“نيويورك تايمز”: هل رأيتم عدد الإسرائيليين الذين زاروا الإمارات؟

“نيويورك تايمز”: هل رأيتم عدد الإسرائيليين الذين زاروا الإمارات؟
Spread the love

شجون عربية –
كتب المعلّق الأميركي المعروف توماس فريدمان مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تناول فيها آفاق اتفاقات التطبيع العربية مع “إسرائيل”. وقد لعب فريدمان، وهو يهودي صهيوني مؤيد لـ”إسرائيل”، بعد هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 والحديث عن تورط سعودي في تمويل الهجمات ومشاركة 15 انتحارياً سعودياً فيها، دوراً في إقناع ولي العهد السعودي أنذاك الملك عبدالله بن عبد العزيز في إطلاق مبادرة للسلام مع “إسرائيل” التي تبنّتها القمة العربية في بيروت في آذار / مارس 2002 تحت اسم “المبادرة العربية للسلام”، وذلك كمحاولة لرفع الضغوط الإعلامية والسياسية عن المملكة العربية السعودية وعدم الكشف عن جميع نتائج تحقيقات 11 أيلول / سبتمبر والدور السعودي الغامض فيها. ويبدو أن فريدمان يستغل اتهام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان بإعطاء أمر قتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2018، في تقييمها للتحقيقات والتسريبات التركية الذي تم نشره أخيراً. يحاول فريدمان من خلال مقالته إقناع الرياض بأن التطبيع مع “إسرائيل” هو ثمن لطمس ملف خاشقجي والتقارب مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يتبنى مقاربة غير ودية للعلاقة مع السعودية تقوم على انتقاد انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

وكتب فريدمان يقول: كنت أبحث في غوغل في ذلك اليوم عن حقيقة: كم عدد الإسرائيليين الذين زاروا الإمارات العربية المتحدة منذ توقيع اتفاقية التطبيع، المعروفة باسم اتفاقيات أبراهام. الجواب: أكثر من 130.000.

وأضاف: في خضم جائحة عالمية، سافر ما لا يقل عن 130 ألف سائح ومستثمر إسرائيلي إلى دبي وأبو ظبي منذ بدء السفر الجوي التجاري في منتصف تشرين الأول / أكتوبر 2020. اعتقدت منذ البداية أن الانفتاحات بين “إسرائيل” وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان – التي صاغها جاريد كوشنر والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة. ومع ذلك، لا نزال في المرحلة المبكرة، وبعد أن عايشنا زواج وطلاق الإسرائيليين والمسيحيين اللبنانيين في ثمانينيات القرن العشرين، سأنتظر قليلاً قبل إرسال هدايا الزفاف.

وتابع الكاتب: بغض النظر عن هذا الحذر يبدو أن ثمة شيئًا كبيرًا يحدث. على عكس اختراقات السلام بين “إسرائيل” ومصر و”إسرائيل” ومسيحيي لبنان و”إسرائيل” والأردن والتي بقيت محصورة في المستويات العليا من السلطة، فإن الانفتاح بين “إسرائيل” ودول الخليج – بينما بدأ من الأعلى لبناء تحالف ضد إيران – يتم دفعه الآن بشكل أكبر من الأسفل من قبل السياح والطلاب والشركات.

اكتظت مدرسة اللغة العبرية الجديدة التي تقيم دروساً في دبي وأبو ظبي بالإماراتيين الراغبين في الدراسة في “إسرائيل” أو القيام بأعمال تجارية هناك. أنهت شركة المياه الوطنية الإسرائيلية “ميكوروت” للتو صفقة لتزويد البحرين بتكنولوجيا تحلية المياه. نشرت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” أخيراً مقالاً عن إيلي كرييل في دبي الذي “أصبح الطاهي المفضل في الإمارات العربية المتحدة. … في العام الماضي، أطلق كريل مطعم كوشيراتي الذي يبيع المأكولات الإماراتية المعتمدة من الكوشر بالإضافة إلى الأطباق اليهودية الإماراتية المختلطة”.

وبالمناسبة ساعد هؤلاء الزوار الإسرائيليون البالغ عددهم 130.000 في إنقاذ القطاع السياحي في الإمارات العربية المتحدة من الانهيار بسبب الوباء خلال موسم العطلات المهم.

وقال فريدمان: إذا ازدهرت اتفاقيات إبراهيم واتسعت لتشمل التطبيع بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية فإننا نتحدث عن واحدة من أهم عمليات إعادة الاصطفاف في تاريخ الشرق الأوسط الحديث الذي تشكل إلى حد كبير لعقود طويلة من خلال تدخلات القوى العظمى والديناميكيات العربية الإسرائيلية. لكن ليس بعد الآن.

وينقل فريدمان عن المؤرخ الاسرائيلي إيتامار رابينوفيتش قوله إن هناك ثلاثة لاعبين نافذين غير عرب في المنطقة هم ايران وتركيا و”اسرائيل” بما يشكل ثلاثة محاور هي: تركيا مع قطر ووكيلتها حماس. إيران مع سوريا ووكلاء إيران الذين لبنان والعراق واليمن. وإسرائيل مع الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ضمنيًا.

يوضح رابينوفيتش، الذي شارك للتو في كتابة كتاب “قداس سوري: تاريخ ذكي للحرب الأهلية السورية”، أن هذه المحاور الثلاثة هي تركيا مع قطر ووكيلتهما “حماس”، إيران مع سوريا ووكلاء إيران يديرون لبنان والعراق واليمن، و”إسرائيل” مع الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ضمناً.

يقول رابينوفيتش إن تفاعلات هذه المحاور الثلاثة هي التي تقود بالفعل سياسة الشرق الأوسط اليوم.، ولأن المحور الإماراتي-الإسرائيلي يجمع بين أنجح دولة عربية وأنجح دولة غير عربية، فإنه يشع بالكثير من الطاقة. مع “إسرائيل” والإمارات، “ما تراه هو نظامان بيئيان يندمجان معاً”، كما يقول جيدي غرينشتاين ، رئيس معهد “رويت” الإستراتيجي الإسرائيلي. فـ”إسرائيل” بحسب زعمه “هي مجتمع واجه لسنوات عديدة العداء من جيرانه ولم يكن لديه نفط. لذلك، على مر السنين، تعلمت إسرائيل الانتقال من العزلة والندرة إلى الوفرة والتأثير العالمي من خلال تطوير اقتصادها الابتكاري المتفجر في مجالات مثل المياه والطاقة الشمسية والإلكترونية والعسكرية والطبية والمالية والزراعة”. وعلى النقيض من ذلك، تنتقل الإمارات العربية المتحدة من عقود من وفرة النفط إلى عصر ندرة النفط من خلال بناء نظامها البيئي للابتكار وريادة الأعمال في نفس المجالات مثل “إسرائيل”.

يقول فريدمان: يتألف سكان الإمارات من مليون مواطن وتسعة ملايين أجنبي، معظمهم من العمال ذوي الأجور المنخفضة وغير النقابيين من الهند وأجزاء أخرى من جنوب آسيا والباقي من المهنيين إلى حد كبير من أميركا وأوروبا والهند والعالم العربي. إن استراتيجية النمو لدولة الإمارات للقرن الحادي والعشرين – والتي يعد الانفتاح على “إسرائيل” جزءاً رئيسياً منها – هي أن تصبح النموذج العربي للحداثة والاقتصاد المتنوع والعولمة والتسامح بين الأديان. ولهذه الغاية، أعلنت دولة الإمارات في تشرين الثاني / نوفمبر عن تحرير كبير لقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية – مما يسمح للأزواج غير المتزوجين بالعيش معاً، مما يجعل الإمارات من بين أمور أخرى أكثر قبولاً للمثليين والمثليات؛ وتجريم ما يسمى بجرائم الشرف ضد النساء – وكذلك جعلت قوانين الطلاق أكثر إنصافاً للنساء وخففت القيود المفروضة على الكحول.

يتألف سكان الإمارات العربية المتحدة من مليون مواطن وتسعة ملايين أجنبي معظمهم من العمال ذوي الأجور المنخفضة من الهند وأجزاء أخرى من جنوب آسيا والباقي من المهنيين إلى حد كبير من أميركا وأوروبا والهند والعالم العربي. إن استراتيجية النمو لدولة الإمارات للقرن الحادي والعشرين – والتي يعد الانفتاح على “إسرائيل” جزءًا رئيسيًا منها – هي أن تصبح النموذج العربي للحداثة والاقتصاد المتنوع والعولمة والتسامح بين الأديان.

ولا تزال دولة الإمارات ملكية مطلقة والديمقراطية التعددية ليست على قائمتها. وعلى الرغم من المزيد من المساواة بين الجنسين ووجود نظام تعليمي أكثر انفتاحاً وتعددية دينية فيها، لا يزال أمام الإمارات عمل للقيام به في جميع تلك المجالات. شاهد القضية المحرجة حول حاكم دبي(الشيح محمد بن راشد وهو نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء الإماراتي) الذي ورد أن ابنته محتجزة كرهينة في قصره. لكن القوانين الاجتماعية الجديدة لدولة الإمارات تشكل قفزة كبيرة إلى الأمام في سعيها لجذب المواهب اللازمة لاقتصاد غير نفطي.

فكل الجيران يراقبون، ويراقبون، بشكل خاص، كيف سيكون رد فعل إيران والسعودية.

وأشار الكاتب إلى انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان وتأثيره على اللبنانيين وبيئة حزب الله وإيران، من جهة تراجع مؤيدي الحزب وإيران. يقول إن الشيعة اللبنانيين قد يتساءلون: “لماذا نحن عالقون مع إيران ومحور وكلائها الفاشلين مثل حزب الله الذي يترك الماضي يدفن مستقبلنا؟ هذا سؤال خطير بالنسبة لإيران وحزب الله والمزيد من اللبنانيين يطرحونه كل يوم”.

يضيف فريدمان: أما بالنسبة إلى السعودية فقد سمحت بالفعل لشركة الطيران الوطنية الإسرائيلية “العال” بالتحليق عبر المجال الجوي السعودي إلى الإمارات العربية المتحدة. ولكن هل ستحذو حذو الإمارات وتطبّع العلاقات رسمياً مع “إسرائيل”؟ سيكون هذا بمثابة خطوة ضخمة لكل من العلاقات الإسرائيلية-العربية واليهودية-الإسلامية.

وتابع الكاتب: لا يزال فريق الرئيس الأميركي جو بايدن يبحث كيف ستكون العلاقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن من الصواب الإصرار على أن أميركا ستستمر في التعامل مع السعودية بشكل عام كحليف. إن انضمام السعوديين إلى اتفاقيات إبراهيم هو أفضل طريقة لضمان نجاحهم، لأنه إذا تم ذلك بشكل صحيح فإن مشاركتهم يمكن أن تشكل حافزاً جديداً لحل الدولتين والذي بدوره يمكن أن يسّهل على الأردن ومصر تطبيع العلاقات بشكل كامل مع “إسرائيل” أيضاً. فإذا حصل ذلك فإنه سيكون لدينا بالفعل شرق أوسط جديد.

ورأى فريدمان أنه مع ذلك يحتاج بايدن إلى التحرك بسرعة. ومن بين المجموعات الإسرائيلية التي تتواصل بقوة مع الدول العربية الخليجية لزيارتها يوجد مستوطنون يهود يمينيون. إنهم يريدون إثبات أن “إسرائيل” تستطيع توسيع المستوطنات والسيطرة على الفلسطينيين وإقامة علاقات كبيرة مع الدول العربية في الوقت نفسه. يسمى ذلك بتبييض اتفاقات إبراهيم للصورةحيث يتم استخدام العلاقات الجديدة مع العرب لإخفاء احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية.

تحتاج الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية إلى فهم أن لديها نفوذاً أكبر الآن للتأثير على العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية أكثر مما تدرك، فـ”اسرائيل” لا تريد أن تفقد هذه الدول. تخيل لو وافقت السعودية على الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم ولكن بشرط أن تفتح سفارة السعودية لدى “إسرائيل” في القدس الغربية بينما تفتح في الوقت نفسه سفارة للفلسطينيين في حي عربي في القدس الشرقية. إن مجرد خطوة واحدة من شأنها أن تساعد في الحفاظ على إمكانية التوصل إلى اتفاق قائم على دولتين وستنشط مبادرة السلام السعودية لعام 2002 وستزيد من عزلة محور الفشل الإيراني، وستجد “إسرائيل” صعوبة بالغة في الرفض.

وختم فريدمان بالقول: “أتفهم القلق الذي يشعر به البعض من أن صنع السعودية للسلام مع إسرائيل يمكن أن يكون وسيلة لإعادة تأهيل محمد بن سلمان. قد يكونون على حق. لكنني لا أعتقد أن هذا سبب لمعارضة ذلك. في الشرق الأوسط غالبًا ما يحدث التغيير الكبير عندما يفعل اللاعبون الكبار الأشياء الصحيحة لأسباب خاطئة”.

المصدر: عن الميادين نت