هل “إسرائيل” دولة ديمقراطية؟ .. تلك هي أوهام اليسار الصهيوني

هل “إسرائيل” دولة ديمقراطية؟ .. تلك هي أوهام اليسار الصهيوني
Spread the love

شجون عربية – كتب الكاتب الأميركي المقيم في القدس المحتلة، ناثان ثرال، مقالة في مجلة “أوريان21” باللغة الفرنسية، تناول فيه خطة الضم الإسرائيلية لجزء كبير من الضفة الغربية التي وردت في خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المعروفة باسم “صفقة القرن”. وقال الكاتب إن الفلسطينيين كانوا غائبين تماماً تقريباً عن الجدل حول الضم في ربيع عام 2020، عندما اقترح ترامب أن تضم “إسرائيل” 30٪ من الضفة الغربية، تاركاً للفلسطينيين “دولة” مكوّنة من بلدات عدة غير متصلة بالأراضي الإسرائيلية. كما اقترحت “خطة ترامب” سحب الجنسية عن ربع الفلسطينيين في “إسرائيل” عن طريق نقل عشر بلدات إسرائيلية إلى ولاية الدولة الفلسطينية المستقبلية. العديد من الحجج ضد المشروع الأميركي قد ركز على حقيقة أن الأراضي قد تم ضمها بحكم الأمر الواقع وستبقى في حوزة “إسرائيل”.

يعتقد يائير لابيد، رئيس حزب الوسط “يش عتيد”، أن الضم الرسمي ليس ضرورياً لأن المنطقة الأكثر تضرراً من الضم، أي غور الأردن، والتي تمثل أكثر من ربع الضفة الغربية وتسمح بتطويق إجمالي السكان الفلسطينيين في إسرائيل”، وقال: “كونها الآن جزءاً من إسرائيل، لا يعني الأمر كما لو أن هناك من يهدد بسحبها منا”.

من جهته، يقول عاموس جلعاد، وهو جنرال سابق ومسؤول في وزارة الأمن الإسرائيلية، إن سيطرة “إسرائيل” على غور الأردن ستكون أكثر اتساقاً مع زيادة المستوطنات اليهودية بدلاً من الضم “المعلن الصريح”. ويضيف: “يمكن للحكومة أن تتخذ خطوات لضمان أن يكون غور الأردن مسكناً لعشرات الآلاف من الإسرائيليين، وليس فقط بضعة آلاف”.

لذا لم يكن النقاش العام حول ما إذا كان ينبغي المصادقة على احتلال “إسرائيل” لأراضي الضفة الغربية، ولكن كيفية القيام بذلك.

وقال يائير غولان، وهو جنرال سابق ونائب حالي عن حزب “ميرتس” الصهيوني الأكثر يسارية، إنه سيصوت لصالح الضم “إذا أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن الهدف النهائي هو الانفصال عن الفلسطينيين”.

وأوضح الكاتب أنه حتى أشد المعارضين للضم صراحة، أولئك الذين حذروا من أن الضم سيحول “إسرائيل” إلى دولة فصل عنصري، يصفون “إسرائيل” الآن بأنها دولة ديمقراطية حقة، من دون أن يكون هناك أي خطر في أن تكون دولة فصل عنصري ذات يوم، فلم يعد الأمر كذلك. وبحسب هذا المنطق، طالما امتنعت “إسرائيل” عن إضفاء الطابع الرسمي على الضم، وطالما أعلنت أن استيعاب الضفة الغربية مؤقت، فستظل الدولة ديمقراطية، ولن تصبح “إسرائيل” أبداً دولة فصل عنصري ما لم تعلن أنها كذلك.

الحاجز النفسي بين نظامين

وقال الكاتب إن المبدأ القائل بأن “إسرائيل” ديمقراطية كما أكدته حركة “السلام الآن” وحزب “ميرتس” وصحيفة “هآرتس” وغيرها من المعارضين الإسرائيليين لاحتلال (الضفة الغربية) يقوم على الاعتقاد بأنه يمكن فصل دولة “إسرائيل” داخل حدودها (الأراضي المحتلة عام 1948) عن المنطقة الواقعة تحت سيطرتها(الأراضي المحتلة عام 1967)، وأنه يجب الحفاظ على حاجز نفسي بين نظامين: “إسرائيل” ديمقراطية (جيدة) واحتلال مؤقت (سيء). ترتبط طريقة التفكير هذه بالاعتقاد العام بين الصهاينة الليبراليين بأنه من المشروع إدانة المستوطنات – وحتى مقاطعة منتجاتهم بالنسبة للبعض – ولكن ليس التشكيك في أصل دعم الحكومة لإقامة هذه المستوطنات وصيانتها. بالنسبة لهذه المجموعات الليبرالية، يبدو أن أكثر ما يثير القلق بشأن الضم هو أنه يشوّه خطابهم القائل بأن الاحتلال خارج عن الدولة وأنه مؤقت، على الرغم من استمراره لمدة 53 عاماً.

وتابع الكاتب: ليس من الصعب إثبات أن أفعال “إسرائيل” في الضفة الغربية تقع تحت نظام الفصل العنصري. يعتمد الإسرائيليون والفلسطينيون في نفس المنطقة على نظامين تشريعيين مختلفين. عن نفس الجريمة، التي ارتكبت في نفس الشارع، تتم محاكمتهم أمام محاكم مختلفة، واحدة عسكرية والأخرى مدنية. يتمتع اليهود في الضفة الغربية، والمواطنون الإسرائيليون، واليهود الذين ليسوا إسرائيليين بعد، ولكنهم يهود مؤهلين للهجرة، بنفس الحقوق والحماية (في الضفة)، التي يتمتع بها الإسرائيليون الذين يعيشون في أماكن أخرى من البلاد. أما الفلسطينيون تحت الحكم العسكري فهم لا يتمتعون بحرية التعبير ولا حرية التجمع والتنقل ويمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى من دون محاكمة. فالتمييز ليس قومياً فقط – من صنع الإسرائيليين ضد الفلسطينيين الذين لا يحملون الجنسية الإسرائيلية – ؛ كما أنه عرقي صنعه اليهود ضد الفلسطينيين سواء كانوا يحملون الجنسية أم لا.

عام 2014، أصدرت جمعية الحقوق المدنية في “إسرائيل”، وهي إحدى أقدم منظمات حقوق الإنسان فيها، تقريراً أظهر أنه “منذ ثمانينيات القرن العشرين، جميع المواطنين الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى المحاكم العسكرية هم مواطنون عرب أو مقيمون في إسرائيل […] ولم يتم قبول أي من الطلبات التي قدمها مواطن عربي لإحالة قضيته إلى محكمة (مدنية) في إسرائيل”.

القانون العسكري والقوانين المدنية

بعد حرب 1967، فرضت “إسرائيل” القانون العسكري في جميع الأراضي المحتلة التي لم تضمها رسمياً. اليهود من “إسرائيل” الذين ينتقلون إلى المستوطنات التي تخطط لها الحكومة في الضفة الغربية يخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، ويفصلهم عن النظام القانوني الذي يخضع له الفلسطينيون المقيمون في تلك الأراضي. لا تستطيع “إسرائيل” فرض القانون المدني على مواطنيها في الضفة الغربية من دون انتهاك صارخ للقانون الدولي الذي يحظر الضم. لهذا السبب قام الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) بتغيير القوانين التي تنطبق على المستوطنين كأفراد خارج الحدود الإقليمية. بهذه الطريقة، توسّع “إسرائيل” حقوق الإسرائيليين لتشمل اليهود في الضفة الغربية: الضمان الاجتماعي، والتأمين الوطني، وحماية المستهلك، والضرائب على الدخل والأرض وكذلك ضريبة القيمة المضافة، والتعليم العالي، والدخول إلى “إسرائيل”، وتسجيل السكان، وحركة المرور على الطرق … كما أن حق التصويت للمستوطنين، يجعلهم المواطنين الإسرائيليين الوحيدين الذين يمكنهم التصويت في مكان إقامتهم خارج المنطقة الرسمية للدولة، باستثناء عدد قليل من المواطنين المقيمين أو المتمركزين في الخارج. في أيام الانتخابات، يتم تطويق الفلسطينيين الذين يعيشون في الجوار وتقييد قدرتهم على التنقل.

وعلى الرغم من تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنين، لا تزال هناك بعض الاختلافات عن الإسرائيليين الآخرين، بما في ذلك ملكية الأرض والبناء والتطوير. ومن أجل معالجتها، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي مراسيم تميّز المناطق البلدية في المستوطنة – المجالس المحلية أو الإقليمية – عن باقي الأراضي المحتلة، بحيث يمكن لـ”إسرائيل” استخدام مجموعة من القواعد (نسخ ولصق من قانون البلدية من قبل عام 1967) لتوسيع المجتمعات اليهودية، ومجموعة أخرى من القواعد لتقييد تلك الخاصة بالفلسطينيين. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، شيدت “إسرائيل” عشرات الآلاف من المنازل لليهود الإسرائيليين في الضفة الغربية ورفضت أكثر من 96٪ من طلبات تصاريح البناء التي قدمها الفلسطينيون، كما تم هدم آلاف المنازل الفلسطينية.

كما لا يُسمح للفلسطينيين بدخول منطقة مستوطنة ما لم يكن لديهم تصريح خاص، يتم إصداره غالباً خلال الموسم الزراعي. هذا هو الحال في “منطقة التماس” – وهي منطقة في الضفة الغربية معزولة عن بقية الأراضي بسبب الجدار العازل – حيث لا يمكن للفلسطينيين الذهاب من دون تصريح، حتى للعمل في أرضهم الخاصة، بينما هذه المنطقة مفتوحة لأي سائح أو “إسرائيلي” يُعرّف بأنه مواطن أو مقيم دائم أو يهودي يمكنه الهجرة إلى “إسرائيل”.

وبسبب فرض بعض القوانين الإسرائيلية في الضفة الغربية بأمر عسكري، تزعم المنظمات اليهودية التي تعتبر نفسها تقدمية أن هناك نظامين منفصلين في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية: نظام عسكري في الضفة الغربية غير الملحقة بـ”إسرائيل”، ونظام مدني في مناطق مثل القدس الشرقية و”إسرائيل” قبل 1967. ووفق هذه القوانين، يخضع المستوطنون والفلسطينيون في الضفة الغربية لنفس الإدارة العسكرية القمعية، في حين أن المواطنين الإسرائيليين وسكان أراضي ما قبل عام 1967 والقدس الشرقية يخضعون لحكم مدني ديمقراطي.

مؤسسة مشتركة لجميع القوى

لا يشعر المستوطنون الإسرائيليون ولا الفلسطينيون بهذه الطريقة في الضفة الغربية. في الواقع، سيكون الأمر عكس ذلك تماماً: ليس المواطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية أو أولئك الذين يعيشون في حدود ما قبل عام 1967 هم الذين يعيشون في ظل أنظمة منفصلة، ولكن المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون بجانبهم. الإسرائيليون عبر البلاد يقودون سياراتهم على الطرق السريعة التي تعبر الضفة الغربية: ليس هناك ما يشير إلى أنهم خرجوا من “إسرائيل”. يمكن للمهاجرين اليهود القدوم من لندن أو لوس أنجلوس والاستقرار في مستوطنة في الضفة الغربية بنفس السهولة كما في تل أبيب. سوف يتمتعون بنفس المزايا المالية ودروس اللغة وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية. وغالباً ما يعمل الإسرائيليون الذين يعيشون داخل حدود ما قبل عام 1967 في مصانع المستوطنات، ويدرسون في جامعات المستوطنات المعتمدة من مجلس التعليم العالي الإسرائيلي، ويستهلكون في مراكز التسوق في المستوطنات، ويزورون الحدائق الطبيعية في الضفة الغربية.

وقال الكاتب إن “حكومة إسرائيل ليست منفصلة عن مؤسسات الأراضي المحتلة. فقد أقر الكنيست قوانين خاصة بالضفة الغربية وعدّل قوانين أخرى لا تنطبق إلا على الإسرائيليين المقيمين هناك. تنفق الوزارات ملايين الدولارات كل عام على البنية التحتية في الضفة الغربية. هناك لجنة وزارية تنفيذية تصادق على إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، ولجنة تشريعية فرعية تعمل على تطويرها. ويشرف مراقب الدولة الإسرائيلي على سياسات الحكومة في الضفة الغربية ويشرف على كل شيء من إدارة مياه الصرف الصحي إلى سلامة الطرق. المحكمة العليا هي المحكمة النهائية للمواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين من جميع الأراضي التي تسيطر عليها “إسرائيل”. يمكن للشرطة الإسرائيلية إصدار مخالفات سير للفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية. إن استيعاب “إسرائيل” للضفة الغربية هو مشروع مشترك بين جميع فروع الحكومة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وأضاف: بينما يمكن للإسرائيليين السفر بحرية داخل “إسرائيل” ومستوطنات الضفة الغربية، يحتاج الفلسطينيون في الأراضي المحتلة الذين يعيشون تحت ولاية منفصلة إلى تصريح للسفر من أراضي الضفة الغربية غير الملحقة بـ”إسرائيل” إلى القدس أو قطاع غزة أو في حدود 30٪ من الضفة الغربية التي يتعذر على الفلسطينيين الوصول إليها: “منطقة التماس”، المناطق الخاضعة لولاية المستوطنات، ومناطق التدريب العسكري، التي لا يستخدم أكثر من ثلاثة أرباعها للتدريب العسكري، ولكن هدفها الوحيد هو منع انتقال الفلسطينيين إليها والحفاظ على السيطرة الإسرائيلية عليها، بحسب المنظمة غير الحكومية “كرم نافوت”.

الفلسطيني من رام الله يعيش على ما يبدو في واحد من 165 جيباً تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، والتي لا تشكل سوى 40٪ من الضفة الغربية. لكنه يخضع كذلك للسلطة الإسرائيلية وليس لنظام منفصل في الضفة الغربية. وإذا كان هذا الشخص عضواً في منظمة غير قانونية – أكثر من 400 منظمة مدرجة في قائمة متزايدة تشمل الأحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية، بما في ذلك فتح – فيمكن أن تعتقله القوات الإسرائيلية، على الرغم من وجوده في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية. هذا ما حدث في عام 2019 عندما اعتقلت القوات الإسرائيلية خالدة جرار، عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الساعة الثالثة فجراً من منزلها في رام الله. إن استقلالية القوى الفلسطينية محدودة لدرجة أن “إسرائيل” هي التي تسيطر على جميع الطرق التي تدخل وتخرج من المناطق التي تحكمها السلطة الفلسطينية. تستطيع الشرطة الإسرائيلية دخول المنازل ليلاً ونهاراً لأسباب لا علاقة لها بسلامة المواطنين الإسرائيليين، مثل اعتقال سارق سيارة.

تسعة وعشرون سجيناً وإدارة واحدة

قد يتم اصطحاب أحد سكان رام الله المعتقل إلى ما يسمى بمركز احتجاز “المجمع الروسي” في القدس الشرقية لاستجوابه من قبل عناصر الشاباك، جهاز الأمن الإسرائيلي، ومقره تل أبيب، ولكنه يعمل في جميع المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. يمكن احتجازه لمدة ستة أشهر من دون محاكمة ويمكن تجديد حبسه ستة أشهر إضافية وهذا مدى الحياة. إذا جرت المحاكمة في النهاية، فستكون في محكمة عوفر العسكرية بالقرب من رام الله. وبما أن كل من مثل أمام محكمة عسكرية إسرائيلية تقريباً قد أدين، فمن المرجح أن تذهب إلى السجن. يقال إن هذا السجن هو واحد من 29 سجناً تديرها مصلحة السجون، وهي إدارة تعمل في جميع المناطق التي تسيطر عليها “إسرائيل”. ومن دون تصريح زيارة للسجون في المناطق الحدودية قبل عام 1967، لن تتمكن أسرته من زيارته.

ومن المحتمل أن يحاول الفلسطيني الاستئناف أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، لكن فرصه ستكون ضئيلة: فقد وافقت المحكمة تقريباً على كل سياسة يحظرها القانون الدولي في الأراضي المحتلة، بما في ذلك عمليات الترحيل، والإقامة الجبرية، والاحتجاز من دون محاكمة، وعمليات الهدم، ومصادرة الأراضي، ونهب الموارد الطبيعية، والعقوبات الجماعية مثل حظر التجول على نطاق واسع، وإغلاق المدارس، والحرمان من الكهرباء لمنطقة بأكملها، الخ.

ومن خلال الاستئناف، سيتعين على المعتلق الفلسطيني تعيين محامٍ إسرائيلي لحقوق الإنسان سيدافع عنه أمام المدعي العام لوزارة العدل ثم أمام قضاة المحكمة العليا، اثنان منهم يعيشان في الضفة الغربية. وبحسب مؤيدي “الأنظمة المنفصلة”، لا يختلف هذا الشخص والقاضيان الإسرائيليان عن بعضهما البعض. كلهم يخضعون لنظام عسكري منفصل في الضفة الغربية.

وضع “إسرائيل” فوق النقد

يقول الكاتب ناثان ثرال إن إن إصرار الجماعات الصهيونية الليبرالية على وجود فصل للنظامين يأتي من اعتبارات سياسية وليست قانونية. وهكذا يمكن لمجموعات “جي ستريت” JStreet الصهيونية الأميركية أن تخبر المانحين والمشرعين والطلاب أنهم “مؤيدون لإسرائيل” بينما ينتقدون الاحتلال لوجوده في مكان ما خارج الدولة. لكن هذه المحاولة لوضع “إسرائيل” فوق الانتقادات ونتائج سياساتها في الضفة الغربية تؤدي إلى مزاعم سخيفة وكاذبة مثل “المستوطنين الإسرائيليين يهدمون منازل [الفلسطينيين]”، كما صرحت مؤخراً “جي ستريت”. في الواقع ، ليس “المستوطنون” بل حكومة إسرائيل، التي تدعمها “جي ستريت”، هي التي تدمر منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية. تقوم الحكومة بذلك بناءً على طلب الوزراء والمشرّعين المنتخبين.

يسمح الفصل الخيالي للنظامين للصهاينة الليبراليين بالترويج لحل الدولتين الصحيح سياسياً على أساس حدود ما قبل عام 1967، مع تجنب الاعتراف بأن سلطة الدولة الإسرائيلية تمتد إلى جميع الأراضي الخاضعة لسيطرتها. لا يطالب الصهاينة اليساريون بمنح المواطنين اليهود والفلسطينيين حقوقاً متساوية في حدود “إسرائيل” قبل عام 1967. إنهم يريدون ضمان بقاء “إسرائيل” دولة ذات أغلبية يهودية يمكنها الاستمرار في منح مواطنيها اليهود الأرض وحقوق الهجرة التي حرمت منها أقلية من المواطنين الفلسطينيين الذين بقوا. إن الطريقة الوحيدة للصهاينة اليساريين لمعارضة الهيمنة العرقية في الضفة الغربية مع الحفاظ على الامتيازات العرقية في مناطق حدود ما قبل عام 1967 هي الادعاء بوجود “نظام فصل عنصري” في الضفة الغربية منفصل عن دولة “إسرائيل”.

لكن هذا سوء فهم لجرائم الفصل العنصري التي يصفها القانون الدولي. لا يجب تطبيق الفصل العنصري بشكل موحد وفي كل مكان في بلد ما ليكون جريمة: في القانون الدولي لا يوجد “نظام فصل عنصري” (أبارتايد). مصطلح “نظام” لا يظهر في أي مكان في النسخة الأولى لعام 1973 من اتفاقية قمع وفرض عقوبات على جريمة الفصل العنصري. وعلى الرغم من أن نظام روما الأساسي لعام 1998 الذي يحكم المحكمة الجنائية الدولية يستخدم مصطلح “النظام” في تعريفه (الذي أُضيف بناءً على طلب وفد الولايات المتحدة الذي كان قلقاً بشأن الملاحقات القضائية المحتملة ضد مواطني الولايات المتحدة الأعضاء في الجماعات المتطرفة)، فإن هذا لم يكن من أجل السماح للفصل العنصري أن يقتصر على المناطق أو الوحدات الإقليمية.

ومع ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن الضم الرسمي (للضفة الغربية) وحده هو الذي يمكن أن يحول “إسرائيل” إلى دولة فصل عنصري، أصبحت جزءاً من أيديولوجية الصهاينة اليساريين. في حزيران / يونيو 2020، وقع أكثر من 500 أكاديمي، معظمهم من أشد المؤيدين لـ”إسرائيل” مثل الفيلسوف اليهودي الأميركي مايكل والزر، رسالة تقول إن “ضم الأراضي الفلسطينية سيؤسس لنظام غير ديمقراطي بقوانين منفصلة وغير عادلة وتمييز منهجي ضد السكان الفلسطينيين. ويحدد هذا التمييز القائم على العرق أو الإثنية أو الدين أو الانتماء القومي “ظروف الفصل العنصري” و “الجرائم ضد الإنسانية”.

في الشهر نفسه، نشر “زولات” Zulat، وهو مركز أبحاث برئاسة رئيس “ميريتس” السابق زهافا غل أون، تقريراً بعنوان “تبييض صورة الفصل العنصري”، بحجة أن الفصل العنصري في الضفة الغربية لا تمارسه حالياً “إسرائيل”، بل من قبل نظام منفصل: “حتى لو بضم متر مربع، ستتخلى دولة إسرائيل عن ادعاءاتها الديمقراطية وتتخلى عن 53 عاماً من إعلانات النية لإنهاء الصراع والتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين لوقف حكمهم”. ومع ذلك، حتى الضم “لن يجعل إسرائيل بالضرورة دولة فصل عنصري، بل دولة تعمل في ظل نظام له خصائص الفصل العنصري في الأراضي المحتلة”. ووفقاً لمعايير مركز “زولات”، كان الفصل العنصري في جنوب إفريقيا دولة ديمقراطية – غير كاملة مثل جميع الديمقراطيات – تعمل في ظل نظام يتمتع بخصائص الفصل العنصري في البلدات والبانتوستانات. كان لهذه البانتوستانات أعلامها ونشيدها ومسؤوليها وانتخاباتها وبرلماناتها ودرجة معينة من الحكم الذاتي، والتي لا تختلف كثيراً عن تلك التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية.

إدانة الضم باسم الديمقراطية

قال الكاتب إنه من المحتمل ألا تكون أي منظمة قد روّجت لفكرة النظامين المنفصلين بقوة مثل “ييش دين”، وهي منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان دافعت عن الفلسطينيين ضد عنف المستوطنين والقتل غير القانوني وتدمير الممتلكات ومصادرة الأراضي والقيود على الوصول إلى أراضيهم الزراعية.

فعام 2020، كانت منظمة “يش دين” أول من أصدر تقريراً يتهم الحكومة الإسرائيلية بالفصل العنصري في حين أنها داعم قوي لنظرية النظامين المنفصلين. بالنسبة لمسألة متى تتوقف “إسرائيل” عن أن تكون ديمقراطية، تقدم “يش دين” إجابات متغيرة وغير متسقة أصبحت رمزاً للحجج الضعيفة لحل نظامين منفصلين.

وفي الليلة التي وقع فيها حزب الليكود اتفاقية ائتلافية مع حزب “أزرق أبيض”، نشرت منظمة “ييش دين” مقالة رأي حول التأثير المحتمل للضم وخلصت إلى أن: “الضم القادم سيسحب العشب من تحت أقدام كل من يجادل بأنه طالما كما يُمارس الفصل العنصري، أو على الأقل نظام مثل الفصل العنصري، في الضفة الغربية، فإن دولة إسرائيل ذات السيادة تظل ديمقراطية. إن تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية هو بمثابة إعلان أنه نظام واحد فقط وليس إدارتين منفصتين. إن الضم من دون منح المواطنة الكاملة والمتساوية للفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المضمومة من شأنه أن ينتج نظام فصل عنصري حقيقي تجد إسرائيل صعوبة في إنكاره. يمكن لمثل هذا النظام أن يستمر في انتهاك حقوق الإنسان للفلسطينيين، ويتركهم إلى الأبد محرومين من الحرية والمساواة”.

وفقاً لهذا المنطق، يمكن لـ”إسرائيل” ضم مناطق الضفة الغربية التي يسكنها اليهود فقط، وإبقاء ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال في المناطق المجاورة غير المضمومة، والبقاء دولة ديمقراطية. ولعل علمه بوجود عيوب في هذه الحجة، قامت منظمة “ييش دين” بتعديل النص. ونصت النسخة الجديدة، التي نُشرت من دون تفسير، على أنه بعد الضم ستكون “إسرائيل” دولة فصل عنصري ما لم تمنح الحقوق نفسها للفلسطينيين، ليس فقط في “المناطق التي تم ضمها” كما هو مذكور في النسخة الأصلية، ولكن في “كل الضفة الغربية”.

وفي نظر “ييش دين” ومجموعات أخرى، تسمح هذه الصيغة لـ”إسرائيل” بالبقاء ديمقراطية، على الرغم من أن مليوني فلسطيني محتجزون في قطاع غزة من دون مياه شرب نظيفة، ومن دون نظام صرف صحي عام، ومن دون كهرباء متواصلة ومن دون الحق في الدخول والخروج بحرية. زعلى الرغم من أن “إسرائيل” تدعي أنها أنهت احتلال قطاع غزة في عام 2005، إلا أنها لا تزال تسيطر على الصادرات والواردات منه وإليه، ومجاله البحري والجوي، فضلاً عن تسجيل السكان وتعطي رقم هوية لجميع الفلسطينيين في أراضي القطاع، التي من دونها لا يمكنهم المغادرة أو عبور الحدود مع مصر.

وتجدر الإشارة كذلك إلى عدم وجود إشارة في نص “ييش دين” إلى حقيقة أن “إسرائيل” يجب أن تمنح حقوقاً كاملة ومتساوية للفلسطينيين في المناطق التي تم ضمها رسمياً عام 1967، وهي القدس الشرقية و28 قرية مجاورة. لا يتمتع الفلسطينيون المقيمون في هذه المناطق “بالمواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق”. كما لا توجد أي محاولة لتفسير سبب جعل الضم الجزئي في عام 2020 من “إسرائيل” دولة فصل عنصري في حين أن عمليات الضم عام 1967 لم تكن ستؤدي إلى ذلك بالفعل.

السعي وراء قادة الحكومة

في تموز / يوليو، نشرت منظمة “ييش دين” مقالاً مطولاً كتبه محامي حقوق الإنسان مايكل سيفارد، وجد المسؤولين الإسرائيليين مذنبين بارتكاب الفصل العنصري، على النحو المحدد في اتفاقية عام 1973 على أنها “أعمال غير إنسانية تُرتكب لإرساء الهيمنة والحفاظ عليها. وقال المقال: في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تم الاستشهاد بها في ديباجة اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973، يُعرَّف “التمييز العنصري” بأنه “أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل على أساس لون الجلد أو النسب أو القومية أو أصل عرقي”. ينطبق القانون الجنائي الدولي على الأفراد وليس على الدول، لذلك لا يجب مقاضاة دولة “إسرائيل” على أعمال الفصل العنصري، ولكن مقاضاة المسؤولين الحكوميين فيها.

إن منظمات حقوق الإنسان مثل “بتسيلم” و”عدالة” هما الوحيدتان في “إسرائيل” اللتان ناشدتا المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبها مسؤولون إسرائيليون.

ورأى الكاتب أن تعليق الرأي القانوني لمنظمة “ييش دين” ينشغل بشكل أساسي بمسألة ما إذا كان الفصل العنصري حقيقة – و”ليس من ارتبكه” – قاصراً نطاقه على المناطق غير الملحقة في الضفة الغربية (مجال خبرة ييش دين)، وواضعاً جانباً ليس فقط قطاع غزة وأراضي “إسرائيل” ضمن حدود ما قبل عام 1967، ولكن أيضاً الأراضي التي تم ضمها عام 1967. ومن “الصعوبات” في معاملة الضفة الغربية كنظام منفصل، يعترف سيفارد بأن أجزاء من الضفة الغربية تم بالفعل ضمها رسمياً. هناك الكثير من القواسم المشتركة بين القدس الشرقية والقرى المجاورة والضفة الغربية: السكان الفلسطينيون ليسوا مواطنين إسرائيليين، وليس لديهم حقوق تصويت أو ممثلون سياسيون. نفذت “إسرائيل” في القدس الشرقية عدداً من الإجراءات شبيهة بل متطابقة أحياناً مع تلك المطبقة في الضفة الغربية: تشجيع عشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين على الاستيطان في هذه المناطق، ومصادرة ممتلكات هائلة من الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وتحويل الموارد لصالح الإسرائيليين. كل هذا يبرر اعتبار القدس الشرقية والضفة الغربية كياناً واحداً.

لكن “ييش دين” لا تفعل ذلك. كما أنها لا تدرس السياسات التمييزية التي تُمارس داخل “إسرائيل”، حيث يعيش عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين في قرى ترفض “إسرائيل” الاعتراف بها أو توصيلها بخدمات المياه والكهرباء، وحيث توجد لجان قبول في مئات المدن اليهودية بالكامل تقوم برفض الفلسطينيين بحجة “الملاءمة الاجتماعية”، واستبعاد المتقدمين الذين لم يخدموا في الجيش الإسرائيلي، أو ليسوا صهاينة أو لا ينوون إرسال أطفالهم إلى مدارس اللغة العبرية. استولت “إسرائيل” على أكثر من ثلاثة أرباع الأراضي الفلسطينية. هذه المصادرة هي مشروع مستمر، لا سيما في النقب أو الجليل، لكن معظم عمليات المصادرة تحدث اليوم في الضفة الغربية بينما يخضع الفلسطينيون للأحكام العرفية.

فخلال سبعة عقود من وجود “إسرائيل”، كانت هناك فترة ستة أشهر فقط، بين 1966 و1967، لم يتم خلالها وضع أعضاء مجموعة عرقية تحت سلطة حكومة عسكرية صادرت أراضيهم. كما أشار المؤرخ الإسرائيلي أمنون راز كراكوتسكين، “هذه الأشهر الستة، أو أقل من 1٪ من وجود إسرائيل، هي المرجع لجميع المناقشات حول مسألة إسرائيل في” دولة يهودية ديمقراطية”. ومع ذلك، فإن هذا “الاستثناء” … يصبح هو القاعدة، بينما الاحتلال، وهو القاعدة، يقدم كاستثناء”.

وأضاف الكاتب أنه بعد كل فعل توسع إسرائيلي جديد، يحذر الدبلوماسيون حسنو النية والجماعات المناهضة للاحتلال من أنه سيكون “ضربة قاضية” لحل الدولتين، وأنه “يغلق النافذة” أمام الدولة الفلسطينية وأنه “الآن، عشية هذا الاستيلاء الأخير، تفصلنا خمس دقائق عن منتصف الليل بالنسبة لاحتمال السلام. فقد تم إصدار عدد لا يحصى من هذه التنبيهات على مدى العقدين الماضيين. كان من المفترض أن يقنع كل منها “إسرائيل” والولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم بالحاجة إلى وقف أو على الأقل إبطاء الضم الفعلي الإسرائيلي للضفة. لكن كان لها تأثير معاكس: لقد أظهرت أنه سيكون دائماً خمس دقائق حتى منتصف الليل. وبالتالي، يمكن لصانعي السياسة الأوروبيين والأميركيين، وكذلك الجماعات الصهيونية الليبرالية التي تضغط عليهم، أن يجادلوا بأن حل الدولتين لم يمت بعد، ولكنه ببساطة مقوّض – وبالتالي “حي” طوال الوقت.

في غضون ذلك، لا يزال ملايين الفلسطينيين محرومين من حقوقهم الأساسية ويخضعون للحكم العسكري. وباستثناء تلك الأشهر الستة في 1966-1967، هذا واقع بالنسبة لغالبية الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية طوال تاريخ الدولة. فقد استمر الفصل العنصري في جنوب إفريقيا 46 عاماً. أما “إسرائيل” فعمرها 72 سنة، وهي لا تزال مستمرة.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم عن الميادين نت