سياسة إرضاء إسرائيل وقهر الشعوب العربية

سياسة إرضاء إسرائيل وقهر الشعوب العربية
Spread the love

arab_league

بقلم: د.عقل صلاح* — تكشف حصيلة أعوام من رصد السياسة الخارجية والداخلية للحكام العرب إلى أي مدى تصب في مسار إرضاء إسرائيل، وفي ممارسة الحرب النفسية المفتوحة وبسرعة جنونية ومحمومة ضد شعوبهم. ففي الوقت الذي كان الحاكم يستمد شرعيته في الحكم من عدائه لإسرائيل، أصبح اليوم يستمد شرعيته عبر تقربه من إسرائيل، وتقديم الخدمة لها في شتى المجالات ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطن. في السابق كانت القضية الفلسطينية محل إجماع للقادة العرب، ومركز اهتمام ودعم على المستوى السياسي والاقتصادي، حيث كانت القضية الجامعة للعرب واليوم أضحت سببًا في زيادة حدة الانقسامات العربية-العربية، وحجة لزيادة التطبيع والتقارب مع إسرائيل، وحتى المسجد الأقصى لم يعد له أهمية تذكر عند القادة العرب والمسلمين.
نجد أن الأهمية السياسية للقضية الفلسطينية تضاءلت لدى قادة الدول العربية في مقابل زيادة الأهمية الإستراتيجية لإسرائيل، وقد تجسد ذلك في تحوّل الموقف العربي الرسمي اليوم من مناصرة القضية الفلسطينية قولاً لمناصرة إسرائيل فعلاً، حفاظاً على مصالح الحكام العرب في البيت الابيض، والكنيست الإسرائيلي.
ومن هذه الأحداث التي لا يمكن تفسيرها تصويت بعض دول الخليج لصالح المندوب الإسرائيلي في تولي اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وهو ما نتج عنه تولي إسرائيل لهذا الموقع لأول مرة منذ انضمامها للأمم المتحدة. وعدم قيام السلطة الفلسطينية بنعي القائد الفلسطيني اللبناني سمير القنطار الذي قدم شبابه للقضية الفلسطينية وقضى ثلاثين سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي من أجل الثورة الفلسطينية. وفي المقابل استطاعت السلطة الفلسطينية المشاركة والتعزية في قائد الجيش الإسرائيلي (الإدارة المدنية) في الضفة الغربية الجنرال منير عمار، الذي أمضى ثلاثين سنة وهو يترقى ويترفع على حساب الدم اللبناني والفلسطيني حتى وصل لرتبة عميد في جيش الاحتلال، وتبوأ مناصب قيادية بارزة في جيش الاحتلال. وكيف يمكن تفسير معاتبة حركة حماس من قبل الشيخ السعودي أحمد الصويان، رئيس رابطة الصحفيين الإسلاميين في السعودية في 22 كانون أول الماضي في رسالة له على نعي الشهيد القائد البطل سمير القنطار على الرغم من أنها تعزية خجولة بالشهيد.
وبنفس المنطق، كيف يمكن تفسير عدم تعليق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل على اعتبار حزب الله منظمة إرهابية رغم كل الدعم المقدم من الحزب لكتائب القسام باعتراف قادة القسام. وتفسير إعلان إسرائيل أن التنسيق الأمني في أفضل مستوى له، بعد إعلان السلطة عن انخفاض مستوى التنسيق والتهديد بقطعه، تعود إسرائيل وتعلن عن عدد الاجتماعات وعدد العمليات التي تم احباطها من قبل السلطة الفلسطينية، وكل ذلك بنفس ذكرى يوم الأرض، والذي تزامن بنشر فيديو تعزية أعضاء من القيادة الفلسطينية في قائد الإدارة المدنية من قبل إسرائيل. وغيرها من الأحداث كفضائح وثائق بنما، والإعلان عن إصابة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيفي لفني – فتاة المهمات الجنسية- بمرض الإيدز، وصمت الدول العربية تجاه القتل والحرق والتدمير الممنهج بحق الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال، فحتى الاستنكار فقد تلاشى في مقابل بناء علاقات علنية مع إسرائيل، والحديث عن أن الأقصى المذكور في سورة الإسراء ليس الموجود في القدس من قبل الكاتب العربي المصري يوسف زيدان، والزعم بأن فلسطين حق لليهود وأن الحق الإسرائيلي سيهزم الباطل الفلسطيني من قبل الكاتب الكويتي عبد الله الهدلق
لقد انفرط عقد التنازلات بالجملة من معظم رؤساء الدول العربية، ومن قبلهم السلطة الفلسطينية تجاه إسرائيل في امتهان كامل للشعوب التي تم تغييبها وقهرها. وكيف يمكن وضع حد لهذه السياسة المخيفة التي تضاف إلى كل ماتعانيه الشعوب العربية من مآسٍ مثل الحروب والقتل والدمار والتشريد والفقر والبطالة والتجويع في هذا العصر السوداوي.
إن سياسة إرضاء إسرائيل المتمثلة في إقامة علاقات علنية، وتحالفات عسكرية، وتنسيق أمني، هي كارثة تحل بالوطن العربي وبالتحديد فلسطين المحتلة. لقد تم تدجين وتطويع النخب السياسية العربية-الحاكمة وغير الحاكمة- لقبول كل ماهو إسرائيلي، فحتى فوهة البندقية الموجهة لصدر الشعب الفلسطيني أصبحت غير مدانة بل مدعومة من قبلهم.
واليوم نناقش قضايا وأخبار غريبة جدًا، ولكن في ظل الإزدراء العربي والتعاون والتنسيق والتطبيع مع إسرائيل أصبحت هذه القضايا مقبولة وغير مدانة، على الرغم من أنها تهدف بشكل رئيس لإحباط الشعوب العربية وبالأخص الشعب الفلسطيني، حيث ظهر ذلك في العديد من القضايا ومنها اعتبار حزب الله اللبناني منظمة ارهابية من قبل جامعة الدول العربية.
لقد استحدث بعض القادة العرب قاعدة جديدة مخالفة لكل القوانين مفادها أن للاحتلال الإسرائيلي حقاً في فلسطين، حيث إن الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يدافع عن عرضه ووطنه ارهابي، والاحتلال وقطعان المستوطنين الذين يحرقون الأطفال وبيوت الله أصحاب حق؛ ماهذه القاعدة الذليلة؟ والأنكى من ذلك أنهم لم يكتفوا بذلك، وإنما شكلوا فرقة واحدة موحدة في المرافعة والدفاع عن الاحتلال، وتبرئته وتأييده في كل مايقوم به ضد الشعب الفلسطيني مستبسلين في إدانة الشعب الفلسطيني.
وفي النهاية يتساءل العالم لماذا يحمل شباب فلسطين السكاكين ويذهبون لطعن جنود الاحتلال. إن سياسة الاحباط والقهر الوطني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي هي وراء الأحداث التي تجري حاليًا، فالأطفال والشباب الفلسطيني قد فقدوا الأمل في العيش الكريم ولايملكون سوى إرادة القوة والفعل الوطني ضد من يعمل ليلًا ونهارًا لتدمير مستقبلهم وحلمهم في العيش كباقي الشعوب، فكلما زاد الفقر والقهر والاستهتار زاد العنف ضد المحتل.
إن الممارسات السياسية للحكام العرب والنخب السياسية والأكاديمية تجاه إسرائيل سوداوية، وقد أثرت بشكل كبير على مصير ومستقبل الدول العربية، إلا أنه في المقابل سيعتبرها البعض، وبالتحديد من الذين يتبوؤون مناصب سياسية رسمية، بأنها تجنٍّ على القادة العرب. فالحكام العرب يتحملون كامل المسؤولية عن عملية إحباط الشعوب، وعن كل ما يجري في الساحة العربية المكشوفة لإسرائيل.
إن كل ما سبق يبين السياسة الجديدة للقادة العرب، مما يفتح المجال أمام طلبة العلوم السياسية وبالأخص مسار العلاقات الدولية للقيام بالعديد من الأطروحات والأبحاث العلمية حول التحول السياسي العلني في الموقف العربي تجاه إسرائيل وتحديدًا الموقف السعودي.

*دكتوراة النظم السياسية المقارنة.