يديعوت أحرونوت: ألغام في مقابل اتصالات.. أهداف الهجوم على سفينة الاستخبارات الإيرانية

يديعوت أحرونوت: ألغام في مقابل اتصالات.. أهداف الهجوم على سفينة الاستخبارات الإيرانية
Spread the love

شجون عربية _

رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي/
هناك صلة وثيقة بين المحادثات التي تجري في فيينا بشأن الموضوع النووي الإيراني والعقوبات الأميركية وبين الهجوم على السفينة الإيرانية “سافيز” في البحر الأحمر، والذي نُسب إلى إسرائيل. الصلة ناجمة عن محاولة الإيرانيين والإسرائيليين التلميح إلى إدارة بايدن في واشنطن بأن الشرق الأوسط، وفي الأساس المواجهة مع إيران، يجب أن يحتلا مكاناً أعلى وأكثر أهمية في سلّم أولويات سياسة واشنطن الخارجية – وإذا لم تُعالج مشكلات إسرائيل وإيران بصورة جذرية، فإن الوضع يمكن أن يصعد إلى حرب.
هذه هي الصورة العامة، لكن التفصيلات على الأرض في منطقة الخليج الفارسي والبحر الأحمر والبحر المتوسط خطرة ومثيرة للاهتمام. السفينة الإيرانية التي هوجمت في الأمس هي فعلاً قاعدة بحرية عائمة تابعة لسلاح البحر في الحرس الثوري في البحر الأحمر، في مقابل سواحل اليمن وجيبوتي.
وزارة الخارجية الإيرانية اعترفت اليوم بأن السفينة سافيز تعرضت لهجوم، وادعت أن الهجوم “ألحق بها أضراراً طفيفة فقط. والتحقيق جارٍ لمعرفة مصدر الهجوم وتقدير الأضرار. السفينة تعمل في البحر الأحمر بالتنسيق مع السلطات الدولية وهدفها تقديم الحماية من القراصنة في المنطقة. لقد كانت السفينة عنصر دعم لوجستي بحري لإيران، والسلطات تعرف ذلك.”
بصفتها قاعدة بحرية عائمة كان لسافيز هدفان أساسيان: حماية الملاحة الإيرانية في البحر الأحمر والسماح للقوارب السريعة والكوماندوس البحري في الحرس الثوري بمهاجمة سفن مدنية أو عسكرية بصورة تخدم المصالح الإيرانية. على سبيل المثال، القوارب السريعة الموجودة على السفينة يستخدمها عناصر الحرس الثوري لحماية ناقلات نفط إيرانية أو سفن سلاح إيرانية تبحر في طريقها عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر بهدف تهريب السلاح إلى سورية ولبنان. يعلم الإيرانيون بأن إسرائيل والأميركيين موجودون في المنطقة، لذا هم يحمون سفنهم بواسطة قوارب موجودة على سافيز.
يشكل الهجوم على هذه السفينة تصعيداً في الحرب البحرية – السرية الدائرة بين إسرائيل وإيران في البحر الأحمر والبحر المتوسط، بحسب تقارير أجنبية. ويمكن التقدير أن الهجوم المنسوب إلى إسرائيل على سفينة الحرس الثوري له 3 أهداف:
الأول، عملية انتقامية للهجوم على سفينة يملكها أودي أنغل، في مياه بحر العرب وهي في طريقها من تنزانيا إلى الهند.
الثاني، ردع الإيرانيين وإظهار التفوق البحري الإسرائيلي في منطقة البحر الأحمر والبحر المتوسط، وأنه من الأفضل ألّا يحاولوا مهاجمة سفن إسرائيلية، أو يملكها اٍسرائيليون، في المناطق القريبة من شواطئهم، أي في الخليج الفارسي، وفي خليج عُمان وبحر العرب. الردع مطلوب أيضاً كي يوقف الإيرانيون تهريب النفط والسلاح إلى سورية ولبنان.
الثالث، هو التوضيح للأميركيين أن إسرائيل ستواصل حربها على عمليات التهريب الإيرانية وعلى أنشطتها التخريبية في شتى أنحاء المنطقة – أي في سورية ولبنان والعراق واليمن. على الرغم من أن الأميركيين يبذلون الآن جهوداً كبيرة للتصالح مع إيران.
هذه هي نقطة التقاطع بين المحادثات النووية الإيرانية في جنيف وبين الحرب البحرية. في إسرائيل يلاحظون أن الأميركيين يريدون إزالة التوترات مع إيران عن جدول الأعمال الأميركي بأي ثمن تقريباً للتفرغ لمعالجة الكورونا وتطوير البنى التحتية في داخل الولايات المتحدة، وللمواجهة مع الصين وروسيا خارج حدود الولايات المتحدة. السلاح النووي الإيراني يزعج الأميركيين لأن إدارة بايدن تعهدت ألّا تسمح بحصول إيران على سلاح نووي، ولأن واشنطن تتخوف من مواصلة إيران تطوير السلاح النووي، ومن إمكان أن تهاجمها إسرائيل – الأمر الذي سيؤدي إلى إشعال حرب في الشرق الأوسط سينجرّ الأميركيون إليها شاؤوا أم أبوا. لذلك الأميركيون مستعدون لتقديم تنازلات كي يعود الإيرانيون إلى الاتفاق النووي الأصلي الذي انسحب منه ترامب.
نتيجة ذلك، في إسرائيل يشعرون بالقلق. أجهزة الاستخبارات لاحظت أن الإيرانيين لا يسعون للحصول فوراً على سلاح نووي، بل فقط للوصول إلى وضع دولة على حافة النووي، والمحادثات في فيينا التي ستستمر عدة أشهر ستسمح لهم بإحراز تقدم مهم في هذا الاتجاه. تحاول إسرائيل قطع الطريق على هذه العملية، لكنها تواجه صعوبات جمة.
للحكومة الحالية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو تأثير صفر في واشنطن وفي السياسة الخارجية والدفاعية الأميركية. ربما كلمة “صفر” قوية، لكن تأثير إسرائيل في الموقف الأميركي اليوم ضئيل للغاية، وفي القدس ينظرون بقلق بالغ إلى استعداد الأميركيين لقبول إذلال الإيرانيين لهم، فقط كي يعودوا إلى الاتفاق النووي الأصلي العائد إلى سنة 2015.
حتى لو لم يكن لإسرائيل أي تأثير فيما يجري في محادثات فيينا النووية وما ستسفر عنه، يتعين على إسرائيل في جميع الأحوال التنسيق مع الأميركيين إزاء المرحلة المقبلة. أي ما العمل إذا لم تنجح الدبلوماسية مع الإيرانيين في وقف البرنامج النووي. في هذا الصدد لم تبدأ القدس حتى في التخطيط مع واشنطن في حال فشلت المساعي الدبلوماسية – وكيف سيؤثر هذا في المنطقة وفي مصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
إحدى وسائل نتنياهو لتذكير الأميركيين بأن إسرائيل يمكن أن تفسد اللعبة هي من خلال “دبلوماسية متحركة سرية”، ومهاجمة عمليات الترهيب الإيرانية هي إحدى هذه الوسائل.
من المهم أن ندرك أن الإيرانيين حالياً ليسوا في عجلة من أمرهم، لأن الاقتصاد الإيراني نجح في التعافي والإيرانيون يهرّبون ويبيعون الصين وروسيا بصورة سرية نفطاً بكميات أكبر من الماضي. بهذه الطريقة، لم يعد الضغط الاقتصادي للعقوبات الأميركية يهدد بقاء النظام كما كان قبل عام أو عامين. وفي الواقع كل يوم يمر يقرّب الإيرانيين من موقع دولة على حافة النووي.
بالإضافة إلى ذلك، في حزيران/يونيو ستجري انتخابات عامة في إيران والمحافظون يريدون ضمان انتخاب رئيس من طرف المرشد الأعلى علي خامنئي بدلاً من حسن روحاني المعتدل. لا يثق الإيرانيون بالأميركيين ويريدون إذلالهم كي يثبتوا للرئيس الأميركي بأن كل مواجهة مع إيران ستنتهي بإلحاق ضرر خطِر بصورة الولايات المتحدة.
لذلك من مصلحة الإيرانيين خوض مواجهة على نار خفيفة في الخليج توضح للأميركيين بأنهم إذا لم يستجيبوا لمطالبهم فإنهم سيلحقون الضرر بمصالح السعودية والإمارات وسائر حلفاء الولايات المتحدة في الخليج.
في هذه الدوامة، إسرائيل اليوم في أسوأ وضع دبلوماسي في تاريخها. في الأساس بسبب علاقات رئيس الحكومة نتنياهو السيئة مع الإدارة الأميركية. لكن من ناحية عسكرية، لدى سلاح البحر اليوم قدرات لم تكن لديه في الماضي، إذ أصبحت لديه قدرة عملانية مدهشة على بعد آلاف الأميال البحرية عن سواحل إسرائيل لم تكن لديه في الماضي.
على سبيل المثال، لو يحاول أردوغان اليوم إرسال سفينة “مافي – مرمرة” إلى شواطىء غزة فإن سلاح البحر كان سيوقفها قبل اقترابها من شواطىء إسرائيل. التلميح واضح، لكن هذه الحرب البحرية يمكن أن تتصاعد وهي تنطوي على مخاطر كثيرة. يكفي وقوع حادث واحد يؤدي إلى غرق سفينة إيرانية أو إسرائيلية، كي تتحول المواجهة السرية إلى مواجهة علنية.

المصدر: صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية