ملامح السياسة الشرق أوسطية لإدارة بايدن

ملامح السياسة الشرق أوسطية لإدارة بايدن
Spread the love

د. هيثم مزاحم** |

غالباً ما يسعى كل رئيس أميركي جديد مع بداية إدارته إلى إحداث تحولات في السياسة الخارجية لإدارته، وبخاصة إذا كان من حزب مختلف لسلفه. من هنا يتوقع أن تقوم إدارة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن بتغييرات في مقاربات السياسة الخارجية ترتكز على العودة مجدداً إلى الرؤى التقليدية بعد تبنِّي إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب سياسة خارجية تتعارض مع المبادئ التي حكمت السياسة الخارجية الأميركية لنحو سبعة عقود.
وسيستند بايدن إلى خبرته في قضايا السياسة الخارجية، والتي صقلها خلال توليه منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وعمله في مجلس الشيوخ ورئاسته للجنة العلاقات الخارجية في المجلس. وهو يُخطط لإنهاء السياسة الانعزالية للولايات المتحدة خلال إدارة ترامب تحت شعار “استعادة القيادة الأميركية”، معتبراً أن استراتيجية “أميركا أولاً” التي حكمت السياسة الخارجية لإدارة ترامب جعلت “أميركا وحدها”، بسبب رفض ترامب للتعددية الدولية وإضعافهِ للتحالفات والشراكات الأميركية، وتقويضه للقيادة الأميركية للعالم ومعاييرها الأخلاقية والقانونية.
ويُرجح أن تشهد السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط جملة من التغييرات على الشكل الآتي:

البرنامج النووي الإيراني
يعارض بايدن ‏انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، والذي يعد أحد الإنجازات الرئيسة لسلفه باراك أوباما، وإعادة الإدارة الأميركية فرض العقوبات في إطار استراتيجية “الضغط الأقصى” على النظام الإيراني، لإرغامه على القبول بالتفاوض على اتفاق جديد يتعلق بالدور الإقليمي لطهران، وببرنامجها للصواريخ الباليستية.
ويرى بايدن أن استراتيجية “الضغط الأقصى” قد فشلت في كبح دور إيران في الدول المجاورة لها، وأدت إلى تصعيد كبير في التوتر، وأدت إلى إنهاء الضمانات ضد تصنيع إيران لقنبلة نووية، التي وضعت في الاتفاق النووي وأن إيران صارت الآن أقرب إلى امتلاك سلاح نووي.
يقول بايدن أنه سيُقدِّم لإيران طريقاً موثوقاً به للعودة إلى الدبلوماسية، ومن المحتمل أن يحصل على دعم أكبر من الحلفاء الأوروبيين. ويقول إنه مستعد لإعادة الانضمام للاتفاق النووي في حال عادت إيران إلى الالتزام الصارم به، لكنه لن يرفع العقوبات لحين حدوث ذلك. وسيسعى بايدن إلى التفاوض لمعالجة المخاوف التي يشترك فيها مع ترامب.
بيد أن عديداً من مُستشاري بايدن للسياسة الخارجية يقولون إنه لم يُقرر بعد كيفية معالجة المخاوف الإقليمية الإيرانية، ولكنه يدرس إما إعادة التفاوض على الصفقة النووية لتضم ملفات جديدة مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ودورها المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أو الموافقة على مسار موازٍ لمعاجلة مخاوف إسرائيل والدول الخليجية.

اليمن ودول الخليج
تعهَّد بايدن بإعادة تقييم الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وقال إنه سيستجيب لدعوات الكونغرس لإنهاء المساعدات الأميركية للعمليات العسكرية السعودية في اليمن. فقد أدى ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف المدنيين إلى تنامي معارضة شديدة لانخراط الولايات المتحدة في الصراع داخل الجناح اليساري للحزب الديمقراطي وبين عدد متزايد من أعضاء الكونغرس. ويرى محللون أن بايدن سيتراجع عن احتضانه غير المشروط للمملكة الخليجية.
ودعا بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات مع الدول الخليجية، ومساعدة شركاء الولايات المتحدة الخليجيين على مواجهة التهديدات الأمنية والتوترات الإقليمية، وكذلك مساعدتهم في التحديث السياسي والعسكري والاقتصادي، نظراً لكون دول الخليج العربي شريكاً مهماً للولايات المتحدة.

الانتشار العسكري في الشرق الأوسط
يدعو بايدن إلى ضرورة إنهاء عقدين من الحروب الأميركية التي لا تنتهي في منطقة الشرق الأوسط، وينتقد زيادة ترامب للانتشار العسكري للقوات الأميركية في المنطقة وزيادة مهامها؛ مما فاقم من التوترات الإقليمية التي عرضت حياة الأميركيين ومصالحهم للخطر. وهو يقول إنه سيسحب معظم القوات المقاتلة في أفغانستان، وذكر أنه لا يمكنه الوعد بانسحاب كامل من أفغانستان والعراق أو سوريا في المستقبل القريب. ويدعم بايدن وجوداً عسكرياً أميركياً صغيراً ومحدوداً وإقامة مركز لتدريب شركاء الولايات المتحدة في سوريا والعراق، وكذلك القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة حتى تتمكن من مجابهة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيمي القاعدة و”داعش”، ومنعهما من استعادة نفوذهما مجدداً في الشرق الأوسط.

الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
على غرار الحرس القديم في الحزب الديمقراطي، يعد بايدن داعماً مخلصاً، ومدافعاً قديماً عن إسرائيل، وكلمة احتلال لم ترد في برنامج السياسة الخارجية للحزب. غير أنه من غير المرجح أن يتبنى بايدن سياسات إدارة ترامب تجاه الضفة الغربية المحتلة والتي ترى بأن المستوطنات الإسرائيلية لا تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، ولا يتوقع أن يتسامح مع الخطط الإسرائيلية للضم الأحادي لأجزاء من الأراضي المحتلة.
لا يختلف بايدن مع ترامب حول الدعم الأميركي اللامتناهي لإسرائيل، وضمان أمنها والحفاظ على تفوقها العسكري، لكنه يختلف معه حول مقاربته لعلمية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، إذ تبنى ترامب نهجاً تجاه عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية كان في صالح اليمين الإسرائيلي بالكامل. وفي المقابل يدعو بايدن إلى استعادة الولايات المتحدة دورها كوسيط لإرساء سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط قائم على حل الدولتين، ووضع حد لاحتضان الولايات المتحدة العميق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسياساته للضم الأحادي لأجزاء من الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني، والتي من شأنها تقويض آفاق حل الدولتين. لكنه لا ينوي التراجع عن قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ويدفع الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي، والذي صار بات له دور وموقف قوي على صعيد السياسة الخارجية، باتجاه القيام بدور أكبر لحماية الحقوق الفلسطينية.
كما يدعو بايدن إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية الأميركية-الفلسطينية، والمساعدات الأميركية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي ألغاها ترامب، والسماح بإعادة فتح القنصلية الفلسطينية ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

صعوبة التحولات
إذن، سيسعى بايدن لإحداث بعض التحولات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لمعاجلة الضرر الذي أحدثته إدارة ترامب خلال الأربع سنوات الماضية. ولكن هذه الجهود ستواجه صعوبات لأسباب عدة، أولها في أنه ليس من السهل التراجع عن الكثير مما فعله ترامب، إذ تغيَّرت العلاقات مع كلٍّ من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها، بشكل يصعب إعادتها إلى سابق عهدها في وقت قصير. فإدارة ترامب ركزت بشكل كبير على المصالح الأميركية ضمن استراتيجية “أميركا أولاً”، ورفضت التعددية الدولية والشراكات مع الحلفاء والأصدقاء.
كما أن الأزمات الداخلية التي واجهتها الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب، ستدفع بايدن إلى التركيز في بداية إدارته على إعادة ترتيب الداخل الأميركي، خاصة وأن استعادة الدور الأميركي في العالم يتطلب المبادرة إلى معالجة التحديات الداخلية لاستعادة الولايات المتحدة قوتها مجدداً.
وسيكون تحرك بايدن أبطأ في التعامل مع الشرق الأوسط، لأن المنطقة ستكون ذات أولوية منخفضة لإدارته التي ستركز على التعامل مع جائحة كورونا والسياسة الخارجية الأميركية تجاه آسيا وأوروبا والأميركيتين، وهو سيسعى إلى إصلاح الأضرار التي سببها ترامب في الشرق الأوسط، زادت ‏سياسات ترامب من مخاطر الحرب وسمحت لإيران بإعادة تشغيل برنامجها النووي، وجعلت آفاق السلام الفلسطيني-الإسرائيلي بعيدة بشكل متزايد. ‏ويدعو بايدن إلى استراتيجية أكثر تماسكاً لإنهاء الحروب التي لا تنتهي في المنطقة والعودة إلى الخيار الدبلوماسي للتعامل مع أزماتها، لا سيما مع طهران.

*نشرت المقالة أولاً في مجلة الأمن التابعة لقوى الأمن الداخلي في لبنان.

**باحث لبناني، رئيس تحرير مجلة “شجون عربية” ورئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية.