هآرتس: إسرائيل تلعب بالنار في البحر الأحمر

هآرتس: إسرائيل تلعب بالنار في البحر الأحمر
Spread the love

شجون عربية _

يوسي ميلمان – خبير في الشؤون الاستخباراتية والنووية والإرهاب/
يدل الهجوم الأخير على سفينة استخباراتية تابعة للحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر، والمنسوب إلى إسرائيل، على أن إسرائيل تلعب بالنار. ناطقون رسميون بلسان إيران تعهدوا أنها سترد. ما جرى سابقاً يدلنا على أنه يمكن تصديقهم. مما لا شك فيه أنهم سيحاولون الانتقام من إسرائيل، حتى لو لم يكن نجاحهم مؤكداً.
بخلاف الهجمات الجوية في سورية، حيث تشعر إسرائيل بثقة كبيرة، فإن المواجهة البحرية بين إيران وإسرائيل، والمستمرة منذ عامين ونصف العام، يمكن أن تخرج عن السيطرة وتجرفنا إلى دائرة عنف كفة إسرائيل فيها ليست راجحة. 95% من مجموع التجارة الإسرائيلية يجري في هذه المياه. سلاح البحر هو سلاح صغير نسبياً، ولديه قدرات محدودة على الدفاع عن التجارة البحرية وحمايتها، في الأساس في ساحات بعيدة، مثل المحيط الهندي والبحر الأحمر البعيدين عن سواحل إسرائيل.
بحسب “النيويورك تايمز”، نقلاً عن مصدر إسرائيلي، كان هدف الهجوم الانتقام. إذا كان هذا صحيحاً فإن الذين خططوا وقرروا ارتكبوا خطأً، وهم بذلك خرجوا عن سياسة كانت منتهَجة منذ عشرات السنوات. في المنظومتين الاستخباراتية والأمنية تباهوا دائماً بعمليات اغتيالات سرية وعمليات تخريب دافعها ليس الانتقام، بل الرغبة في إحباط عمليات ومنعها في المستقبل. حتى عندما كان المقصود اغتيال [إرهابيين “أياديهم ملطخة بالدماء”] (وأنا أكره هذا التعبير) كانوا يدّعون دائماً أن سبب اغتيالهم ليس الانتقام لأعمال سابقة.
القرارات التي تأمر بعمليات عسكرية وإرسال مقاتلين يخاطرون بحياتهم يجب أن تكون بعيدة عن اعتبارات سياسية خارجية أو غيرها، ويجب ألّا تكون معتمدة على مشاعر وانفعالات.
قبل عامين ونصف العام اتخذ المستوى السياسي، وبتوصية من رئيس الأركان آنذاك غابي أشكنازي، قراراً بتوسيع الضغط على إيران. بحسب تقارير أجنبية، جرت العمليات في الجو والبر في سورية، وعلى حدود العراق، وأيضاً في اليمن ولبنان – وفي المجال السيبراني، وتوسعت أيضاً إلى الساحة البحرية. وبالاستناد إلى هذه التقارير، خرّب مقاتلو الكوماندوس البحري، بمساعدة استخبارات دقيقة من وحدة الاستخبارات العسكرية أمان والموساد، عشرات ناقلات النفط الإيرانية التي كانت متوجهه إلى موانىء في سورية. “فيلق القدس” بقيادة الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2020، استخدم ثمن النفط بالليرة السورية لتمويل حزب الله والميليشيات الشيعية في سورية.
كل التخريب جرى من خلال عمليات جراحية هدفت إلى إحداث ضرر بهذه الناقلات من دون التسبب بغرقها، أو بسقوط ضحايا في الأرواح، وهدفها إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإيراني. وفعلاً، ثمة تقدير أن هذه العمليات تسببت بأذى مباشر وغير مباشر لـ”فيلق القدس” يقدّر بمليار دولار. استغلت إسرائيل فرصتين حصلت فيهما على معلومات استخباراتية دقيقة محدثة وخربّت عتاداً عسكرياً كانت تنقله بواخر إيرانية من أجل حزب الله. معظم عمليات التخريب جرى في البحر المتوسط، وقليل منه جرى في البحر الأحمر. هذه العمليات كان لها أهمية نفسية في التأثير في وعي قادة “فيلق القدس” والمسّ بمعنوياتهم.
لقد تُوّجت هذه العمليات بنجاح أيضاً لأن الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس دونالد ترامب كانت على معرفة بها وشجعتها، لكن في الأساس بسبب المحافظة على السرية. والمعلومات لم تُسرَّب، لا في إسرائيل، ولا في الولايات المتحدة، ولا في إيران التي كزّت على أسنانها وبلعت الأمر حفاظاً على كرامتها.
بعد تبدُّل الإدارة في واشنطن، وعلى خلفية اقتراب الانتخابات في إيران، قرروا في طهران عدم ضبط أنفسهم أكثر. وكانت النتيجة وقوع عمليات تخريب من دون ضرر كبير- لسفن يملكها جزئياً رامي أونغار. بعد ذلك بوقت قصير نُشر مقال طويل في “الوول ستريت جورنال” تحدث عن تخريب إسرائيل لعشرات ناقلات النفط الإيرانية.
رد الحرس الثوري على ذلك، وهذه المرة ضد سفينة يملكها رجل الأعمال أودي إنجل. وكثرت التقارير عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية. بالنسبة إلى متخذي القرارات في إسرائيل – أي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الأركان أفيف كوخافي، ورئيس الموساد يوسي كوهين – كان من الواضح منذ اللحظة التي نُشر فيها تقرير الوول ستريت جورنال أن هذه الأحاديث سترفع درجة التوترات مع إيران، بينما من مصلحة إدارة جو بايدن تخفيف اللهب كي يكون في الإمكان التفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي في سنة 2015، ومع رفع العقوبات.
لكن يبدو أنهم في إسرائيل لا يفهمون التلميحات، أو يعملون بطريقة أوتوماتيكية. لنتنياهو مصلحة شخصية مقرونة بإيمان مسياني لمواصلة المواجهة مع إيران لإحباط إمكان التوصل إلى تسوية دبلوماسية. لكن لماذا يساعده غانتس وكوخافي في ذلك؟ حتى كوهين رئيس الموساد الذي سيتقاعد خلال أسابيع غيّر نهجه العدائي ويعتقد أن من الأفضل في هذا الوقت تقليص الاحتكاكات بالإدارة الأميركية على أمل أن يؤثر هذا الأمر فيها وتبلور اتفاقاً يكون أفضل من الاتفاق الأصلي.
بعد قضية تخريب السفينة الإيرانية التي ترافقت مع خلل خطر هو تسريب معلومات- مما يدل على إهمال كبير كان يمكن أن يؤدي إلى إزهاق أرواح- يبقى فقط أن نأمل بأن يؤدي هذا إلى أن تستنتج إسرائيل أن عليها ألّا تصب الزيت على النار.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية