كيف يدفعنا أدب الخيال المناخي إلى مواجهة موت كوكبنا الوشيك

كيف يدفعنا أدب الخيال المناخي إلى مواجهة موت كوكبنا الوشيك
Spread the love

بقلم كاتي والدمان — قامت أمازون بتجميع مجموعة قصص من أدب التغيّر المناخي كجزء من سلسلة متتالية من “القصص الأصيلة” التي تجلب تنوعاً حيوياً أدبياً ليشهد على الأزمة المميزة لعصرنا.

أطلق على هذه المجموعة المتوفرة على الإنترنت والمؤلفة من سبع قصص قصيرة إسم “أسخن” Wamer وضمت أعمالاً للكاتبة جين سمايلي الحائزة على جائزة بوليتزر والكاتبة لورين جروف والكاتب جيس والتر المرشحين لجائزة الكتاب الوطني وغيرهم وتعرض طرقاً للتفكير في شيء لا نرغب بالتفكير فيه: الموت الوشيك لكوكبنا.

وثمة أمر غير متوقع فيما يخص الخيال المناخي وأقصد العرض التخيلي للتوقعات المدعمة علمياً والتي قد يراها كثير من الناس مجرد خيال. يجلب هذا الصنف الأدبي الذي تمثل في أماكن أخرى بأعمال مارغريت اتوود “ثلاثية ماد آدم” وناثانيل ريتش “إحتمالات ضد المستقبل” الكارثة بكل قوة إلى الحياة. ولكنها مرآة ظليلة. كان الأدب على الدوام مسعىً إنسانياً: فهو يؤكد قيمة النوع العاجز والجوهري ويحفز ويريح تنويهاته للمعنى. ولكن ما العمل إن كان الغوث شحيحاً وإن كانت طبائعنا الحقيقية ليست نبيلة بل نخرية وطاعونية؟

لقد أخرجنا أنفسنا من الأرض ورغم ذلك ندعي الحق بالحملقة في جشعنا ولا مسؤوليتنا عبر فلتر الأدب المنعش.

تمتاز القصص في “أسخن” بإلحاح الملاذ الأخير وأسى الرثاء ولكنها تمنع ذلك التناقض. فهي تواجه حقائق التغيّر المناخي التي لا يمكن إستيعابها وتحاول تغييرها بلطف.

تبدأ المجموعة في المستقبل القريب وتسير قدماً إلى الأمام بترتيب زمني. وترسم أول قصتين “كيف ينتهي العالم” The Way the World Ends لولتر و”بوكا راتون” Boca Raton لغروف تطهرنا “قبل” و”ما قبل”: أنظمة المناخ الثائرة-” ثلج زيتي دوار” في وسط ميسيسبي وطفحات من الأعاصير-ولكن آثارها ذابلة بالمقارنة مع ما سيأتي من فزع. (والكوارث المشار إليها في بعض القصص ما هي إلا خلفية لما يليها وكأنها تتكشف “الآن” و”قريباً” و “بعد” في انحدار مستمر ووحيد: إنقراض قيد التطور بلا عجل.)

وفي مساهمة والتر تعتزم عالمة في جيولوجيا المياه في أواخر الثلاثينات من عمرها تجميد بيوضاتها بكل بلاهة عندما “يعتقد كل علماء المناخ الشرعيين أن العالم على حافة الإنهيار الذي لا يمكن تعديله”.

وفي قصة غروف، توبّخ أم نفسها لإنجابها طفلة “غلطة كبرى إقترفتها جراء الوحدة. الغباء الأناني المحض الذي أفضى إلى إنجاب طفل مع بداية نهاية العالم كما عرفه البشر.”

يستجمع كلا الكاتبين شعوراً باليأس والإحباط المدمر وتقديراً مكروباً لجمال الحياة كما هي والذي ثبت أنه لا ينفصم عن جمالية الكذبة بأن الحياة سوف تمتد إلى الأبد. ويجب أن يتخلى المرء عن مثل ذلك الجمال-ويجب أن يمتنع الناس عن إنجاب الأطفال- ولكن اللذة المهدئة للعالم تمنعه. وبعد العاصفة في قصة والتر يلاحظ طالب “النقاء والغنى وكيف أن الهواء مشبع بالرطوبة والألوان-والسماء بيضاء مزرقة رقيقة مثل شيء مغفور له.”

وما مساهمة غروف ووالتر سوى لقطات خاطفة لوضعنا الحاضر. أما الحكايا التالية في “أسخن” فهي تدفع القارئ للغوص أكثر في “خلال” و”بعد” التغيّر المناخي ومآل المجتمع المضطرب أكثر وتوجه هالة المجموعة الواقعية الأدبية نحو التخيّل. تستحضر أعمال جيسي كيليرمان وايدان ليبوكي وسونيا لارسون وطأة الحرارة والإرتعاش المستميت لفتح المجمدة في المتجر.(“أخبرني والدي أن الجو كان يميل إلى البرودة قبل الشفق…أظنك تستطيع استخدام كلمة قشعريرة”).

وفي بعض الإقتصادات حلّت المياه محل النقد في التعاملات وطيف شجرة وحيدة متألقة وقاعات صفوف حيث يحن المدرسون من الجيل الأكبر سناً إلى ما افتقدوه ويدرسون المسؤولية البيئية والتنشيط لطلاب فقراء كالتراب.

و”تفكر” القصص في التفاصيل. (ماذا سيفعل المليارديرات؟ يبدأون بتشكيل مستعمرة فضائية). و”تشعر” عبر نسج عاطفية معينة وتطلب منا التعاطف مع الأجيال التي نشتمها الآن عبر الهدوء. (في مقال رأي لمجلة تايم تساءل ميشيل اليكسندر ما إذا كان الأميركيون سيتعاملون مع أزمة المناخ بشكل مختلف لو أنهم آمنوا بالتقمص).

يتوقع العديد من الكتاب حدوث فجوات ديموغرافية عميقة حيث ينظر الفتيان القساة إلى الكبار بمرارة وتحير وإزدراء. (ويتم التنبؤ بذلك في قصة جروف حيث تقف الرضيعة “في وسط الغرفة تمص أصبعها وتحدق بوالدتها بعينين حانقتين.) . لقد تضاءلت رتب من يعيش برفاهية إلى حد كبير. وفي حكاية لارسون لونغ ايلاند تبدو فكرة إمتلاك معطفاً من الفرو مثيرة للضحك: من أين يأتي الحيوان؟ومن أين ستأتي النقود؟ومن أين يأتي الطقس البارد؟

تأخذ مداخلة كيليرمان “الراصد” Controller شكل تجربة حيث يكون المناخ هو المتغير المستقل. وتتكشف القصة ذاتها ثلاثة مرات في نفس اليوم من كانون الثاني – يناير ولكن عند درجات حرارة مختلفة. ويحور المنحدر البارع التفاصيل إلى درجة ما إن كان كلب حياً أو ميتاً ويحدد حدة غضب الشخصيات وامتعاضها. (“لقد تغير الهواء لم يعد موجة ملطفة بل صاماً للآذان ومترعاً بالغضب… وقد يجيرها وفق رغبته”).

كما أن آليات القصة تلمح إلى سبب وحيد قد يجعل التغيّر المناخي موضوعاً أدبياً بشكل مخادع. نستعير الطبيعة بلا نهاية ونحول ظواهرها إلى إنعكاس لذواتنا. وتبدو هذه العملية بلا وعي كمثل ترجمة الأوكسجين إلى ثاني أوكسيد الكربون ومن الصعب التطفل على معنى السماء والأرض وخوض المعارك البيئية بتعابيرها الخاصة. وبالنسبة لغروف (محيطها مخلوق غريب “يمضغ بقتامة على الرمال” وهو ما ينافي الإدراك البشري ويفهم أنه موت أو شح) ويردد فشلنا المعرفي فشل العمل والإستجابة ويمتلك وزن الفشل الروحي. “علمت أنها لن تستطيع إنقاذ إبنتها وأنه لا مجال للإنقاذ”، تكتب غروف وتستعير من طوائف يوم الآزفة. “ستترك وحيدة بين المحبطين.”

تثير القصص في “أسخن” تساؤلاً حول وجود شاعرية ما في التغيّر المناخي. تطلب الأزمة مثل عنف الأسلحة النارية نوعاً من التعبير الأدبي يرفعه من المعرفة الفكرية ويحط به في أعماق أجساد القراء. تضم الروايات المتعلقة بالقتل الجماعي سخرية سوداء وتنشر المعنى عبر التكرار ونبرة خافتة أو مسطحة. كما أن الأعمال في هذه المجموعة تبدو أقل تناسقاً من حيث الأسلوب أو المزاج ولكنها تنشغل على نحو متماثل بمجموعة مشتركة من التحديات وجسامة ومجاهيل التحولات الوشيكة وسورياليتها البادية للعيان وكيف يمكن للكاتب أو القارئ أن يرسم الطريق ما بين الأمل واليأس.

(“ما نسمع من الكبار عن عدم حضور بابا نويل شيء”) هذا ما يفكر به طالب جامعي في حكاية والتر.” ولكن أن تسمع بمن يقول لن يكون هناك مستقبل؟ هذا شيء آخر”) . يعرض والتر تشجيعاً على هيئة طالب يقترح: “يجب أن لا تيأس حتى تفعل كل ما تستطيع”. ويبدو أن غروف تجابه كل ما نستطيع فعله لا يكفي. وبالمجمل تفصل المجموعة فراغاً بين هذين القطبين حيث يتغير معنى “يكفي” مثل الجليد الذائب.

ربما بعد أن تموت الفيلة والحيتان كلها يمك التنبؤ بغرق هونغ كونغ. وربما تكفي لرؤية الثلج. تتقلص “يكفي” مع تطور القصص إلى المقدرة على المشي خارجاً وإلى طبق من الآيسكريم بالنعناع وإلى”الزيت الطافي على السطح” لبحيرة ملوثة وتشكل “أقواس قزح تدوم بعيداً في دوائر رقيقة.”

ولا مسؤولية هذه الـ”يكفي” لا تفاجئنا بأي حال. لطالما احتفى الأدب بإضطرام الجمال في الظروف المجدبة وتؤازرنا مع أصداء مرونتنا الذاتية. ولا تستطيع قصة غروف الإبتعاد كثيراً عن الفن. وبدلاً من ذلك تنجز رقة متجهمة جامحة مثل لوحة إل غريكو. أن تقرأ “أسخن” يعني أن تتذكر أن الكثير من الناس لطفاء ومهتمين وأن ترى لهثات حياتنا الأخيرة على الأرض ممزوجة بمعاني تراجيدية. ولكن قد يتساءل المرء عما إذا كان الأدب يستطيع قص حكاية مختلفة حيث يكتسح وباءً ذكياً الكوكب ويدمر ذاته في خضم تلك العملية. ومثل تلك الحكاية –غير القابلة للقص وغير البشرية- هي خط مقارب ولكن قصة جين سمايلي “طرف الهضبة” تقترب إليه أكثر من البقية. وبطلة سمايلي مجرد فرس تصادق أحد أواخر البشر المتبقين على قيد الحياة في موئل للخيل محاطاً بأرض قاحلة.

وتلك صديقة المراهقة مهمة وفاشلة. ويبدو أنها تخطط للمستقبل وتشعر بالتعاطف ولكنها تختفي خلال الشتاء ويتم العثور عليها في الربيع وقد بليت رقبتها. تكتب سمايلي: “كان العشب خفيفاً ولكنه مخضر وثمة قليل من النباتات العطرية تتناثر هنا وهناك.” وتتهيأ الفرس هاي نوت لوضع مهرة. الكائن البشري ملقى أسفل الهضبة. تلقي هاي نوت عليها نظرة وتمضي في طريقها.”

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

المصدر : ذا نيويوركر نقلاً عن الميادين نت

Optimized by Optimole