هآرتس: إسرائيل تحصل على اتفاق، والولايات المتحدة توقع على الشيك

هآرتس: إسرائيل تحصل على اتفاق، والولايات المتحدة توقع على الشيك
Spread the love

شجون عربية_

تسفي برئيل – محلل سياسي اسرائيلي/

بالنسبة إلى كثير من مواطني إسرائيل، استقبل الإعلان عن إقامة علاقات ديبلوماسية بين إسرائيل والمغرب بالمفاجأة. كل من زار المغرب في السنوات الأخيرة تأثر بالاستقبال الحار من قبل مضيفيه، وبالانفتاح والعفوية اللتين يُستقبل بهما السائح الإسرائيلي، إلى حد أنه يُخيل أن العلاقات الرسمية موجودة بين الدولتين على الدوام. تذّكر هذه العلاقات إلى حد ما بتلك التي كانت بين إسرائيل وتركيا قبل توقيع الاتفاقات الرسمية في التسعينيات (قبل وقت طويل من أن يغّير رجب طيب أردوغان توجهه).
العلاقات شبه الرسمية بين إسرائيل والمغرب، والسرية تقريياً، هي حقيقة تاريخية. تطورت في أيام الملك الحسن الثاني الذي أمر بإقامة ممثلية للمغرب في إسرائيل بعد توقيع اتفاقات أوسلو. هذه الممثلية اغلقت خلال ولاية ابنه الملك محمد السادس، بعد نشوب الانتفاضة الثانية. منذ ذلك الحين جرت لقاءات ومحادثات عديدة بين ممثلين إسرائيليين ومغاربة للدفع قدماً بعلاقات ديبلوماسية، إلى أن نضج ذلك مع إعلان دونالد ترامب الدراماتيكي عن إقامتها.
هذه الخطوة كانت مطروحة منذ أشهر طويلة على طاولة النقاشات، ويبدو أن الذي أعطى الدفع النهائي كان صديق إسرائيل الجديد، ولي العهد في الإمارات محمد بن زايد الذي بينه وبين الملك محمد السادس صداقة وطيدة ورثاها عن والديهما. والإمارات ليست فقط تقف على رأس الدول العربية التي تستثمر في المغرب، بل هي أيضاً تؤيد إلى جانب العديد من الدول العربية مطالبة المغرب بالاعتراف بالصحراء الغربية كجزء منه. قبل نحو شهرين أعلن محمد بن زايد عن فتح قنصلية في مدينة العيون وهي من أكبر مدن الصحراء الغربية.، وبذلك اتخذ خطوة رسمية هي الأولى من نوعها اظهرت تأييد بلاده للضم. بن زايد الذي يملك فيلا فاخرة في المغرب، التقى مؤخراً مع ملك المغرب، ويبدو أنه اتُفق على أن يعمل بن زايد على الحصول على اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية موضع الخلاف. لقاء ذلك تقيم المغرب علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل.
بالنسبة إلى بن زايد هذه خطوة مطلوبة ومن المتوقع أن تخفف من معارضة عمليات التطبيع مع إسرائيل من قبل الدول والجماهير العربية. بالنسبة إلى ترامب ما جرى ليس انقلاباً سياسياً: فهو أيّد علناً فرض السيادة المغربية على الصحراء الغربية، وقال إن خطة الحكم الذاتي التي عرضها الملك محمد السادس لحل الأزمة هي الوحيدة التي تسمح بحل واقعي وعادل. بالنسبة إلى إسرائيل هذا إنجاز مهم ومؤثر. الآن انضم المغرب إلى مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، كي يبنوا معاً محوراً سياسياً يعتبر إسرائيل عضواً معترفاً به ومقبولاً، وحتى صديقاً. لاحقاً من المحتمل أن تفحص دول إسلامية مثل باكستان وماليزيا وأندونيسيا بجدية إقامة علاقات مع إسرائيل.
مع ذلك، اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية في الصحراء الغربية لا يمنح اعترافاً دولياً. في أعقاب الاعتراف الأميركي من المحتمل أن يشتد الصراع على استقلال الصحراء الغربية وسقوط ضحايا إضافية. في الوقت عينه ترامب فرض حقائق سياسية تحدث انعطافة تاريخية في وضع إسرائيل في المنطقة، لكنها لا تزيل التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها. السلام مع المغرب أو مع الإمارات لا يقلل من التهديد الإيراني، وبالتأكيد ليس من المتوقع أن يؤثر على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بحيث يتراجع عن خطته العودة إلى الاتفاق النووي، كما أنه ليس قادراً على حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي سيبقى سبب العداء العربي الجماهيري إزاء إسرائيل.
في استطاعة نتنياهو أن يتباهى عن حق بتحالفات السلام الجديدة. لكن لا يوجد هنا سلام إقليمي مع إسرائيل، بل نوع من بوفيه مفتوح تختار كل دولة عربية منه المقابل الذي يناسبها لقاء الثمن السياسي الذي تدفعه. الإمارات ستحصل على طائرات أف-35، وستحصل البحرين على دفاع أميركي، والسودان سيُرفع إسمه عن لائحة الدول المؤيدة للإرهاب ويمكنه الحصول على مساعدة حيوية من مؤسسات مالية دولية، ويحصل المغرب على اعتراف أميركي بسيادته في الشريط الصحراوي. ولا دولة من هذه الدول هي في وضع حرب فعلية في مواجهة إسرائيل، وليس بينها وبين إسرائيل أي مطالب إقليمية أو طلب تنازلات. وصندوق الدفع ليس في القدس بل في واشنطن، ومنذ الآن ستنتقل صلاحية التوقيع على الشيكات إلى بايدن.
نظرياً، تحتفظ هذه الدول العربية بأداة ضغط على سياسة إسرائيل، يمكن بواسطتها أن تطلب هذه الدول من إسرائيل الدفع قدماً بمفاوضات سياسية مع الفلسطينيين إذا كانت تريد التمتع بعلاقات جيدة معها. هذا هو الموقف المعلن الذي يعرضه كل الزعماء العرب الذين انضموا إلى مهرجان التطبيع أمام الفلسطينيين كتبرير للخطوة. هذا الموقف يتعارض فعلياً مع المبادرة العربية العائدة إلى عام 2002، التي تطالب إسرائيل بالانسحاب أولاً من كل المناطق المحتلة كي تحظى بالتطبيع وبحزام أمن عربي، لكن نظرياً هي تعتمد على وجهة النظر عينها التي تتحدث عن إقامة علاقات مع إسرائيل لقاء حل المشكلة الفلسطينية، لكن فقط بترتيب مقلوب.
عملياً، ثمة شك أن أياً من هذه الدول ستخرق أو ستلغي الاتفاقات مع إسرائيل بسبب سياستها في المناطق، وأيضاَ فإن أياً من هذه الدول لن تشترط التوقيع على الاتفاقات بانسحاب إسرائيلي أو حتى البدء بمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. الدولة الوحيدة التي تضع هذا الشرط هي السعودية، التي تُعتبر في إسرائيل الجائزة الكبرى، وهي توازي في قيمتها السلام مع الدول العربية كلها. الملك سلمان اوضح هذا الأسبوع في جلسة الحكومة أنه “يجب كبح الاستمرار في بناء المستوطنات من قبل الاحتلال الإسرائيلي”، وأن “المشكلة الفلسطينية هي مشكلة عربية أساسية، وهي في رأس المشكلات التي تؤيد المملكة ايجاد حل لها”. وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أوضح أن السعودية تؤيد التطبيع مع إسرائيل، لكن فقط مقابل اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
السعودية ليست دولة أكثر عدلاً من الإمارات ومن الأردن أو المغرب، لكن لديها حسابات أكثر تعقيداً إزاء الولايات المتحدة ليست مرتبطة فقط بأهواء ترامب أوبتأثير إسرائيل. وهي تتعلق بمكانتها كحليفة كبيرة للولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً. دورها في التطبيع ساهمت فيه بصورة مدروسة من خلال السماح للطائرات الإسرائيلية استخدام مجالها الجوي، ومن خلال “السماح” للبحرين إقامة علاقات مع إسرائيل، وتشجيع السودان على المضي قدماً بخطوة مشابهة. ما سيحدث لاحقاً مرتبط ببايدن وبسياسته إزاء المملكة- أكثر بكثير من ارتباطه ببادرات طيبة أو بمفاوضات إسرائيلية- فلسطينية.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية