حرب قادمة في كشمير؟ الخطر يتعدى جنوبي آسيا

حرب قادمة في كشمير؟ الخطر يتعدى جنوبي آسيا
Spread the love

بقلم: حسن منيمنة | بعد الفوز الساحق لحزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي المحافظ في الانتخابات النيابية الأخيرة في عموم الهند، يسعى ناريندرا مودي، زعيم الحزب ورئيس الوزراء، إلى صيغة حلّ للمسألة الكشميرية والتي شكلت على مدى العقود الماضية أزمة مزمنة للبلاد.

خطوات مودي تأتي في سياق إعادة اصطفاف مرتقبة في منطقة جنوبي آسيا، مع إعادة تأهيل مرجحة لباكستان لدى واشنطن، لدورها الحالي والمستقبلي في أفغانستان، والتي تحاول الولايات المتحدة إنهاء الحرب فيها وإن بالقبول بدور لم يتّضح بعد لجماعة طالبان، برعاية باكستانية منتظرة.

أي أن خطوة مودي بشأن كشمير، رغم أنها موعودة في برامج حزبه الانتخابي، لا يمكن إدراجها حصرا في إطار السياسة الداخلية للهند، رغم حدة المشاعر التي تثيرها عند جانبي الصراع.

خطوة مودي الشعبوية هذه قد تشكل الضربة القاضية للهند العلمانية المترنحة للتوّ
تعود المسألة الكشميرية إلى عام 1947، والذي شهد تقسيم الهند التاريخية، مع نهاية الاستعمار البريطاني، وقيام دولتي الهند الحالية وباكستان. والقاعدة التي اتبعتها السلطات البريطانية في إعدادها للتقسيم هو الأكثريات السكانية في كل من المقاطعات والولايات والمحميات في الهند التاريخية. فحيث كانت الأكثرية مسلمة، جرى اعتبار ضم الكيان السياسي إلى باكستان. وفي حالة كشمير، الأكثرية كانت مسلمة بالفعل، غير أن الأسرة الحاكمة في المقاطعة كانت هندوسية، وتمكّن أميرها من المناورة للبقاء ضمن الهند، وذلك على الرغم من استيلاء باكستان على الجزء الأقل كثافة سكانية من المقاطعة.

وفي حين أن كشمير كانت السبب المباشر باندلاع عدد من المواجهات العسكرية، وبالتأزيم المتواصل للعلاقات بين الهند وباكستان، فإن معطيات الأزمة الكشميرية لم تتبدل على مدى العقود الماضية. الهند كانت قد وافقت على حكم ذاتي للولاية يحافظ على خصوصيتها، مع بقاء القوات الاتحادية فيها، والحراك الشعبي في كشمير، المطالب بإنهاء الحكم الهندي استمر بين مدّ وجزر، بأساليب سلمية وعنفية، وفق الظروف الداخلية والخارجية للولاية.

واقع الأمر أنه لا بد من النظر إلى القضية الكشميرية لا على أنها حصرا صراع بين الهند وباكستان، كما يصوّرها كل من الجانبين، ولكن على أنها أيضا بل أولا، مسألة وعي وطني وقومي كشميري، حيث أن الناشطين الكشميريين، وإن برز منهم في الإعلام الإسلاميون والجهاديون المدعومون باكستانيا، صفّهم الأول هم دعاة تأكيد الهوية الكشميرية وتحقيق مقتضاها من حيث حق تقرير المصير والاستقلال.

الطرح الباكستاني هو القائل بأن كشمير المسلمة بغالب سكانها كان يجب أن تكون من حصة باكستان وأن الهند قد احتفظت بها عنوة وبالخديعة، وعليه الاعتراض. فيما المنطق الهندي، إلى أمس قريب، كان بأنه لن تقسّم الهند باسم الدين مرّتين، وأن الهند، الوطن الجامع لكافة مواطنيه، قد ظلمت يوم حقق الانفصاليون المسلمون اقتطاعهم لأراضيها ويوم دفعوا باتجاه تبادل مجحف للسكان، فهي لن ترضى بتكرار الظلم في كشمير، بل سوف تدافع عن حق جميع أهلها بالوحدة.

في كشمير، وفي باكستان، وفي أوساط عدة خارج الهند، كانت ثمة شكوك بشأن صدق الطرح الهندي القديم هذا، وجاء الطرح الجديد لحزب “بهاراتيا جاناتا” ليثبت صحة هذه الشكوك.

فالعقيدة التي يعتنقها هذا الحزب وينادي بها ويطبقها هي “الهندوتڤا”، أي أصالة الهندوسية في الهند وطروء ما عداها، ووجوب إعلائها واجتثاث خلافها. هي قراءة تسطيحية قائمة على إجحافات متراكمة، وعلى دعوة صريحة لتشتيت الحضور الإسلامي (والمسيحي) في الهند. أما بشأن كشمير نفسها، فقراءة الهندوتڤا، وحزب بهارتيا جاناتا، ونارندرا مودي نفسه وإن بحدّة خطابية أقل، فهي أن هذه الولاية هي وقف هندوسي، تشهد عليه المعابد والصروح المنتشرة في عموم الولاية، والمسلمون الكشميريون، وإن كانوا الأكثرية، حدث طارئ، إما أن يرتدوا إلى هويتهم الأولى، أو أن يرحلوا، أو أن يبقوا (مؤقتا) في ديارهم على صغور.

الحلّ الذي يسعى مودي إلى تطبيقه في كشمير ابتدأ بإلغائه للحكم الذاتي للولاية، وما نص عليه التوافق السابق من حق حكومتها بتحديد من يسكنها بصفة دائمة من سائر مواطني الهند. فمع إخضاع كشمير للحكم المباشر للسلطات الاتحادية، يمسي المجال متاحا لهجرة وافدة هندوسية، سكانية ومالية إلى الولاية، ما من شأنه حتما أن يبدّل من تركيبتها ويفقد المسلمين الأكثرية بعد حين، لينهي احتمال الانفصال من أساسه.

خطوة مودي الشعبوية هذه قد تشكل الضربة القاضية للهند العلمانية المترنحة للتوّ، بعد أن استقر حزب يجاهر بفئويته في مواقع حكمها.

رغم انفصال باكستان، بقيت في الهند كتلة سكانية مسلمة ضخمة (تزيد عن مجموع سكان الشمال الأفريقي، من مصر إلى المغرب، مجتمعة)، مأزومة في هويتها، بين من يتحدث في وسطها، متفائلا ربما، عن “هنود مسلمين”، وبين من ينحو إلى واقعية تقدم الصفة الدينية، لتكون الإشارة إلى “مسلمين هنود”، وصولا إلى المتشائم الذي يقتصر على ذكر “المسلمين في الهند”.

مسألة دمج المسلمين في الهوية الوطنية الهندية قد تراجعت مع التبدل في مضمون هذه الهوية بعيدا عن الحداثة العلمانية، ومع طرح الهندوتڤا الداعي إلى التخلي الطوعي كما القسري عن الصفة الإسلامية. وإذا كانت الخطوات في المرحلة السابقة قد تراوحت من “استعادة” لمعابد مفترضة من خلال الاستيلاء على مساجد، إلى خفض اعتبار الحقبة السلطانية الرئيسية في تاريخ البلاد، أي حكم “المُغل” الذي وحّد الهند سياسيا، في المقررات الدراسية، ووسمها بأنها مرحلة “المحنة والنضال”، فإن المضمون الواضح كان دوما أن المسلم هو “العدو في رحابنا”.

سياسة مودي إزاء كشمير تنتقل بهذه القراءة المسقِطة لما يزيد عن ثمن السكان في البلاد من النظري إلى العملي، ونتيجتها الأكيدة هي رفع مستوى التوتر في كشمير، ودفع الحراك الكشميري إلى أحضان الجهاديين، مع ما يستتبع ذلك من مضاعفة للاستقطاب الفئوي داخل الهند وتحفيز للاستقواء الهندوسي.

على أن الخطر يتعدى الداخل الهندي. فمنذ الاستقلال والانفصال، استنزفت كل من الهند وباكستان طاقاتها للجهوزية الحربية وصولا إلى التسلح النووي. السؤال العرضي هنا هو تصور ما كانت الهند التاريخية الموحدة لتكون عليه اليوم لو أن التقسيم لم يحدث ولو أنها سارت باتجاه الدولة المدنية الواحدة المنتجة، بدلا من التأهب المحكوم بالريبة وبمهالك الانزلاق إلى حرب قاتلة مدمرة جديدة.

نتيجة سياسة مودي هي دفع الحراك الكشميري إلى أحضان الجهاديين
وأن تعاود الهند وباكستان ما أقدمتا عليه خلال العقود الماضية من مقتلات كبيرة أو صغيرة عديمة الجدوى والنتائج خلا الألم والأذى لضحايا هم أرقام وحسب في تناطح العنفوانات الوطنية، ليس الخطر الوحيد الأكيد الناتج عن مسعى مودي إلى شفاء صدور أتباعه. بل إن الشكر موصول من عموم المتشددين والجهاديين في أرجاء العالم، بعد فتور همة حواضنهم لما حققوه لها من خراب ودمار، إذ يعيد ضخ الدماء في عروقها، مانحا الحركة الجهادية العالمية وجبة جديدة من الحق الذي يراد به الباطل: كشمير مظلومة، ولا يجوز السكوت عن الظلم اللاحق بها.

ثمة مسؤولية للولايات المتحدة هنا. ليس وحسب لأنها القوة العظمى القادرة دون غيرها على ضبط الطيش بين الهند وباكستان، ولكن لأن رئيسها، من خلال كلام منفلت حول طلب لم يحدث من رئيس الوزراء الهندي لوساطة، بما يستنزف لهذا الزعيم هيبته، قد ساهم بدفعه، وهو الحريص أمام جمهوره على المحافظة على مظهر القوة، إلى وضع سياسة كان من المفترض أن تكون دعائية وحسب، موضع التنفيذ الفعلي.

الاعتبارات الآنية قد تكون بالفعل شخصية، جاءت لترجح الحسابات المحكومة بالدوافع السياسية والخلفيات المبدئية. ولكن الثمن ضخم، والتصدي لقضية كشمير قبل فوات الأوان حاجة عالمية قد لا يكون ثمة من لها.

المصدر: الحرة

Optimized by Optimole