أزمة الرواتب في غزة: عباس يخاطر بتوسيع الصدع بين الضفة وغزة

أزمة الرواتب في غزة: عباس يخاطر بتوسيع الصدع بين الضفة وغزة
Spread the love

بقلم: عميرة هاس – محررة شؤون المناطق المحتلة في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية–

•تشير أزمة خفض الرواتب في غزة إلى أحد الإخفاقات السياسية الكبيرة لسلطة محمود عباس، التي بدلاً من أن تحارب الانفصال بين القطاع والضفة الغربية – الذي فرضته إسرائيل منذ 1991، وخاصة منذ 2007 – فإنها تساهم في تعميقه. وتتحمل سلطة “حماس” أيضاً مسؤولية لا بأس بها عن ذلك، ويلحق صراع القوة بين الحركتين أضراراً مباشرة بسكان القطاع وبالقدرة على محاربة الاحتلال. لكن رام الله تنجح دائماً في جذب النار إليها، أحياناً بصورة مبررة وأحياناً من دون مبرر، بصفتها المسؤولة الأساسية عن الصدع، وكمن يتخلى عن مليوني مواطن من سكان القطاع.

•في قضية الرواتب، ثمة مبرر: الخطيئة الأصلية هي طلب عباس في تموز/يوليو 2007 من أغلبية موظفي القطاع العام المدني والأمني في القطاع عدم الذهاب إلى أماكن عملهم إذا أرادوا مواصلة الحصول على رواتبهم. وكان الافتراض الخطأ من جانبه أو من جانب مستشاريه هو أنه إذا توقف القطاع المدني عن العمل فإن سلطة “حماس” ستنهار.

•عكست هذه الخطوة مدى استخفاف قيادة “فتح” بقوة حركة “حماس” وبجذروها في القطاع وحكمتها، فقد سارعت هذه إلى ملء الفراغ بموظفين ومدراء، وقضاة، ومدعين عامين وشرطة من مؤيديها ومن المقربين منها. وبذلك نشأ جهازان متقابلان لموظفي القطاع العام: أولئك الذين يقبضون رواتبهم شرط ألا يعملوا، وأولئك الذين يعملون.

•اتهمت حركة “حماس” – التي فازت في الانتخابات العامة في 2006 وشكلت مكوناً مهماً في حكومة الوحدة الوطنية التي تألفت في آذار/مارس 2007 – في صيف تلك السنة أجهزة الأمن الواقعة تحت سلطة “فتح” بالتحضير لانقلاب عسكري ضدها. وبعد حرب أهلية قصيرة ومؤلمة نجحت الحركة في السيطرة على أجهزة الأمن في قطاع غزة. وأمر عباس بتفكيك حكومة الوحدة. وتحوّل إسماعيل هنية إلى رئيس حكومة في غزة، وسلام فياض إلى رئيس حكومة في رام الله.

•ومع انهيار اقتصاد الأنفاق في 2013، عانت “حماس” من أزمة مالية مستمرة أدت إلى التأخر المتواصل في دفع رواتب موظفيها ومن بعد ذلك إلى خفض رواتبهم، وازداد الوضع العبثي تفاقماً: فبالإضافة إلى الموظفين الذي يحصلون على رواتب شرط ألا يعملوا، كان هناك آلاف يعملون من دون الحصول هم أيضاً على رواتب.

•البطالة القسرية مقابل الحصول على رواتب تسببت بتوترات اجتماعية وعائلية جديدة في القطاع، بالإضافة إلى توترات البطالة “الطبيعية”. ووفقاً لشهادات نساء ومراقبين مختلفين، فإن البطالة مقابل الحصول على رواتب أوجدت ثقافة فرعية لدى عشرات آلاف الرجال اتّسمت بالكسل والتخلي عن واجباتهم العائلية، وحالة من اللامبالاة وفقدان الاهتمام بالحياة. من جهة ثانية، فإن الذين استغلوا الوقت للقيام بمبادرات فردية صغيرة وموقتة، كان عليهم إخفاء ذلك عن الوشاة وعن وزراة المال في رام الله، كي لا يحرموا رواتبهم الثابتة وغير الكبيرة.

•ما يزال الاتحاد الأوروبي يدعم الميزانية الجارية للسلطة الفلسطينية (التي تُضعف اقتصادها القيود الإسرائيلية). ولكن في نهاية 2013 أوصى مكتب مراقب حسابات أوروبي الاتحاد بوقف المشاركة غير العقلانية في تمويل رواتب أشخاص لا يعملون. وبالفعل، في شباط/فبراير هذه السنة أعلن الاتحاد الأوروبي أنه منذ ذلك التاريخ فصاعداً سيحول سنوياً 30 مليون يورو مخصصة لرواتب في غزة إلى دعم عائلات فقيرة وتنميتها.

•حتى نهاية 2015، كان هناك 25,490 شخصاً من سكان القطاع مسجلين كأجراء في القطاع العام – المدني التابع للسلطة في رام الله، و33,200 كأعضاء في أجهزة الأمن. وسمح فقط للأجراء في أجهزة التعليم والرفاه والصحة في السلطة الفلسطينية بمواصلة عملهم، وهم يشكلون اليوم عشرة آلاف شخص. وحتى هؤلاء قُلصت رواتبهم بـ30% وحتى 50% (وفقاً لحجم الراتب). وقد وفـرّ بضعة مئات من عاملي القطاع العام في غزة، خاصة في المجال الأمني، إلى الضفة بعد الحرب الأهلية في حزيران/يونيو 2007 وهم يعملون هناك. وهؤلاء قُلصت رواتبهم أيضاً. أما رسالة السلطة، فهي أن المسجلين كسكان في الضفة هم في نظرها أفضل من سكان القطاع.

•إن محاولة السلطة تبرير التقليص في الإنفاق الكبير على قطاع غزة غير مقنعة: فقد نشرت “مجموعة AIX” المؤلفة من اقتصاديين فلسطينيين وإسرائيليين منذ وقت قليل دراسة جديدة تضمنت مقترحات لترميم الاقتصاد في القطاع في ظل الوضع الحالي من جمود المفاوضات. ووجدت المجموعة أن المبلغ الذي توظفه السلطة في القطاع غير الضرائب التي تدفعها مقابل مكوس جمركية مختلفة، لا يشكل، كما تقول، 40% من الميزانية، بل 15% فقط – وهو حجم دعم معقول ومقبول.

•لقد تحول دفع الرواتب من دون القيام بعمل في غزة المحاصرة، التي تقيد إسرائيل اقتصادها إلى الحد الأدنى، إلى نوع من تعويض بطالة أو مخصصات رفاه. وتقليص الرواتب الذي بدأ منذ مطلع نيسان/أبريل، هو نوع من تعديل لهذا التصرف المالي المنافي للعقل.

•لكن هذا التعديل جاء على حساب أشخاص هم تحديداً من بقايا الموالين لـ”فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية – والجمهور الكبير المرتبط بهم. يكرر عباس ورئيس الحكومة رامي حمد الله ومستشاروهما الأخطاء السياسية التي ارتكبوها قبل عشر سنوات، عندما ظنوا أن ممارسة ضغط اقتصادي إضافي على جمهور غزة سيقوّض نهائياً موقف “حماس” ومكانتها.

المصدر: صحيفة “هآرتس”، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية