مفاوضات فيينا، والاستحقاقات الطارئة

مفاوضات فيينا، والاستحقاقات الطارئة
Spread the love

بقلم: د. طارق عبود* |

دخلت المفاوضات بين إيران والولابات المتحدة والأطراف الموقّعة على اتفاقية العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) مرحلة جديدة بعد التفجير الذي حصل في مفاعل نطنز النووي.
كانت المفاوضات تسير في مسار محدد، وكانت كل من الولايات المتحدة ترفع سقوف التفاوض للوصول بعدها إلى نقطة مشتركة، ترفع فيها واشنطن العقوبات المتعلقة بالملف النووي عن إيران، أو تلك الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، وكان منها ما يتعلق بحقوق الإنسان وغيرها، ووصلت إلى 1600 عقوبة. حاولت دول ال4+1 التوفيق بين الطرفين، ولكن من دون إحراز تقدّم يُذكر في الجولتين الأوليين في فيينا. الأميركييون تراجعوا عن فكرة التفاوض على الاتفاق النووي، وإدخال بنود جديدة عليه تتعلق الصواريخ الباليستية، ونفوذ إيران الإقليمي، وهذا ما روّجته إدارة الرئيس جو بايدن بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة للقبول بالعودة إلى الاتفاق النووي، وهي حاولت الاستثمار في الضغوط القصوى والعقوبات التي فرضها دونالد ترامب على إيران.
وحاول الفرنسيون التذاكي ايضًا. فطرح الرئيس ماكرون إضافة دول جديدة إلى الاتفاق كالسعودية، ولكنّ الإيرانيين لم يعيروا تلك الفكرة أي أهمية. ورفضوا بشكل حاسم أي مفاوضات تتعلق ببنود جديدة تُضاف إلى الاتفاق. تراجع الأميركييون خطوة إضافية إلى الوراء، فطرحوا العودة عن العقوبات خطوة خطوة، تقابلها إيران بالمثل، ولكنّ الإيرانيين استمروا في رفض هذا العرض أيضًا، وطالبوا بالتراجع عن كل العقوبات المفروضة بعد الواحد من أيار / مايو من العام 2018، لتعود طهران إلى التزاماتها النووية، أيضًا دفعة واحدة.
لم تسفر الجولتان الأوليان في فيينا عن نتائج مهمة، سوى كسر الجليد، والتفاوض بين الطرفين، حتى لو كان ذلك عبر طرف ثالث، وهو عبر الدول الباقية الموقعة على الاتفاق النووي في العام 2015.

إسرائيل تدخل على الخط
من المعلوم أنّ إسرائيل كونها المتضرر الأول من الاتفاق بين الأميركيين وإيران، حاولت أكثر من مرة عرقلة المفاوضات، مرة عبر السياسة والضغط على إدارة بايدن، وحثّه على عدم الرضوخ لشروط طهران، ومرة في الاعتراض على تسمية المبعوث الأميركي إلى إيران، روبرت مالي، ومرة أخرى عبر استمرار العمليات السيبرانية، وأحيانًا التخريبية المباشرة للمفاعلات النووية الإيرانية. ولكنّ ما حصل من يومين، عبر التفجير في مفاعل نطنز في الصحراء وسط إيران، عبر عبوّة مطمورة، حسب بعض المصادر، كان الأكثر تأثيرًا، ومثّل مرحلة جديدة في الصراع، ما دفع الإيرانيين إلى رفع نسبة التخصيب إلى ستين في المئة، وهذه نسبة متقدمة جدًا، إذا ما قيست إلى النسبة الأعلى التي كان الإيرانيون قد توصلوا إليها في العام 2010 وهي العشرين في المئة، قبل أن يتراجعوا إلى ال%3.5 بعد توقيع الاتفاق في العام 2015.
حاول الأميركيون الاستفادة من عملية نطنز، ومن الكلام الإسرائيلي عن تراجع إيران إلى الوراء لتسعة أشهر قبل أن تستطيع معاودة التخصيب في المفاعل، ولكنّ الإيرانيين فاجأوهم برفع نسبة التخصيب إلى ستين في المئة، وإدخال أجهزة طرد جديدة إلى الخدمة ابتداءً من الأسبوع المقبل.
سيشكّل انفجار نطنز، إضافةً إلى العامل الأهم في المفاوضات، وهو الثقة المفقودة من قِبل الإيرانيين بالجانب الأميركي إعاقة واضحة للتقدّم في مسار التفاوض، بعدما استطاع الإيرانيون أيضًا الالتفاف على جزء من الحصار، وبعد التوقيع على الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين، والاتفاقية المزمع توقيعها بين طهران وموسكو في الأسابيع القادمة، إضافة إلى هاجس الأميركيين من عاملين يشكلان عاملي قلق لهم. الأول يتعلق بالمسار الذي تسلكه طهران نحو “القنبلة النووية” حسب ما يقولون، والآخر هو خسارة الإصلاحيين، وعودة المحافظين إلى الحكم على خلفية خروج واشنطن من الاتفاق النووي، ووضع الإصلاحيين في زاوية محرجة أمام الشعب الإيراني، كونهم كانوا متمحسين للتوقيع على الاتفاق مع واشنطن، العدو التاريخي للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار الثورة في العام 1979.
وتواجه إدارة الرئيس بايدن أيضًا مشكلة كبيرة تتمثّل في موافقة الكونغرس على أي قانون يدعو إلى رفع العقوبات عن طهران، وهو ما سيشهد سجالًا وعقباتٍ كبيرة في الكونغرس، لأنّ عددًا من الديمقراطيين أيضًا يرفضون رفع العقوبات عن طهران، ولوجود النفوذ الإسرائيلي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، في غرفتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
إذًا، المنطقة على مفترق طرق. حرب السفن تستعر بين إيران إسرائيل، والمفاوضات في فيينا انتقلت إلى مرحلة جديدة بعد تفجير نطنز، الذي من الممكن أن يطيل عمر المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في التاسع عشر من حزيران من العام الحالي.

*أستاذ جامعي وباحث لبناني.