وباء كورونا وإشكالية العلاقة بين العلم والسياسة

وباء كورونا وإشكالية العلاقة بين العلم والسياسة
Spread the love

شجون عربية – بقلم: د. سلام الربضي* |

من المنطقي التأكيد على نسبية العلم، فالموقف من غائية العلم يتسم بالشك والريب والنزعة النسبية، خاصة في ظل ذلك النسق العالمي الجديد على مستوى الفساد السياسي والاقتصادي. وهذا الواقع يفتح باب الجدل حول الإشكاليات المرتبطة بموضوعية كثير من المقاربات الأكاديمية وصدقية الأرقام والجدليات العلمية المرتبطة بجائحة كوفيد 19. فعلى الرغم من التعقيدات التي تواجه حيثيات تطور العلم، ستبقى نظرية التشكيك قابلة للتدوال، وانطلاقاً من ذلك هنالك على صعيد العلاقات الدولية تساؤل في غاية الأهمية حول الحتمية العلمية:

هل يجب السماح للعلم بالتطور قدر ما يستطيع بغض النظر عن العواقب المحتملة على المجتمعات ومصير الإنسانية؟

يتضح أنه لم يعد هنالك ثقة مطلقة بالعلوم الحديثة في ظل القاعدة التي تستند إليها ما بعد الحداثة، وهي قاعدة الشك في المعرفة العلمية، والمفارقة هنا تكمن في أن التشكيك أو التدقيق في العلم ونتائجه لم يعودا موضوعاً فلسفياً بل بات موضوعاً عملياً. فواقع المعرفة والسلطة والحرية الأكاديمية في ظل جائحة كوفيد 19، هو انعكاس دقيق للتوترات النظرية والعملية المرتبطة بإشكاليات العلاقة بين العلم والسياسة في العلاقات الدولية.

وهذا الواقع بات يطرح كثير من الجدليات المتعلقة بمدى إمكانية وفعالية وضع ضوابط أخلاقية على مستوى العلم، إذ يبدو أن تطور الإنتاج العلمي وانعكاساته وتعقيداته المتداخلة، أسرع بكثير من تطور وضع الضوابط الأخلاقية. وانطلاقاً من ذلك، وفي وسط حالة عدم اليقين الاستفزازية، ومع وجود كثير من النزعات الراديكالية المرتبطة بثنائية العلم والسياسية، تبرز الحاجة إلى إيجاد شيء ثابت في مكان ما. فالمرحلة التي كانت الدول فيها تحاول معالجة المشاكل العلمية عبر إنشاء لجان تجمع العلماء والمختصين هي في طور الانتهاء، وبالتالي حان الوقت لبزوغ فجر عصر يهتم بوضع قوانين ومعاهدات واضحة لا لبس فيها بما يتعلق بإشكاليات التطور العلمي، خاصة على مستوى القانون الجنائي الدولي.

إذ يتضح من خلال تتبع سياق تطور القانون الجنائي الدولي على المستوى النظري والعملي ، عدم مواكبته للأنساق العالمية الجديدة وتداعياتها على الأمن الإنساني العالمي. وهذا يتطلب توسيع صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية لتشمل الجرائم المتعلقة بالثورة البيوتقنية والهندسة المناخية والذكاء الاصطناعي ، وتعديل الفيروسات والحروب البيولوجية…الخ.

وفي نهاية المطاف، يجب التأكيد على فكرة أن العلم ليس إلا شكلاً من أشكال الفكر التي طورها الإنسان وليس بالضرورة الشكل الأفضل، وإنه ليس متفوقاً إلا في نظر المؤمنين بحتمية أسطورة الأيديولوجيا العلمية. فعلى سبيل المثال، إذ كان الاعتقاد بأن الثقة بالنماذج الرياضية ستزيل التحيز البشري، ولكن من الناحية العملية بدأت تلك الخوارزميات(النماذج) تمارس تحيزاتها الخاصة فيما يتعلق بكيفية عملها، إلى درجة بدء تداول مفهوم العدالة الخوارزمية والمطالبة بتدمير أسلحة الرياضيات. وهذا يؤكد بأن العصر العلمي المرتبط بالتكنولوجيا غير مضمون النتائج عند مرور الإنسانية بأوقات عصيبة.
وهذه الحتمية العلمية تطرح كثير من التساؤلات، حول فيما إذا أصبح العلم يلعب حالياً دور الدين في المجتمع الحديث؟ وهل هنالك ضرورة للقيام بعملية فصل بين العلم والدولة(السياسة) مثلما تمت عملية الفصل بين الدين والدولة؟

قد تكون الإجابة المنطقية على تلك التساؤلات تكمن في طرح التساؤل حول فيما إذا كان هنالك إمكانية لرسم الحدود القصوى للتقدم العلمي قبل التفكير في فصله عن السياسة، فإذا كان القرن 20 قد أعاد النظر في الثوابت اليقينية في كل ما يتعلق بالإنسان والسياسة، وإذا كانت العلمانية حاولت أن تكون البديل عن إخلاقيات الديانـات، ولكن هل سيكون تطور العلم _ الذي لا يمكن كبح جماحه_ هو العامل الحاسم وغير المتوقع الذي سوف يضع العلاقات الدولية في القرن 21
أمام أنساق جديدة لن يكون من السهل إيجاد أي مقاربة نظرية وعملية لها؟

*مؤلف وباحث في العلاقات الدولية.