“كوفيد 19” ومستقبل الدبلوماسية في العلاقات الدولية

“كوفيد 19” ومستقبل الدبلوماسية في العلاقات الدولية
Spread the love

شجون عربية – بقلم: د. سلام الربضي* |

بادئ ذي بدء وعند القاء نظرة عامة على الأطر المفاهيمية المختلفة للدبلوماسية يجب التفريق بين الدبلوماسية والدبلوماسيين، وذلك من أجل القدرة على تأطير الإشكاليات المطروحة على صعيد العلاقات الدولية، فمن الممكن أن تكون هناك دبلوماسية من دون دبلوماسيين أي بمعنى تغييب الدبلوماسيين عن المشاركة في اتخاذ القرارات الدبلوماسية والسياسية بالإضافة إلى تعرضهم للتهميش عند وضع وتنفيذ السياسات الاستراتيجية، وهذا حكماً يستوجب التفريق بين الدبلوماسية كقرار استراتيجي وبين الدبلوماسيين كفاعلين مؤثرين. وفي ذات السياق يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار وجود وطغيان إنساق جديده معقدة على المستويات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والصحية والتي نتج عنها تزايد نفوذ بعض اللاعبين الجدد على الساحة العالمية بحيث أن المجال الدولي لم يعد حكراً على الدول فقط، وبالتالي وبكل تأكيد ووفقاً لاهتمام الفاعلون الجدد أضحت الرهانات في العلاقات الدولية مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الإنسانية، وبات هنالك أساليب جديدة ومختلفة من أشكال العمل الدبلوماسي كدبلوماسية العلوم ودبلوماسية البيئة ودبلوماسية التكنولوجية والدبلوماسية الديمغرافية والدبلوماسية الصحية..الخ.
وفي هذا الإطار، هنالك الكثير من الأدلة التي تثبت أن الدبلوماسية التقليدية للدول لم تعد وحدها قادرة على تحديد العلاقات الدولية، فلنذهب إلى اجتماعات منظمة التجارة العالمية لنرى ما مدى فاعلية دبلوماسية هؤلاء الفاعلون الجدد، كما أن مؤتمرات التنمية المستدامة في مجملها تعكس مدى هذا التأثير، وكذلك معظم الاتفاقيات العالمية لم يكن بالإمكان وجودها دون تلك الدبلوماسية كاتفاقيات تخفيض والغاء ديون الدول الفقيرة ومعاهدة حظر الألغام وبروتوكول السلامة البيولوجية وكل الاتفاقيات البيئية..الخ. وأيضاً في حال تتبعنا كل التطورات المرتبطة بدور وفاعلية منظمة الصحة العالمية على مستوى أزمة الجائحة في العام 2020، يمكننا القول أنها تعكس في أحد جوانبها إشكاليات التغير في جوهر العمل الدبلوماسي، ناهيك عن إشكالية نوعية الدبلوماسيين وكيفية اختيارهم وأيهما أنجع لمكافحة الجائحة: الدبلوماسي التكنوقراط أم الدبلوماسي السياسي أم الدبلوماسي التقني؟
وبالتالي، في ظل الواقع العالمي المتأزم جراء أزمة كوفيد 19 وبناء على الأطر الدبلوماسية المعقدة التي في جُلها تأتي لتُعبر عن جدلية مصدر الاستراتيجيات السياسية العالمية ومصير الدبلوماسية التقليدية، بات يستوجب التساؤل:
1-هل تعكس أزمة جائحة كوفيد 19 الصحية واقع الخلل في الاستراتيجيات السياسية أم في القدرات الدبلوماسية؟
2-هل تستوجب الرهانات المستجدة الفصل بين الدبلوماسية والدبلوماسيين؟ وهل باتت الدبلوماسية بحاجة لتوجه استراتيجي جديد أم الاستراتيجيات بحاجة لتنشيط دور الدبلوماسية؟
ومما يزيد من شدة ووطأة هذه التساؤلات، إن السواد الأعظم من النزاعات السياسية والمسلحة تتم حالياً داخل الدول مما يؤثر على هامش الحركة المتاح أمام الدبلوماسية التقليدية حيث من الطبيعي تراجع دورها وأهميتها من منطلق قاعدة عدم الاختصاص. كما أن دور الدبلوماسية التقليدية الذي كان قائم منذ أحداث 11 أيلول على الأبعاد الأمنية قد تغير مع استخلاص العبر من تناقضات الاستراتيجيات العالمية جراء الأزمة الصحية الناتجة عن كوفيد 19، حيث جاءت تلك الأزمة كضربة مباغتة لدور الدبلوماسية التقليدية وكدليل قاطع على أهمية فتح الآفاق الواسعة أمام أنواع جديدة من الدبلوماسية.
وفي هذا المضمار، لا يمكن أغفال وتجاهل التساؤل عن ماهية الدبلوماسية المستقبلية في حال تم الأخذ بمقترحات الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي والداعية لربط مسألة التصويت داخل المنظمة بمقدار المساهمة المالية في تمويلها، وهذا أيضاً ما عاد وأكد عليه الأمين العام السابق كوفي أنان مضيفاً إليه مطالبة الفاعلون الجدد(كالمنظمات غير الحكومية والشركات عبر الوطنية والأفراد) بتقديم الدعم المالي للمنظمة. وفي حال تم ربط هذه الوقائع مع المطالب الدائمة بإيجاد تمثيل رسمي للمجتمع المدني العالمي داخل المنظمات العالمية(كما بدأ يحدث بالفعل) والتي قد تصل إلى مرحلة الحق في التصويت، يُصبح من المنطقي أخذ كل تلك التساؤلات المتعلقة بالدبلوماسية ومستقبلها على محمل الجد.

*مؤلف وباحث في العلاقات الدولية.