عنف وإرهاب اليمين المتطرف: خيارات مواجهة هذا التهديد المراوغ

عنف وإرهاب اليمين المتطرف: خيارات مواجهة هذا التهديد المراوغ
Spread the love

بقلم: دانيال كولر –  Author:  Daniel Koehler[1]

 ترجمة : د علي سالم* |

يشكل عنف وإرهاب اليمينيين المتطرفين تهديداً متزايداً للمجتمعات الغربية، هذا الشكل من أشكال العنف السياسي يختلف تمامًا عن الأشكال الأخرى من العنف – على سبيل المثال العنف الجهادي – في بعض الخصائص الرئيسية، فمنذ هجمات 11 سبتمبر ركز صناع السياسات ووكالات إنفاذ القانون والمخابرات والباحثون معظم اهتمامهم على العنف والإرهاب لدى المتطرفين الإسلاميين. وقد أدى ذلك إلى اختلال التوازن في فهم التهديدات الأخرى، لاسيما تلك المتعلقة باليمين المتطرف، ومحاولة إيجاد طرق ملائمة لمواجهة ذلك. هذه الورقة البحثية، التي تستخدم ألمانيا كدراسة حالة رئيسية، ترى بأن العنف في أقصى اليمين ينطوي على خطر محتمل لم يتم فهمه أوتصنيفه بشكل كافٍ، مما يخلق تصوراً لدى ضحايا هذا العنف بأن الدول الديمقراطية “عمياء في الجانب الأيمن”، أي تغض الطرف عن عنف اليمينيين. إن تآكل الثقة في سيادة القانون واحتكار القوة هو أحد أهداف الإرهابيين اليمينيين المتطرفين، ومن بين التوصيات المحددة لتحسين مواجهة التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف، تجنب المعايير المزدوجة في التعامل مع العنف السياسي بأي ثمن، واتخاذ إجراءات قانونية مناسبة سريعة وفعالة ضد مرتكبيه، وزيادة تمويل البحوث المتعلقة بالإرهاب اليميني، وتنقيح التعريف القانوني “للإرهاب” ومناقشة علاقته بـ “جرائم الكراهية”، فضلاً عن الدعم على نطاق واسع للتصدي للتطرف العنيف وبرامج مكافحة التطرف التي تستهدف اليمين المتطرف.

مقدمة: Introduction

يبدو أن العنف والإرهاب لدى اليمينيين المتطرفين يشكلان تهديدًا متزايدًا للديمقراطيات الغربية، ولكن هذا التهديد من اليمين المتطرف “مبالغ فيه”، وفي الواقع هو مجرد مسألة ثانوية مقارنة بالأشكال الأخرى للإرهاب؟، حيث يهدف موجز السياسة هذا إلى استخدام التطورات في مجال العنف والإرهاب لدى اليمين المتطرف في ألمانيا – مع أمثلة من بلدان أخرى للتوضيح كذلك – التي لها تاريخ طويل من التعامل مع عنف اليمينيين، كدراسة حالة. وذلك بهدف تحسين فهم الخصائص المحددة لهذا الشكل من أشكال العنف السياسي، الذي يحوله إلى تهديد يحتمل أن يكون مرواغ ويصعب ملاحظته. حيث تقدم ألمانيا العديد من الدروس المستفادة حول كيفية التعامل مع هذا التهديد، وذلك بسبب الأساليب الناجحة والفاشلة أيضًا التي لجأت إليها في التعامل مع مثل هذا النوع من العنف والتطرف اليميني.

وللتأكيد على أن التطورات في التطرف اليميني تشكل مصدر قلق في العديد من الدول الغربية، فإن دراسة الحالة عن ألمانيا تسبقها مناقشة عامة للتهديد. في الأشهر الأخيرة فقط قدمت تقارير وسائل الإعلام في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية مؤشرات كافية على احتمال تصاعد العنف من اليمين المتطرف، في إسبانيا خطط فاشي جديد لاغتيال رئيس الوزراء بيدرو سانشيز واعتُقل في 8 نوفمبر 2018.

وبحسب ما ورد أراد المشتبه فيه الانتقام من خطط السيد سانشيز لاستخراج رفات الديكتاتور اليميني فرانسيسكو فرانكو. قبل يومين فقط  – في 6 نوفمبر – تم اعتقال ستة متطرفين يمينيين في فرنسا لتخطيطهم لمهاجمة وقتل الرئيس إيمانويل ماكرون. قبل أربعة أيام – في 2 نوفمبر – تم اكتشاف مؤامرة إرهابية يمينية محتملة من قبل اثنين من المشتبه بهم في لندن. في الولايات المتحدة الأمريكية، أسفر حادث إطلاق النار على معبد “بيتسبرغ تري أوف لايف” في 27 أكتوبر 2018 عن مقتل 11 شخصًا وإصابة سبعة آخرين، تم تنفيذه من قبل متطرف يميني صريح، وصُنف على أنه من أكثر أعمال العنف دموية وفتكًا في تاريخ الولايات المتحدة.

إذا نظرنا إلى الوراء نجد بوضوح أن المتطرفين اليمينيين ارتكبوا العديد من الهجمات الإرهابية الكبيرة في الدول الغربية، ففي ألمانيا اغتالت ما يسمى بالحركة الوطنية الاشتراكية السرية (NSU) National Socialist Underground   عشرة ضحايا وحاولت قتل 43 شخصًا إضافيًا، حيث نفذت ثلاث هجمات بالقنابل و 15 عملية سطو مسلح على مدار سبع سنوات خلال الفترة ما بين 2000 و 2007. استغرق الأمر سنوات للسلطات الألمانية لإدراك أو الاعتراف بأن هذه الحوادث العنيفة شكلت حملة عنف إرهابي، وأن الأحداث أوجدت واحدة من أهم الأزمات في وكالات إنفاذ القانون والمخابرات الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية. في الواقع تم وصف NSU وأعمالها بأنها “11 سبتمبر الألمانية” من قبل المدعي العام الاتحادي الألماني. وفي النرويج أسفر حادث الهجوم بالقنابل وإطلاق النار من قبل المتطرف اليميني Anders Behring Breivik في 22 يوليو 2011 عن مقتل 77 ضحية. وفي الولايات المتحدة الأمريكية أطلق العميد الأبيض “ديلان رووف ” النار وقتل تسعة من الضحايا في هجوم كنيسة تشارلستون في 17 يونيو 2015. والقائمة تطول للأسف.

هذه الهجمات البارزة التي حظيت باهتمام كبير من الجمهور، هي أمثلة سيئة السمعة لموجة جديدة محتملة من عنف وإرهاب اليمين المتطرف. فوفقًا لمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية The Center for International and Strategic Studies (CSIS)  تبين أن عدد الهجمات الإرهابية التي قام بها اليمينيين المتطرفين تضاعف بين عامي 2016 و 2017 في الولايات المتحدة، وقفز بنسبة 43 ٪ في أوروبا في نفس الفترة الزمنية.

وللتأكيد على ذلك، أظهر مؤشر الإرهاب العالمي Global  Terrorism Index (GTI) أن عدد ضحايا هجمات الجماعات والأفراد اليمينيين خلال الفترة ما بين عامي 2013 : 2017 بلغت (66) شخصًا، مع مقتل 17 شخصًا و 47 من تلك الهجمات التي وقعت في عام 2017. في الولايات المتحدة يعود هذا الاتجاه إلى عدة سنوات، حيث تشير البيانات التي تم تجميعها بواسطة صحيفة الواشنطن بوست “انخفاضًا مستمرًا منذ عقود في أعمال العنف من جانب الجماعات اليسارية، في حين أن أعمال العنف التي يقوم بها المتشددون البيض وغيرهم من المهاجمين اليمينيين المتطرفين في تصاعد منذ رئاسة باراك أوباما، وقد تصاعدت أكثر منذ الرئيس تولى ترامب منصبه .

يبدو أن مصدر التهديد الرئيسي في الولايات المتحدة يتجلى بوضوح في 263 حادث إرهاب داخلي خلال الفترة ما بين  2010 ونهاية عام 2017، ثلث هؤلاء الضحايا – 92 – ارتكبه مهاجمون يمينيون (…). وثلث آخر تم ارتكابه من قبل المهاجمين الذين كانت دوافعهم إما غير معروفة أو غير سياسية بشكل واضح. الإرهابيون الإسلاميون ارتكبوا 38 هجومًا، بينما كان المهاجمون اليساريون مسؤولين عن 34 هجومًا – بنسبة حوالي 13 في المائة، علاوة على ذلك، أبدى المتطرفون اليمينيون أيضًا اهتمامًا وجهودًا حثيثة من أجل الحصول على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية (CBRN)، والتي أسفرت عن عدد من المخططات الإرهابية اليمينية المتطرفة في البلدان الغربية (معظمها في الولايات المتحدة)، ولكن لحسن الحظ لم تنجح حتى الآن في أن تؤت ثمارها. وثمة تطور آخر يتمثل في ظاهرة الأفراد المشاركين في المؤامرات الإرهابية اليمينية المتطرفة دون وجود مؤشرات على اتصالات سابقة مع بيئة متطرفة، وهو مايطلق عليه أحيانًا باسم “الخلية الإرهابية”، كل ما سبق يشير إلى حجم التهديد الإرهابي الكبير الذي يشكله نشطاء الجماعات اليمينية المتطرفة.

وعلى صعيد آخر تشير بعض الإحصاءات والبحوث إلى اتجاه مغاير، فعلى سبيل المثال، يشير تقرير يوروبول عن حالة الإرهاب واتجاهه (TE-SAT)  إلى أن (3) في المائة فقط من الهجمات الإرهابية الفاشلة أو المحبطة أو المكتملة مصدرها المتطرفين اليمينيين (مقارنة بنسبة 67 في المائة من جانب الانفصاليين و 16 في المائة من الجهاديين و 12 في المائة المتطرفون اليساريون) . على الرغم من أن عدد حالات الاعتقال على خلفية حوادث إرهابية مرتبطة باليمين المتطرف داخل الاتحاد الأوروبي قد تضاعف تقريبا إلى 20 في عام 2017 في حين أنه كان 12 في عام 2016، إلا أنه يتضاءل بالمقارنة مع أشكال العنف السياسي الأخرى، على الأقل من حيث من الأرقام (على سبيل المثال بلغ عدد الجهاديين المعتقلين في عام 2017 (705) جهاديًا .

على الرغم من أن العدد الإجمالي قد يكون صغيرًا نسبيًا في السياق الأوروبي إلا أن الاتجاه التصاعدي مستمر، في المملكة المتحدة على سبيل المثال تضاعف عدد الاعتقالات الإرهابية اليمينية المتطرفة بأكثر من ثلاثة أضعاف من عام 2017 إلى 2018، لكن الجهاديين لا يزالون يمثلون الحصة الأكبر من العدد الإجمالي للاعتقالات ذات الصلة بالإرهاب. وبناء على هذه المؤشرات لا يعد اليمين المتطرف هو التهديد الأخطر على الأقل داخل الاتحاد الأوربي، وهو الأمر الذي تدعمه الأبحاث التي أجراها “رافندال” التي أظهرت انخفاضًا عامًا في حوادث اليمين المتطرف التي أسفرت عن وفاة شخص أو أكثر من الضحايا في أوروبا الغربية منذ عام 2000 على الأقل.

ألمانيا كدراسة حالة:

إن المشكلة الرئيسية في التعامل مع تهديد اليمين المتطرف تكمن في عدم توفر الإحصاءات التي يمكن الاستناد إليها في عملية التقييم، على سبيل المثال الدراسة الرائدة التي أجراها “رافندال” بشأن حوادث القتل التي ارتكبها يمينيون متطرفون في أوروبا الغربية، عند النظر ومحاولة تطبيق هذا الأمر على ألمانيا نجد أن المشكلة تكمن بالفعل في عدم توفر الاحصاءات الرسمية، فوفقًا للشرطة الجنائية الألمانية (Bundeskriminalamt –BKA) فإن عدد ضحايا اليمين المتطرف منذ عام 1990 بلغ 83 ضحية قُتلوا في أعمال عنف، في حين تقدر المنظمات غير الحكومية عدد القتلى ضحايا حوادث اليمين المتطرف 169 خلال نفس الإطار الزمني. هذا الاختلاف في الإحصاءات يشير إلى مدى صعوبة الوصول لفهم متوازن لمستوى التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف.

بالنظر للأشكال الأخرى من عنف وإرهاب اليمين المتطرف كالحوادث التفجيرية أو الحرق العمد، نجد أن بعض هذه الجرائم عادة – وليس بشكل دائم – ما يتم إدراجها من الناحية القانونية في إطار الحوادث الإرهابية، فالإحصاء في ألمانيا تشير إلى حدوث طفرة في الحوادث والهجمات التي يشنها اليمينيون المتطرفون تزامنًا مع ما يعرف بـ “أزمة اللاجئين” بين عامي 2015 – 2016، حيث تضاعف عدد حوادث التفجير ثلاث مرات خلال عامي 2014-2015، كما هو موضح بالشكل (1)، على الرغم من انخفاضها مرة أخرى بداية من العام 2016 فصاعدًا.

شكل (1) حوادث التفجير التي قام بها اليمين المتطرف خلال الفترة من 2001 – 2017

جرائم وهجمات الحرق المتعمد تعد شكلًا آخر من أشكال العنف الحاد الذي يترتب عليه  تأثيرات نفسية متعلقة بالإرهاب، والتي شهدت ارتفاعًا متزايدًا خلال عامي 2015 و 2016، حيث بلغت نسبة هذه الهجمات ما يقارب 540 حادث خلال عام 2014، وعلى الرغم من انخفاض معدل الهجمات التفجيرية خلال عام 2017(شكل 2)، إلا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لجرائم الحرق المتعمد، والتي كان معظمها موجهًا لحرق مبانِ غير مأهولة تم تخصيصها كوحدات سكنية للاجئين، لكن تظل بعض الحوادث كهجوم Salzhemmendorf في ليلة 27 أغسطس 2015 أحد الشواهد الرئيسية التي لفتت الأنظار لهذا النوع من عنف وإرهاب اليمين المتطرف في ذلك الوقت.

خلال تلك الليلة، تعرض مبنى في بلدة Salzhemmendorf الألمانية يسكنه حوالي 40 لاجئ، لهجوم بتشكيلة من المولوتوف من قبل ثلاثة من الجناة ذوي الاتجاهات والدوافع اليمينية المتطرفة الواضحة. وكان من بين أولئك الذين يعيشون في جزء من المبنى الذي تعرض للهجوم أم وأطفالها الثلاثة (الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 11 سنة) من زيمبابوي. لكن لحسن الحظ، فإن الهجوم لم يسفر عن وقوع أي ضحايا. أثناء وقائع المحاكمة التالية التي بدأت في 10 فبراير 2016، اعترف المتهمون الرئيسيون الثلاثة (امرأة ورجلان) بالهجوم، وكان أحدهم يعمل كرجل إطفاء وساعد في إطفاء الحريق بعد الهجوم. تمكن المدعون العامون من إثبات اعتناقهم لأيديولوجية “الحركة الوطنية الاشتراكية”، مما دفع المحكمة إلى إدانتهم جميعًا بمحاولة القتل، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين أربع سنوات ونصف وثمانية أعوام.

(شكل2) جرائم الحرق المتعمد التي قام بها اليمين المتطرف خلال الفترة من 2001 – 2017

لذا، فإن الزيادة الكبيرة في عدد اللاجئين القادمين إلى ألمانيا بين عامي 2015 و 2016 تزامنت مع ارتفاع كبير بنفس القدر في العنف اليميني المتطرف، والذي تجلى في جرائم الحرق المتعمد والحوادث التفجيرية، والتي وصلت للحد الذي يمكن القول بأن كثير من هذه الحوادث يستحق أن يتم وصفه بالإرهاب. لاحقًا تبين في خطوة تالية كيف أدت هذه الممارسات والجرائم ذات الدوافع الأيديولوجية إلى الملاحقات القضائية من قبل السلطات الألمانية، وخاصة من قبل المدعي العام الاتحادي الألماني (Generalbundesanwalt GBA).

أرقام التحقيقات الأولية فيما يتعلق بالتهم والأحكام، تشير إلى إغلاق الدعاوى دون اتخاذ إجراءات قانونية في ضوء الفقرات 129، 129أ و 129ب  من القانون الجنائي الألماني (والمتعلقة  بتشكيل أو الانتماء لمنظمة إجرامية أو إرهابية داخل وخارج ألمانيا) والتي أقرتها الحكومة الألمانية في البرلمان (البوندستاغ)، استجابة لطلبات أحزاب المعارضة، ويبين (الشكل 3) تطور الأرقام لكل عامل على مدى 16 عامًا، ومن الواضح أن هناك زيادة في معدلات التحقيقات ذات الصلة بالإرهاب بالتوازي مع الارتفاع الأخير في الحوداث اليمينية المتطرفة.

ومع ذلك، حتى لو وضعنا في الاعتبار أنه يمكن أن تكون مجموعة واحدة مسؤولة عن أكثر من حريق متعمد أو هجوم متفجر، فإن عدد التحقيقات الجديدة لا يزال أقل من المستوى العام للعنف الشديد ( 4 عام 2016 – 6 عام 2017)، من اللافت للنظر أيضًا أن الارتفاع غير المعتاد في التحقيقات الجديدة في عام 2012 والذي بلغ (15) تحقيقًا، كانت بشكل واضح قبل بدء ما يسمى بـ”أزمة اللاجئين” وخلال مرحلة من النشاط العنيف نسبيًا من قبل اليمين المتطرف. لكن هذا الرقم على الأرجح كان كرد فعل على اكتشاف “الحركة الوطنية الاشتراكية” أو ما يطلق عليهم النازيون الجدد  NSU في عام 2011، ونتيجة الضغط السياسي والشعبي، وعلى سبيل المقارنة فقط نجد أن نفس النوع من التحقيقات التي أجراها نفس المدعي العام الألماني ضد المواطنين غير الألمان من الجهاديين في عام 2017 فقط بلغ 952 تحقيق، أغلق منها 460.

هذا بالطبع لا يعني أن مرتكبي أعمال العنف المتطرف لا يحاكمون في ألمانيا، لكن عادةً ما تتم مقاضاتهم بموجب قوانين جنائية مختلفة (مثل التسبب في انفجار أو حيازة أسلحة غير مشروعة أو محاولة قتل)، وفي كثير من الحالات يحصلون على أحكام بالسجن لمدة أطول من تلك التي قد يحصلون عليها في حال تصنيفهم ضمن فئة الإرهابيين. عوضًا عن ذلك، من المرجح أن يكون عدد التحقيقات ذات الصلة باليمين المتطرف نسبيًا أو بشكل جزئي على الأقل ناتجة عن التعقيدات القانونية، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة ويحتاج إلى مصادر كثيرة لإثبات تهمة تشكيل منظمة إرهابية أو توفر نية إرهابية في المحكمة، مقارنة بما تتطلبه  الأدلة (البسيطة نسبياً) في حالة تهم الأسلحة أو القتل. وبالنسبة للمحققين والمدعين العامين غالبًا ما يكون الأمر متعلق باقتصاديات المحاكم المتمثلة في تحديد عدد الأدلة التي يتعين وضعها في التحقيق في جريمة معينة والتي من شانها أن تؤدي إلى إدانة في النهاية.

ومع ذلك، إذا كانت أحكام السجن مساوية أو حتى متجاوزة لتهم الإرهاب، فإن العواقب بالنسبة للخطاب العام بشأن العنف اليميني المتطرف يمكن أن تكون كبيرة.  فعلى سبيل المثال، قد يرى ضحايا عنف وإرهاب اليمين المتطرف أنهم “ضحايا من الدرجة الثانية” وأن جسامة الجرائم المرتكبة ضدهم مهمشة في الخطاب العام. وعلاوة على ذلك، إن تشويه التصور العام عبر استخدام وتصنيف “فئة الإرهاب” بطريقة أحادية الجانب يمثل أكبر تهديد للأمن. كما أن ذلك يؤثر على عملية التمثيل الإحصائي للتهديدات والسياسات الإرهابية القائمة وفقًا لهذه الأرقام. لأن فكرة وجود ميل قوي لعدم محاكمة اليمينيين المتطرفين على أنهم إرهابيين لأسباب مختلفة، سوف يؤدي ببساطة إلى خلق سياسات معيبة لمكافحة الإرهاب بسبب خطأ في تقييم مصدر التهديد الأساسي، لذا فإن العواقب لا تتعلق بعملية العدالة الجنائية فقط، ولكن أيضًا بالآثار طويلة الأمد التي يعاني منها ضحايا العنف اليميني، وكذلك الإدراك العام لما يمثل إرهاب من عدمه، إضافة إلى التمثيل الإحصائي للجرائم شبه الإرهابية اليمينية المتطرفة.

الإجراءات القضائية للمدعي العام الاتحادي ضد المتطرفين اليمينيين وفقًا للمادة 129 (أ، ب) من القانون الجنائي

من النتائج الرئيسية التي تم التوصل إليها في دراسة الحالة الألمانية، أنه على الرغم من حوداث العنف الشديدة التي كان مصدرها الدوافع الأيديولوجية لأصحاب اليمين المتطرف (مثل الهجمات المتفجرة والحرق العمد، الاغتيالات)، لا يتم ترجمتها إلى إدانات أو محاكمات باعتبارها ذات صلة بالإرهاب. وهذا بدوره قد يشوه الإحصاءات التي تم جمعها على سبيل المثال من قبل EUROPOL في تقرير TE-SAT، الذي ينظر بشكل خاص في عمليات التوقيف والملاحقات المتعلقة بالإرهاب. على الرغم من أن مناقشة الأسباب القانونية التي تقف خلف هذا الأمر ليست محل اهتمامنا في هذا الصدد، إلا أنه من الإنصاف القول أن دولاً غربية أخرى كافحت أيضًا مع مشكلة تصنيف بعض أعمال العنف الداخلي المتطرف على أنها “إرهاب”.

وتعد الولايات المتحدة من الأمثلة المهمة في هذا الصدد، حيث أدى التداخل بين جرائم الكراهية والإرهاب الداخلي وكذلك التحديات التي تطرحها قضايا قانونية معينة مثل عدم وجود جرائم جنائية محددة يمكن مقاضاتها بموجب تشريع الإرهاب الداخلي إلى ظهور تحديات كبيرة لإنفاذ القانون. الأمر الذي ساهم في تأجيج النقاش العام فيما يتعلق بالمعايير المزدوجة عند التعامل مع العنف السياسي، والذي قد يؤثر أيضًا على التصور العام لطبيعة خطر الإرهاب. حيث كشفت دراسة حديثة على سبيل المثال أن الهجمات الإرهابية التي ارتكبها الجناة المسلمون حصلت في المتوسط ​​على تغطية إخبارية بنسبة 357٪ أكثر من الهجمات الأخرى،

ومن ثم فإن العنف السياسي لدى اليمين المتطرف ربما يقع في منطقة قانونية تتصف بالرمادية، لأنه غالبًا ما يتم تجنب تصنيفه بشكل واضح على أنه “إرهاب”، الأمر الذي أدي إلى أعتباره تهديدًا مرواغًا، لكن ذلك لا يعني أن الإرهاب اليميني المتطرف يوازي بالضرورة أو حتى يتفوق على التهديدات الأخرى على سبيل المثال الجماعات الجهادية. ولكنه في نفس الوقت يشير إلى حقيقة أن الأطر والأدوات التي نستخدمها لوصف وقياس العنف السياسي والإرهاب قد تكون معيبة إلى حد كبير.

جرائم الكراهية وإرهاب اليمين المتطرف: Hate Crimes and Extreme Right-Wing Terrorism

مرة أخرى، إذا أخذنا ألمانيا كدراسة حالة، من المفيد أن ننظر إلى المستوى العام للجرائم العنيفة لليمين المتطرف مقارنة بأشكال محددة للغاية من الهجمات مثل الحرق العمد والتفجيرات، نلاحظ تباينًا قويًا في هذه الجرائم، ولكنها زادت بشكل كبير لتصل إلى مستوى قياسي إجمالي خلال 16 عامًا، في الفترة ما بين 2001 – 2016، عندما تم تقديم الإحصاءات المتعلقة بانتشار الجريمة (الشكل 4).

شكل(4) يوضح جرائم اليمين المتطرف خلال الفترة من 2001-2017

في العديد من الدول الغربية، يتم التعامل مع العنف اليميني باعتباره “جرائم كراهية”، على الرغم من أنها تشترك في كثير من خصائصها مع الإرهاب، والمقصود هنا بجرائم الكراهية هي “عمل إجرامي بدافع من التحيز تجاه الضحية أو الهوية الحقيقية أو المتصورة للضحية والذي ينطوي على الرغبة في إرهاب وترويع مجموعات على نطاق أكبر.

وقد دفع هذا التداخل بين جرائم الكراهية والإرهاب بعض العلماء إلى تسميتهم بأبناء العم المقربين، بيد أن الأهم من ذلك هو أن المستهدف عادة ما يتم اختياره بسبب هوية الجماعة التي ينتمي إليها، لا بسبب سلوكه الفردي، والسبب الآخر هو أن تأثيره لا يقتصر على المستهدفين مباشرة بل يمتد ليشمل أكبر عدد ممكن من الناس.

ومع ذلك، فقد اختلف علماء آخرون مع وجهة النظر السابقة، وأكدوا أن الاختلافات بين جرائم الكراهية والإرهاب تفوق أوجه التشابه، ما يشير إلى أن الاثنين في الواقع شكلان مختلفان من أشكال العنف، وأنهم أقرب إلى أن يكونوا “أقارب بعيدين” أكثر من كونهم “أبناء عمومة مقربين”؛ فجرائم الكراهية تفتقر نسبيًا إلى التخطيط مقارنة بالهجمات الإرهابية، كما أنها أكثر عفوية بشكل عام، فضلًا عن أن مرتكبيها نادرًا ما يبحثون عن الدعاية لأنفسهم، على عكس معظم الإرهابيين الذين يسعون بنشاط لذلك.

والرأي الثالث يمثله “مارك هام” Mark  Hamm، حيث يرى بأن العنف اليميني يمكن أن يكون في الواقع جريمة كراهية وإرهاب اعتمادًا على الأهداف السياسية والاجتماعية التي يسعى إلي تحقيقها، والتي ستكون وفقًا “لهام” شرطًا أساسيًا لـتصنيفها كـ ” إرهاب ” أو ” جرائم كراهية “.

واستنادًا إلى هذا العرض الموجز، يبدو من المنطقي افتراض أن جرائم الكراهية والإرهاب (اليميني) يتقاسمان خصائص هامة وأنهما -إلى حد ما – مرتبطان ببعضهما البعض. وهذا يعني أن هناك تهديد خطير يتمثل في خطأ تصنيف الإحصاءات الرسمية لجرائم اليمين المتطرف على أنها جرائم كراهية حينما يكون من الأدق وصفها بالإرهاب، الأمر الذي يستدعي مستويات غير عادية من الاهتمام على المستوى السياسي والقانوني أكثر من جرائم الكراهية.

ما الذي نعرفه عن عنف وإرهاب اليمينيين؟

بالانتقال إلى الأدب الأكاديمي حول الإرهاب اليميني، يظهر بوضوح أن الموضوع لم يحظ بالاهتمام الأكاديمي تقريبًا الذي حظي به الإرهاب الجهادي. في عام 2011 وجد “Alex Schmid” أنه من بين 4.458 من البحوث المنشورة من قِبل النظراء كان هناك فقط 0.6 %  فقط منها مرتبط بالإرهاب المحلي، وهي الفئة التي تضمنت عنف اليمين المتطرف إلى جانب أشكال أخرى من العنف السياسي لفترة طويلة . حيث تركز معظم المنشورات المتعلقة باليمين المتطرف إما على السياسة الحزبية ونتائج الانتخابات أو مظاهر الثقافات الفرعية (على سبيل المثال جماعة حليقي الرؤوس العنصرية أو منظمة  KKK أو النازيون الجدد) أو استراتيجيات التعبئة (على سبيل المثال أناشيد البيض العنصرية أو الممارسات عبر الإنترنت أو الملابس). عدد قليل فقط من العلماء والباحثين الذين حاولوا دراسة عنف وإرهاب اليمين المتطرف كما هو، ولكن ذلك في أماكن ودول محددة كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والدول الاسكندنافية أو روسيا.

ومن الخصائص الأخرى للإرهاب اليميني التي أشارت إليها الدراسات الشاملة المتاحة، هي تلك العلاقة المختلفة بين حوادث العنف التي يرتكبها اليمين المتطرف وطريقة تواصلهم مع الجمهور مقارنة بباقي الجماعات المتطرفة الأخرى، فعلى الرغم من وجود اتفاق بين العلماء والباحثين على أن الإرهاب هو في الأساس شكل من أشكال التواصل للوصول إلى جمهور مستهد، فإن الإرهابيين اليمينيين – على الأقل في بعض البلدان – نادراً ما يربطون هجماتهم باستراتيجية اتصال متطورة أو بأي شكل من أشكال الدعاية.

ولعل ما يزيد من تعقيد هذا الجانب وجود أنواع مختلفة ومتداخلة من العنف اليميني المنظم المتعارف علية في أوساط الخبراء، ومع ذلك ازداد البحث حول الإرهاب اليميني وتركزت أحدث الأعمال حول هذه الظاهرة على خلفيات السيرة الذاتية لمرتكبي الجرائم والعوامل المرتبطة بالسياق البيئي.

يوضح البحث الحالي الأهمية الرئيسية للثقافات الفرعية للتجنيد والتطرف، أو يرسم خريطة للخصائص والأهداف التنظيمية والاستراتيجية للجهات اليمينية المتطرفة الفاعلة، أو محاولات لبناء قواعد بيانات موحدة للإرهاب اليميني للتمكن من إجراء المقارنة والتحليل بين الدول المختلفة (وهو الأمر الذي كان متبعًا في التعامل مع أشكال أخرى من الإرهاب لعدة عقود).

التوصيات / الدروس المستفادة Recommendations/Lessons Learned

بناءً على ما ورد أعلاه والخبرة العملية من البلدان التي لها تاريخ طويل من الانخراط ضد اليمين المتطرف، مثل ألمانيا، من الممكن استخلاص بعض التوصيات الرئيسية لصانعي السياسات ووكالات إنفاذ القانون:

تجنب المعايير المزدوجة بين مختلف أشكال العنف السياسي: Avoid Double Standards between Various Forms of Political Violence

أولا وقبل كل شيء، من الضروري تجنب الكيل بمكيالين في التعامل مع عنف وإرهاب اليمينيين مقارنة بالأشكال الأخرى من العنف السياسي بأي ثمن، لأن ذلك الأمر لن يقتصر على نظرة الضحايا للأمر باعتباره “نفاق”، لكن الجناة أنفسهم سيرون أنه شكل من أشكال النصر إذا استطاعوا “الهروب من القتل”، أي ارتكاب جرائم ذات طبيعة إرهابية دون مقاضاتهم على أنها تتعلق بالإرهاب أو وصفهم بالإرهابيين.

تخصيص موارد كافية لمواجهة التطرف اليميني: Allocate Adequate Resources to Counter Right-Wing Extremism

وهذا يفسر لنا أيضًا الحاجة إلى توفير ما يكفي من الموظفين والموارد للمحققين الذين ينظرون إلى اليمين المتطرف. على سبيل المثال، خصصت المملكة المتحدة زمام المبادرة لمحاربة العنف المتطرف من اليمين إلى المخابرات الحربية MI5 لأول مرة في أكتوبر 2018، مما يشير إلى تحول الأولويات ومستويات التهديد لحكومة المملكة المتحدة. كما قامت ألمانيا، على سبيل المثال في حالة أخرى، بتعزيز التحقيقات والمحاكمات القائمة على أساس جماعي (أي تشكيل منظمات إجرامية أو إرهابية) التي تستهدف اليمين المتطرف مؤخرًا، مما أدى إلى بعض المسارات والإدانات الرئيسية، على سبيل المثال ضد ما يسمى “مجتمع المدرسة القديمة” (OSS) أو مجموعة “Freital”. ويجري حاليا التحقيق مع مجموعات أخرى متعددة من قبل المدعي العام الاتحادي الألماني. في بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يزعم بعض المراقبين أن أجهزة إنفاذ القانون تتجاهل بشكل منهجي التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف على مدار عقود، مما أدى إلى انفصال السلطات عن البيئة العنيفة فيما يتعلق بالمعلومات الحالية وتقييم التهديدات

الاستجابة القضائية المناسبة: Appropriate Judicial Responses

يجب أن تكون الإجراءات القضائية المناسبة ضد مرتكبي جرائم العنف اليمينية المتطرفة سريعة وفعالة، فعلى سبيل المثال بطء السلطات اليونانية في محاكمة أعضاء حزب الفجر اليميني المتطرف، قد يكون لها تأثير على زيادة العنف ضد المهاجرين واللاجئين والمعارضين السياسيين بما في ذلك أولئك الذين ربما يتعرضوا للعنف من قبل جماعات يمينية متطرفة أخرى. مثال آخر هو محاكمة 17 من النازيين الجدد المتهمين بتشكيل منظمة إجرامية وتنفيذ هجمات عنيفة متعددة في ألمانيا، والتي انتهت في مايو 2017 دون صدور حكم بعد قرابة خمس سنوات من جلسات المحاكمة بسبب تقاعد القاضي وتطبيق استراتيجيات التأخير بنجاح من قبل محامي المشتبه بهم. سوف يرى الوسط اليميني المتطرف الإجراءات القضائية البطيئة وغير الفعالة بمثابة نقطة ضعف وسوف يميلون إلى استغلالها لصالحهم.

زيادة تمويل البحوث المتعلقة بعنف وإرهاب اليمين المتطرف: Increase Funding for Research on Far-Right Violence and Terrorism

علاوة على ذلك، يوصى بزيادة التمويل المخصص للبحث في أعمال عنف وإرهاب اليمين المتطرف، وهي من أكثر أشكال العنف السياسي التي لم يتم دراستها، ومن الضروري الفهم بشكل أفضل للاختلافات بين عنف وإرهاب اليمين المتطرف وأعمال العنف المتطرفة الأخرى ذات الدوافع الأيديولوجية، حيث تشير مجموعة الأبحاث القليلة نسبيًا والمتاحة إلى بعض الخصائص المهمة للغاية التي يتميز بها عنف اليمين المتطرف وهي على سبيل المثال عدم وجود استراتيجيات سياسية واضحة ومتطورة، أما بالنسبة للسلطات فإن فهم هذه الظاهرة هو المفتاح المطلق لتقييم التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف بشكل كاف والرد عليه بأكثر الطرق فعالية.

الكشف عن العلاقة بين جرائم الكراهية والإرهاب: Acknowledge Relationship between Hate Crimes and Terrorism:

وثمة درس آخر مهم هو تعزيز فتح النقاش بشأن العلاقة بين جرائم الكراهية والإرهاب من جهة، وحول إمكانية تطبيق الأطر القانونية الحالية على الإرهاب اليميني من جهة أخرى،  حيث يمكن تقديم حجة قوية لعرض جرائم الكراهية على أنها “أبناء عمومة مقربين” من الإرهاب، إذا تم تطبيق ذلك فإن جريمة الكراهية يمكن أن يكون لها تأثير جانبي يتمثل في تشويه المدى الحقيقي لعنف اليمين المتطرف، لذلك لا ينبغي أن تستند آليات الإبلاغ عن الإرهاب اليميني فقط إلى الملاحقات القضائية والإدانات التي تستخدم تسمية “الإرهاب”، بل يجب أيضًا النظر في الآثار النفسية على المجموعة المستهدفة من أعمال العنف وأشكال الهجوم المستخدمة. نظرًا لأن التسمية القانونية “الإرهاب” تبدو غير كافية في العديد من البلدان لفهم ظاهرة العنف والإرهاب اليميني المتطرف بشكل واقعي، وهناك ما يبرر وضع إطار وصفي أكثر شمولا. ويتمثل أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية للجهات اليمينية المتطرفة في تقويض الثقة في احتكار قوة الحكومات الديمقراطية وسيادة القانون.  وإذا رأى السكان المستهدفون من قبل اليمين المتطرف أنهم أقل حماية، فإن قوة الديمقراطيات التعددية قد تنقلب ضد الثقافة الديمقراطية.

توسيع “برامج الخروج” لليمينيين المتطرفين: Expand ‘Exit Programs’ for Right-Wing Extremists:

بالإضافة إلى ذلك، يجب توسيع نطاق مكافحة التطرف العنيف وإلغاء التطرف، على سبيل المثال من خلال ما يسمى بـ “برامج الخروج”، سواء على المستوى الحكومي أو غير الحكومي، ضد جميع أشكال التطرف العنيف بما في ذلك اليمين المتطرف. حيث تعد ألمانيا مثالاً يحتذى به هنا، نظرًا لأن لديها ما يقرب من ثلاثة عقود من التجارب العملية في هذا المجال منذ أوائل التسعينيات. في الوقت الحالي، يتم تأسيس جميع أنواع برامج مكافحة العنف والتطرف التي تستهدف اليمين المتطرف بشكل راسخ ضمن المركز الألماني لمكافحة التطرف و الإرهاب.

في عام 2014، على سبيل المثال، أحصت دراسة عامة 18 برنامج خروج للمتطرفين اليمينيين في ألمانيا، منها 12 برنامجًا حكوميًا. وهذا ليس سوى جزء صغير جدًا من العدد الهائل من البرامج التي تعمل في إطار وقائي أكثر تدخلاً أو موجهًا إلى أقصى اليمين. في عام 2016، قامت دراسة نظرة عامة قامت بها الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية بحساب 267 مشروع لمكافحة العنف والتطرف في ألمانيا تستهدف اليمين المتطرف.

هذا يدل على أن برامج  مكافحة والعنف والتطرف الحكومية وغير الحكومية يمكن أن تعمل في هذا المجال، شريطة أن يكون هناك عدد وافر من مصادر التمويل المتاحة، إن قرار الدول الأخرى كالولايات المتحدة برفض التمويل المتعمد لبرامج مكافحة العنف والتطرف التي تستهدف اليمين المتطرف، يمكن أن ينظر إليها من قبل اليمين المتطرف على أنهم يمنحون “تصريحًا مجانيًا” ويشجعون على مزيد من العنف. ومع ذلك، فإن برامج CVE وبرامج الخروج (أو إلغاء الانضمام لليمين المتطرف) وحدها لا تسفر تلقائيًا عن نتائج إيجابية، ولكن يجب أن يتم تضمينها في الاستراتيجيات الوطنية للتقييم والتحقق، والأهم من ذلك أن تخضع لمعايير الجودة الصارمة والتقييمات العلمية. كما هو الحال مع أي مجال آخر يعمل مع عملاء يحتمل أن يكونوا على درجة عالية من الخطورة، فالبرامج ذات التصميم السيئ التي تفتقر إلى التقييمات والرقابة على الجودة قد تزيد من المخاطر. وأخيرًا وليس آخرًا ومتصلًا بالنقطة السابقة، ينبغي تنويع فرص تمويل البرامج التي تواجه التطرف اليميني أو العنف عبر مؤسسات مختلفة (مثل وزارة الداخلية أو وزارة الشؤون الاجتماعية أو الأسرة أو وزارة الصحة أو وزارة البحوث) وتلافيا لاستبعاد ناقلين معينين لهذا البرنامج قد يتهربون من قبول الدعم المالي من بعض المصادر الحكومية خوفا من وصمهم في مجتمعاتهم المحلية.

الملخص: Conclusion

تشير العديد من المؤشرات إلى تنامي الخطر الذي يشكله اليمين المتطرف ولو بشكل جزئي على البلدان الغربية، ويبدو أن القوانين والتشريعات المتعلقة بالإرهاب لا تصطاد بدقة أساليب العنف والأشكال التنظيمية التي يستخدمها اليمين المتطرف، ويبدو أيضًا أنه من الأصعب وصف العنف اليميني المتطرف بأنه “إرهاب”.  حيث يشوه الجانبان الإحصاءات الرسمية وتقييمات التهديدات، لكن هذا لا يعني أن الخطر الذي يشكله اليمين المتطرف بالضرورة يساوي أو حتى ينسخ أشكال أخرى من العنف السياسي والإرهاب، لا يزال يشير إلى أن الموارد، وتقييم التهديدات، والتدابير المضادة التي تم اتباعها في الماضي قد تكون خاطئة.

إن العنف اليميني المتطرف يستهدف مباشرة أسس الثقافة الديمقراطية وهي التعددية والتسامح. لأنه يغرس الخوف في صفوف ضحاياه وينفي الوضع الراهن واحتكار القوة المستقرة المستمد من سيادة القانون. وهذا يعني أنه حتى وإن لم يصنف العنف اليميني المتطرف على أنه “إرهاب”، فإنه يمكن أن تكون له آثار مدمرة طويلة الأجل على المجتمعات الديمقراطية. كما يجب أن يؤخذ في الحسبان العنف ذي الدوافع الإيديولوجية من جميع الخلفيات مأخذ الجد، والتوصيات المقدمة في هذا الموجز القصير للسياسات ليست سوى خطوة أولى لمعالجة هذا الخلل.

*مدرس علم النفس السياسي والاجتماعي في كلية الآداب – جامعة حلوان في مصر.

المراجع:

Agerholm, Harriet. “MI5 agents to take lead in fight against far-right extremism for first time,” Independent, October 29, 2018. https://www.independent.co.uk/news/uk/home-news/far-right-extremism-terrorism-threat-mi5-police-investigation-security-services-a8607106.html. Accessed December 3, 2018.

BBC News. “Spain Sánchez ‘attack plot’: Police arrest gun suspect.” November 8, 2018. https://www.bbc.com/news/world-europe-46138158. Accessed November 25, 2018.

Bjørgo, Tore. Terror from the extreme right. London; Portland, Or.: Frank Cass., 1995.

Blazak, Randy. “Isn’t Every Crime a Hate Crime? The Case for Hate Crime Laws.” Sociology Compass 5, no. 4 (April 2011): 244-255.

Blee, Kathleen M. “Becoming a Racist: Women in Contemporary Ku Klux Klan and Neo-Nazi Groups.” Gender and Society 10, no. 6 (December 1996): 680-702.

Bundesamt für Verfassungsschutz.Verfassungsschutzbericht 2017. Berlin, 2017. https://www.verfassungsschutz.de/embed/vsbericht-2017.pdf. Accessed January 11, 2019.

Cooper, Ryan. “America has a right-wing terrorism problem.” The Week, October 24, 2018. https://theweek.com/articles/803667/america-rightwing-terrorism-problem. Accessed December 3, 2018.

Dearden, Lizzie. “Number of far-right terrorists in UK prisons triples as arrests hit new record.” Independent, June 14, 2018. https://www.independent.co.uk/news/uk/crime/uk-prison-far-right-arrests-terrorists-conviction-national-action-a8398146.html. Accessed December 5, 2018.

Deloughery, Kathleen, Ryan King and Victor Asal. “Close Cousins or Distant Relatives? The Relationship Between Terrorism and Hate Crime.” Crime & Delinquency 58, no. 5 (October 2012): 663-688. https://doi.org/10.1177/0011128712452956.

Deutscher Bundestag. “Rekordzahl an Terrorverfahren.” Heute im Bundestag. January 5, 2018. https://www.bundestag.de/presse/hib/2018_01/-/535514. Accessed December 7, 2018.

Deutscher Bundestag. Antwort der Bundesregierung auf die Kleine Anfrage der Abgeordneten Ulla Jelpke, Dr. André Hahn, Gökaz Akbulut, weiterer Abgeordneter und der Fraktion DIE LINKE. -Drucksache 19/1420-. April 23, 2018. http://dip21.bundestag.de/dip21/btd/19/017/1901799.pdf. Accessed January 11, 2019.

Dodd, Vikram. “Two men arrested in London on suspicion of far-right terrorism plot.” The Guardian, November 2, 2018. https://www.theguardian.com/uk-news/2018/nov/02/two-men-arrested-london-on-suspicion-of-plotting-terror-attacks?CMP=share_btn_tw. Accessed November 25, 2018.

  1. “Bavarian court jails ‘Old-school’ extremists.” March 15, 2017. https://www.dw.com/en/bavarian-court-jails-oldschool-extremists/a-37943239. Accessed December 4, 2018.

EUROPOL. European Union Terrorism Trend and Situation Report. The Hague, 2018.

Ezekiel, Raphael S. “An Ethnographer Looks at Neo-Nazi and Klan Groups.” American Behavioral Scientist 46, no. 1 (September 2002): 51-71. https://doi.org/10.1177/0002764202046001005.

Frankfurter Allgemeine Zeitung. “Die NSU-Morde sind unser 11. September.” March 25, 2012, http://www.faz.net/aktuell/politik/inland/generalbundesanwalt-harald-range-die-nsu-morde-sind-unser-11-september-11696086.html. Accessed December 13, 2018.

Futrell, Robert, Pete Simi and Simon Gottschalk. “Understanding Music in Movements: The White Power Music Scene.” The Sociological Quarterly 47, no. 2 (March 2006): 275-304.

Glaser, Michaela, Sally Hohnstein and Frank Greuel. “Ausstiegshilfen in Deutschland. Ein vergleichender Überblick über Akteure und Vorgehensweisen.” In Hilfe zum Ausstieg? Ansätze und Erfahrungen professioneller Angebote zum Ausstieg aus rechtsextremen Szenen, edited by Peter Rieker, 45-76. Weinheim: Beltz Juventa, 2014.

Green, Donald. P., Laurence H. McFalls, and Jennifer K. Smith. “Hate Crime: An Emergent Research Agenda.” Annual Review of Sociology 27, (August 2001): 479-504.

Gruber, Florian, Saskia Lützinger and Uwe E. Kemmesis. Extremismusprävention in Deutschland – Erhebung und Darstellung der Präventionslandschaft. Bundeskriminalamt, 2016. Retrieved from: https://www.bka.de/SharedDocs/Downloads/DE/Publikationen/Publikationsreihen/Forschungsergebnisse/2016ExtremismuspraeventionInDeutschland.html. Accessed December 17, 2018.

Hamm, Mark S. American skinheads: the criminology and control of hate crime. Westport, Conn.: Praeger, 1993.

Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2018: Measuring the impact of terrorism. Sydney, November 2018. http://visionofhumanity.org/app/uploads/2018/12/Global-Terrorism-Index-2018-1.pdf. Accessed December 5, 2018.

Jacobs, James B. and Kimberly Potter. Hate crimes: criminal law & identity politics. New York: Oxford University Press, 1998.

Jarry, Emmanuel. “France arrests six over plot to attack Macron: official.” Reuters, November 6, 2018. https://www.reuters.com/article/us-france-security/france-arrests-six-over-plot-to-attack-macron-official-idUSKCN1NB1KX. Accessed November 25, 2018.

Jones, Seth G. “The Rise of Far-Right Extremism in the United States.” CSIS Briefs, November 7, 2018. https://www.csis.org/analysis/rise-far-right-extremism-united-states. Accessed November 26, 2018.

Kearns, Erin, Allison Betus and Anthony Lemieux. “Why Do Some Terrorist Attacks Receive More Media Attention Than Others?” Justice Quarterly (April 2018), http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.2928138.

Koehler, Daniel. “German Right-Wing Terrorism in Historical Perspective. A First Quantitative Overview of the ‘Database on Terrorism in Germany (Right-Wing Extremism)’ – DTG rwx’ Project.” Perspectives on Terrorism 8, no. 5 (October 2014): 48-58.

Koehler, Daniel. “The Radical Online: Individual Radicalization Processes and the Role of the Internet.” Journal for Deradicalization (Winter 2014/15): 116-134.

Koehler, Daniel. Right-Wing Terrorism in the 21st Century. The National Socialist Underground and the History of Terror from the Far-Right in Germany. Oxon/New York: Routledge, 2016.

Koehler, Daniel. “How and why we should take deradicalization seriously.” Nature Human Behavior 1, 0095 (May 2017). https://doi.org/10.1038/s41562-017-0095.

Koehler, Daniel. “Recent Trends in German Right-Wing Violence and Terrorism: What are the Contextual Factors behind ‘Hive Terrorism’?” Perspectives on Terrorism 12, no. 6 (December 2018): 72-88.

Koehler, Daniel and Peter Popella. “Mapping Far-right Chemical, Biological, Radiological, and Nuclear (CBRN) Terrorism Efforts in the West: Characteristics of Plots and Perpetrators for Future Threat Assessment.” Terrorism and Political Violence (August 2018). https://doi.org/10.1080/09546553.2018.1500365.

Krueger, Alan B. and Jitka Malecková, J. “Does poverty cause terrorism?” The New Republic, June 24, 2002, 27-33.

Laryš, Martin and Miroslav Mareš. “Right-Wing Extremist Violence in the Russian Federation.” Europe-Asia Studies 63, no. 1 (January 2011): 129-154. https://doi.org/10.1080/09668136.2011.534308.

Lowery, Wesley, Kimberly Kindy and Andrew Ba Tran. “In the United States, right-wing violence is on the rise.” Washington Post, November 25, 2018. https://www.washingtonpost.com/national/in-the-united-states-right-wing-violence-is-on-the-rise/2018/11/25/61f7f24a-deb4-11e8-85df-7a6b4d25cfbb_story.html?utm_term=.b469f49f0cfc. Accessed November 27, 2018.

Miller-Idriss, Cynthia. The Extreme Gone Mainstream: Commercialization and Far Right Youth Culture in Germany. Princeton, NJ: Princeton University Press, 2018.

Mitchell, Kristen. “Hate Crimes, Domestic Terrorism Not ‘Mutually Exclusive’.” GW TODAY, January 10, 2018. https://gwtoday.gwu.edu/hate-crimes-domestic-terrorism-not-%E2%80%98mutually-exclusive%E2%80%99. Accessed December 3, 2018.

Perliger, Arie. Challengers from the Sidelines. Understanding America’s Violent Far-Right. CTC at West Point. New York, 2012. Retrieved from https://www.ctc.usma.edu/posts/challengers-from-the-sidelines-understanding-americas-violent-far-right. Accessed December 17, 2018.

Pisoiu, Daniela. “Subcultural Theory Applied to Jihadi and Right-Wing Radicalization in Germany.” Terrorism and Political Violence 27, no. 1 (December 2014): 9-28.

Rabert, Bernhard. Links- und Rechts-Terrorismus in der Bundesrepublik Deutschland von 1970 bis heute. Bonn: Bernard und Graefe, 1995.

Ravndal, Jacob. A. “Thugs or Terrorists? A Typology of Right-Wing Terrorism and Violence in Western Europe.” JD Journal for Deradicalization, no 3. (2015): 1-38.

Ravndal, Jacob A. (2016). “Right-Wing Terrorism and Violence in Western Europe: Introducing the RTV Dataset.” Perspectives on Terrorism, 10, no. 3 (June 2016): 2-15.

Reitman, Janet. “U.S. Law Enforcement Failed to See the Threat of White Nationalism. Now They Don’t Know How to Stop It.” New York Times, November 3, 2018. https://www.nytimes.com/2018/11/03/magazine/FBI-charlottesville-white-nationalism-far-right.html?smid=tw-share. Accessed December 3, 2018.

Schmid, Alex P. “The Definition of Terrorism.” In The Routledge Handbook of Terrorism Research, edited by Alex P. Schmid, 39-98. Oxon: Routledge, 2011.

Simi, Pete, Steven Windisch and Karyn Sporer. Recruitment and Radicalization among US Far-Right Terrorists. College Park, MD: START, 2016. Retrieved from: https://www.start.umd.edu/pubs/START_RecruitmentRadicalizationAmongUSFarRightTerrorists_Nov2016.pdf. Accessed December 17, 2018.

Spiegel. “Koblenzer Neonazi-Prozess eingestellt.” May 30, 2017. http://www.spiegel.de/panorama/justiz/koblenzer-neonazi-prozess-endgueltig-eingestellt-a-1149853.html. Accessed December 3, 2018.

Sprinzak, E. “Right-Wing Terrorism in a Comparative Perspective: The Case of Split Deligitimization.” In Terror from the Extreme Right, edited by Tore Bjørgo, 17-43. London: Frank Cass., 1995.

Strickland, Patrick. “When Prosecuting Far-Right Violence Fails.” The New Republic, October 30, 2018. https://newrepublic.com/article/151947/prosecuting-far-right-violence-fails. Accessed December 3, 2018.

Strickler, Laura. “Trump admin will apparently not renew program to fight domestic terror.” NBC News, October 31, 2018. https://www.nbcnews.com/politics/national-security/trump-admin-will-apparently-not-renew-program-fight-domestic-terror-n926361. Accessed December 4, 2018.

Süddeutsche Zeitung.“Brandanschlag in Salzhemmenhof: Acht Jahre Haft für Haupttäter.” March 17, 2016. https://www.sueddeutsche.de/politik/urteil-in-hannover-brandanschlag-in-salzhemmendorf-acht-jahre-haft-fuer-haupttaeter-1.2911626. Accessed January 11, 2019.

Tagesschau.“Offenbar mehr Opfer rechter Gewalt.” September 27, 2018. https://www.tagesschau.de/inland/rechte-gewalt-101.html. Accessed December 2, 2018.

The Local de. “Neo-Nazi group jailed for terror attack plans against refugees.” March 15, 2017. https://www.thelocal.de/20170315/neo-nazi-group-jailed-for-terror-attack-plans-against-refugees. Accessed December 4, 2018.

Washington Post. “Trump’s Homeland Security department gives right-wing extremists a pass.” August 31, 2017. https://www.washingtonpost.com/opinions/trumps-homeland-security-department-gives-right-wing-extremists-a-pass/2017/08/31/a0164ab4-8455-11e7-ab27-1a21a8e006ab_story.html?utm_term=.188c66c62743. Accessed December 4, 2018.

Zezima, Katie and Wesley Lowery. “Suspected synagogue shooter appears to have railed against Jews, refugees online.” Washington Post, October 27, 2018. https://www.washingtonpost.com/national/suspected-synagogue-shooter-appears-to-have-railed-against-jews-refugees-online/2018/10/27/e99dd282-da18-11e8-a10fb51546b10756_story.html?noredirect=on&utm_term=.572df1ab2e9c. Accessed November 25, 2018.

[1] Koehler, Daniel. “Violence and Terrorism from the Far-Right: Policy Options to Counter an Elusive Threat.” The International Centre for Counter-Terrorism – The Hague 10 (2019).