة مندوبين مخصصين لمقاطعة كولومبيا التي تضم واشنطن العاصمة.

أما عملية اختيار مندوبي المجمع الانتخابي، فإن الدستور يسمح للنظام التشريعي في كل ولاية أن يحدد كيفية اختيارهم.

والمرشح الذي يحصل على 270 صوتاً من أصوات المجمع من أصل 538 مندوباً يفوز بمنصب الرئيس.

وتتمتع جميع الولايات (باستثناء ولايتين) بقاعدة “الفائز يحصل على كل شيء”، لذلك فإن أي مرشح يفوز بأكبر عدد من الأصوات يتم منحه جميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية.

ويختار المقترع مندوبي المرشح لا المرشح نفسه، أي أنه يصوت للمندوبين الذين وعدوا بانتخاب مرشح رئاسي معين.

 

الانقسام الحزبي

ويُهيمن حزبان على النظام السياسي في الولايات المتحدة هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وينتمي الرئيس دائماً إلى أحدهما، مع إمكان وجود مرشحين من أحزاب أخرى أو مستقلين لكنهما عادة لا يصلون إلى المرحلة النهائية.

والجمهوريون هم الحزب السياسي المحافظ في الولايات المتحدة، ومرشحهم هو الرئيس دونالد ترامب، الذي يأمل في ولاية ثانية. وحضور مؤيدي الحزب أقوى في المناطق الريفية من البلاد.

أما الديمقراطيون فهم الحزب السياسي الليبرالي ومرشحهم هو جو بايدن، وهو سياسي متمرس كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما لمدة ثماني سنوات. وحضور مؤيدي الحزب أقوى في المناطق الحضرية من البلاد.

وثمة استقطاب في الولايات التي يميل معظمها بشدة نحو هذا الحزب أو ذاك، ما يعني أن على المرشحين تركيز جهودهم على بضع ولايات لم تحسم ولاءها، وتوصف هذه الولايات غير المحسومة أو المتأرجحة بأنها ساحات المعركة الرئيسية لحسم نتيجة التصويت. كما هي الحال مع ولايتي فلوريدا وأوهايو. أما الولايات الأخرى التي كانت داعمة للحزب الجمهوري بقوة في الماضي، من أمثال أريزونا وتكساس، فباتت تعد من الولايات المتأرجحة التي سيكون التصويت فيها حاسما هذا العام بسبب زيادة التأييد للحزب الديمقراطي فيها.

يحق المشاركة في التصويت لكل مواطن أو مواطنة يبلغ 18 عاماً أو أكثر. لكن نسبة الذين يقترعون فعلياً هم أكثر من النصف تقريباً.

ويصوت معظم الناس بشكل مباشر في مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات، وفي عام 2016، قام 21 في المئة من الناخبين بالتصويت عبر البريد. وطريقة التصويت هذه أضحت قضية خلافية هذا العام بسبب وباء كورونا، إذ يدعو بعض السياسيين إلى استخدام بطاقات الاقتراع البريدية على نطاق أوسع، لكن الرئيس دونالد ترامب يقول إن هذا قد يؤدي إلى مزيد من التزوير في الانتخابات.

كما سيختار الناخبون أيضاً نوابا جدداً في الكونغرس عندما يملأون بطاقات الاقتراع. وستشمل الانتخابات هذا العام التصويت على مرشحين لجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعداً، فضلاً عن 33 مقعداً في مجلس الشيوخ.

والكونغرس هو المؤسسة التشريعية في الولايات المتحدة، الذي يكتب مسودات القوانين ويقرها. ويتكون الكونغرس من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويخدم أعضاء مجلس النواب لمدة عامين بينما يخدم أعضاء مجلس الشيوخ لمدة ست سنوات وينقسمون إلى ثلاث مجموعات، الأمر الذي يعني أن ثلثهم ينتخب كل عامين.

 

متى تظهر نتيجة الانتخابات؟

قد يستغرق إحصاء جميع الأصوات أياماً عدة، ولكن عادة يعرف الفائز بشكل أولي بحلول الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. ولكن في هذا العام قد يضطرون إلى الانتظار لفترة أطول، قد تكون أياماً أو حتى أسابيع للحصول على نتيجة هذا العام بسبب الزيادة المتوقعة في بطاقات الاقتراع البريدية.

 

وثمة طريقتان للتصويت في الولايات المتحدة، هما: الحضور الشخصي في مركز الاقتراع في يوم الانتخابات أو استخدام بطاقة الاقتراع البريدي. وتقدم جميع الولايات شكلاً من أشكال التصويت بالبريد، ولكن العديد منها تطلب منك سبباً لعدم قدرتك على التصويت الشخصي في يوم الانتخابات كي يحق لك الاقتراع بريدياً. وحالياً يقبل بعض الولايات مبرر الخوف من مرض كورونا كسبب لاستخدام الاقتراع البريدي.

ويؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية رسمياً في 20 كانون الثاني في حفل تنصيب الرئيس وتسنمه مقاليد الرئاسة، والذي يقام على درجات مبنى الكابيتول (الكونغرس) في واشنطن.

 

مصادر تمويل الحملات الانتخابية

إن مصادر تمويل الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة متنوّعة جداً. وإذ توفر الدولة نسبة ضئيلة جداً من تكلفة الحملة للمرشح، تأتي الغالبية العظمى من الأموال من المساهمين الأفراد و”لجان العمل السياسي”(PAC)، وهي المنظمات التي تدعم أحد المُرشّحين/المُرشّحات وتجمع التبرّعات له/لها.  بعض هذه اللّجان، وهي مسمّاة بالسوبر باكس(Super PACs) غير مقيّدة بأي سقف للتبرّعات ولا بأية قيود على مصادرها.

ويتطلّب قانون الانتخابات الفيدرالية الأميركية أن يُقدّم كل مُرشّح تقريراً عن كل تبرّع لحملته إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية. لكن هذه التقارير لا تتضمن المبالغ الكبيرة التي تذهب إلى الإنفاق المستقل بل تتضمن فقط نفقات اللجان وعمليات الإنفاق الأخرى والخارجية للحزب. فاللجان الكبرى المُسمّاة بالسوبر باكس (PACs) يجب أن تحافظ على انفصالها عن الحملة.

ويُسمح قانونياً للمانحين الأفراد بالتفاعل مع المرشحين، لكن تبرعات كل فرد لا يمكن أن تتجاوز 2700 دولار لكل مرشح رئاسي.

 

ويساهم الأثرياء في تمويل الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة وكذلك لمرشحي الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، وبالتالي فإن أي شخص يصل إلى البيت الأبيض أو الكونغرس سيكون مديناً لهؤلاء الممولين، ولا يستطيع إغضابهم.

في الحملات الانتخابات لعام 2016)، أُثير دور المال في العملية الانتخابية، إذ دعا المُرشّح الديموقراطي المنسحب بيرني ساندرز إلى وضع حد للأموال الهائلة في العمل السياسي والانتخابي في حين أن الملياردير دونالد ترامب استخدم جزءاً من ثروته الخاصة لتمويل جزء من حملته الانتخابية.

فقد كان ساندرز يستجوب باستمرار تأثير “وول ستريت”، شارع المال والبورصة في الولايات المتحدة، على السياسة. فقد كانت علاقات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة أنذاك، مع البنوك الكبيرة غامضة. لكن حملة كلينتون جمعت 11 مليون دولار من المحامين وشركات المحاماة فيما تلقّت أكثر من أربعة ملايين من القطاعات المصرفية والتجارية والاستثمارية. والكثير من تبرّعات المحامين لحملة كلينتون كانت تمثّل في الحقيقة الشركات الكبرى والبنوك، ومنظمات “بنوك الظل”، كصناديق التحوّط وصناديق الاستثمار، والشركات محدودة المسؤولية.

المتقاعدون يُشكّلون أكبر مجموعة من الجهات المانحة لجميع المُرشّحين، ولكن بعض مجموعاتهم أفضل من الأخرى، وجمعت حملتة كلينتون 12.8 مليون دولار من المتقاعدين. لكن ترامب نال تبرّعات من المتقاعدين أقل من غيره من المُرشّحين  فحصل فقط على  432,143 دولاراً.

وقد ساعدت الجاذبية الشعبية دونالد ترامب في جلب التبرّعات لحملته. فقد جمعت حملته 25 مليون دولار بينها 7.5 ملايين فقط من مانحين أفراد فيما كان العاملون في قطاع الصحة وفي القطاع العقاري هم المانحون الأكثر نشاطاً لحملة ترامب.

أما الميّزة الثانية لترامب فهي قدرته على التمويل الذاتي، إذ ساعدته في جمع بقية المال المطلوب لحملته.

وبلغ حجم الأموال التي جمعتها حملة كلينتون 556 مليون دولار، فيما جمعت حملة الحزب الديموقراطي ولجان التبرّعات المشتركة 544 مليون دولار، وجمعت لجان العمل السياسي 188 مليون دولار، أي ما مجموعه أكثر من 1.3 مليار دولار.

في المقابل، جمعت حملة ترامب 248 مليون دولار، بينما جمع الحزب الجمهوري ولجان التبرّعات المشتركة التابعة له 248 مليون دولار، وجمعت لجان العمل السياسي نحو 60 مليون دولار، أي ما مجموعه أكثر من 795 مليون دولار.

وقدر تقرير لمركز مركز السياسات الاستجابية الأميركي أن كلفة الانتخابات الماضية كانت نحو 6.6 مليارات دولار، بحيث كانت الانتخابات الأكثر كلفة على الإطلاق في التاريخ الأميركي، وبالطبع في تاريخ البشرية.

وفي الانتخابات الحالية 2020، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع في حملة بايدن أن المبلغ الذي كان لدى حملة المرشح الديمقراطي والمجموعات المرتبطة بها مطلع أيلول قد بلغ 466 مليون دولار نقداً، مقارنة بـ325 مليون دولار لدى حملة ترامب، وذلك قبل نحو شهر ونصف من موعد الانتخابات.

المصدر: مجلة الأمن الصادرة عن قوى الأمن الداخلي اللبناني – عدد تشرين الأول / أكتوبر 2020.