“مباط عال”: التقارب المحتمل بين”فتح” و”حماس” – هل إسرائيل مستعدة له؟

“مباط عال”: التقارب المحتمل بين”فتح” و”حماس” – هل إسرائيل مستعدة له؟
Spread the love

شجون عربية_ يوحنان تسوريف وعوديد عيران – باحثان في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي|

يبدو أن القضية الفلسطينية فقدت منذ فترة مكانتها المركزية في سلّم الأولويات السياسي الإسرائيلي. الانتباه الإسرائيلي يستيقظ من حين إلى آخر، هذا ما حدث مثلاً عندما لم تغط “حماس” حركة الجهاد الإسلامي عندما حاولت أن تثير مواجهة مع إسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أو مؤخراً عندما طرحت إمكان ازاحة يحيى السنوار زعيم “حماس” في قطاع غزة من منصبه. حتى إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في كانون الثاني/يناير 2021 الإعداد لانتخابات عامة في المؤسسات الفلسطينية – الرئاسة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي- لم يشغل إسرائيل، ليس فقط بسبب انتخابات الكنيست في إسرائيل، على الرغم من التداعيات البعيدة المدى التي يمكن أن تكون لنتائجها. القطيعة المستمرة بين المستوى السياسي في إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية تزداد عمقاً.
بالإضافة إلى ذلك، برزت مؤخراً محاولات تقارب بين “فتح” و”حماس”، التنظيمان اللذان يمثلان قطبيْ المنظومة السياسية المنقسمة. ما يجري هو محاولات مختلفة مقارنة بمحاولات الماضي التي انتهت بالفشل. وذلك بسبب الظروف السياسية التي تغيرت في أعقاب “صفقة القرن” التي قدمها الرئيس ترامب؛ توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل ودول في الخليج؛ نية ضم أراض في الضفة الغربية لم تتحقق بعد؛ أزمة الكورونا؛ الانهيار الاقتصادي الخطِر في المناطق الفلسطينية؛ التراجع البارز في المكانة الإقليمية والدولية للفلسطينيين. هذه المرة يدور حوار محترم من دون اتهامات وإدانات وتبادل تحميل المسؤوليات كما في الماضي. سلوك “فتح” و”حماس” هذا يؤثر في الفصائل الفلسطينية الأُخرى التي تتعاون مع الحركتين وتأمل بالمضي قدماً نحو مصالحة وطنية.
في خلفية هذه المحاولات، استمرار التآكل في مكانة “حماس” بعد المواجهات العسكرية التي جرت بينها وبين إسرائيل منذ الانقلاب الذي قامت به في القطاع في سنة 2007، والتي تسببت بدمار كبير، وفشلها في إدارة الحياة اليومية للسكان، وبصورة خاصة منذ المواجهات مع إسرائيل في سنة 2014 (“عملية الجرف الصامد”). منذ ذلك الحين، وانطلاقاً من الإدراك أن سكان القطاع لن يتحملوا مواجهة إضافية، ومع الإدراك أنه ما دام يوجد تعاون أمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لن يكون من الممكن نقل ساحة المواجهة مع إسرائيل إلى الضفة الغربية، تحاول قيادة “حماس” تنويع أساليب صراعها مع إسرائيل، مع تفضيل الاحتجاج الشعبي على المواجهة المسلحة. يترافق هذا التنويع مع تفكير له علاقة بتحديث أهداف الحركة، طبعاً من خلال المحافظة على خيار “المقاومة”. من هنا وعلى أساس التقدير أن “فتح” أو “حماس” لوحدهما غير قادرتين على إنقاذ القضية الفلسطينية من الجمود العالقة به، ومن تراجع مكانتها، ظهرت أيضاً ضرورة السعي لتسوية وطنية. قبل نهاية ولاية الرئيس ترامب اجتمعت كل الفصائل الفلسطينية لأول مرة بمبادرة فلسطينية مستقلة، وافقت خلالها على العمل من أجل الدفع قدماً بالوحدة بين التنظيمين.
ومنذ أن استجابت “حماس” إلى طلب محمود عباس وتنازلت عن مطالبتها بإجراء الانتخابات لثلاث مؤسسات فلسطينية في تاريخ واحد، لم يبق لديه خيار سوى إصدار مرسوم بإجراء الانتخابات، وتحديد جدول زمني هو ثلاثة أشهر للاستعداد وإجرائها في أيار/مايو 2021. أثار هذا المرسوم دينامية تجددية في الساحة الفلسطينية العامة، كما أثار أيضاً الأمل بالمصالحة وسط العديد من الشباب وتوقعات بتغيير الزعامات والمشاركة في العملية الانتخابية. صحيح أنه في الخلفية لا تزال تخيّم رواسب الماضي: عدم الثقة بقيادات الحركتين، والتخوف من استغلال ضعف “فتح” المنقسمة والنزاعات الدموية التي طبعت منظومة العلاقات بين هاتين الحركتين في الماضي، لكن الدينامية العامة التي نشأت خلقت عملية من الصعب وقفها مع مرور الزمن. علاوة على ذلك، فإن عدم اعتراض “حماس” على المراسيم المثيرة للجدل التي أصدرها عباس، ومن بينها بشأن حق الترشيح، خلقت انطباعاً بأنه جرى تنسيق المراسيم معها. حتى العراقيل التي يمكن أن تضعها إسرائيل في وجه إجراء الانتخابات في القدس الشرقية وفي أماكن أُخرى لعرقلة العملية الانتخابية وربما منعها، لم تردع التنظيمين حتى الآن.
لقد امتنعت حكومة إسرائيل حتى الآن من الاهتمام المكثف بمشكلات الانتخابات المتوقعة في مؤسسات السلطة الفلسطينية. في الوقت عينه، تتحدث تقارير في الصحف الفلسطينية مؤخراً عن زيارات واعتقالات تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلي لناشطين من “حماس” ومن عناصر المعارضة في أراضي السلطة الفلسطينية، لتحذيرهم من المشاركة في الانتخابات. هذه الاعتقالات يمكن أن تصعّب إجراء الانتخابات، لكنها تحديداً ستسرع عملية التقارب بين التنظيمين. أيضاً لم تحدد إدارة بايدن موقفها إزاء هذه المسألة ولم تقم بأي خطوة يمكن أن تدل على اختلاف موقف الإدارة في هذا الشأن عن الموقف الذي اتخذته إدارة ترامب إزاء الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. هذا على الرغم من أنه عشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وبعدها أيضاً أوضح ممثلو بايدن أنهم ينوون ترميم منظومة العلاقات مع الفلسطينيين.
تكشف محاولات التقارب بين الحركتين أيضاً إدراكاً للتغير الذي يجري في الوسط المقرب من عباس، وأنه لا يمكن التوقع أن تضغط إدارة بايدن على الحكومة الإسرائيلية لاستئناف مفاوضات سياسية أو لتغيير موقفها، والتي تعتقد السلطة الفلسطينية أنها لا تتطلع إلى تسوية. من هنا الخلاصة بأنه يجب الوقوف في جبهة موحدة، تكبح التراجع في مكانة القضية الفلسطينية وأيضاً تضع قواعد لعبة تقلص عدم التكافؤ القائم بين الفلسطينيين وبين إسرائيل.
امتناع حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية من الرد يثير الدهشة، وخصوصاً إزاء ضعف “فتح” برئاسة محمود عباس. كل الاستقالات من “فتح”، وأيضاً إبعاد مسؤولين رفيعي المستوى ورغبة المستقيلين في الترشح للانتخابات في قوائم منفردة، يدل على عمق الأزمة في صفوف الحركة. في المقابل، “حماس” تُظهر مؤخراً وحدة تنظيمية على الرغم من الخلافات الداخلية، والوقوف صفاً واحداً وراء يحيى السنوار الذي انتُخب مرة ثانية مع عاصفة داخلية في التنظيم، رئيساً للحركة في قطاع غزة. هذه الوحدة هي ميزة إضافية تحسّن فرص “حماس” في الفوز في الانتخابات كما في الانتخابات السابقة التي جرت في سنة 2006، وأيضاً تعزز مكانة “حماس” في عملية التقارب من “فتح” فيما يتعلق بتسوية العلاقات بين التنظيمين.
وفي الواقع، في ضوء الاتصالات بين التنظيمين تزداد أكثر من الماضي معقولية بلورة اتفاق بينهما بشأن مخطط حكومة مشتركة – لا حكومة مصالحة. في إطار هذه الحكومة المشتركة إذا تألفت، من المتوقع المحافظة على السيطرة الجغرافية المنفصلة لكل طرف، “فتح” في الضفة الغربية، و”حماس” في الضفة تعمل بالتعاون معها.
يتعين على إسرائيل أن تنسق مواقفها مع الولايات المتحدة وسائر الأطراف ذات الصلة في الساحة الدولية، والتي لم تعبّر عن موقفها العلني من هذه المسألة. ويجب أن نوضح معاً لعباس أنه لن يطرأ أي تغيير في موقف اللجنة الرباعية إزاء “حماس” إلّا إذا استجابت الحركة للمطالب التي طُلبت منها، وغيرت موقفها واعترفت بإسرائيل والاتفاقات التي وُقّعت معها.
كما يجب الاستعداد لواقع أن يتطور تعاون بين رام الله وغزة على طول الحدود مع إسرائيل وفي نقاط الاحتكاك في الضفة وفي الساحة الدولية.
في هذه المرحلة من المبكر الحديث عما إذا كانت عملية التقارب بين “فتح” و”حماس” هي خطوات تكتيكية من الطرفين، لن تغير موازين القوى بينهما لمصلحة “حماس”، أم أن المقصود بداية تغيير تاريخي له تداعيات استراتيجية على إسرائيل. على أي حال نوصي إسرائيل، من جهة بالامتناع من القيام بتحركات تظهر كأنها تمنع التقارب، لكن من جهة أُخرى عليها المحافظة على المصالح الأمنية الإسرائيلية، من خلال الطلب من المجتمع الدولي التمسك بالمعايير إزاء التحاور مع “حماس”.

المصدر: مباط عال