بريطانيا تخرج من برنامج “إيراسموس” للتبادل التعليمي الأوروبي

بريطانيا تخرج من برنامج “إيراسموس” للتبادل التعليمي الأوروبي
Spread the love

شجون عربية _ بقلم: د.هيثم مزاحم/

كتب إليان بلتييه تحقيقاً في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تناول تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الطلاب والأساتذة الجامعيين في بريطانيا، بسبب حرمانهم من برنامج “إيراسموس” للاتحاد الأوروبي الذي يقوم على تبادل الطلاب والأساتذة بين الجامعات الأوروبية. وفي ما يلي ترجمة بتصرف لأبرز ما جاء في التحقيق:

بعد أن أُغلقت جامعته في اسكتلندا في الربيع الماضي بسبب فيروس كورونا، مما أجبره على الدراسة أونلاين من المنزل، حافظ جاك بواج على معنوياته من خلال الحلم بما كان ينتظره في العام الدراسي المقبل: فصل دراسي في الخارج في جامعة أمستردام. لكن آماله في المشاركة في برنامج التبادل الطلابي على مستوى الاتحاد الأوروبي المعروف باسم “إيراسموس” تبددت الأسبوع الماضي بعد أن توصلت بريطانيا وأوروبا أخيراً إلى اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، “بريكست”. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن بريطانيا ستنسحب من “إيراسموس”، مشيراً إلى ارتفاع تكاليفها.

لكن بوج، البالغ من العمر 20 عاماً، وهو طالب في التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة أبردين، قال: “بالنسبة لي، كان برنامج إيراسموس أكثر فائدة مباشرة للتعاون الأوروبي. لقد ذهب الآن”.

بالنسبة للعديد من الشباب في بريطانيا، فإن قرار الانسحاب من “إيراسموس” هو مجرد الخطوة الأخيرة في تآكل مطرد لمثل هذه الاحتمالات منذ أن صوتت البلاد في عام 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي. كان الشباب البريطانيون يمكنهم الدراسة والعمل في أي مكان في الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة، وستتم الآن معاملتهم مثل الأشخاص من أي دولة أخرى خارج الاتحاد عندما يتعلق الأمر بالتقدم إلى البرامج التعليمية أو الوظائف.

ويمثل الانسحاب كذلك صفعة للجامعات البريطانية العريقة، والتي تعد رمزاً قوي للقوة الناعمة للمملكة المتحدة في أوروبا وحول العالم، ومصدراً مهماً للدخل للبلاد. إذ تظل بريطانيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة كوجهة للطلاب الدوليين، لكن تركها لبرنامج “إيراسموس” قد تردع العديد من طلاب الاتحاد الأوروبي، الذين ربما استخدموا البرنامج كمسار للدراسة في بريطانيا.

وفي حين أن هذا الخروج قد لا يؤثر على المؤسسات الشهيرة مثل جامعتي أكسفورد وكامبريدج، فإن عشرات الجامعات الأقل شهرة قد تتعرض لضربة.

وكان العديد من الشباب والأكاديميين يأملون في أن تظل بريطانيا جزءًا من إيراسموس بموجب وضع يسمح بمشاركة دول غير أعضاء مثل تركيا والنرويج. وقال جونسون في كانون الثاني / يناير الماضي إنه “لا يوجد تهديد لخطة إيراسموس”.

لذلك، أثار إعلانه يوم الخميس الماضي صدمة في الجامعات، وأثار غضب الدبلوماسيين، وأزعج الطلاب والأساتذة البريطانيين الذين استفادوا من البرنامج.

وقال شون هاند، نائب الرئيس المسؤول عن أوروبا في جامعة وورويك Warwick، ثاني أكبر جامعة تبعث بطلاب من بريطانيا إلى برنامج “ايراسموس”: “ستكون هناك خسارة نسبية في الدخل بالنسبة للجامعات البريطانية، ولكن من وجهة نظر الدبلوماسية والسفراء، فإن الخسارة لا تقدر بثمن”.

قد يكون خروج بريطانيا من برنامج “إيراسموس”، أحد أكثر البرامج شعبية في الاتحاد الأوروبي، أحد أبرز علامات انفصالها عن الاتحاد، وهو مؤشر واضح على رؤيتها لعلاقتها المستقبلية مع شركائها السابقين.

وقال جون أوبرينان، أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة ماينوث في أيرلندا، حيث يقود برنامج التكامل الأوروبي الذي يموّله “إيراسموس”: “يفتح إيراسموس آفاق الناس ويوسع تصوراتهم للعالم. إذا لم يكن هذا تجسيداً للمثل الأوروبي، لا أعرف ما هو”.

وفي حين أن التبادلات ستظل ممكنة بين الجامعات البريطانية والأوروبية من خلال الاتفاقيات الثنائية، لن يستفيد الطلاب البريطانيون من المنح الشهرية التي تقدمها “إيراسموس”، المعروفة الآن باسم “إيراسموس +”. سيكون أيضاً أكثر صعوبة على الأكاديميين ومدرسين للتدريب أو التدريس في الخارج.

سيتمكن الطلاب والأكاديميون الذين حصلوا على أموال قبل انتهاء الفترة الانتقالية لـ”بريكست” في 31 كانون الأول / ديسمبر من السفر إلى الخارج حتى نهاية العام الدراسي 2021-2020، وفقًا لـ”جامعات المملكة المتحدة”، وهي مجموعة تمثيلية للمؤسسات الأكاديمية في البلاد.

فمنذ بدايته في عام 1987، أرسل برنامج “إيراسموس” ملايين الأشخاص إلى الخارج للتبادل الدراسي أو للتوظيف أو التدريب. يشارك حوالى 200000 طالب في البرنامج كل عام. وغالباً ما يتحدث الخريجون باعتزاز عن التجربة، التي يرون أنها الشكل الأكثر واقعية للتكامل الأوروبي: وسيلة لاكتشاف ثقافات جديدة، ودراسة لغات أخرى، وإقامة روابط مدى الحياة.

قال بول جيمس كاردويل، أستاذ القانون بجامعة ستراثكلايد في غلاسكو وقد شارك في البرنامج في التسعينيات، “إن إيراسموس ليس برنامج تبادل الطلاب المعروف عنه فحسب، بل إنه جزء لا يتجزأ من طريقة تفكير الاتحاد الأوروبي في مواجهة البطالة والتنقل”.

في بريطانيا، يدرس نصف الطلاب الذين يدرسون في الخارج من خلال برنامج “إيراسموس”. وبالنسبة للكثيرين منهم، فقد شكل البرنامج مسارات شخصية ووفر طريقة يسهل الوصول إليها للشعور بالاتصال بأوروبا القارية.

وصف بن مونستر، وهو كاتب بريطاني مستقل يبلغ من العمر 25 عاماً درس في إيطاليا عام 2015 وانتقل منذ ذلك الحين إلى روما، “إيراسموس” بأنه “التعبير الأكثر نقاء وحيوية عن حلم شنغن”، في إشارة إلى منطقة السفر الخالية من جوازات السفر في الاتحاد الأوروبي.

وقالت ناتاليا باربور، طالبة الإعلام الدولي البالغة من العمر 22 عاماً في جامعة غلاسكو والتي درست في أمستردام لمدة فصل دراسي، إنها أرادت المشاركة منذ أن كانت في المدرسة الثانوية. قالت “إنها تجعل التجربة الجامعية أكثر إثارة”.

مارك بيري، أستاذ تاريخ الموسيقى في جامعة رويال هولواي في لندن، الذي درّس في هولندا من خلال برنامج “إيراسموس” في عام 2015، قال: “الكل يفوز منها، بمن في ذلك الأساتذة. كنت أتمنى لو كنت قد فعلت أكثر من ذلك عندما كان لا يزال ممكناً”.

في عام 2019، استقبلت بريطانيا أكثر من 30 ألف طالب ومتدرب من خلال البرنامج. لطالما اجتذبت الجامعات البريطانية مثل أكسفورد طلاباً دوليين.

وقال السيد كاردويل، الأستاذ في جامعة ستراثكلايد: “يأتي الكثير من الطلاب إلى بريطانيا ويعودون إلى بلادهم بتجربة إيجابية. إنه جانب قوي من القوة الناعمة لبريطانيا”.

وقد كتب المشرعون البريطانيون الذين أيدوا البقاء في البرنامج في تقرير العام الماضي أن الانسحاب سيؤثر بشكل غير متناسب على الأشخاص من الخلفيات المحرومة وذوي الاحتياجات الطبية أو الإعاقات. كما حذروا من صعوبة استبداله.

وفي إطار برنامج “إيراسموس + 2014-2020” الحالي، ساهمت بريطانيا بنحو 1.8 مليار يورو، أو 2.2 مليار دولار، وتلقت مليار يورو، وفقاً لوزارة التعليم.

وقال جونسون الأسبوع الماضي إن برنامجاً يحمل اسم عالم الرياضيات آلان تورينغ سيحل محل برنامج “إيراسموس+” وأنه سيسمح للطلاب “بالذهاب إلى أفضل الجامعات في العالم”.

وبدءاً من أيلول / سبتمبر 2021، سيوفر التمويل لنحو 35000 طالب للدراسة في الخارج، بتكلفة سنوية تبلغ 100 مليون جنيه إسترليني. لن يكون الأساتذة والطلاب البريطانيون من الجامعات الأجنبية مؤهلين للبرنامج.

ومع ذلك، ستستمر بريطانيا في تلقي التمويل من برنامج البحث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي، Horizon 2020 ، والذي تعد ثاني أكبر متلق له.

وقد رحبت جامعات المملكة المتحدة ببرنامج تورينغ، لكن خبراء آخرين وصفوا هذه الخطوة بقصر النظر.

وقال السيد أوبرينان من جامعة ماينوث: “سيُشعر هذا في غضون 20 عاماً. بريطانيا أخطأت في تقدير ما تحصل عليه من هذا البرنامج”.

وقالت العديد من الجامعات إنها ستحتفظ بعلاقات وثيقة مع أوروبا.

وقال السيد هاند من جامعة وورويك: “لا تريد الجامعات الأوروبية قطع الرابط، فمن المهم جداً بالنسبة لها أن يستمر طلابها في القدوم إلى بريطانيا”.

وبالنسبة للخريجين البريطانيين في البرنامج، كانت نهاية برنامج “إيراسموس” بمثابة نهاية حقبة، حيث لم يتمكنوا من الدراسة في الخارج بسهولة فحسب، ولكن أيضاً السفر عبر إسبانيا، وتعلم التزلج في النمسا، أو الرقص في مهرجان في الدنمارك.

وقال بواج، الطالب في أبردين والذي يدرس في السنة الثالثة من برنامج مدته أربع سنوات، إنه يأمل في التقدم إلى برامج الدراسات العليا في أوروبا القارية، لكنه قلق بشأن عقبات إضافية لم يتم توضيحها بعد. وأضاف: “بالنسبة لإيراسموس وأشياء أخرى كثيرة، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو صندوق باندورا. لا نعرف ما في داخله حتى الآن، لأننا فتحناه للتو”.

المصدر: عن الميادين نت