دور الانحرافات الدينية في نشأة الإرهاب

دور الانحرافات الدينية في نشأة الإرهاب
Spread the love

بقلم ساعود جمال ساعود — من المألوف عند القرّاء أن يلتمسوا كتابات المفكرين والأكاديميين حول دور الدين في مكافحة الإرهاب أو بما في معناه دور النسق الديني للمجتمع في مكافحة الإرهاب ، ولكن من غير المألوف أن نرى كتابات تسلط الضوء على دور الدين في نشأة الإرهاب ونموه واستفحاله، ولا أدري ما السبب في ذلك، فالكثير من أسباب نمو الإرهاب دينية وتعليمية وتربوية.

إنّ نمو الإرهاب والتطرّف الديني؛ أثَّر ويؤثّر على الاستقرار العام، وينعكس سلباً على التنمية والتقدّم، كما إنّه يظهر الدين بوصفه إيديولوجيا لشحن العقل بأفكار القتل والترهيب دون رادع ديني أو أخلاقي أو إنساني، والواقع عكس ذلك، وما يثير قريحتنا أن الدين الإسلام هو المتهم والمستهدف، ومما ساعد على ذلك كثر المدعين للإسلام زوراً وبهتاناً في حين أن المسلمين الحقيقيين الذين يمثّلون الوجه الحقيقي للإسلام يواجهون حروباً عالمية لطمس حضورهم على الساحة الفكرية والسياسية سواء، والغلبة في هذا للأئمة الكفر، فالسعودية وقطر وتركيا أمثلة صارخة.

يعود السبب في ذلك إلى أن المتطرّف قد تستَّر وراء الدين لتبرير أفعاله، وبالعودة إلى تاريخ نشوء هذه الظاهرة يتبيّن أن لها جذورها عبر التاريخ، إذ دائماً كانت تقوم جماعات بممارسة العنف ظناً منها أنها بذلك تحاول تغيير الواقع انطلاقاً من رفضها للصيغ السياسية القائمة أو لأنماط العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السائدة، وتفاقمت هذه الظاهرة بشكل لافت للنظر خلال الربع الأخير من القرن العشرين نتيجة نشوء جملة من التطوّرات أهمها:

أولاً: تجذّر القُطرية وأصبح لكل دولة هويتها وسيادتها وتطلعاتها.

ثانياً: الإخفاق الذريع الذي مُنيت به النظريات الماركسية ثم اللينينية – الماركسية التي عجزت عن تأسيس مجتمعات اشتراكية.

ثالثاً: فشل نظام الاقتصاد الحر في تلبية مطامح الدول النامية وانعكاس ذلك سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين.

ومن منطلق تناحر الايديولوجيات القائم كفلسفة على أساس البراء والولاء، فقد كانت كل ايديولوجيا تكفر ماعداها وتصوّر نفسها الأفضل والأنسب، لتتعرّى الايديولوجيا كمفهوم يعرّف عندنا زوراً وبهتاناً بأنه مجموعة أراء وتصورات وافكار وفلسفات ….الخ؛ في حين أن الحقيقة التي كشفها (التاريخ+ والواقع+ الايديولوجيات القديمة وتجاربها) هي أن الايديولوجيا فكرة آحادية تكفّر ما عداها، وعلى هذا الأساس لا غيره كما أرى؛ قام البعض بالترويج للإسلام باعتباره النظرية العالمية البديلة القادرة على تقديم الحلول الناجعة والناجحة للمجتمعات كافّة بالنظر لما تشمل تعاليمه من تشريعات تنظّم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبما يكفل للفرد كما للجماعة حقوقهم كافة ويحدّد لهم كل واجباتهم، ولقد كثرت وتعدَّدت الحركات التي تتبنى هذا الطرح منطلقة في ذلك من “التبريرات” الآتية التي هي في الحقيقة أسباب نشأة الإرهاب:

1- الوضع الاقتصادي المتردّي لقطاعات كبيرة من المواطنين الذين بالكاد يستطيعون توفير لقمة عيشهم أو عيش أولادهم.

2- ارتفاع نسبة البطالة حيث يتعذر معها على الأجيال الناشئة إيجاد العمل المناسب.

5- ابتعاد الناس شيئاً فشيئاً عن دينهم وتعاليمه وتشريعاته.

6- كثرة الأنظمة العلمانية المنافسة للشريعة الإسلامية، والتي تملك مضامين تؤهلها لذلك، لكن العلة في أتباعها، إذا أغلبهم همج رعاع تباع كل ناعق ببغائيون بامتياز، ولعلة أخرى في مفكري الإسلام الذين تغلب على كتاباتهم وخطاباتهم الفكرية سمة الحيرة وعدم الثقة بالمادة الإسلامية الخام والخلط بينها وبين ممارسات الأفراد التي لا تخدم سوى مصالحهم وغرائزهم.

حوّلت الحركات الأصولية من هذه المسببات إلى تبريرات وشعارات لإثبات وجودها ولكسب المناصرين لها ، واستخدمت القوة لاصطدامها رغم امتلاك الإسلام في مضامينه حلولاً للأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن الحركات الأصولية تستّرت بالإسلام لتبرير أفعالها وتصرفاتها الإرهابية، ودأبت على إيجاد التفسيرات التي تخدمها معتمدة في ذلك على تأويل آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بما يخدم أغراضها الضيقة، فحرفوها عن تفسيرها الصحيح، وخالفوا بذلك نهج النبي وآله والطاهرين من صحبه، وكانت الطامة الكبرى في تاريخ الإسلام والعرب الحديث والمعاصر أن لقيت دعوات الحركات الأصولية المدّعية للإسلام أصداء بين بعض الفئات المجتمعية نتيجة العديد من نقاط الضعف التي أصابت بنية المجتمع العربي الإسلامي، ومنها الخلل التربوي والتفكّك الأسري، الاتجاهات الرافضة، والمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية التقليدية، والتي فتحت المجال أمام نقاط ضعف أخرى خارجية.

الخلل التربوي: يفيد الكثير من الباحثين المختصين بالشؤون الإسلامية أن الإسلام الأكثر تداولاً هو ما يسمى بالإسلام الشعبي الذي يمثّل الجزء الخفي أو الباطني والذي لا يقاومه أي تعاليم اخرى من أي جهة كانت، إذ هو الأساس وما دونه باطل معد للاستهلاك الفكري، والذي ينتقل بالتواتر بين أفراد المجتمعات العربية الإسلامية الذين لا يكلّفون أنفسهم عناء البحث والتمحيص والقراءة والمطالعة أو لأن مقدراتهم الثقافية لا تسمح لهم بذلك فيكتفون بالاقتناع بما تجتمع لديهم من معلومات وتفسيرات وتشريعات لا يشكّكون بصدقيتها ويسندونها إلى الإسلام ، كما يعملون على توريثها لبعض من يعيش في بيئتهم من أولاد وأحفاد وغيرهم. وإذا ما دخل في هذا الوسط أي متفقّه في شؤون الدين فإنه قادر بسهولة على الإقناع بما يريده. فينشأ من جرّاء ذلك في هذا الوسط فهماً خاص للإسلام قد يتناقض في كثير من الحالات مع التعاليم الصحيحة للدين الحنيف. وهذا الوسط يملك قدرة هائلة على التعصّب الأعمى وعلى الانجراف إلى أي عمل إرهابي ظناً من أفراده أنهم يخدمون بذلك الإسلام ويتقرّبون، لذلك أرى أنّ الإرهابي صريع جهله وعجزه عن المواجهة الفكرية حصراً.

وإذا ما أحصينا أعداد الأميين المنتشرين في عالمنا العربي والإسلامي، والمحدودية الثقافية والمعتقد الديني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فإن النتيجة ستكون لمصلحة شيوع الدين الشعبي أكثر من دين الإسلام الحقيقي يضاف إلى ذلك المناهج الدينية المعتمدة في مدارس العديد من الدول الإسلامية التي تحرص على تحفيظ التلميذ لديها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية دون شرح لما لذلك من أبعاد علمية واجتماعية واقتصادية وسياسية بل بالتركيز فقط على نص الدرس وعلى تفسيره الحرفي، والنتيجة تولّد محدودية في الوعي الديني لأن التلميذ يتحوّل إلى ببغاء يردّد الدرس ويحفظه لضمان نجاحه في الامتحانات، وليس لفهمه وهضمه واستيعاب أبعاده، وهنا أيضاً من السهل على أي متفقّه ذو أهداف سياسية خبيثة أو ضد الأمن والمجتمع والإنسانية؛ أن يخترق هذا الوسط وأن يوصل الأفكار التي يريدها ووفق الخلفية التي تخدمه وتخدم أغراضه ومآربه، ك أبو بكر البغدادي الذي استخدم الدين للتنويم المغناطيس في قطيع من معدومي العقل للتخريب في سورية، والذي كشفت تقارير استخباراتية غربية أنه أحد عملاء الموساد الإسرائيلي.

وهناك مشكلة أخرى مسؤول عنها بعض المثقفين الذين يتوجهون بكتاباتهم وطروحاتهم إلى النخبة متعالين بذلك عن تثقيف العامة الأمر الذي يحرمهم من فرصة الاطلاع والمعرفة، وهذا أمر مازلنا نعانيه، ولا صحة لتقارية محو الأمية في ظل انعدام الوعي لنسبة 50% من شعبً من الشعوب، فغالبية السوريين لحقوا بركب التكفير وساعدوا الغريب ضد دولتهم، فهل نقول عن هذا الشعب شعب واعي تربوياً أو ثقافياً أو فكرياً؟! لا بالتأكيد.

وهناك مشكلة الغزو الثقافي المتأتية من الغرب الأقوى والأكثر استغلالاً لقيمة الثقافة في غزو العقول تمهيداً لغزو عسكري، والدليل ثقافة امريكا بالشرق الأوسط فتحت الطريق أمام شبكات ودول موالية لها في الشرق الأوسط، تلاها غزو عسكري واستخباراتي وغيره. فضلاً عن التأثير في العادات والتقاليد والتعاليم العربية الإسلامية، إذ تؤثر إلى حد كبير في النمو الثقافي لدى الأجيال الصاعدة التي هي اليوم فريسة سلهة غير محصنّة، بحيث ينجرف قسم معها ويبتعدون عن واقعهم ويرفضها قسم من موقع المتعصّب لثقافته، ويعقلنها البعض الآخر بحيث يأخذ منها ما يفيده ويبتعد عن كل ما يساهم في تغريبه فكرياً وحضارياً وثقافياً.

ينجم أيضاً الخلل التربوي عن التفكّك الأسري، وعن ضعف سيطرة الوالدين على الأبناء وعن لا وعي الأهل. ويرى بعض المختصين أن الحل في إيجاد حاجات الشباب الارشادية من ناحية التوعية والحرية الفكرية داخل إطار ثابت من المعايير، وباستخدام أسلوب تفكير سليم، وكذلك التركيز على بناء مجتمعي متماسك عبر تكوين الثقة في المؤسسات الاجتماعية وفي مقدمتها الأسرة وهذا كفيل بأن يؤدي في النهاية إلى انحسار هذه الموجة بين الشباب.

الاتجاهات الرافضة: والمقصود بها الاتجاهات الرافضة للخضوع للقوانين والأنظمة الناظمة لجوانب الحياة بحيث أن بعضها يعبّر عن رفضه لها عبر اللجوء إلى الإرهاب والتمرّد على الواقع، وإتباع الممنوع والإعجاب بالرأي الذاتي. وهذه الاتجاهات تتأطَّر ضمن حركات وتنظيمات ذات هرمية سلطوية ويتم شحن نفوس أعضائها بطروحات أيديولوجية تطرح نفسها بديلة عن طروحات سلطات الدول، وعن دساتيرها وقوانينها، والمنتمون لهذا التيار قد يكونون من المتعصبين دينياً أو من الراغبين بالتمرّد على السلطة أو الذين يفتشون عن مواقع لهم أو من المصابين بالإحباط والعجز عن التكيّف مع الواقع أو من الذين يحبّون الظهور والرغبة في مخالفة الآخرين، ونستثني في هذا السياق حركات التحرّر الوطني التي ترفع شعار إنقاذ الوطن من الوصاية أو الهيمنة أو الاستعمار أو الاحتلال ،حيث تتسم أيديولوجيات هذه الحركات هي أيديولوجيات تعليمية مسالمة تؤمن بالحوار وبالنقد الإيجابي وتعترف بالآخر.

بخصوص المشاكل الاقتصادية: يرى جوزيف غولدبرغ أن محور ظاهرة التطرف هو العدوان وقابليته للتبرير، كما أن له علاقة بالعوامل الموقفية مثل انتماء الفرد إلى جماعة ذات اتجاهات معينة أو أفكار عقائدية خاصة، أو التعرّض لظروف عدوانية أو مظاهر الإحباط الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي، ويقول د.عزت سيد إسماعيل في كتابه (سيكولوجيا الإرهاب وجرائم العنف) ما نصه: (وفي الواقع، فإن اهتمامنا بعملية (غسيل المخ) إنما ينبع أساساً- في رأينا- من أن الكثيرين يمارسون صور الإرهاب المختلفة، قد خضعوا لعمليات غسيل المخ بحيث أصبحوا مدفوعين في سلوكهم بدوافع عنيفة شرسة أملتها عليهم تلك المؤثرات الانفعالية الهائلة التي خضعوا لها، وأدَّت بهم إلى التوحّد برموزهم، فأصبحت تعاليم وأهداف الجماعة هي الغاية العظمى التي يسعى المرء إلى تحقيقها، أياً كانت طرائق تحقيق تلك التعاليم والأهداف، وعلى هذا الأساس فإن الدارسين للشؤون الدينية يستغلون الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليبنوا وفقها نظرياتهم ويدعموا طروحاتهم التي هي في فحواها نقد للواقع ورفض له مع الحرص دائماً على طرح البديل على أن يكون البديل ذا ثوب إسلامي لكي يلقى استقطاباً من الجماعات التي تعتبر نفسها متضررة من الواقع المعاش.

تستمد الحركات الإسلامية بعض عناصر تكوّنها من طبيعة الثقافة المسيطرة في المجتمعات العربية الإسلامية، وهي ثقافة يغلب عليها الطابع التقليدي وتحكمها المعايير الدينية سواءً على مستوى القيم الفردية أو الجماعية، وفي هذا المحيط الثقافي يبرز الخطاب الذي تقدّمه الحركات الإسلامية. ولا ترجع هذه الفعالية إلى المهارة التنظيمية لهذه الحركات، بقدر ما ترجع إلى طبيعة البيئة الثقافية التقليدية التي تتجاوب مع الخطاب، أي الحاضنة الثقافية للمجتمع أو شريحة اجتماعية بعينها، ولهذا فليس ضرورياً دائماً أن تقدّم تلك الحركات برامج سياسية واجتماعية تعبّر عن ثقافة سائدة وتستغل أفكاراً ومفاصل معينة فيها تفسّرها تفسيراً يتلاءم مع غاياتها ووسائلها وتوظّفها من أجل تلك الغايات وتسويغ وسائل العنف.

وبتوظيف ما سبق من أفكار وتوصيفات بنيوية وتصوير حالات سائدة، نصل لمرحلة استخراج الدواء من العقرب، حيث إن مواجهة الطروحات السياسية الأصولية تكمن في نشر ثقافة سياسية تساهم في توعية المواطنين توعيةً مبرمجة تربوياً وتقنياً ومركّزة بدقة، وهذا مالا يشاهد بالواقع، وفي إتاحة المجال لهم لمناقشة قضاياهم المساهمة في معالجة معاناتهم باعتبارهم المعنيين الأساسيين، لكي لا يلجؤوا إلى التعبير عن امتعاضهم بطرق غير مشروعة وأقلها عبر الانتماء إلى تنظيمات أصولية تملك كل مقوّمات استغلالهم.

والطامة الكبرى بنظري هي ما يعتري البنية الثقافية من مواطن خلل والتي تتطلب التحرّك العاجل من ممثلي النسق الثقافي والاجتماعي لمعالجة المشاكل الاجتماعية التقليدية، والتي تتطلب جهوداً ضخمة منسّقة متوازنة مع بقية أنساق المجتمع لأي دولة كانت، ومن قبيل هذه المشاكل عدم الانضباط الأخلاقي والفساد والرشوة والتسيّب والإدمان على المخدرات والمنكرات، والتأثّر بأفلام العنف وشيوع الجهل والأمية، فهذه العوامل هي أسباب كافية لشيوع التطرّف عبر الانتماء إلى الجماعات التي تتستّر بالدين التي يجيد قادتها تقديم أنفسهم على أنهم مصلحون اجتماعيون هدفهم إنقاذ بلادهم مما تغرق فيه. والمعلوم أن الحركات الأصولية في الدول العربية والإسلامية في الوقت الراهن هي حركات اجتماعية سياسية ذات أهداف خبيثة بامتياز وليست حركات دينية كما قد يوحي بذلك الحرص الذي تُبديه على إثبات انتمائها، ونسبتها إلى الإسلام عبر الأسماء التي تطلقها على نفسها، ومواجهة هذه الأوضاع تتطلّب بحسب آراء الباحثين المختصّين الانتباه إلى ثلاث قضايا هي: أولاً: الطريقة التي يتم بها اكتساب السلوك، ثانياً: العوامل التي تحفّز على قيامه، ثالثاً: الظروف التي تساند أداء هذا السلوك، وأنا أتفق معهم.

وإن كانت للصحافة نصيبها من الكلام بهذا الموضوع، فإن للتخصصات الأكاديمية كذلك، ولكن؟! ماذا سنترك لمن يتقصّى الحقيقة في وسطٍ أكاديمي وإعلامي تحكمه الآراء العبثية التي قوامها: (حرب الأنا)، فكل يقول أنا. أنا. أنا. وسبحان من قال أنا، إضافة إلى التقلبات الشخصية وكلُّ يفسر حسب خلفيته الإيديولوجية ولا أحد يذكر الحقيقة وذلك لسببين: إمّا خوفاً أو جحداً، والحقيقة أن الإرهاب نشأ مع كل قانون نبوي لم يطبق كما أمر الرسول عليه وآله الصلاة والسلام في العصر النبوي، حيث كان إرهاباً مخفياً ، ولكن بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، كانت النشأة العلنية للإرهاب والتي اتخذت صوراً متعددة منها: قول الرسول(ًص): أول ثلمة في الإسلام مخالفة علي؛ صاحب الحق بالخلافة، وهذا ليس موضوع خلاف ولن يكون، ولكن الخروج عمّا أمر به الرسول (ص) وخروج ما نطق به الصحابة عنه من بعدهم كان أسباب لمعارك وخلافات دموية بداية بالكتلة القريشية وانطلاقاً لما عداها ؛ حيث أسست هذه الحقبة الأساس الدموي والانحراف العقائدي الذي أُنسب زوراً وبهتاناً للدين الإسلامي وللمسلمين الذي ما ولا شذّوا عن النهج الحقيقي للإسلام ولا خالفوا ما أمر به الرسول وآله وأصحابه المطيعين الطاهرين، ومن هنا نشأ الإرهاب، والخلافات تحولت بالتواتر والانتقال من جيل إلى جيل إلى موروث تقافي وفكري وعقائدي(ولا أضع علامات تنصيص لأنّها الحقيقة)، وعلى أساسه جاءت المواقف والأحداث، ومن الطبيعي جداً أن يستغلها العدو الخارجي لضرب الأمن والاستقرار الداخلي “للمسلمين”.

بالنهاية؛ اليوم هناك إسلام ولا يوجد مسلمين باستثناء من يأخذ على عاتقه إحقاق الحق وزهق الباطل كما جاء به الإنسان، والعقل، والعلم الديني ممثّلاً بالرسول المعظّم الكريم، والقرآن الكريم.

اليوم: هناك فراغ فكري سببه توترات تمس وجود الإنسان، فيهرب من الواقع لعوالم افتراضية ممثلة بالغيبات التي لا تشبه غيبيات الرب الجليل سبحانه ولا ما جاء به الرسل وكتبهم، والسبب عدم وجود المجال أو النطاق لتفريغ الطاقات، وهذا خطر على السوي قبل الشاذ وخطرٌ على العاقل قبل المتطرّف، وخطرٌ على المسلم الحقيقي قبل المسلم المزيف؛ فالمسلم الحقيق لا يحلل ولا يحرم كما يحلو له.

إذاً ما لحل بنظري: الحل يكمن بالدرجة الأولى بأساليب التربية والتعليم المعتَمدة التي يجب أن تكون قادرة على إنشاء توعية جماعية تشكّل رادعاً أمام انتشار العنف والإرهاب، والتربية والتعليم أساسهما العلم الذي لا يمكن فصله عن الدين والعمل بما أمر الدين، الإلتزام بصون النص الديني من التفسيرات المحجّمة له، بهذا الصدد أجد لدى المفكر الإسلامي محمد جواد مغنية ما يقارب فكرتي، إذ يقول: (إن العلم والدين موصولان بالعمل. أي فكر أو قول لا يهدي إلى خير، ولا ينطوي على نتيجة عملية، ولا يسأل الله عنه غداً، فما هو من العلم والدين في شيء (…) وكل قول وإدراك وعمل صادف الواقع فهو حق وصدق سواء أكان عن علم، أم احتياط، أو عن تقليد، أو لا ذا ولا ذاك)، والعلم كما قال الشيخ محمد عبده (ضوء يهدي إلى الخير في الاعتقاد والعمل).

*باحث سوري.

المقالة تعبّر عن رأي كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.

Optimized by Optimole