طلال أبو غزالة لـ”شجون عربية”: نقمتي على الاحتلال الصهيوني دفعتني إلى التفوق

طلال أبو غزالة لـ”شجون عربية”: نقمتي على الاحتلال الصهيوني دفعتني إلى التفوق
Spread the love

 

خاص “شجون عربية” – عمّان – حوار فاتن سليمان |

إحساسه بألم اللجوء وفقدان الوطن دفعاه إلى الشعور بضرورة الانتقام من عدوه بالتفوق، أراد أن يبرهن للعالم أن اللاجئ يستحق الانتصار والنجاح وبالتصميم والإرادة. حوّل نقمته إلى نعمة وتحوّل من لاجئ إلى صاحب أكبر شركة في العالم. إنه طلال أبو غزالة باجتهاداته وأفكاره المتميزة، شغل الكثير من المناصب، منها مؤسسات تقود العالم في مجالات عدة وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز والدكتوراة الفخرية. ولد أبو غزالة في مدينة يافا بفلسطين، وبعمر 10 سنوات أجبره الاحتلال الإسرائيلي على اللجوء مع عائلته إلى بيروت. وكان لـ”شجون عربية” هذا الحوار المطوّل مع السيد أبو غزالة في مكتبه في عمان:

-هل لكم أن تحدثونا عن نشأة طلال أبوغـزالة وانطلاقة مسيرته المهنية الرائدة؟

*كانت محطة تاريخية كنت أريد أن انتقم من خصمي وهو الاحتلال الصهيوني. هذا حفّزني للنجاح والتفوق. فالإنسان عندما يواجه كارثة من هذا النوع يحبط أو يستسلم أو أن يقاوم بكل وسائل المقاومة فهي مشروعه ولا انتقاد عليها. أنا قررت أن اتخذ خطاً آخر أنتقم من خلاله، وهو بأن أتفوق وأعمل من هذا التحدي قصة تقول إن هذا الشعب اللاجىء يستحق أكثر من العدو المحتل، يستحق الحياة والانتصار والتفوق. وصلت إلى فلسفة أن المعاناة هي نعمة كي ننتصر ونتفوق، دائماً أحب أن أبثّها في شبابنا. عندما أتحدث مع الشباب الذين يريدون النجاح أقول لهم يجب أن تكون لديكم رسالة لتحقيق أهدافكم. واجهت الكثير من التحديات والمعاناة استطعت أن أحوّلها إلى نجاح.
عندما انتقلت عائلتي إلى بيروت، حاولت أن التحق بمدرسة المقاصد ولكن بمنحة فليس لدي الإمكانية للدفع فطلبت من مدير المدرسة أن يعطيني فرصة لفصل واحد، فإذا كنت الأول فأنا استحق المنحة واذا لم أكن قلت له أن يطردني وبالفعل استطعت التفوق.
في يافا كان والدي مقتدراً، لكن بعدها كانت دراستي بواسطة منح التفوق إلى أن جاءت مرحلة الجامعة. علمت أن وكالة الأونروا ستقدم منحة جامعية لشخص واحد في الجامعة الأميركية بشرط أن يكون الأول في لبنان. المعاناة أجبرتني أن أكون الأول أليست هذه نعمة. وبدأت أعمل الى جانب الدراسة وكان عمري 15 سنة لأنه بعد 5 سنوات من اللجوء كان والدي رجلاً كبيراً لا يستطيع أن يتولى مسؤولية البيت والعائلة، فأراد أن يوكلني هذه المسؤولية، وكان لي أخوة أكبر مني بـ30 عاماً والجميع وافق. كان بيني وبينهم علاقة محبة ورضا. بعد أن تخرجت من الجامعة بدأت البحث عن وظيفة ولدي حقيبة جمعت فيها رسائل الرفض والاعتذارات لطلبات قدمتها للوظيفة في كل البلاد العربية. هذه الحقيبة دائماً معي تذكرني بأن الفشل لابد منه، يكون البداية وليس النهاية. عملت مجاناً من غير راتب في بدايتي المهنية وأثبت قدرتي وكفاءتي وتم تثبيتي. بدأت حياتي بالوظيفة وبعدها أردت أن أنتقل الى عمل ترقيت فيه إلى أن أصبحت شريكاً لهذه المؤسسة بعد 12 سنة هي مؤسسة تدقيق الحسابات. وتشاء الظروف أن رئيسها أراد أن يتقاعد ويريد أن يتسلم واحد من الشركاء الرئاسة ورشحني، لكن كان لدي برنامج عملي. قالوا لي أنت لا تصلح ولا توجد إمكانية للتفاهم معك ولم يوافقوا وطلب أن أقدم استقالتي ولم يكن لدي بديل أو وظيفة أو مال. وبدأت مشروعي طبعاً في الكويت، كانت سيارتي هي مقر شركتي الأولى كنت استخدمها لتخزين الأوراق والمستندات ولعقد الاجتماعات مع زملاء العمل على رصيف بجانب السيارة. هذه بداية الشركة التي أصبحت مئة مكتب في العالم. اليأس والاستسلام بداية الفشل. وهناك الكثير من المواقف تعلمت منها أن المبادئ تصنع النجاح وأن الأمانة أحسن طريق للرزق.

-في رأيك، هل انتهت صفقة القرن مع رحيل ترامب وماهي توقعاتكم لسياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية، هل سيعود للضغط لاستئناف المفاوضات؟

*أنا لدي معرفة بصانعي السياسة الأميركية، تحديداً كان تربطني معرفة جيدة بالرئيس الأميركي جيمي كارتر. سألته هل من الممكن أن تتخذ قراراً يخالف دينك وضميرك، فرد كارتر: تقصد فلسطين؟ فقال لي: أميركا ليس لديها صديق أو عدو لديها مصلحة، والرئيس الأميركي لا يملك القرار في حال أتاه ملف يقال له أن يوقع القرار فيه مصلحة الأمن القومي أو الاقتصاد الأميركي. فالرئيس دونالد ترامب ما هو إلا واجهة لا يختلف عن باقي الرؤساء من الذين سبقوه أو من سيأتي بعده، إلا أن ترامب اختلف بوقاحة أسلوبه وباستفزازه. وفي النهاية أتمنى أن يصل العرب وخاصة الفلسطينيين إلى قناعة بأن قرارهم ليس بيد أميركا ولا بيد الآخرين، إنما قرار العرب بيدهم. وأميركا لا تستفرد فينا إلا لأننا عندما نعبّر عن ضعفنا واستسلامنا، فلا يوجد قرار في العالم يملكه القوي فقط، الضعيف يملك الجزء الآخر من القرار أيضاً. وهناك حكمة أثّرت بي عندما التقيت بـنيلسون روكفلر، وهو كان نائب رئيس الجمهورية في أميركا وكان رئيساً للحزب الجمهوري، حيث أراد روكفلر إقامة شراكة معي، فأضحكني الأمر لأقول له: في حياتي لم أسمع بشراكة بين الفيل والبعوضة فقال لي روكفيلر: لا تستهن بقوة الضعيف، فإذا وضعت بعوضة في غرفة مغلقة من الذي سينتصر، البعوضة.
واذا أردنا أن نتحدث عن ترامب و”صفقة القرن”، فأنا قلتها علناً في مؤتمر صحافي: هذا رأي رئيس أميركا لا يعنيني، أنا صاحب الأرض وأنا الذي أملك حق التوقيع وصك الملكية. لا يوجد أي دولة في العالم لديها صك ملكية الأرض، أنا الذي أملك الأرض. لا يهمني موقف ترامب أو جو بايدن ولا الأمم المتحدة. عندما يوقع آخر طفل على حدود غزة أو على حواجز الضفة على تنازل لأميركا لحل القضية الفلسطينية، أبدأ هنا بالقلق. وأنا فخور بأنني فلسطيني وإن قضية مثل “صفقة القرن” والمؤامرات وغيرها لم يؤيدها فلسطيني في التاريخ، فلماذا القلق؟ هذا القرار مثل كل القرارات التي اتخذت. أنا قمت بإحصاء وكل ما نسمعه غير صحيح عن الفلسطينين، عدد الفلسطينين الموجودين في العالم 30 مليون، والقرار للحق وللوقائع وليست للسياسات والاتفاقيات. سنة 2050، يعني غداً في عمر الشعوب والدول تعيش قروناً وآلاف السنين، سيصبح عدد الفلسطينين داخل فلسطين المحتلة ثلثي السكان واليهود الثلث. فأنا صاحب الأرض وأنا البلد وكما قال ديغول إن المستقبل يقرره التاريخ والجغرافيا فنحن التاريخ والجغرافيا وسننتصر ولا يقلقني أبداً عندما يصرّح أي رئيس بغير ذلك، هذه الأرض أسمها فلسطين وستبقى للفلسطينيين.

-تحدثتم أن عام 2020 عام الأزمات الكبرى وأن أميركا ستشن حرباً على الصين هل تقديراتكم لا تزال قائمة؟

*الحرب التي توقعتها بين الصين وأميركا أنا مصر على ما توقعت، وهناك تصريحات ودراسات عن ذلك. فهناك صراع تاريخي الآن وصل إلى قمته بين العملاقين على قيادة العالم، وأميركا لن تستسلم لتسليم قيادة العالم للصين، وقالتها أميركا وليس ترامب. اليوم قرأت تصريح لبايدن: إننا لن نسمح بهيمنة الصين على العالم. أميركا تواجه تحدياً وجودياً من الصين، وهناك صراع مصالح، وكل ما يهم أميركا مصلحة الأمن القومي والاقتصاد الأميركي، والآن لا توجد قيادة ولا يوجد نظام عالمي. كل الإجراءات التي تحدث هي مخالفة للاتفاقات الدولية ومخالفة للقوانين وللأمم المتحدة. إلى أن يحسم الموضوع بانتصار دولة ما أو الدولتين أو أن تتفقا على قيادة مشتركة. وهذا لا يتم لأنه لدي معرفة بمحاولات كنت طرفاً فيها كي يجتمع العملاقان ويتفقا وهذا مستحيل لأن الصين ترفض الجلوس مع أميركا، لأن جدول الأعمال الذي تقدمه أميركا من المستحيل أن توافق عليه الصين. فعندما تقول أميركا للصين إنك سرقتِ كل حقوق الملكية الفكرية وهذه تقدر بالتريليونات وأنت من اخترعتِ فيروس كورونا وصدرتِه لنا وكل الدمار الذي لحق فينا يجب أن تعوضينا عنه.
وصرحت الصين أخيراً أنه يكفي يا أميركا الادعاء في أننا سبب كورونا، وأميركا ردت عليها بألا تتدخلي في تحقيق منظمة الصحة العالمية. وهناك 15 موضوع خلاف بين الدولتين، كل واحد منها يستحق الحرب، الآن نحن في مرحلة القوتين. وقد أعلن رسمياً: يا أيها القوات الصينية استعدوا للمعركة ولكن لا تطلقوا الرصاصة الأولى. كل من يريد أن يحلل ويقرأ أن هناك معركة قادمة. أنا توقعت أن تحصل عند الانتخابات الأميركية لكي يستخدمها ترامب ليقول إننا في حالة حرب مع الصين وعندما تكون الدولة في حالة حرب رئيسها يصبح حاكماً عسكرياً، إنها حرب عالمية من نوع جديد لأننا في عالم جديد، نحن أمام صراع بين عملاقين، أي شرارة حرب يمكن أن تبدأ سوف تكون حرب صواريخ وليست قوات متنقلة. وهذه حرب ستنتهي بسرعة وزير الدفاع الأميركي قال إن حربنا مع الصين ستكون سريعة وعنيفة.

-في رأيكم، هل سياسة بايدن ستتخذ منهجاً مختلفاً عن إدارة ترامب تجاه الصين؟

إن سياسة بايدن تجاه الصين لن تختلف عن ترامب فهو قد يلجأ الى أساليب عدة كالخداع والمؤامرات واتخاذ العقوبات والحصار وهي أشد من الحرب. كل ما يحصل في العالم هو عدم وجود سيطرة أو نظام يحكم. فكل العقوبات التي فرضت من أميركا مخالفة للاتفاقيات الدولية وللمنظمات العالمية الدولية جميعها، لأنه لا يجوز أن تخالف قوانين التجارة الا بقرار.

-اقتصاد الصين يــبشرّ بتحوّله مستقبلاً إلى أكبر قوة اقتصادية، أما الآن مازالت الولايات المتحدة تتمتع بمقومات اقتصادية تجعلها في مقدمة الدول الاقتصادية في العالم. على ماذا ارتكزتم في المراهنة أن الصين تتفوق على أميركا؟

*اقتصاد أميركا في أسوأ مرحلة في تاريخها منذ 77 سنة. لديها عجز في الموازنة، لديها ديون، فيها بطالة من أعلى نسبة في العالم. واليوم قرأت تصريحاً أن أميركا تواجه أزمة إطعام الفقراء لديها. الذي يغطي على صورة أميركا والذي لا نستطيع أن نصدقه لماذا لأنها تطبع الدولار. أميركا مدينة للعالم، الدولار تطبعه من غير أن تكون فيه عملية مقابل بيع أو شراء فهي تطبع ديناً عليها. فالذي يغطي على أميركا أنها تطبع الدولار كي تغطي على العجوزات لديها ولكنها لا تبني اقتصاداً.
إن قوة أميركا الظاهرية هي ضعف لأنها تطبع الدولار غير المغطى بأي ثروة اقتصادية. فأميركا حتى الآن التي تفرض قوتها بالدولار وتحكم العالم. الصين الآن جهزت عملة عالمية بديلاً للدولار، عملة رقمية وتستخدمها الآن داخل الصين للتجربة، والهند اليوم قررت أن تصدر عملة رقمية خاصة لتعاملها. إذن المرحلة القادمة إما أن نتعامل معهم بعملات متبادلة، وليس بالدولار أو يتفق على أن الدولار يصبح أحد العملتين العالميتين أو أن تصبح العملة الصينية العملة السائدة. هذا كله سيتم بالتفاهم بين العملاقين أو بحرب بينهما.
وأنا يئست من أن يكون هناك اتفاق أو تفاهم أو يجلس الطرفان للتوصل إلى حل. فالصين ترفض الجلوس مع أميركا لأنها تطالبها بما هو مستحيل في نظر الصين، والأخيرة ترفض أن تكون عملة الدولار تحكمها. وبالنسبة لأميركا الدولار شيء مقدس، طارت رؤوس وأنظمة لأنها حاولت أن تستعمل عملة غير الدولار. لما قال صدام حسين: نستخدم اليورو بدلاً من الدولار للنفط، وعندما قال القذافي نصدر عملة افريقية.
الصين أكبر اقتصاد في العالم وأكبر تاجر في العالم، هي التي تصدّر، وهي أكبر مصنع في العالم وأعلى تقنيات في العالم. تفوقت في التكنولوجيا والاختراعات. الصين تسجّل سنوياً نصف مليون اختراع جديد. ببساطة الخلاف بشأن الملكية الفكرية من أهم الخلافات وأنا عملت في مجلس المنظمة العالمية للملكية الفكرية. تقول المنظمة إن اتفاقية حقوق الملكية الموقع عليها أميركا والصين، تقول أي تحديث في أي اختراع موجود يؤدي إلى اختراع جديد، أمريكا تنفي ذلك وترفضه. فهناك خلاف أساسي على تفسير الاختراعات والتعدي في الاختراعات، الاختراع مدته أصلاً في المنظمة 20 سنة. بعد العشرين سنة أي واحد يستطيع أن ينتجه وأميركا لا تقبل بذلك. ومن الخلافات أيضاً أن أميركا تطالب الصين بتعويض عن كل الأضرار التي لحقت بها جراء وباء كورونا مع العلم أن أميركا استفادت من كورونا، فقد نمت أرباح شركات التكنولوجيا وشركات الأدوية بنسبة 30% في سنة تفشي جائحة كورونا. فالعالم معقد لا يوجد فيه نظام أو جهة واحدة كي نحتكم إليها.

مراسلة “شجون عربية”، فاتن سليمان، خلال حوارها مع طلال أبو غزالة.

-ترامب خسر الرئاسة هل سيواصل حربه ضد الديمقراطيين وهل سنشهد انقسامات داخلية ومواجهات عنيفة أو انتهت الأزمة برحيل ترامب؟

*ترامب قال إن القرار ليس للمحاكم ولا للكونغرس فهو للشعب، والنقطة الأهم قال: لن أخرج من البيت الابيض الا اذا انزلوني عن الدرج، وهو صرّح رسمياً بذلك. لكن لماذا غادر؟ لأن الديمقراطيين وضعوا خطة عبقرية أن يطوقوا البيت الأبيض ويمنعوا الدخول والخروج الا بتصاريح هم يصدرونها ولا يستطيع ترامب أن يستقبل جماعته أو أن يحكي معهم لأن جميع الخطوط مراقبة، ولايستطيع أن يدلي بخطاب، فلن يمكنه أن يكمل رئاسته وهو سجين. أما بنظرهم فهم يحمونه ويحمون البيت الأبيض. 12 ألف جندي حاصر البيت الأبيض فكيف سيستمر ترامب في إدارة شؤون الدولة وهو محاصر ففكر في أن يفك حصاره أولاً ومن ثم يتصرف. الآن هو في كالفورنيا، لأنه ينتظر حكم الكونغرس حيث ستبدأ المحاكمه في 9 شباط / فبراير وتستمر وأنا لأول مرة أقول هذا التفسير. إذا صدر الحكم ضد ترامب، يجب أن يعزل وهو مستبعد جداً. فمجلس الشيوخ كي يصل الى قرار ضد ترامب يحتاج إلى ثلثي عدد الأصوات، وجماعة ترامب رفضوا هذه المحاكمة وقالوا إنها باطلة لأنه لا يجوز محاكمة شخص لم يعد رئيساً. هذه لمحاكمة الروؤساء وليس من المشروع أن تحاكم شخصاً لم يعد لديه صفة الرئيس. وسقط القرار بعد التصويت بأنه لا تجوز محاكمته، لأنه لم يحصل على الثلثين. والعجيب أن كل يوم يزيد عدد الذين كانوا مترددين أو ضد ترامب من الجمهوريين، فكل يوم يخرج من يؤيد ترامب من الذين عارضوه بعد الهجوم على الكابيتول، فإذن الاحتمال الأكبر لن يعزل ترامب.
إذا فتحنا على شاشة CNN نرى على الشاشة في بوكس صغير مكتوب فيه بمعنى اتحاد الجمهورية الأميركية المجزأة وليست المتحدة. فالحديث كله للأسوأ ليس فقط صراعاً بل بعض الولايات ستنفصل وهذا هو الخطر. كاليفورنيا من زمن، كل عشر سنوات تنظّم استفتاء بشأن هل نبقى في اميركا أو ننفصل. القادم على أميركا صراع داخلي وصراع حرب أهلية بكل الأحوال. الحل عندما تكون حرب داخلية يجب أن يكون فرض الأحكام العرفية. ولما تفرض الأحكام العرفية يصبح حاكم البلد حاكماً عسكرياً وليس الرئيس. وإذا لم ينجح، يفتعل الحرب مع الصين. ولما نقول الصين يختلف الموضوع كلياً، جميع الأميركيين ضد الصين يصبح لا خلاف لا صراع بين الحزبين. إذن هناك خطر من أن الصين تأخذ دور أميركا في قيادة العالم. وهناك محللون أنا استقصي الآراء وعليها أحلل لا أخترع ولا أصنع الأفكار أنا أدرس ما يُدرس وأحاول تحليله. أميركا تمر الآن بأصعب يوم في تاريخها.

-هلا ستتأثر الاقتصادات الخليجية بالحرب بين الصين وأميركا نظراً لتشابك مصالحها وارتباطها بالدولار ؟ وهل ستتمكن دول الخليج من بناء اقتصاد إنتاجي والانتهاء من الاعتماد على النفط والاقتصاد الريعي؟
تعتمد على كيف ستتجه دول الخليج، فإذا انجرت إلى الحرب بارادتها أو غصباً عنها أو أن تستطيع أن تقف على الحياد، فالأمور تعتمد كيف ستتجه المعركة. إذا سمحت أن تستخدم أميركا قواعدها فالطرف الآخر له الحق بأن يضربها. وكما قلت هي حرب مختلفة عن الحروب السابقة والصواريخ الآن تصل عبر القارات. أميركا لديها حوالي 300 قاعدة عسكرية في العالم، أغلبها في المنطقة العربية. أما كيف ستتطور الحرب فهذا موضوع آخر، لا أحد يستطيع أن يتوقعه ولا حتى صانعو الحرب أنفسهم. إن وجود ثروة النفط التي أنعم الله على الخليج العربي مجرد أن تتوقف المعركة تضخ النفط وتبيع خلال شهور وترجع عجلة الاقتصاد تعمل. أما البلد الذي ليس لديه ثروة فيحتاج الى الكثير ليصلح الاقتصاد. أنا أتحدى أي خبير استراتيجي يعطيني قراراً واحداً ليس مبنياً على مبادئ اقتصادية. الدولة التي لديها قدرات وموارد طبيعية سيحتاجها العالم فوراً ليعيد تشغيل احتياجاته، عندها هذه القوة إما بلد ليس لديه شيء يحتاج إلى وقت ليبني مؤسسات اقتصادية ويستعين بموارد متوفرة كي يبني مصانع ويحتاج إلى وقت للعمل على تشغيلها.

-في رأيكم ما هو الحل للأزمة المالية والاقتصادية في لبنان هل هو بالإصلاحات الاقتصادية أو باللجوء الى البنك الدولي أم هي مشكلة سياسية ومن ثم تأتي الحلول الاقتصادية تلقائياً؟

لبنان يعاني من أزمات اقتصادية كثيرة وفساد داخلي وسوء الإدارة، لكن الشعب اللبناني شعب عظيم وقدراته وإبداعاته عظيمة وهائلة. لماذا على لبنان أن ينتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو غيره لحل مشاكله الاقتصادية. أنا أتألم عندما يقبل لبنان بأن الحل الفرنسي هو الحل الوحيد.
طالما نحن ننتظر الحل من الخارج، سنلجأ إلى الأسوأ وعلى اللبنانيين أن يقرروا يوما ولو كان ذلك ضد مصالحهم الشخصية وهذه هي العقدة، إلى أن الحل بيدهم مهما كلفهم الأمر. المشكلة الاقتصادية في لبنان ليست بحاجة إلى فرنسا أن تضع لها الحلول. هذا البلد لديه الكثير من القدرات والموارد لينهض.
لا توجد دولة في العالم سمعت عنها تسلّم شؤونها لحل أجنبي، أي أن تجد الحل والخطط معناه هذا أكثر من استعمار لان الحل مستوردا فبعدما أن تضع الحلول ستراقب التنفيذ. وسيحكم ليس بالقوة العسكرية وإنما بالقوة الاقتصادية. وأقول لا البنك الدولي ولا صندوق النقد يعرف أن يحل مشاكلك. وأنا لست متفائلاً إلى أن نستطيع أن نقرر حلنا الاقتصادي ونحن أعلم به ونحن الذي نريد أن نصنعه.

-هل التطور المعرفي والتكنولوجيا المتسارع في العالم سيؤثر على قواعد الديمقراطية في العالم وفي أي اتجاه؟

*من تسعينات القرن الماضي ترأست في الامم المتحدة عدة مؤسسات ومناصب حول تقنيات المعلومات ومستقبل تقنية المعلومات والاتصالات. كنت رئيس فريق الأمم المتحدة التي وضعت سياسة وخطط تكنولوجيا المعلومات. وبعدها ترأست الائتلاف الدولي للأمم المتحدة حول تقنية المعلومات لتنمية الاقتصاد ومناصب كثيرة أخرى. أنا دائماً كنت أتوقع أن العالم سينتقل الى ثورة المعرفة، وأنا أصدرت كتاباً حول الموضوع تحدثت فيه كنا في الثورة الزراعية والصناعية ودخلنا الآن في الثورة المعرفية. هذه الثورة تحدثت فيها من عشرات السنين أن الغنى الحقيقي هو غنى المعرفة. يعني خمس شركات في العالم ليس لديها موارد طبيعية ولا رأسمال ولا تجارة وهي من أكبر الشركات في العالم وكل واحدة منها اقتصادها بحجم اقتصاد مجموعة دول. هذا الوضع يقرره الإبداع الشخصي، وليس له علاقة بأي علاقات دولية، طبعاً الدولة تستطيع أن تهيئ البيئة لكن كل هؤلاء المحترفين ولا واحد منهم دعمته الدولة أو ساهمت أو أعطته تمويلاً.
أنا متخوف من سيطرة المؤسسات الرقمية. لسوء الحظ، أميركا لأسباب داخلية قررت أن تعفيها من أي رقابة أو أي هيئة شرعية عليها. وتحدثت قبل الانتخابات الأميركية أن المنتخب الرئيسي في أميركا هو مارك زوكربيرغ، مالك فيسبوك، والشعب الذي يقرر نتائج الانتخابات، هذه المؤسسات التي لا تخضع للرقابة وهي التي تحرك الشعبوية. أي عندما يظهر عالفيس بوك أو على تويتر خبر صحيح أو غير صحيح يؤثر على جميع الناس حتى على أكبر رئيس. وأنا قلت إن قوة زوكربيرغ أكبر من قوة ترامب وبعدها بحوالي 9 أشهر قرأت مقالاً أنه أول مرة مواطن أو شركة رقمية هي التي تفرض عقوبات على رئيس الدولة. عندما يقول أنا منعت حساب ترامب. واستشهد بشكسبير يقول كثير ما نصنع أدوات لنستعملها ضد أعدائنا تستعمل ضدنا. القانون الذي مُرر بالكونغرس بأن هذه الشركات الفضائية الرقمية هي في فضاء آخر، وليس هنالك دولة لها سيادة عليه ولا تخضع لأي قوانين.
أنا أنشأت بصفتي في الأمم المتحدة، ترأست أول اجتماع لحوكمة الانترنت، والمندوب الأميركي كان موجوداً في المؤتمر قال لي: أنتم تضيّعون وقتكم، لا يوجد حوكمة على الانترنت ولا أحد يبدي رأياً فيها. هذا فضاء آخر لا توجد حدود وأنت تريد أن تعمل سيادة وقوانين. من هي الجهة التي تكون حكومة لا توجد حكومة ولا حدود. أنت بالفضاء في عالم آخر، ورفض أن نبحث الأمر، ونحن قررنا أننا نريد المحاولة. وهذا المنتدى لا يزال يجتمع سنوياً وتابع للأمم المتحدة وأنا الذي أسسته وترأست أول اجتماع له. الآن آمل بسبب ما حصل أنه سيعاد النظر في هذا القانون، لأنه ما طبق على ترامب سيطبق على بايدن، وأن هذه الشركات التي أصبحت أكبر شركات في العالم لا تدفع ضرائب. أغنى شركات العالم معفاة من الضرائب لأنها ليست في الدنيا فهي في محل آخر، وهي ليست تابعة لدولة. فكيف تصبح شركات مثل هذه وفيها واحدة أسسها ولد اسمه مارك زوكربيرغ كان عمره 15 سنة، يصبح الآن عنده تريليون دولار، يعني ألف مليار ليصبح واحداً من أغني أغنياء العالم. فقط لأنه خارج عن القوانين، هو القانون. وأنا قلت هو أقوى من رئيس جمهورية من 7 شهور والآن انتبهوا للأمر، عندما حذف حساب ترامب. لدية قوة أكثر من ترامب وهو سيقرر الانتخابات. هذا الوضع من أوضاع نحن في عالم ليس فيه نظام يحكم وليس فيه رئاسة وقيادة ، أي نظام يجب أن يكون فيه كيف يشتغل وكيف تنتخب رئيساً. هذا من الصراع الذي تواجهه أميركا والتي تواجهه فرنسا التي تريد تحل مشاكلنا. الشعبوية في فرنسا أسوأ من الشعبوية في لبنان، لأن الشعبوية الآن جاءت من فكرة سببها أميركا لأن الدستور الأميركي أول جملة فيه “نحن الشعب قررنا ما يلي”. أنا لا أريد رأي النواب ولا رأي الحكومة، أنا الشعب الذي يقرر. وأنا نبهت للشعبوية، القرار يعود إلى الشعب وهو صاحب السلطات، والأهم في الشعبوية الآلية لاتخاذ القرار، والنظام الديمقراطي ثبت فشله في كل العالم، وأميركا ستضطر لتغيير نظامها الديمقراطي، وهو أسوأ نظام للانتخابات في العالم. والنظام الديمقراطي في ظل الثورة المعرفية التي هي الآن تفرض تغييرات على كل شيء. لما ولد يشطب أهم وأكبر رئيس لدولة من الوجود ويصبح خارج العالم الرقمي أرجعته إلى العصر الحجري، لأنه لا سلطة له على هذه المؤسسات. صار لي 40 سنة أحارب لوضع نظام للحاكمية في عصر الانترنت، وأميركا تقول لا، هذا شيء خارج العالم في فضاء آخر ليس عليه سيادة ولا نسمح لأحد، لأنه ملكنا. قدمت مشروعاً رسمياً الى نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، أن لمصلحتكم أن تضعوا نظاماً لإدارة الانترنت والا سيصبح تعدد في الانترنت وتقسيم. ومع العلم الصين طورت انترنت وهي تشكّل ربع العالم وإذا انضمت لها دول مثل الهند والبرازيل ونيجيريا، صار نصف العالم مجهزة انترنت منافساً للانترنت الذي نحن نستخدمه وتقوم الصين بتجارب مثل 5G لتصدر انترنت متفوقة وتفتحها للعالم. نحن أمام تحجيم وتـشتيت للانترنت لذلك نطالب بنظام عالمي لها.