العدوان الأميركي على سوريا لنجدة «داعش»

العدوان الأميركي على سوريا لنجدة «داعش»
Spread the love

بقلم: توفيق المديني* — كشف العدوان، المجزرة بحق موقع للجيش العربي السوري في دير الزور، من قبل الطيران الأمريكي، ومعه «التحالف الدولي»، عن حقيقة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، القائمة على تحالف الضرورة بين «البنتاغون» والإرهابي أبو بكر البغدادي، أو تحالف الفرصة الأخيرة للولايات المتحدة مع «داعش»، من أجل استنزاف الجيش العربي السوري، وتالياً إطالة أمد الحرب على سورية أكثر ما يمكن، خدمة لتنفيذ أهدافها المتمثلة في مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي يحتل فيه الكيان الصهيوني «مركز الريادة».
فالعدوان الأمريكي استهدف الجيش العربي السوري، الذي لا يزال صامداً، ويقاوم الإرهاب «الداعشي» منذ أكثر من ثلاث سنوات من المقاومة السورية البطولية في مدينة دير الزور، التي لا يزال مئة ألف مدني يعيشون في أحيائها المحاصرة من قبل «داعش»، ويدافع عنها خمسة آلاف مقاتل من الجيش السوري ووحدات الدفاع الشعبية، فالغارات الأمريكية، قامت بها أربع مقاتلات، من طراز «إف 16»، و«إي 10» الأقل سرعة للقيام بعمليات اشتباك أرضي، ومزودة برشاشات ثقيلة لاختراق المدرعات والتمشيط، وقد قام السرب بموجة قصف أولى قبل أن تعود طائرتا الـ «إي 10» منفردتين في موجة تمشيط على ارتفاع منخفض، لإنهاء العملية، وكانت قادرة على تمييز الأهداف في الموجة الثانية وهويتها بوضوح أكبر، الغارات دامت خمسين دقيقة، من الخامسة عصر السبت حتى السادسة إلا عشر دقائق، وهو زمن يكفي خلال التحليق وضرب الأهداف، للتحقق من طبيعة التحصينات والأسلحة المنشورة، وطريقة الانتشار، والاستماع إلى الاتصالات لمعرفة هوية الهدف.
ليس من شك في أن الهدف الرئيس من العدوان هو «إسقاط» مدينة دير الزور وتسليمها لتنظيم «داعش» الإرهابي ، ولاسيما أن استراتيجية «التحالف الدولي » بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض رفضاً قاطعاً ضرب أي موقع من مواقع «داعش» إذا كان ذلك يخدم مصلحة الجيش العربي السوري، وهذا ما صرّح به أكثر من رئيس دولة غربية، ولهذا، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة من خلال تسليحها وتدريبها وتمويلها لما يسمى «قوى المعارضة المعتدلة» أن «تخرج» الجيش السوري من المنطقة الشرقية، لحرمان الدولة الوطنية السورية من مواردها الاقتصادية الأساسية النفطية والزراعية وإضعاف دورها وسلطتها في أي مسار للتسوية السياسية مستقبلاً، ولاسيما أن «إخراج» الجيش العربي السوري من منطقة دير الزور، يحيي السيناريوهات المتعددة التي جرى الحديث عنها من «مشروع» الملك عبدالله الثاني «ضم العشائر العربية في المثلث السوري العراقي الأردني إلى عرشه»، إلى «مشروع الإقليم الطائفي في الأنبار والشرق السوري»، بقيادة «داعش»، وتتحدث أوساط سياسية من المقاومة للمحور الأمريكي –الرجعي العربي-الصهيوني، أن موعد اقتراب الهجوم على الموصل في تشرين الأول المقبل، يدفع الأمريكيين إلى منح «داعش» مساحة للانكفاء في المنطقة الشرقية من سورية وطريقاً للانسحاب، وتحييده في العراق، وإعادته إلى الرقة وريف دير الزور، حيث انطلق منه في حزيران 2014 لغزو الموصل، من هنا نفهم لماذا هذا الإصرار الأمريكي على «تسليم» مدينة دير الزور لتنظيم «داعش» الإرهابي، في الوقت الذي يحشد فيه الجيش العربي السوري وحلفاؤه من القوة لكي يتم تطهير كل هذه المحافظة المحاصرة من قبل «داعش» طوال أكثر من ثلاث سنوات.
يأتي العدوان الأمريكي على الجيش العربي السوري، في ضوء وجود تجاذبات سياسية بين «البنتاغون» ووكالات المخابرات الأمريكية، ولاسيما العسكرية منها، وهيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي من جهة، ووزارة الخارجية والرئيس باراك أوباما من جهة أخرى، حول الاتفاق الأمريكي –الروسي الأخير المتعلق بالتهدئة، وبالبحث عن مخرج سياسي للأزمة في سورية، خصوصاً أن روسيا تصر على تقديم هذا الاتفاق إلى مجلس الأمن من أجل استصدار قرار دولي يلزم الجميع به، حتى لايبقى الاتفاق «ثنائياً» روسيا- أمريكياً غير ملزم، وكان جوهر الخلاف الأمريكي-الروسي يتعلق بالموقف من تنظيم « جبهة النصرة» الإرهابي، والمجموعات المسلحة المتحالفة معه، حيث تصر روسيا على تجسيد القطيعة النهائية والفصل الكامل بين تلك المجموعات التي تصنفها أمريكا « معارضة معتدلة» وبين التنظيم الإرهابي المتمثل بـ«جبهة النصرة» الذي تجب محاربته من قبل «التحالف الدولي» وروسيا.
هناك عدة أطراف تناصب العداء لهذا الاتفاق، أولها «البنتاغون» الأمريكي الذي يرفض التنسيق مع الروس في غرفة عمليات مشتركة من أجل ضرب «داعش»، وتالياً ضرب «جبهة النصرة» إن وافق على الاتفاق، إذ تمثل هذه الأخيرة العمود الفقري لما يسمى «المعارضة المسلحة». فلا يزال «البنتاغون» الأمريكي يرفض أن يكون مع الروس في جبهة واحدة لمحاربة الإرهاب، في الأرض السورية أو سواها، ولاسيما أن الرؤوس الحامية داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تزال تتحكم فيها عقلية الحرب الباردة، والتي تعد روسيا عدواً، وباتت تعدها أكثر من ذلك، ولاسيما مع مجيء الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة، وإلقاء خطبته الشهيرة في مؤتمر «ميونيخ» سنة 2007، حين قال لواشنطن «لن نكون بعد اليوم أتباعاً، فإما أن تعاملنا واشنطن معاملة الند للند أو نغير أسس النظام الدولي أحادي القطبية آنذاك».وهناك أطراف خليجية، وتحديداً سعودية-قطرية ترفض أساساً مثل هذا الاتفاق الروسي-الأمريكي على هشاشته، لأنه إن تكرس دولياً، فهذا يعني أن يدخل الروس والأمريكان في جبهة مشتركة لمحاربة «جبهة النصرة»، في حين أن هذه الأخيرة لا تزال تحظى بالدعم العسكري والمالي والإعلامي من قبل السعودية وقطر.
الولايات المتحدة الأمريكية دخلت الحرب ضد سورية من أجل «إسقاط» الدولة الوطنية، و«تقسيم البلاد»، وهي جزء من مخطط «الشرق الأوسط الكبير أو الجديد»، الذي هو بدوره ليس سوى تَتِمَّة أو تَحْدِيث لاتفاقية «سايكس- بيكو». وتقوم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على أساس «تفتيت» الدول الوطنية العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، ولهذا واصلت الولايات المتحدة الحرب التي بدأتها على العراق سنة 2003، ضد كل من ليبيا واليمن وسورية… فقد دَخَلت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الحلف الأطلسي أراضي سورية من دون موافقة الحكومة الشرعية، كما تعودت ذلك منذ الحرب العالمية الثانية، ما يجعل من العمل العسكري الأمريكي عدواناً عَسْكَرِيّاً موصُوفًا ضد سيادة دولة مُسْتَقِلّة، لكن «القانون الدولي» و«الأمم المتحدة» وغيرها من المنظمات الدولية تخضع للإمبريالية الأقوى، أي الولايات المتحدة الأمريكية، التي استحدثت في شمال سورية المُحاذي لحدود تركيا (عضو الحلف الأطلسي) والقريب من قاعدة «إنجرليك» الضّخْمَة قواعد عسكرية، مستخدمة ذريعة«مُساعدة الأكراد» فيما أوْكَلت أمريكا مناطق أخرى من سورية إلى السعودية وقطر والإمارات لتمويل وتسْلِيح المنظمات الإرهابية في حلب، ومناطق جنوب وغرب سورية.
عملت واشنطن ما في وسعها خلال السنوات الأولى للحرب ضد سورية، لتلتقي مصالح أمريكا مع عدد من القوى المحاربة ضد الدولة الوطنية السورية، ثم أنشأ الجيش الأمريكي قاعدة عسكرية في مدينة «رميلان» التي تخضع لسيطرة الذراع العسكرية لـ«حزب العمال الكردستاني» (التُّرْكِي)، على الحدود السورية المشتركة مع العراق وتركيا، والتي أصبحت مقراً لفريق التخطيط العسكري الأمريكي، وانتشر «المُسْتَشَارُون» الأمريكيون في المناطق المحيطة بالحسكة (شرقًا وجنوبًا) ويقدّرُ عدد الجنود الأمريكيين ومُرْتَزَقَةِ الشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية والمُنْتَشِرَة في شمال سورية بنحو خمسة آلاف جندي. وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية كل ما في وسعها لكيلا تنتقل أجزاء من سورية التي يسَيْطر عليها «داعش» إلى الدولة الوطنية السّورية وجيشها وحكومتها، بعد تطهيرها من دنس الإرهاب، بل إنها تسعى إلى «تفجير حرب جديدة» في شمال سورية، عبر عدوانها على موقع للجيش العربي السوري في دير الزور من أجل الهروب من استحقاقات مسار التسوية المحتمل، وبهدف تجويف الاتفاق الروسي-الأمريكي من مضمونه، والعودة إلى الهجوم العسكري عبر تسليح «قوى المعارضة المعتدلة»،«لاستنزاف الروس» على الجبهة السورية التي لا تشكل بنظر الصقور الأمريكيين سوى «إحدى ساحات الاستنزاف» لروسيا في مقاربة أشمل للمواجهة معها ومع محور المقاومة، الهدف الثاني الأساس للغارات الأمريكية، كما عكست ما كان يقوله وزير الدفاع آشتون كارتر قبل أيام من أنه من غير الممكن التعاون عسكرياً مع الروس في سورية «لأنه يخالف مضمون القانون الذي صوت عليه مجلس النواب الأمريكي بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم».
ففي سياق الخطة المالية لوزارة الدفاع الأمريكية للعام 2017، اختارت الولايات المتحدة الحرب الطويلة وإطالة أمد النّزاع المُسَلَّح كاستراتيجية، تعتمد إعداد ودعم وتمويل وتدريب التنظيمات الإرهابية في سورية، ورصَدَتْ «البنتاغون» في ميزانية العام القادم 2017 مبلغ 250 مليون دولار «لتمويل مُعِدّات وتدريب مُقَاتِلين في سورية» تحت عنوان «تمويل عمليّات طوارئ خلف البحار»، وسَمحت أمريكا للسعوديّة منذ تشرين الأول 2013 بتوفير صواريخ «تاو» أمريكية الصُّنع لنحو 42 مجموعةً إرهابية منتشرةً في سورية ووصَلَت الدُّفْعَة الأولى في شباط 2014، بينما تتعامل المُخابرات الأمريكية مباشرة مع نحو 13 تنظيماً إرهابياً في سورية.ولَخَّصَ روبرت مَالِّيه -أحدُ مساعدي الرئيس الأمريكي- في حديث إلى مجلة «فورين بوليسي» استراتيجية «الحرب الطويلة» بقوله: «إنّ واشنطن مستعدة لعمل كل ما في وسعها لكيلا ينجح النظام السوري، وسنواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية، لكيلا ينتصر النظام»، وسَبَقَ أن كَثَّفَتْ أخطر المجموعات الإرهابية منها «جبهة النُّصْرة» نشر تصريحات إعلامية لأهم متزعميها الذين ظهر بعضهم على شاشة القناة الأمريكية «سي إن إن» لطمْأَنة واشنطن حول «عدم وجود أي نية لاستهداف مصالح الغرب وأمريكا».
تتنزّل الحرب على سورية ضمن الخطط الإمبريالية التي بدأتها أمريكا بالعُدْوان على العراق منذ 1991 وتواصلت خلال احتلال العراق (2003) وتخريب وتقسيم البلدان العربية ولايزال المُخَطَّطُ قيد التنفيذ في ليبيا والعراق واليمن وسورية، مع بعض التحويرات التَّكْتِيكِيّة التي لا تُخِلُّ بجوهر العدوان وأهدافِه، واضطرّت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى القيام ببعضها بسبب مُقَاوَمَةِ الشُّعُوب المُسْتَهْدَفَة، وازدياد قوة الصِّين الاقتصادية ودفاعها عن مصالحها، وبسبب تجاوز روسيا أزمة 1998 المالية والاقتصادية، وبروز مجموعة «بريكس» وطموحاتها في إدخال بعض التحويرات على النظام الرأسمالي العالمي وغير ذلك من المُتَغَيِّرات والتَّوَازُنات الجديدة التي عكسها استخدام روسيا والصّين حق النّقض (فيتو) في مجلس الأمن بخصوص سورية، خلافًا للقرارات التي اتُّخِذَتْ بِشَأْنِ ليبيا، وقبلها كانت العراق وأفغانستان وغيرها.

* كاتب تونسي

المصدر: صحيفة تشرين