“غلوبوس”: العلاقة بين إدارة بايدن وإيران وبين ارتفاع سعر الوقود

“غلوبوس”: العلاقة بين إدارة بايدن وإيران وبين ارتفاع سعر الوقود
Spread the love

شجون عربية _ بقلم: داني زكان _ محلل اقتصادي إسرائي _ خطوتان بارزتان قامت بهما إدارة بايدن بشأن إيران. الأولى بشأن تسوية مبلغ 3 مليارات دولار من أموال إيرانية كانت مجمدة في العراق وعُمان وكوريا الجنوبية، قرر الرئيس بايدن الإفراج عنها كبادرة حسن نية إزاء طهران. الثانية ذات أهمية عسكرية وهي إخراج المتمردين الحوثيين الموالين لإيران في اليمن من قائمة التنظيمات الإرهابية.
يحارب هذا التنظيم الحكومة المحلية في اليمن المدعومة بدعم كبير من السعودية، وقبلها من الإمارات والبحرين. إدراج الحوثيين في قائمة التنظيمات الإرهابية جرى في نهاية ولاية ترامب في البيت الأبيض. وزارة الخارجية الأميركية أوضحت أن الهدف هو السماح للأمم المتحدة بتقديم مساعدة للسكان اليمنيين، الذين يسكنون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بسبب الأزمة الإنسانية الصعبة في البلد.
نتيجة هاتين الخطوتين كانت: تفاقماً فورياً وسريعاً للحرب الأهلية في اليمن، وفي الأساس ازدياد هجمات الحوثيين على السعودية. وكانت الذروة في ليل الأول من أمس مع إطلاق عشرات الصواريخ البحرية ومسيّرات هجومية من إنتاج إيران على أهداف مدنية في جنوب شرق السعودية، بينها منشآت نفط تابعة لشركة أرامكو- وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط في العالم.
في السعودية وفي إسرائيل، ويمكن الافتراض في الولايات المتحدة أيضاً، يعرفون أن مَن أمر بتأجيج ألسنة اللهب يقبع في طهران، وأن ما يجري هو تحريك حجارة على رقعة الشطرنج الإيراني الجيوسياسي، في سياق الاتصالات لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي. تريد إيران أن تُظهر قدرتها على إلحاق الأذى بالسعودية ودول الخليج الأُخرى، وتلمّح إلى هذه القدرة إزاء إسرائيل. الحرب في اليمن هي سبب صداع دائم للأميركيين، وإيران تثبت هنا أنها تملك أداة مقايضة إزاء واشنطن يجب أخذها في الحسبان.
ومع كل ذلك لا يكتفي الأميركيون بهذه البادرات ويغضّون النظر عن كميات النفط التي تصدَّر من إيران إلى الصين في الأساس، وأيضاً إلى الهند ودول أُخرى. ظاهرياً هناك حظر مفروض على تصدير النفط، والشركات التي تشتريه تخاطر بتعرّضها للحظر من جانب الأميركيين، لكن هؤلاء على ما يبدو يغضّون النظر. بحسب تقارير وكالة رويترز، وصل تصدير النفط الممنوع في كانون الثاني/يناير من إيران إلى الصين إلى 2.75 مليون طن، وفي شباط/فبراير بلغ 3.25 مليون طن. وللمقارنة كان في تشرين الأول/أكتوبر 450 ألف طن.
إذا اعتقدنا أن طهران ستقوم بمبادرة مشابهة لمبادرة الأميركيين في مقابل غض النظر والإفراج عن الأموال، فإننا طبعاً على خطأ. الرد الإيراني كان في تشديد الهجمات على منشآت مدنية في السعودية – بينها منشآت نفطية. بالإضافة إلى رد آخر هو التسريع في تخصيب اليورانيوم.
الوكالة الدولية للطاقة النووية ذكرت في الأول من أمس أن إيران بدأت بتخصيب اليورانيوم بواسطة مجموعة ثالثة من أجهزة طرد مركزية متطورة من نوع IR-2m في منشأة تحت الأرض في نتانز. بحسب التقارير، مجموعة رابعة من 174 جهاز طرد مركزي بدأ تركيبها، كما يجري العمل على تركيب مجموعة خامسة.
للتذكير، الدول الغربية امتنعت من إصدار بيان إدانة لإيران في وكالة الطاقة النووية وفي منتديات أُخرى على الرغم من الانتهاكات ومنع عمل المراقبين لوكالة الطاقة كما تعهدت. إيران أيضاً لم ترد على الأسئلة التي طرحها المراقبون بشأن بقايا اليورانيوم التي عُثر عليها في منشآت جديدة أُخرى، بقايا تدل على نشاطات سرية أرادت إخفاءها.
وذكرت رويترز أن طهران بعثت بـ”رسائل مشجعة” بأنها ستوافق على المشاركة في محادثات غير رسمية بشأن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. لكن المقابلة التي أجرتها صحيفة “الفايننشال تايمز” مع مسؤول إيراني رفيع المستوى هو القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، والتي أشار فيها إلى أن إيران ستكون مستعدة لاستئناف المحادثات النووية إذا تعهدت الولايات المتحدة رفع كل العقوبات خلال عام، حظيت بردود عنيفة وتكذيبات في إيران.
بالأمس قال الناطق بلسان وزارة الخارجية في طهران إن إيران ضد العودة التدريجية إلى الاتفاق. في الخلاصة، تواصل إيران انتهاج خط متشدد يرفض العودة إلى الاتفاق قبل عودة الولايات المتحده إليه ورفع كل العقوبات.
بصرف النظر عن اللعبة المتشددة في المفاوضات، ثمة تبريرات أُخرى لانتهاج إيران لهذا الخط. في تقدير الباحث راز تسيمت أن الإيرانيين يعتقدون أن العقوبات لن تُرفع، لكن فعاليتها ستكون أقل بسبب التزام أقل من طرف الإدارة الأميركية بفرضها. بحسب تسيمت، هناك اعتبارات سياسية داخلية: من المحتمل أن خامنئي يفضل تأجيل الاتفاقات مع الولايات المتحدة والعودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في حزيران/يونيو، كي لا يجري تسجيل الإنجاز لمصلحة روحاني وإمكان استخدامه من طرف المعسكر البراغماتي قبيل الانتخابات. ويشير تسيمت إلى أن التاريخ القريب لتحقيق تقدم هو في عيد النيروز (عيد رأس السنة الإيرانية) في 20 آذار/مارس. وإذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاقات مبدئية بين إيران والغرب حتى ذلك الحين، سندخل في مرحلة إشكالية: عطلة عيد النيروز وبعدها مباشرة معركة الانتخابات الرئاسيةـ التي سيكون من الصعب على الطرفين إحراز تقدم مهم خلالها.
أين نحن من هذه المسألة؟ نراقب عن قرب، ربما عن قرب شديد. إسرائيل تزوّد الأميركيين بمعلومات سرية عن المشروع النووي الإيراني، وأيضاً عن تزويد حزب الله بسلاح متقدم من جهة، والحوثيين في اليمن من جهة أُخرى. في الوقت عينه تترسخ العلاقات مع السعودية والإمارات، وليس من المستبعد أن يستخدم السعوديون تكنولوجيا دفاعية إسرائيلية في مواجهة هجمات الحوثيين.
لقد أوضحت إسرائيل للأميركيين أنها ستواصل هجماتها في سورية، في الأساس لمنع تهريب سلاح إلى حزب الله، ومنع تمركز الميليشيات الإيرانية بالقرب من الحدود. في المقابل من غير المتوقع أن نرى قريباً اشتباكاً شبيهاً باغتيال العالم النووي فخري زادة، خطوة كهذه يمكن أن تخرب المحاولات الأميركية للتوصل إلى حل دبلوماسي.

المصدر: صحيفة غلوبوس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية